الخميس، 11 فبراير 2021

حوار الشاعرة سامية بن أحمد مع القاصة والدكتورة ربيعة برباق من الأوراس مقيمة بمدينة تبسة/الجزائر

 حوار مع القاصة والدكتورة ربيعة برباق من الأوراس مقيمة بمدينة تبسة/الجزائر

حاورتها: سامية بن أحمد
س1/بإيجاز نريد أن نتعرف عن القاصة والإنسانة ربيعة برباق ومن أين كانت البداية في كتابة القصة؟ ولمن كانت تقرأ؟ وماهي طقوس الكتابة لديك؟
ج1/ بعض البدايات غير واضحة، وبعضها غير متوقع، وبعضها ممتد إلى النهاية التي تعيدنا إلى نقطة البداية لنحاول من جديد.
لا أعلم هل ولدتُ أنا مع القصة أم أن القصة هي التي ولدت معي، ولكني أعلم جيدا أن التكنولوجيا الحديثة جعلتني أكتبها لأصدقاء افتراضيين من أهل الأدب والنقد ومن غيرهم تفاعلوا معي وأحبوا أسلوبي ونصحوني بالكتابة القصصية.
لم أكن راضية جدا على كتاباتي فمعظمها وليد لحظتها منشورة بعفويتها. وليس لدي طقوس خاصة في الكتابة، عادة ما تقفز الفكرة إلى ذهني فإن صادفت الهاتف الذكي بين يدي قيدتها وإن لم تجد ضاعت كغيرها من كثير الأفكار الضائعة والأحلام المنسية.
سأخبرك بشيء، أكره الورق، ولا أحسن تنظيمه أوراقي دائما مبعثرة، والكتابة على الورق تحب التنظيم، قليل مما كتبت ورسمت على الورق ضاع،
ولم أكن اقرأ خارج اختصاصي العلمي ولم يكن لدي ميول واضح للأدب عدا النصوص التي تفرض علي نفسها بتميزها من أشعار الكبار كالمتنبي ونزار قباني، وفقرات من قواعد العشق الأربعون ونوادر روائع الأدب العالمي والعربي. نادرا ما أكمل قراءة كتاب.
س2/ أنت كأستاذة في التعليم العالي مارأيك بالتعليم الإلكتروني في ظل جائحة كورونا؟ ماهي الإيجابيات والسلبيات؟
ج2/ الدول المتطورة قائمة على استراتيجيات تضع المستقبل وتوقعاته بعين الاعتبار وتخطط للمدى البعيد، اهتمت بالتعليم الإلكتروني منذ عقود ووصلت بها إلى مراحل متطورة من التعميم، ذهنية المعلم والمتعلم في هذه الدول تربت على ثقافة الاستثمار الفعال والمنتج للتكنولوجيا في المؤسسات والمنازل على السواء، لذلك لن يكن إغلاق المؤسسات التعليمية والجامعية في فترة جائحة كورونا ذا أثر كبير على منظوماتها التعليمية ومؤسساتها العلمية .
أما الدول النامية والعالم الثالث فأظن أنها بين أمرين:
الأول هو استغلال هذه الأزمة فرصة لفرض وتعميم التعليم الإلكتروني للحاق بركب الدول المتطورة في استخدام هذا النمط من التعليم الذي لا تخفى على أحد إيجابياته المتعلقة بسرعة الحصول على المعلومة واتساع مجالات المعرفة ومصادرها المتنوعة، بالإضافة إلى دورها في اختزال الوقت والجهد على المعلم والمتعلم على السواء.
والأمر الثاني وهو الذي أخشى أنه الأقرب إلى واقعنا الحالي ويظهر عجز دولنا في التعاامل مع الوضع، إذ لم تكن مستعدة لهذا النمط من التعليم الذي يحتاج بنى تحتية جاهزة ومتينة، وذهنية مهيئة مسبقا، هذا الأمر الذي أدخل المؤسسات التربوية والجامعات في شبه شلل تام، لأسباب عدة منها: ضعف التجهيزات التكنولوجية الإلكترونية في المؤسسات، وغيابها شبه التام في بيوت المتعلمين خصوصا في الأرياف التي تنعدم فيها أبسط وسائل التواصل الالكتروني وهي شبكة الإنترنت. وقد لمست من امتحانات هذا العام أن الطلبة في جامعتنا لم يهتموا بالأمر كثيرا بل عد أغلبهم التعليم عن بعد بمثابة عطلة للراحة، وعاد إلى الجامعات بأذهان خالية كأن لم يدرس شيئا، رغم جهود بعض الأساتذة في وضع الدروس في مواقع إلكترونية مخصصة لذلك، بالإضافة سوء التعامل الواضح مع الوضع من طرف المصالح المعنية بتسيير الأزمة.
س3/ ماهي أهم مواضيع مجموعتك القصصية الموسومة "شيفرة على شيفرة "؟وكيف اخترت هذا العنوان؟
ج3/ مجموعتي القصصية الأولى، التي جمعت فيها قصصي المتفرقة في موضوعات مختلفة بين أدب النقد السياسي، اخترت لها شخصية جحا وجاءت في قالب فكاهي هادف، وأخرى في الأدب الرمزي الرومانسي، والاجتماعي والإنساني. كنت أبحث عن شيء مشترك بين هذه المختلفات، فوجدت أن معظمها تتفق في أسلوبها القائم على الإيحاء والترميز الفني، فكانت رمزية الأدب فوق رمزية اللغة تشكل نصوصا قصصية مشفرة. وهكذا جاءت فكرة العنوان: " شيفرة على شيفرة".
س4/ إلى جانب كتابتك للقصة أيضا تكتبين النثر والمقال ، ايهم يشدك للكتابة فيه أكثر؟ ولماذا؟
ج4/ يختلف المقال في طبيعته عن النثر الفني لما يتميز به الأول من صرامة منهجية ودقة لغوية وموضوعية علمية ونقاش فكري قائم على الحجة والإقناع. لذلك فهو جزء من حياتي البحثية العلمية والمهنية التعليمية، وصورة عن مواقفي من أحداث وقضايا بعينها وتوجهاتي الفكرية. أما النثر الفني فأعده متنفسا إبداعيا جماليا ينطلق من الذات الشاعرة يعكس ذوقي وخيالي الفني ورؤيتي الجمالية للأشياء. يأتي على شكل ومضات أو قصائد نثرية تتحكم فيها دفقات شعورية آنية يتم القبض عليها في لحظات فجائية. وكل من النوعين المقال والنثر الفني يمثل جانبا مهما من شخصيتي الكاتبة.
س5/انت كدكتورة أكاديمية مارأيك بالنقد الأدبي بالجزائر ؟ وهل يمكن أن يكون شاعرا ناقدا؟
ج5/ صحيح أنا لسانية التخصص وقد يعتقد البعض خطأ أن لا علاقة للسانيات بالنقد، ولكن المتتبع لمناهج النقد المختلفة يجدها تمتد أو تعود إلى نظريات لسانية تستند بل ان النقد الأدبي يمكن عده من أهم مجالات اللسانيات التطبيقية، الأمر الذي يجهله كثير ممن تخصص في النقد أو اللسانيات في الجزائر نتيجة للقطيعة التي أحدثت بينهما وبين الأدب. مما أنتج ناقدا أكاديميا في أغلبه يحفظ المقولات النقدية ويرددها ولكنه يعجز عن نقد النصوص نقدا متكاملا مكملا للإبداع، فجاءت معظم النقود عقيمة تتوقف عند حدود الوصف والتحليل وسرد النقائص المبنية في غالبها على الذوق والمعرفة اللغوية الصرفة. ونادرا ما تتعمق في أسرار الجمالية وصور الخلل في الإبداع. وعطفا على ذلك تبقى حبيسة الرفوف في المؤسسات ولا تخرج إلى المبدع ليستفيد منها.
إلا فيما ندر.
لذلك بقي رهان الإبداع عند المبدع نفسه الذي لا يمكن أن يحقق التميز إلا إذا تضافرت في ذهنية عمليتا الإبداع والنقد الذاتي الأمر الذي يتحلى به المبدع الموهوب المطلع الذي يعد نفسه أول قارئ مثقف مطلع يخضع نصوصه لغربال الذات قبل غربال الآخر. وهذا في رأيي هو المبدع القادر على تحقيق التميز.
س6/شاركت الدكتورة ربيعة برباق في الملتقى الوطني الأول بجامعة مستغانم بمداخلة بعنوان "إشكالية الكتابة بين القراءة والتأويل" هل ممكن أن تعطينا لمحة عن هذه المداخلة؟
ج6/ كان ذلك منذ أكثر من عشر سنوات على ما أذكر شاركت بمداخلة حول: الدلالات الهامشية وقراءة النص المترجم، تحدثت فيها عن مشكلات الترجمة المتعلقة بصعوبة نقل المعاني الهامشية والدلالات الإيحائية: الصوتية والصرفية والمجازية وغيرها أثناء ترجمة النصوص الأدبية، مما يفقدها الكثير من مزاياها الفنية المتعلقة بالذوق الذي يرتبط بثقافة المبدع والقارئ من جهة وبخصائص اللغة الأصل واللغة المترجم إليها من جهة أخرى. مما يجعل كثيرا من هذه الدلالات تضيع او تفقد أثناء الترجمة، فيصير مترجم الأدب أمام فعل إبداعي بالدرجة الأولى، مجبر على البحث عن أو خلق صور فنية مقابلة في اللغة الأخرى. ومثلت لذلك بكثير من النماذج أذكر منها عيون المها التي يتخذها الشعراء العرب رمزا للجمال وصورة فنية راقية في شعر الغزل. في حين يختلف الذوق وتختلف الثقافة في الأمازيغية ويعد هذا التشبيه قبيحا بل وضربا من ضروب الهجاء. حين توصف عيون امرأة بقولنا: "أقاين أفوناس". وغيرها من الأمثلة التي احتوتها المداخلة.
س7/ جذبني عنوان ديوانك في شعر النثر كنت أعلنت عليه الكاتبة ربيعة من قبل الموسوم" سلة الذهب من غلة الأدب "
عن ماذا يحكي بإيجاز؟
ج7/ "سلة الذهب من غلة الأدب"
عنوان كتيب في النثر الفني بشكل جديد، لم يكتمل بعد، نشرت بعض المقتطفات منه في صفحتي الخاصة فنالت اعجاب القراء، وأخبرني بعضهم أنه أسلوب جديد في الكتابة وخاص بي. يعيد صياغة المفاهيم بطريقة فنية جميلة ومختلفة. كأن أقول:
الشوق: هو غلاية قهوة منسية على قلب مشتعل، فاضت فاحرقت الأخشاء.
أو أقول:العدالة: هي أن ترفع قضية ضد أصابعك وليس ضد الرياح التي خطفت من يدك الوردة وأنت لك تكن تمسك بها بما يكفي. وقد عرض علي عن الإخوة نشره، ولكني تعطلت عن اكماله بسبب انشغالاتي البحثية والعملية. أتمنى أن أجد الوقت الكافي لاستكماله ونشره.
س8/ مارأيك بترجمة النص الأصلي من اللغة العربية إلى ترجمة أجنبية ؟ هل يتغير النص أو يبقى كما هو ؟ على ذكر الترجمة ، هل ممكن تدرجي لنا قصتك المترجمة؟
ج8/ أعتقد أن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية لا تختلف عن الترجمة من تلك اللغات إلى اللغة العربية، وتطرح المشكلات نفسها التي تتعلق بترجمة النصوص الأدبية الفنية، خاصة تلك التي تحمل شحنات دلالية وتنجح إلى الرمز والخيال والإيحاء، لذلك انا شخصيا أرى أن ترجمة الأدب أقرب إلى الشرح بلغة أخرى منه من المفهوم الدقيق للترجمة التي تعني البحث عن المعادل الموضوعي في اللغة المقابلة، ففي الأدب كثيرا ما تفتقر اللغات إلى هذا المعادل خصوصا تلك التي تقوم على الكنايات والاستعارات ومختلف المجازات والإحصاءات... لذلك فإن ترجمة النصوص المباشرة تكون أكثر سهولة ويسرا. وربما هذا ما جعل إقبال المترجمين على قصتي "صم بكم" التي ترجمت الى عدة لغات عالمية، على خلاف القصص الأخرى.
قصة بعنوان : صم بكم
استفاقت على صوت بائع الخضر المتجول، تذكرتْ: آه، لم يعد هناك ما أعده للغداء.
نهضت بسرعة، دون أن تغسل وجهها، رمت بخمارها على رأسها وأسرعت نحو الباب.
آه نسيتُ النقود، أين المحفظة؟! ها هي هنا ؟!
أخذتها في يدها، دفعت الباب وراءها، نزلت درج العمارة مسرعة، تذكرت أن الجيران في هذا الوقت نيام، والعمارة من الكارتون، يمكنك أن تستشعر ما يحدث داخل الشقق المغلقة. كل صرخة كل أنة كل أف، كل شيء مكشوف من جدرانها المرهفة الحس.
انتبهت لحذائها المزعج، رفعت مؤخرة رجليها، ونزلت في هيئة لص.
في الدرج تعاقبت مع شاب غريب، لم تره من قبل، شيء مريب في ملامحه، رمى ببصره إلى يدها.
هذا الشاب ينوي على شيء، هو ينظر إلى محفظة النقود في يدي، لا شك أنه لص، فقد كثر اللصوص هذه الأيام، قالت في نفسها وهي ترقبه بمحيط نظرها.
تباطأت خطواته وهو يصعد السلم، توقف، استدار، شيء ما في جيب سرواله الخلفي، كأنه ينوي اللحاق بي.
تملكها الرعب، أسرعت في خطوها، وما إن خرجت من العمارة حتى انطلقت كأرنب مرعوب من مخالب صقر، ودون أن تفكر دخلت العمارة المقابلة، أين أفضل الجيران يستغرق وقتا كافيا كي تشبع موتا حتى يفتح الباب.
ما كادت تدخل حتى لمح طرفا من جلبابها، سار وراءها، كانت تصعد السلم، وصوت أنفاسها يتضخم في أذنيها من تسارع دورتها الدموية، نبض قلبها مثل طبل يدق ناقوس الخطر، وبكلتا يديها صارت تضرب باب الجيران، تكاد تكسره.
افتحوا الباب، افتحوا، افتحوا...
كان الزمن قد توقف، لا أحد يفتح، كأنهم صم بكم، استسلمت لقدرها، ظنت أنها النهاية.
كان الشاب واقفا وراءها وبيده مفاتيح بيتها، يشير إليها بحركات يديه، ويخبرها بلغة الإشارة، يا خالة هذه المفاتيح لك، وقعت منك في السلالم.
وحده الفهد الوردي الذي علقته في حامل المفاتيح، جعلها تستوعب ما حدث.
كان المسكين أصمَّ أبكمَ، لم يدرك ما أحدثه من صخب بداخلها، ولم يسمع ما أحدثته هي من ضجيج وفوضى في العمارة.
بيدها المرتجفة تناولت مفاتيحها، فقدت ركبتاها القدرة على حمل جسمها، فنزلت أرضا تحاول استرجاع توازن نبضها، وتفكيرها، وقد غادر الشاب البريء بكل هدوء.
أخيرا فتح أحد الجيران بابه ليطمئن.
ما خطبك أختاه؟!
بعد أن متُّ وعدتُ إلى الحياة، شكرا، لا شيء، عذرا على الازعاج.
خرجت وكان البائع المتجول قد غادر الحي وأهله موتى.
بقلم القاصة الدكتورة ربيعة برباق
س9/هل مدينة تبسة الثقافية كرمت القاصة الدكتورة ربيعة برباق في مشوارها الإبداعي ككاتبة؟
ج9/ ... كرمني منذ أكثر من عام بيت الشعر لمدينة تبسة، بمبادرة طيبة مشكورة من رئيسه الأستاذ محمد الأخضر جويني، احتفاء بإصداري الأدبي القصصي الأول، بحضور مدير الثقافة وجمع من الأصدقاء الأساتذة وبعض الجمعيات. وتضمن التكريم: قراءات في مجموعتي القصصية من طرف دكاترة زملاء وأساتذة منهم الدكتورة جنات زراد، والأستاذ الروائي والناقد السوري بمداخلة عن بعد على المباشر من تركيا.
س10/ ماذا تختار لنا القاصة الدكتورة ربيعة برباق قصة قصيرة من المجموعة القصصية شيفرة على شيفرة ؟
ج10/ سأختار لكم من مجموعتي القصصية "شيفرة على شيفرة" قصة قصيرة بعنوان "جنية" في قصة قصيرة بعض معانيها خفية.
قصة بعنوان// جنية
قال: أعذريني سيدتي أنا رجل عادي، تعلم ألا يثق في النساء.
قالت: وأنا مثلك، لا أثق في النساء، لكني لست كبقية النساء، فقد تعلمت كيف أخلط دمعتي بابتسامة لأصنع من حياة الرجل قالب حلوى في عيد ميلاد، عندما أشتهيه أقطعه بالسكين وأضع القطعة الأولى في فمه بكل حِنِّية.
قال: اذن: أنت تصنعينه تم تقطعينه ثم تطعمينه الحلاوة من دمه، أنت فعلا جِنية.
قالت: الحب يا سيدي وصفة سحرية، ليس طقوسا دينية ولا قاعدة علمية.
س11/ما هي الحكمة أو المقولة التي تؤمن بها الكاتبة ربيعة برباق في مشوارها؟
ج11/ أؤمن بكثير من الحكم والمقولات، وعندي مقولة خاصة أرددها دائما وأومن بها جدا وهي:
على قدر طيب النوايا يجزل الله العطايا.
س12/هل من كلمة أخيرة تودين قولها؟
ج12/وفي الأخير لك مني أستاذة سامية بن أحمد أسمى عبارات الشكر والامتنان والتقدير لما تبذلينه من جهود لتنشبط المشهد الثقافي في الجزائر والوطن العربي بصفة عامة. باسماع صوت المثقفين والمبدعين والتعريف بهم. فبوركت وبوركت جهودك.
****
الحوار تحت اشراف واعداد الشاعرة سامية بن أحمد
من الأوراس الجزائر
بتاريخ //11فيفري 2021

















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق