بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
((( شاعر يحرس المرمى ٠٠!! )))
مع رحلة الوجدان ٠٠
لا أتذكر نفسي إلا مع كرة القدم ، أداعبها وتداعبني ٠٠
أجل مازال مسلسل رحيل الشعراء لا يتوقف حتى مع نهاية حصاد عام ٢٠٢٤ م يأبى أن ينصرم دون المساس بربة الشعر و الشعراء ٠٠ فقد توفى الشاعر محمود فايز محمود البشير ، عصر هذا اليوم الإثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٤ وسيتم تشييع جثمانه الطاهر من مسجد الشركس- بيادر وادي السير بعد صلاة الظهر من يوم الثلاثاء ٣١ ديسمبر ٢٠٢٤ م وسيوارى جثمانه الطاهر في مقبرة وادي السير ٠
فهو أحد رموز الشعب الفلسطيني الأوائل و من النجوم المهاجرين حارس مرمى الموظفين الشاعر محمود فايز بشير ، الذي داعب الكرة في حيفا يانعاً قبل تشرده سنة 1948 ، وتجوله في ملاعب جنين ، وبيت لحم ، والقدس ، وعمان ، والكويت ، وبيروت .. وحراسته مرمى منتخب النشامى في الستينات ، مسجلاً بصمات كروية بجانب الشعر في توأمة و ثنائية العشق مع تقدمه مع مراحل العمر الممتد الذي ناهز الخامسة و الثمانين ٠
أليس هو القائل عن العلم الفلسطيني :
( العلَمُ الفلسطينيُّ ومنزِلَتُهُ )
عَلَمٌ مَهيبٌ لونُهُ أبْهاهُ
أنْعِمْ بِمَنْ قدْ صاغَهُ وبَنَاهُ
(الأحمرُ) الأخَّاذُ ينطِقُ صادِحاً
أنَّ الشّهيدَ فَدَىٰ الحِمَىٰ بِدِماهُ
(الأسْوَدُ) التاريخُ يُخْفِي سِرَّهُ
ُيقْصِي (بنو العباسِ) من أفْشاهُ
ما كانَ (أبيَضَ) قد أسَرَّ طهارَةً
و(القُدسُ) تحفَظُ طاهراً (أقصاهُ)
يا حَظَّ (أخْضَرَ) رايةً تزهُو بهِ
خيرٌ وفيرٌ في الورىٰ معْناهُ
هذا المُقَدَّسُ تّفْتَديهِ دِماؤُنا
إنْ أَنَّ في حُمَّىٰ اللَّظَىٰ صُنّاهُ
هو رمزُنَا هو عِزُّنَا هوَ كُلُّنَا
سيظلُّ مرْفُوعاً ونحنُ فِداهُ ٠
و أيضا هذه الأبيات الي تتغنى بنجوم الكرة الفلسطينية ، حيث قال فيها :
غَنِّي فْلِسطينُ العزيزةُ وافرَحِي ... مِنْ لاعِبيكِ فقدْ ملَكْتِ جوابَا !
جابُوا المَلاعِبَ واعْتَلَتْ راياتُهُمْ ...ومضَوْا يحُوزونَ الجَزاءَ ثَوابَا !
في سَعْيِهِمْ كانوا يغُذُّونَ الخُطَىٰ .... للفوْزِ دَوْماً شرَّعُوا الأبوابَا !
مِنْهُمْ مَنِ اختارَ المسيرةَ هاوِيا ... مِنْهُمْ مَنِ احْتَرَفَ المَسارَ وجابَا !
ملَكُوا قلوبَ النَّاسِ واحتَلُّوا الذُّرَىٰ .. برزُوا وكانَ حُضورُهُمْ جذَّابَا !
مرْحَىٰ لِمَنْ أَحيَىٰ الرياضةَ لاعِباً ...مرْحَىٰ لِمَنْ خَطَّ المديحَ كِتابَا !
* نشأته :
======
ولد الشاعر و الرياضي و المعلم الفلسطيني محمود بشير في مدينة حيفا عام ١٩٣٨ م ٠
حصل على شهادة البكالوريوس تخصّص دراسات فلسفية واجتماعية من جامعة دمشق، وحصل على شهادة الدبلوم العالي في التربية من الجامعة الأردنية عام 1979.
عمل مدرسا ثم مديرا في عدة مدارس ومعاهد تتبع وكالة غوث اللاجئين في الأردن الشّقيق.
كما كان يمارس رياضة الجمباز، وقد أقام عدة مهرجانات لمدارس وكالة الغوث في عدة مدن فلسطينية قبل عام 1967، بالإضافة إلى أنه أتقن فن الخط العربي، مما جعله يعد كراسا بعنوان "الميسر في الخط العربي" للمرحلتين الابتدائية والإعدادية لسلطنة عمان في أواخر السّبعينات.
ليرحل عن عالمنا عصر يوم الإثنين الموافق ٣٠ / ١٢ / ٢٠٢٤ م ٠
مع نهاية هذا العام المشحون بالحوادث و القضايا التي باتت تؤرقه ٠
و من ثم تظل مسيرته مع رحلة العطاء مستمرة ، و تبدو جذوة الشعر بعد تفرغه من عمله ببلوغه سن التقاعد فراح يعانق وحي القصيد حتى تثنى له خروج ديوانه الشعري إلى النور تحت عنوان ( رحلة الوجدان ) الديوان الصادر عام 2022 عن دار الرّعاة للنشر والتوزيع في رام الله ٠
فجل قصائد شعره تحمل خطوط العشق و الرياضة و أوجاع و هموم الوطن الذي يحمله بين زفرات قلبه أنين وصدى الوجدان ٠
و هو معه في السفر و المنفى و غربة الذات و لا يكل و لا يمل برغم الشيخوخة التي التي لا تعرف لملامح وجه طريقا فدربه المحصن بنزعات الأمل كسائر الشعب الفلسطيني الذي يحلم بحلم العودة ٠
* مختارات من شعره :
----------------------------
و قد أفاض بشير عن غزة بشرا و شجرا و حجرا و شعرا فنقش كلماته بصدق و عفوية و لا سيما في تصوير مشاهد لنساء غزة ،
كما في قصيدته المشهورة تحت عنوان ( نِساءُ غَزَّةَ ) فيطوف بنا في رحلة الوجدان و المواقف قائلا :
طُوبَىٰ لِ(غَزّةَ) في النِّزالِ تُجيدُ
فَنِساؤُهَا عندَ المُصابِ حديدُ
طُوبَىٰ لَهُنَّ فَنَسْلُهُنَّ غضافِرٌ
إنْ رُزْتَهُنَّ فعزْمُهُنَّ شديدُ
هُنَّ الفَخارُ وهُنَّ رايةُ عِزِّنَا
ودعاؤُهُنَّ إذا رفَعْنَ حَميدُ
من نسْلِهِنَّ سنُنْقِذُ الأرضَ التي
سُلِبَتْ ويُبْقِي ذكرَهَا التّرْديدُ
يُظْهِرْنَ من خُلُقِ البَتُولِ نقَاوَةً
وكلامُهُنَّ إذا نَطَقْنَ سَديدُ
يجْعَلْنَ من مُرِّ البلاءِ حلاوَةً
يُطْعِمْنَ من شَهَرَ السِّلاحَ يُجيدُ
لا هَزْلَ يأْسِرُهُنَّ أو أمثالُهُ
إنْ هُنَّ ثُرْنَ يُروَّعُ الرِّعْدِيدُ
خَنْساؤُهُنَّ إذا انْتَفَضْنَ عزاؤُهَا
في البذْلِ تُرْبِي رِبْحَهَا فيَزيدُ
شرَفٌ إذا نالَ الشَّهادَةَ شِبْلُهَا
شرَفٌ لها أَنْ نالَهَا التّمجيدُ
ويْلٌ لأشْباحِ الظّلامِ إذا دَنَتْ
ويْلٌ لِ(نتْنَ) فمُنتَهاهُ قعيدُ
يا صَبْرَ (غزّةَ) والبلاءُ أصابَها
مهمَا اعْتَراهَا يبرُزُ الصِّنْديدُ
ويُطيحُ أركانَ الضَّلالِ يُزيلُهَا
وتفُوزُ(غزَّةُ)والعَدُوُّ يَبِيدُ
***
و يمضي بنا متذكرا رحيل زوجته ( نجية ) قائل في منعطف ديوانه في هذا اليوم2024/10/27 يكون قد مرَّ علىٰ رحيل زوجتي المرحومة "نجيّةاسماعيل درويش" ستة أشهر.
كانت نجمي الذي أستنير به.
قَدَرِي أُغالِبُ حُزْناً ظلَّ مُستَعِرَا
قدَرِي أُلاحِقُ طيْفاً قلّمَا ظهَرَا
طيْفاً لِخِلٍّ وفَىٰ دونَ الوَداعِ مضىٰ
لَمّا أتاهُ دُعاءُ الحَقِّ ما انْتَظَرَا
كمْ بِتُّ أرقبُ في الأحلامِ طلّتَهُ
إنْ قد أطَلَّ فقلْبِي يصطَلِي شَرَرَا
نِعْمَ اللّيالِي إذا ما الحُلْمُ واكَبَهَا
والطّيفُ أقْبلَ أنْواراً وما اسْتَتَرَا
أسعىٰ إليهِ ونارُ الشّوْقِ تأكلُنِي
إنْ قد دنَوْتُ تَوَارَىٰ وانْتَهَىٰ خبَرَا
وَحْدِي أنوءُ بآهاتٍ أرَدِّدُهَا
قلبِي كَسيرٌ فخِلِّي طَيْفُهُ انْحَسَرَا
كانتْ"نَجِيَّةُ"نَجمِي أستَنِيرُ بهِ
مُذْأنْ تَوارَتْ ألِفْتُ العَتْمَ والسَّهَرَا
والسُهْدُ طاغٍ وليلِي كلُّهُ أرَقٌ
والقلْبُ أعْتَمَ مُذْ أنْ خِلُّهُ هجَرَا
مَنْ لِي بِخِلٍّ إذا الآجالُ قدَّرَهَا
ربٌّ حكيمٌ لهُ الإذعانُ ما أمَرَا
ربَّاهُ إنِّي أُقَاسِي وَحْدَتِي ألَماً
ربَّاهُ هَوِّنْ فمَنْ يرجُوكَ ما خَسِرَا ٠
رحم الله الشاعر الإنسان محمود بشير الذي ساهم في رصد و توثيق صفحات من النضال الفلسطيني بشعره كي تظل صدى ذاكرة القضية بين الأجيال فقد جرب الكثير من المجالات و تصدرت الدائرة المستديرة الساحرة لعبة كرة القدم مراحل الصبا فكان نجما في التدريس و فنون الخط الجميل و الرياضة و الشعر ٠٠
سيظل في سجل الخالدين ٠