الجمعة، 29 أغسطس 2025

فصل البحار بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف ... تونس.

 ...  فصل البحار

واحدة من خصائص البحار التي اكتشفت مؤخّرًا وأعرب عنها في الآية القرآنيّة على النّحو التالي: 

((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن.))

إنّ خاصّيات البحار هذه ، التي تتلاقى دون أن تمتزج ، لم  تكتشف إلّا في الآونة الأخيرة من قِبَل علماء المحيطات. بسبب وجود قوّة فيزيائيّة تدعى "التّوتّر السّطحي" ، التي تجعل مياه البحار المجاورة لا تمتزج. نظرًا لاختلاف في الكثافة ، ويمنع "التّوتّر السّطحي" البحار من التّمازج (الاختلاط) ، كما لو أنّ جدارًا دقيقًا جِدًّا يفصل بينهما.

وما يثير الإعجاب هو أنّ في الوقت الذي لا توجد فيه أي معرفة بالفيزياء ، أو التّوتّر السّطحي أو علم المحيطات، ذكرت هذه الظّاهرة في القرآن الكريم.

(موجات كبيرة ، وتيّارات قويّة وحركة المدّ والجزر الموجودة في البحر الأبيض المتوسّط والمحيط الأطلسي. تدخل مياه البحر الأبيض المتوسّط إلى المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق. ولكنّ درجة حرارتها و ملوحتها وكثافتها لا تتغيّر بسبب الحاجز الذي يفصل بينهما.)

*الظلام وأمواج البحر الداخلية. 

((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) النور.))

إنّ الظّلام في أعماق البحار والمحيطات يبدأ من عمق حوالي 200 متر فأكثر. في مثل هذا العمق ،لا يتوفّر أي ضوء(أشعّة) تقريبا. وبداية من 1.000 م ، ينعدم الضّوء(الأشعّة) تمامًا.

ونحن نعرف اليوم ، المكوّنات العامّة للبحار ، وخصائص الكائنات الحيّة التي تعيش فيها، وملوحتها ، وأحجامها ،و مساحاتها وأعماقها، بفضل الغوّاصات البحريّة والمعدّات الخاصّة ، المتوفّرة من خلال التّكنولوجيا الحديثة ، والتي تسمح للعلماء بالحصول على هذه المعلومات.

الرّجال غير قادرين على الغوص أكثر من 70 مترًا بدون مساعدة  المعدّات الخاصّة. إنّهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة في أعماق المحيطات بدون مساعدة ،. ولهذه الأسباب ، توصّل العلماء ،مؤخّرًا، إلى اكتشاف معلومات مفصّلة عن البحار. 

ومن دون شك،إنّها واحدة من معجزات القرآن أنّ هذه المعلومات المقدمّة من القرآن الكريم في وقت لم تتوفّر أيّة معدّات للسّماح للرّجال بالغطس في أعماق المحيطات.

وبالإضافة إلى ذلك ،  التّعبير في الآية40 من سورة النّور: » أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) » يسترعي انتباهنا إلى معجزة أخرى من القرآن الكريم.

واكتشف العلماء حديثًا أن هناك موجات داخليّة  تشكّل على الكثافة البينيّة بين الطّبقات المختلفة من الكثافة. هذه الموجات الدّاخلية تغطّي المياه العميقة للبحار والمحيطات لأنّ عمق المياه كان واقعًا في كثافة أكبر من المياه الواقعة فوقه. وتعمل الموجات الدّاخلية مثل الموجات السّطحيّة. ويمكن أن  تتكسر ، مثل الموجات السّطحيّة. ولا يمكن ملاحظة الأمواج الدّاخلية بالعين البشريّة ولكن يمكن اكتشافها من خلال دراسة التّغيرات في درجات الحرارة أو الملوحة على مستوى معين.

إنّ بيانات القرآن في اتّفاق تامّ مع ما ورد أعلاه من شرح. والحقيقة أن البحوث التي أجريت مؤخرا تظهر مرّة أخرى على أنّ القرآن الكريم هو كلام الله.

حمدان حمّودة الوصيّف ... تونس. 

من كتابي : القرآن والعلوم الحديثة.



إضاءة العقل: دعوة لإحياء الفلسفة والعلوم الإنسانية في إعلامنا بقلم: د/ آمال بوحرب

 إضاءة العقل: دعوة لإحياء الفلسفة والعلوم الإنسانية في إعلامنا

بقلم: د/ آمال بوحرب

إلى الإخوة المسؤولين المحترمين في المجلات والصحف الثقافية والإعلامية، إننا نعيش في زمن تتقاذفه الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حيث تزداد الحاجة إلى بوصلة فكرية تعيد للعقل مكانته كأداة لفهم الواقع وتشكيل المستقبل لذلك أوجه إليكم دعوة ملحة لإيلاء الفلسفة والعلوم الإنسانية مثل التاريخ وعلم الاجتماع ما تستحقه من اهتمام بنفس القدر الذي تولونه للقصة والقصيدة فالأدب وحده لا يكتمل إلا بإسناده إلى الفكر والخيال لا يثمر ما لم يعانق أسئلة الفلسفة التي تكشف عن طبيعة الإنسان والمجتمع أو دروس التاريخ التي تعلمنا كيف نتجنب أخطاء الماضي أو تحليلات علم الاجتماع التي تفسر الديناميكيات الاجتماعية المعاصرة بالتالي يصبح الاهتمام بالعلوم الإنسانية ضرورة ملحة لتنوير عقولنا في واقع يعاني من السطحية الرقمية والاستهلاك السريع للمعلومات وهذا التنوير هو وفاء للعقل وللإنسانية جمعاء.

فالتاريخ يشهد على قوة الفلسفة والعلوم الإنسانية في إحداث تغيير جذري فعلى سبيل المثال في عصر التنوير الأوروبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ساهم مفكرون مثل جون لوك وديفيد هيوم وإيمانويل كانط في ترسيخ أفكار الحرية والحقوق الإنسانية والحكم الديمقراطي مما أدى إلى ثورات مثل الثورة الفرنسية عام 1789 التي أطاحت بالنظام الملكي المطلق وبنت أسس الحريات الحديثة كما ورد في عمل روسو “العقد الاجتماعي” الذي ألهم إعلان حقوق الإنسان والمواطن وفي السياق العربي خلال عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين كان طه حسين وقاسم أمين ومحمد عبده روادًا في استخدام الفلسفة والعلوم الإنسانية للتنوير ففي كتابه “في الشعر الجاهلي” دافع طه حسين عن حرية الفكر والعلم مما ساهم في إصلاح التعليم وحقوق المرأة في مصر والعالم العربي كما أن قاسم أمين في “تحرير المرأة” دعا إلى المساواة مستندًا إلى تحليل اجتماعي عميق أحدث تحولات اجتماعية كبرى علاوة على ذلك ساهم ابن رشد في العصور الوسطى بتفسيراته لأرسطو في نقل المعرفة اليونانية إلى أوروبا مما مهد للنهضة الأوروبية كما يظهر في عمله “فصل المقال” الذي دعا إلى التوفيق بين العقل والدين مما يبرز الوفاء للفكر كقوة محركة للتقدم.

ومن جهة أخرى يتجلى الوفاء كقيمة مركزية في الفلسفة والعلوم الإنسانية إذ يمثل التزام المفكر بقيمه وأفكاره رغم الصعوبات ففي حياة ديفيد هيوم الذي واجه الرفض من الأوساط الأكاديمية بسبب شكه الفلسفي نجد وفاءً للحقيقة العقلية كما في “بحث في الطبيعة البشرية” الذي أكد أن الأخلاق تنبع من العواطف لا العقل المجرد وهذا الوفاء للفكرة يتطلب تثبتًا وتحكمًا عاطفيًا أمام الانفعالات مما قد يجعل البعض يرون المفكرين شبه ملائكة لخروجهم عن المألوف وفي السياق العربي نجد طه حسين في “الأيام” يواجه التحديات الاجتماعية ليظل وفيًا لقيم الحرية والمعرفة مما يؤكد أن الصعوبات التي يمر بها المفكر هي مرحلة من تجربة الوفاء وهذا يعزز دعوتنا لإحياء الفلسفة في صفحاتكم لأنها تمنحنا أدوات فهم هذه التجارب.

لذلك فإن الاهتمام بالعلوم الإنسانية ليس ترفًا بل شرط ضروري لبناء مجتمع متماسك يعرف كيف يوازن بين جمال الكلمة وعمق الفكرة ففي زمن تسود فيه السطحية الرقمية والشعبوية يجب أن تكون صفحاتكم منابر للتنوير تعيد للفكر مكانته وتقاوم الظلامية بالتالي أدعوكم أيها الإخوة المسؤولون المحترمون مرة أخرى إلى جعل مجلاتكم وصحفكم أدوات للتقدم مستلهمين دروس التاريخ لنبني مستقبلًا ينير عقولنا ويحفظ وفاءنا للإنسانية.



الخميس، 28 أغسطس 2025

مقيّدة جزء 1 بقلم الكاتبة عائشة ساكري – تونس

 مقيّدة

جزء 1
بقلم عائشة ساكري – تونس
24 ماي 2025
بين الحين والحين،
أساطيرُ تراودني،
تُقيدني... تُكبّلني...
والأشواقُ تقتلني...
هدوئي، سكينتي،
أحلامُ الهوى، خواطري،
وقوافي الشعرِ تُداعبني،
غابَ كلُّ الكلامِ الذي كانَ يُؤنسني،
وذبلَ كلُّ شيءٍ في أعماقي...
أيا شمسي على التلالِ تلألئي،
وأطلقي شعاعكِ الذهبيَّ
على أوردتي، ولا تتواري،
ويا نجومي،
دَعي همساتِ السمارِ تُؤنسني،
طوفي وارجعي إلى مداري،
فأنا لي كوني، ولي فلكي،
فازهري في أعماقي
كحرفِ الشعرِ، واشتَعلي،
ولا تغربي لهجراني،
إن الهجرَ والرحيلَ
مستوطنانِ في العمق، ويهواني...
أنا اليومَ رفيقةُ درب،
وغدًا سوفَ تنساني...
بهاءُ نورِ الفجرِ والقمرِ يُطربني،
إنّي أرى طيوفًا مسترابةً في حلمي،
وأنا الجميلةُ، لأناقَتي وتعطّري،
فاحتلّ – إن شئت – قلبي...
بين الحينِ والحين،
واستوطن مرفئي، ولا تُقيّدني.
دعني أكون نسغَ الحلمِ في جذعِ انتظارك،
ولا تجعل من حبّي قيدًا لاحتضارك.
Peut être une illustration de 1 personne

مرارة الوقت بقلم الشاعر صادق الهمامي / تونس

 مرارة الوقت

**********
يؤرّقني التفكير
من أدناي إلى أقصاي
يأخذني بعيدا
إلى نوافذ أجهلها
أتجرّع مرارة الوقت
وجهي مليىء بالأسى
أمشي حذرا في مشيي
مشدوها من هول ما أرى ..
ههنا رمت بي الأقدار
بين حوافر واقع مقيت
أتعقّب آثار غد
يكتنفه غموض
رمقي لا يسدّه رغيف
جوعي أكبر منه ..
كمتشرّد أنا ..
خانني الكلّ ..
كلاجىء أنا ..
لا أرض له يقف عليها
ليشمّ رائحة الأوّلين
لا بيت له يأوي إليه
مهجّر من الشّمال إلى الجنوب
و من الجنوب إلى الشّمال
مطارد من الغرب
منبوذ من الشّرق
مشكوك في عروبته
مطعون في هويّته
مباح سفك دمه
آه يا ليلي الطّويل ..
بتّ تأنس ببروق السّماء
أضناك سواد العتمة
طال انتظارك لنور الصّباح ..
آه يا غربتي الموحشة ..
بين خيام أضاعت دفئها
فباتت الأغراب و الأعراب
تتاجر بأهازيج ماضيها ..
فتتهاوى الأجساد عطشا و جوعا
من حولها مفعمة بالكرامة
آه يا جرحي ..
القديم .. الجديد
نازف أنت و ممتدّ..!
من الخليج إلى المحيط
لم نساك صهيل الخيل ؟
آه يا شموخ النّخيل ..
أما كانت تشرئبّ لك الأعناق
تتوق لك الأنفس
أين رحل فرسانك ! ؟
آه .. آه ..
أتعبني عباب التّعب
و جند التّتار في زهوّ
يطمس التّاريخ ..
يصلب الرّجال ..
يغتصب الثكالى ..
قرب أسلاك الحصار
و الزّمن يعزف لحن الدمار
تموت فوق خرابه أجنّة الأمل
يدفئها الخلاء بائسة
يدثّرها الهزال عارية
لا مثوى أشيّعها إليه
فغاب الصّبر عن موكب
و غاب النّعاة و الأحبة
كلّهم طعنوا من الخلف
بحراب العروبة الصّدئة
* صادق الهمامي / تونس *
Peut être une image de 1 personne, sourire et arbre

ق ق ج " قمة الهاوية " بقلم: فاطمة حرفوش - سوريا

 ق ق ج

" قمة الهاوية "
بقلم: فاطمة حرفوش - سوريا
لسنواتٍ طويلة، جرى التحضير لهذه اللحظة.
ما كان يُحاك في الخفاء، أصبح يُعرض على الملأ، ولحظة الإعلان باتت وشيكة جداً.
التجهيزات اكتملت، والموعد صار أقرب مما يُظن.
أخيراً، اجتمعا: مجرمٌ ماكر وظلّه.
تُظلّلهما عباءةُ الغدر.
تصافحا وتعانقا، طبعت قبلةٌ على وجه الظل، فارتسمت نجمةٌ غريبة على جبينه، تسطع بلونها الأزرق الباهت.
لم يُعرف لأصلها سبيل.
أما الآخر، فاعتلى منصّة سلام، مبتسماً ابتسامة نصر، وأطلق حمامةً تحمل غصن زيتونٍ جاف، سرعان ما تحوّلت إلى غراب.
ثمّ فرد خريطةً لمملكته، صارت تكبر... يوماً بعد يوم.
في وطنِ الشمس، كانت سبعة أبواب عصيّة، ثم بدأت تتهاوى.
وانتشرت ألوف الغربان تنعق في سمائه.
على الأرصفة، تساقطت زهور الياسمين، تئن في صمتٍ موجع، تحت وطأة الأقدام الهمجية.
في صباح اليوم التالي، استفاق الناس،
وطنٌ مسجّى... يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لكن صوتاً يهمس من بعيد في أذن الريح،
يتردد صداه في الأفق:
نحن هنا... قادمون.
Peut être une image de 1 personne, sourire et bijoux


الأربعاء، 27 أغسطس 2025

حرب ضروس بقلم الكاتب : ماهر اللطيف

 حرب ضروس

بقلم: ماهر اللطيف
قُرعت طبول الحرب. اصطفّ الجنود استعدادًا للنزال. أُحضرت الآليات، صُفِّر في الطور، أُذِّن في المآذن، وهبّت التكبيرات تخترق هواء البلاد الملوّث. ارتقى الأئمة منابرهم، شحذوا الهمم، خطبوا كما لم يخطبوا من قبل، داعين الشعب للمضي قدمًا نحو نصرة الوطن.
نبضت القلوب بعنف، ارتجفت الأجساد، احمرّت الوجوه، تسارع الدم في العروق، وكثر ذكر الله. رُفعت الرايات، وأُعلن رسميًا عن بداية الحرب.
بسمل القائد الأعلى، تخلّى عن حيائه وخجله، مسح عرقه، أمر جنوده باتباعه بلا تردد ولا خوف. تقدّم بخطى واثقة، اجتاح الحدود، وأسقط كل من اعترض سبيله. معارك طاحنة دارت، تهاوت الأسوار، واحتلت المساحات تباعًا، حتى فتحت له الأبواب دون مقاومة.
وها هو الآن في قلب العاصمة، يحاصرها من كل الجهات، يشلّ حركتها، ويغلق منافذها، يقطع عنها الماء والهواء… ثم ولج القصر الملكي، باسماً، منتشياً، كأن النصر صار ملك يديه. ارتمى في أحضان الجالسة على سدة الحكم وقال:
أخيراً! أخيراً أنتِ لي يا مهجة الروح بعد حرب شعواء.
(والخجل يكسوها، بصوت خافت) من طلب العلا سهر الليالي… ما طاب العيش إلا أن ترى عجباً.
قاتلتُ كثيرًا لأجلك… لأبني قصة حب خالدة يستشهد بها كل عاشق.
(تضحك بدلال، ممسكة بيده) لم تُكمل الفتح بعد أيها الحبيب… ما زالت منطقة العقل عصيّة، صامدة، لم تستسلم لغزاة قبلك، ولن تستسلم بسهولة.
(يحدّق فيها بعزم) لا تخافي… سأنالها، طال الزمان أو قصر. لن تكوني لغيري. لن يفرّقنا إلا الموت، وإن كتب لنا القدر فلقاؤنا في الآخرة.
تبادل العاشقان مشاعر الودّ، خططا لتطويق هذا الحب وحمايته من أي غزو خارجي أو خيانة داخلية. لكن في خضمّ فرحته، تذكّر القائد كيف خان أنثى سبقت، وكيف بدّد حبّها الصادق بالكذب والخداع، حتى قطعت علاقتها به وتركته يلعق الهزيمة.
فهل يكون مخلصًا هذه المرّة؟ هل يحافظ على عهده، ويجعل من هذه الحرب ملحمة حبّ لا تُنسى؟ أم أنّ العقل سيبقى القلعة الأخيرة التي تعجز جيوشه عن اقتحامها؟
Peut être une image de ‎2 personnes et ‎texte qui dit ’‎حرب ضروس بقلم: ماهر اللطيف‎’‎‎

على هامش جدلية العلاقة بين الناقد والمبدع بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش جدلية العلاقة بين الناقد والمبدع

حتى يلتزم الناقد بالمعايير الأكاديمية والمهنية..بمنأى عن المحاباة والمجاملة ..!
مما لا شك فيه أن النقد ثروة للشِّعر والشعراء..ووقود التطوّر والتقدّم،وهو ضرورة مهمة لإبراز جماليات الإبداع،ومعالجة الأخطاء،ودائماً يشغل الشاعر وربما يتألم،ويصاب بالإحباط،ويشعر بالحسرة نتيجة إخفاقه في كتابة بعض النصوص..
لكن النقد الهادف يفتح مدارك الشاعر،ويستطيع من خلاله المضي قدماً في الاتجاه الصحيح، والمحافظة على موهبته.
ووجود الناقد الحقيقي للشِّعر من أهم العوامل التي تساهم في الشعور بقيمة النص الجمالية، وإزالة الضعف،وظهوره بالشكل المطلوب..
ونجد أن البعض من النقاد يكون قاسياً في نقده مما يتسبب في تحطيم بعض المواهب،والآخر منهم لا يملك مقومات الناقد الحقيقي،مجرد تطاولات تطلق في الاتجاه الخاطئ ولا تخدم الإبداع.
حينما نتحدث عن النقد الأدبي فنحن نتحدث عن تاريخ بدأ من العصر اليوناني واستمر إلى يومنا هذا..
فالنقد الصحيح هو أساس النجاح لأي عمل،ويوسع من أفكار الشاعر،والشِّعر والنقد هما خصمان يساعدان بعضهما للصعود إلى قمة النجاح،ويجب أن نفرق بين النقد والانتقاد فالنقد هو مشرط ناعم يحمله أديب له خبرة وأمانة أدبية،من جانب يشّرح القصيدة ويُظِهر جمالياتها ويبرزها بطريقة جذّابة لتكون مفصلة وواضحة المعاني للمتلقي،ومن جانب آخر يظهر العيوب والهفوات والضعف المصاحب لأي مقطوعة أدبية يتم نقدها.
ولكن..
مطالبة الناقد بالكتابة عن هذا المبدع..أو ذاك،في سياق المجاملات،يحول النقد من عملية تحليلية إلى واجب أو "خدمة". فإذا لم يكن الناقد منجذبًا بشكل طبيعي لعمل المبدع،فمن الصعب أن ينتج نصًا نقديًا عميقًا وصادقًا.فالنقد يحتاج إلى شغف وإعجاب أو حتى رفض قائم على فهم حقيقي.
وهذه قضية-في تقديري-مهمة تتعلق بأخلاقيات النقد الأدبي واستقلالية المبدع والناقد على حد سواء.فالالتزام بالمعايير الأكاديمية والمهنية أساس العملية النقدية برمتها،ذلك أن الناقد الجيد يختار مشاريعه بناء على معايير مثل الأهمية الفنية،الجدة،التعقيد،أو سياقها الثقافي والأدبي، وليس بناء على الضغوط الشخصية.والنضج الفني يعني الاعتراف بأن التقدير يجب أن يأتي بشكل عضوي من جودة العمل نفسه،وليس من الدعاية المُدارة.
من هنا،على للمؤسسات الثقافية أن تشجع على النقد الموضوعي والمستقل،وتخلق مساحات للحوار الصادق والبناء بعيدًا عن
المحسوبية،والمجاملة،والمحاباة.
على هذا الأساس،أؤكد أن النهوض بعملية النقد يستدعي من القائمين عليه دقة الملاحظة ومن ثم تليها خطوات أخرى من تفسير النص ومن ثم الحكم على القيمة.
وفي هذا السياق،لا أخفي مخاوفي من ظهور المجاملة والمحاباة والعلاقات الشخصية والمصالح الذاتية على الساحة النقدية..وهذا-في تقديري- يسهم في تضليل وظيفة النقد الحقيقية،في حين يجب أن تسود الثقة بين المبدع والناقد الذي يجب أن يكون أكثر اطلاعا لكي يستطيع الإحاطة بالمنجز الأدبي من خلال سعة معرفته أولا ومن ثم يأتي الذوق تاليا..
قلنا هذا بعد أن لاحظنا في السنوات القليلة الماضية انتشار الكتابات الصحفية السطحية التي تدعي النقد،وهي مقالات سريعة وعارضة،فيها من المحاباة قدر كبير،وفيها من النزوع إلى تصفية حسابات سابقة أو لاحقة ما يجعل الدارس حذرا مما يقف عليه من أحكام،إذ عادة ما يتجاوز التعريف بالأثر وإحلاله موقعه من المنجز الأدبي، إلى التشهير بصاحبه ووصمه بما ليس فيه. (على غرار ما أشار إليه بخصوص إحدى مقارباتي النقدية، “قلم مأجور”متخم برائحة النفط والدولار” من بلد شقيق،في محاولة يائسة،وبائسة لجري إلى مستنقع الرداءة الذي تمرس على غسل “أدرانه الكتابية” فيه..!) أو مدحه بما لا يستحق،لإعتبارات مزاجية ونفعية،وغالبا ما يكون الموقف من الأثر المنقود متسما بالاِنطباعية والاِرتجال.
وهنا،أبدي أسفي لطغيان الناقد الصحفي على الأدبي في الساحة الثقافية لأن الأول ينظر للنص نظرة وصفية بعيدة عن التحليل الحقيقي،فيما على الناقد أن يبحث في النص من دون النظر لصاحبه.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع : هل يمكن للإبداع أن يستمر ويرتقي ويصل للناس دونما نقد يقوم على التحليل والموضوعية،نقد له ركائز ودعائم وأدوات تبتعد كليّاً عن المجاملة والمحاباة وتبادل المصالح..وبالتالي يتحول (النقد) إلى أداة ترويج لمنتج رديء تنعكس آثاره على الفرد والمجتمع..!
في العقود الماضية،كنا نشهد حراكاً ثقافياً ممتعاً لا محاباة به ولا مجاملات،وهذا بتنا نفتقده مع انتشار الكتاب الإلكتروني،والنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وملتقيات و منابر تدّعي الاهتمام بالثقافة والأدب والنقد و…بمعنى آخر اختلط الحابل بالنابل،وازدحم المشهد الأدبي-الإبداعي حد التخمة بالغث والسمين..!
ومن خلال تخصصي في النقد الأدبي،ومتابعتي لما ينشر عبر تلك الملتقيات من قراءات وانطباعات نقدية،نجد أنها قراءات سطحيّة بعيدة عن أسلوب الناقد المتخصص،فغالباً ما تشمل هذه الانطباعات نصوصاً رديئة،سطحية يتم كيل المديح والثناء لأصحابها،دون ضوابط ومعايير أكاديمية دقيقة،تستجيب للمنهج النقدي الحديث،وهذه طامة كبرى تسببت في تدحرج -النقد-إلى مهاوي الرداءة والترجرج..
إذاً نحن أمام مشهدية مؤسفة يغيب فيها النقد الحقيقي لصالح المجاملات التي لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الإبداع،بل تسوق للضحالة،وتغلب بالتالي الفتق على الرتق..!
وخلاصة القول:العلاقة بين المبدع والناقد يجب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل لإستقلالية كل منهما.فالنقد الحقيقي هو حوار حر وطوعي بين العمل الإبداعي والقارئ المتخصص (الناقد). وأي محاولة لفرض هذا الحوار أو توجيهه تُفقده قيمته ومصداقيته وتضر بجميع الأطراف والمشهد الثقافي ككل.وإن كانت وظيفة النقد سبر أغوار النص الأدبي وتبيان مواطن الجمال وقوة البيان، أو الضعف في الأسلوب والمعالجة فإن الناقد والكاتب معنيان في هذه المسألة ويسعى كل واحد منهم لإظهار ما بجعبته من ألق،وجمال مع ضرورة أن يتقبل كل منهما وجهة نظر الآخر بعيداً عن التشنج أو الاصطفافات البعيدة عن دروب الأدب والإبداع.
ومن هنا،فإن النقد الأدبي هو الذي يروم الكشف عن مواطن الجمال ومكامن القبح،حيث يسلط الناقد نظرته الفاحصة،وذوقَه المرهفَ على الأثر الأدبي فيسبرَ أغوارَه ويحاول أن ينفُذ إلى عمق نفس الأديب ليستخرج خباياها،بما اكتسبه من ثقافة عميقة،وقوة حاذقة على التحليل والتفسير والموازنة والحكم المبرّأ من شوائب الهوى.
ويظل النقد الأدبي وليد معايشة وجدانية بالعمل الأدبي،وأنه نوع من الإبداع القائم على المعاناة، وأن عدة الناقد تكمن في البصيرة والأدوات المكتسبة،وأن الكتابة النقدية نوع من الاكتشاف الجديد.
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne, téléphone et lunettes

الموسيقى وتأثيرها على فطرة الإنسان: تجديد خطاب حضاري إنساني يحمل رسالة الإسلام بقلم الكاتبة: دنيا صاحب – العراق

 الموسيقى وتأثيرها على فطرة الإنسان: تجديد خطاب حضاري إنساني يحمل رسالة الإسلام

كتبت: دنيا صاحب – العراق


يمكن إعادة الفطرة الإنسانية السليمة للإنسان من خلال سماع الموسيقى، إذ إن لها أثرًا مباشرًا في كيمياء الروح؛ فهي ترمّم صندوق مشاعره، وتنمّي أحاسيسه، وتجمعها نحو الفكرة التي ينطلق منها الملحن والعازف. ومن هنا تبرز أهمية أن يُحسن الإنسان المثقف والواعي اختيار النمط الموسيقي في التأليف والعزف، سواء على الآلات الشرقية أو الغربية شريطة أن تحمل الألحان قيم حضارتنا الإسلامية ومبادئها الأخلاقية الرفيعة.


وحسب مفهومي عن الموسيقى: "المنقوص في الكلام لا يكتمل إلا بالألحان". فهي كيان شامل من ترددات طاقة المشاعر للمؤلف والعازف، تتجسد صورًا لحنية ملهمة للروح، وتؤثر في تفكير الإنسان بحسب ترددات موجاتها، لتصبح لغة رمزية في الوجود، حيث لا تكتمل لوحة الحياة الفنية إلا بعناصر تعزز من قيمة الإنسان في هذا العالم الرمزي.


إن وسائل التعبير لها ارتباط وثيق بمهجة روح الإنسان  خصوصًا ما يتجلى منها في ابتكار الفنون والغناء والعزف وحتى في الدوران الصوفي مع الكون، وتوظَّف في المواجيد والموشحات والإنشاد الديني والمواويل عند المتصوفة لتكون وسيلة لإعادة بناء مجتمع صحي وسليم، بعيدًا عن الأمراض النفسية التي تؤثر في الجسد والروح، والتي تنشأ غالبًا من التلوث بالأيديولوجيات والعقائد الفاسدة التي لا أصل لها في كتاب الله القرآن الكريم، ولم يُنزِل الله بها من سلطان فهو العلم الإلهي الشامل لنظام الكون .

ومن منظور علم الحقيقة والشريعة الإسلامية، يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة لبناء المجتمعات بطاقات البشرية الصالحة (وتجسيد الهوية الثقافية للشعوب)، فهي عامل للإحياء الروحي والفكري على حد سواء.»

شرط أن تأتي في قالب نقي وهادئ،

 الكلاسيكي هي نوع من الموسيقى التي تتبع تقاليد فنية ثقافية  معينة للشعوب ومتطورة عبر العصور، وتتميز بالتنظيم الدقيق للألحان والإيقاعات، واهتمامها بالهارموني (تناغم الأصوات)، والمواضيع الموسيقية المعقدة، والبنية الموسيقية المتكاملة.

 ذات طابع روحاني تأملي ملهم خالٍ من الشوائب المفسدة للنفوس  والارواح والنغمات الدخيلة المشوَّهة بثقافات بدائية زائلة لا تمتّ إلى هويتنا الحضارية والثقافية بصلة. «ولهذا يصبح من الضروري الحذر من تصدير الأفكار المنحرفة عبر مختلف وسائل التعبير: الكتابة، وجميع الفنون، والموسيقى، والمسرح، والأفلام، والمسلسلات التي تُعرض على شاشات التلفزيون، إضافةً إلى الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لأنها تمثل البيئة الأساسية لصناعة الحياة وتشكيل المجتمعات، وهي الرافد الذي تستقي منه الأجيال الناشئة قيمها ومبادئها.»


«نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى نظام حضاري متقدّم يعيد الاعتبار للثقافة الروحية، ويجدد أصول هويتنا الثقافية العربية، ويُرسّخ جذورها في بلداننا التي أنهكتها الحروب وسفك الدماء، حتى تلاشت القيم والأخلاق التي أسسها النبي محمد ﷺ منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، في حقبة مثّلت نموذجًا مثاليًا لتجديد الخطاب الإنساني والحضاري للعالم آنذاك.»


أما في زمننا الحاضر، فإن تجديد الخطاب الإنساني والحضاري ينبغي أن يتماشى مع معطيات الحداثة، مستلهمًا من يوم بعثة النبي محمد ﷺ، أبا الأحرار الذي بعثه الله رحمةً للعالمين. «وهذا التجديد ينطلق من معاني قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (الضحى: 11)، أي أن يعيش الإنسان في عصره محافظًا على أصله المتجذّر في هوية الإسلام؛ النظام الذي ينبغي أن يُطبَّق كمنهج ودستور عالمي، إذ إن الإسلام لا يخص أمة أو ديانة واحدة، بل هو نظام شامل يضمّ نوعين من المخلوقات: الإنس والجن، وينسجم مع مبادئ القيم الإنسانية والأخلاقية التي كتبها الله وضمنها في كتابه الكريم القرآن، ساعيًا إلى أن يجعل الإنسان في وعي كامل دائم، بعيدًا عن الغفلة والانقياد وراء زيغ أهواء النفس والشهوات الدنيئة والأفكار المصطنعة. وهذه هي الحقيقة التي غفل عنها الناس.»


«فالموسيقى، والكلمة الطيبة، والرسم، والخط، والهندسة، والنحت، وسائر الفنون والأعمال الفنية والإبداعية التي ينجزها الإنسان، تُعدّ جميعها أعمالًا صالحة تسهم في تحقيق التوازن النفسي والأخلاقي والتكويني في الحياة، لأنها تبث طاقات إيجابية تشع نورًا، بما يضمن استقرار ميزان العدالة الإلهية في تكوين المخلوقات وفق الرؤية الكونية، فلا بد أن يتعلم الإنسان فنون التعبير عن أفكاره ومشاعره، التي تتجسد من خلالها واقع الأحداث والأمور في حياته.»



«وتعاليم دين الإسلام السمحاء في شأن الفنون النافعة تهدف إلى شفاء النفوس من الأمراض النفسية المستعصية، وتليين القلوب القاسية، وتزكية الأرواح لتصبح خلاقة ومبدعة، بحيث تتحول الطاقات السلبية إلى إيجابية. وهذا هو جوهر التربية الإسلامية؛ إذ أن الفنون وكل ما يقوم به الفرد، وأهمها كتابة القصص والروايات والشعر والموسيقى، والرسم، والنحت والحِرَف اليدوية والصناعية، وغيرها من الإبداعات، تُعدّ أدوات للتعبير عن الذات وبناء التوازن النفسي والروحي.


ما يصدر عن الإنسان من أفكار ومشاعر يتجسّد في أقواله وأفعاله، وينعكس على هيئة أحداث وأمور في حياته، ويصنع من خلالها واقعه على هذه الأرض، التي هي من صنع الله سبحانه وتعالى، الملهم للفنانين والمبدعين في أفكارهم وإبداعاتهم باستخدام الطاقات الروحية.


وتنبعث هذه الطاقة من قدرة الله وإرادته، وتصل إلى الجسد بأمره منذ خلقه في رحم أمه فتظل الروح متصلة بخالقها اتصالًا مباشرًا، كما يتغذى الطفل من أمه بواسطة الحبل السري.


"وبتأمل الإنسان للحياة والوجود، تنعكس عليه صور الحياة وما تحمله من تبعات على هيئة أفكار تلهمه للابتكار والإبداع في أعماله، بإيعاز من الخالق سبحانه وتعالى، في صورة خفية، محجوبة بحاجز هلامي شفاف من نور لا يُرى بالعين المجردة، ولا يُرفع إلا بأمر الله، ليتمكن من إدراك حقيقة وجود الخالق وصانع الأكوان من خلال طاقة الاستشعار بالحواس الباطنية. ويبدأ الإنسان بالإحساس بالمدد الإلهي العظيم، الذي يتجلى في حياته بحسب نوعية أفكاره وطبيعة مشاعره، سواء كانت صافية وسليمة أو ملوثة ومريضة.


وتؤكد الآية المباركة من سورة الإسراء، رقم 20، على هذا العطاء الإلهي العام:


﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾


وهذه الأسرار تندرج ضمن علوم التكوين وعلم الغيب في كتاب الله الكريم، كما ورد ذكر الروح وصفاتها وطبيعتها في الآية المباركة:


﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: 85)


التأويل العرفاني:

تُظهر الآية أن الروح سرٌّ إلهي لا يختص به العقل البشري إلا قدر يسير، فهي من "أمر ربي"، وتنبع من حكمة الخالق وإرادته المباشرة. وتشير إلى أن الروح جوهر الإنسان الأسمى، المرتبط بالخالق اتصالًا مباشرًا، وأن معرفتها الحقيقية تتجاوز حدود العلم البشري، فلا يُدرك كنهها إلا بالنور الإلهي، والفهم بسعة مدارك العقل، وتطهير القلب وزكاة النفس وطهارة الروح. بذلك تصبح رمزًا للسر المقدس الأعظم في الحياة، ونقطة اللقاء بين الإنسان وربّه، متصلة بطاقة الإلهام الإلهي الذي يعينه ويُلهمه على البحث والتجريب وابتكار  الصنعة والعمل، إذ إن الإنسان لا يعمل منفردًا أو منفصلاً عن المصدر الرئيسي والمُمول للطاقة العظمى والخلاقة في الحياة، وهو الإله الجبار، ونحو ذلك تظل روح الإنسان متصلة بخالقه.


وتقوم التربية الإسلامية على عقيدة سمحاء أساسها العشق الإلهي، فمتى امتلأ قلب الفرد بحب الله أشرق فيه النور، وأخرجه من الظلمات إلى النور فتتحول حياته من الشقاء إلى السعادة الحقيقية الأبدية.»