برقية استغاثة
بكرت على زغردة خالتي العزباء لقد كانت أمي حُبلى وقد وضعت اليوم مولودها الثاني من بعدي بثمانية اعوام تحديدًا
وضعتها أنثى اسمتها مريم .....
دخلت أمي تحمل أُختي والى جوارها ابي بعد أن فتحت خالتي الباب لهما ، ركضت بشوق ولهفة كي أرى أُختي التي انتظرتها لتسعة شهور بينما كانت ترقد في رحم امي ، فلا انسى تلك الليالي التي كنت اتحدث فيها معها من خلف جدار البطن المنتفخ لأمي ، و أروي لها احاديث مسلية قبل النوم '
منذ علمت بأن أمي حامل عن طريق ابي فحين زفّ لي هذا النبأ السعيد قلت لأمي محذرًا ! أن لا تقصص علي قصص الاطفال ، واني قد كبرت وتلك القصص التي كانت تسردها لي سوف ارويها لأخي الجديد، ولم أنسى فرحتي العارمة حين تحدد جنس المولود !
وعلمت أنها انثى عندها اصطحبني ابي معه إلى دكان العم إبراهيم كي نشتري المفرقعات بمناسبة تحديد جنس المولود وما أن حل المساء حتى عرجنا أنا ووالدي إلى سطح البيت لنوقد المفرقعات فنقذفها في السماء، ابهجني كثيرًا ذلك المنظر حين تطاير الشرار الملون واضاء الظلام همس لي والدي قائلاً اعدك يا بُني أن احتفي معك بنفس الطريقة وأكثر وأن نقذف بالمفرقعات حين يخرج اولئك اليهود من ارضنا وتتحرر بلاد القدس العظيمة "
قلت بحماس وسعادة فائقة : وقتها ستكون أختي معنا قد كبرت وتشاركنا الاحتفاء .
اربت أبي على كتفي وقال احسنت يا بطل الابطال !
وضعت أمي أختي في مهدها لترقد نائمة نوما عميق ، يديها صغيرتين تبتسم بين الحين والاخرى لأحلام الملائكة المبهجة تلك الاحلام التي يراها الاطفال حديثو الولادة كما يزعمون !
انتظرتها أن تستيقظ كي أرى عينيها وأنظر فيهما لكني لم أطيق الانتظار وبينما امي نائمة وخالتي تعد الغداء في المطبخ وأبي يعتني بحديقة الدار حركت المهد كي تستفيق مريم .......
وإذا بوجهها يصبح احمرًا ثم تطلق صرخة عالية وتبدأ بالنشيج .
فتحت أمي عينها ونهضت من سريرها لتجدني بجانب المهد أدركت أمي حينها انني أنا من جعلت اختي تستيقظ ونغصت عليها نومها.
صرخت بوجهي صرخة غاضبة وفهمت تصرفي بالشكل الخاطئ لقد ظنت أنني اكن مشاعر الغيرة تجاه اختي "
وإذا بها تنحني إلى المهد وتحمل اختي الصغيرة ثم تضع ثديها المليء باللبن في فمها الصغير ..بدأت مريم تتجرع الحليب بنهم من ذلك الضرع ، وسكتت عن عويلها الحاد '
عندها خفضت أمي صوتها وانطفأت نيران غضبها وقالت لي :
هذه اختك يا عزيزي ، الم تنتظرها طوال هذه المدة، الم تقول بأنك تحبها'
لكن يا أمي ...
لم تسمح لي بالكلام ، واكملت تقول يجب أن تهتم بها فانت اخوها الكبير وليست مريم بندٍ لك "
عندها احسست بالقهر، وقلت بينما الدموع تنهمر بغزارة '
اردتها أن تنظر في عيني فقط فتراني واراها '
تفاجأت امي من تفكيري الساذج وقالت :
ولكن ليس هكذا يا عزيزي، تعال إلي حضن امك.
واقتربت من امي فشدتني من يدي ووضعتني تحت ذراعها الايسر ، بينما كانت تسند اختي بذراعها الايمن وهي لاتزال رابضة في حضنها تطعمها الحليب ، نظرت في عيون مريم كانت عيونها رمادية وجميلة ، مسحت دموعي بأكمام قميصي وقد شعرت بدفئها وحنانها وعطفها الذي غمرتني به .
ولما كبرت مريم وصار عمرها 7 اعوام وكنت اصحبها إلى المدرسة واروي لها عن انواع الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون ، من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم ، لم يكن من مريم وقتها الا أن تذرف الدموع '
فامسح دموعها بيدي واطبع قبلة على خدها ثم امسح على شعرها الاشقر المجعد واقول ولكن لا تحزني واطمئني وقري عينًا يا مريم '
لأنه مهما طالت سطوة الظلم سيأتي ذلك اليوم الذي تتحرر فيه القدس فذلك وعد من الله ابلغنا اياه على لسان رسوله بأن القدس ستعود حرة في آخر الزمان ، في ذلك الوقت سوف لن يبقى يهودي على وجه الارض '
كان هذا الكلام يفرح مريم جدًا ويشعرها بشيء من الراحة فتطمئن وتكفكف دموعها. '
وفي يوم اقترب العيد فرحت مريم جدًا واخذت معها لعبتها التي كانت تحملها معها في كل مكان حتى حين تذهب إلى المدرسة .
وذهبنا إلى السوق نشتري ملابس العيد اشترت مريم ثوبًا ابيضًا مطرزاً بالورود الصفراء.
ولم ننسى المفرقعات كي نشعلها في المساء فنستمتع بها في مساء العيد ، اعدت امي الحلوى لضيوف العيد وأشترى ابي طعام العيد ورتبنا البيت وزيناه بالبالون والورود وعطرناه بالبخور ، ونمنا في ذلك اليوم متعبين.
في الصباح نهضنا بحماس وذهبت مع ابي للجامع لنؤدي فريضة العيد وظلت مريم في البيت مع امي التي كانت في استقبال صديقاتها .
كانت مريم تنتظر المساء بشغف بعد أن لعبت ومرحت مع اطفال حارتنا الصغار وحين بدأت الشمس تحمر في الأفق كانت مريم تقف عند النافذة ترقب الظلام أن يشرع فترى جمال المساء حين يلمع في افقه ذلك الشرار الملون '
واخيراً حل المساء صفقت مريم بفرح بدأ الناس في المدينة يحتفون ويقذفون بالشرار الملون ما اشعل الحماس في قلب مريم اخرجت المفرقعات من الخزانة وركضت باتجاه السلم وماهي الا لحظات حتى اعتلت سطح البيت وجدت امامها وابلاً من شرار المفرقعات قد احاطها من كل الجهات وقفت انا على يمينها وابي عن يسارها نتشارك الاحتفاء وامي في المطبخ تعد العشاء كان ذلك بعد صلاة المغرب ....
قلنا مستعدين قبل ان نقذف بالنيران واحد، اثنان، ثلاثة ......
ومع عدنا إلى الثلاثة سمعنا دوي يشبه دوي الرعد ، صار المكان فجأة من حولي اظلم اختفى صوت المفرقعات وساد الصمت المكان شممت رائحة بارود واحسست بثقل على اكتفاي ورجلي وجسمي ثم سال على جبيني شيء دافئ والغبار كاد يخنقني فتحت عيني فلم ارى سوى الغبار والدخان ومن بين هذا كله جاءني صوت مباغت مصحوب بأضواء حمراء وزرقاء أنها الاسعافات ادركت اني بين الركام زحفت بتثاقل علني اجد شخصًا من عائلتي لتظهر امامي لعبة مريم ملطخة بالدماء اقتربت منها فوجدت يد طفلة صغيرة تمسك بتلك اللعبة بينما دفن باقي جسدها تحت الأنقاض رفعت يدي اطلب الاستغاثة ثم فقدت الوعي وساد الظلام المكان .
الكاتبة زهراء الركابي