بعض الأنام
*****
شعر / أحمد الصافي النجفي
*****
بعــض الأنـام يـرى الحقيقـة مـرة
فيفـر منهـا مطبقـا عنهـا الفمـا
كــي لا تلاحقــه فتــدخل فــاه أو
يبقــى يشــاهد وجههـا المتجهمـا
وأنـــا أراهــا مــرة فألوكهــا
كـي أغتـدي منهـا وإن تـكُ علقمـا
ولكـــم تقاليــد شــغفت بحبهــا
زمنـــاً وكنــت بظلهــا متنعمــا
دبّ الفســاد لهــا فرمـت أصـونها
بالحـــافظين مطهـــرا ومعقمــا
لكــن عييــت بأمرهــا فتركتهــا
لمــا رأيــت فســادها مســتحكما
وقطعتهــا مــن روح روحــي فلـذة
وتركـت منهـا الروح تقطر بالدّما
والحــق أوثــره علــى نفعـي وإن
يــك مـدخلي يـوم الحسـاب جهنمـا
لكـن أضـحى الحـق فـي نفـع الورى
فعليـــه نفعهـــم أراه مقـــدما
قلــبي علــى نفسـي يفيـض قسـاوة
وعلـى بنـي الـدنيا يفيـض ترحمـا
أبكــي علـى غيـري إذا مـا نـابه
خطــب فيجــري الــدمع منهلا دمـا
لكــن أثــور إذا دهتنــي نكبــة
وأعــود مـن حكـم القضـا متبرمـا
وعلــي دمعــي فــي البلا متحجــر
حـتى ولـو وقعـت علـى الأرض السما
ولئن بكــت نفســي فليسـت ترتضـي
بالــدمع عنهــا مفصـحاً ومترجمـا
فــدموعها ليســت ســوى زفراتهـا
أو شــعرها بالـدمع يبـدو مفعمـا
يرثــي الأنـام لحـالتي إمـا رأوا
بؤســي وأنظــر حــالتي متبســما
آلام روحـــي غيـــر آلام الـــورى
ولكــم فرحــت بمــا رأوه مؤلمـا
كــم يحزنــون لمــا أراه سـعادة
أو يرقصـــون بمــا أراه مأتمــا
عينــي تــرى مـالا يـرون وعينهـم
مــالا أراه تــرى ففــي أي عمــى
إن يبصـروا فتقـاً بثـوبي يأسـفوا
فأجيــل فيهــم نــاظري متهكمــا
مـــاذا تهمنــي الفتــوق بمئزري
ســيظل عرضــي سـالما لـن يثلمـا
مــا شـأن جسـمي والـرداء فـإنني
مهمــا بــي اتصـلا غريـب عنهمـا
أبكي على الحيوان أكثر من بني الـ
انســـان مهمــا يقتلا أو يظلمــا
إذ لا أرى الحيــوان مالــك حيلـة
عنــه يـرد بهـا البلاء المبرمـا
ولقـد أرى الحيـوان حينـا ظالمـاً
لكــن أرى الانســان منـه أظلمـا
عجبــا مــن الانسـان فـي أحكـامه
إن أنــت تضــربه شــكا وتبرّمــا
ويبيــد حيوانــاً بــريئاً وداعـاً
قتلا وليــس يحــسّ أن قـد أجرمـا
ولطفــل ليــدنبرغ إذ خطفـوه قـد
ضــج الـورى وبكـوا عليـه تألمـا
وبكــل يــوم ألـف طفـلٍ مـن طـوى
تقضـي ومـا عنهـا تـرى مسـتفهما
كـــل يقلـــد غيـــره بجهالـــة
وأشــــدهم جهلا يســـمى أعلمـــا
ذا جاهـــل غـــرٌّ يقلــد جــاهلا
ولعلنـي فـي الجهـل أعظـم منهمـا
روحـي تفـر مـن الـدميم وإن غـدا
مضــنى فقيـرا عـدت فيـه متيمـا
حـــتى أمرضـــه وأســـفعه فــإن
أثــرى وعـوفي وازدهـى واسـتعظما
أبغضـــته وفـــررت منــه لأننــي
أهــوى الشــقي وأبغـض المتنعمـا
أســعى لإضــعاف القــوي وقـوة الـ
ـواهـي الضـعيف لكي أساوي اثنيهما
لنـواقص الـدنيا أسـاء فهـل تـرى
عــن كـل نقـص سـوف أسـأل مرغمـا
عنـــدي نـــواقص جمــة وكــأنني
لنــواقص الــدنيا أتيـت متممـا
مشهد مُشوش
*****
شعر / سعدي يوسف
*****
ريحٌ ...
كأنّ الطائراتِ تُغِيرُ عن بُعدٍ ؛
كأنّ عزيفَ جِنٍّ في محيط الغابةِ
الأشجارُ ترتطمُ ارتداداً وارتعاداً وابتعاداً
عبرَ ما كان البحيرةَ في زجاج الشرفةِ .
الآنَ ... المساءُ يجيءُ مقروراً ، رصاصيّاً .
طيورُ البحرِ غابتْ في الأساطيرِ.
السقوفُ تنوءُ بالقرميدِ ،
توشكُ أن تطيرَ طليقةً
والريحَ . آخِرُ ما تساقطَ
من وريقاتِ الخريفِ
مضى ودوْرتَهُ .ساحةُ قريةٍ أم مشهدٌ في السينما للصمتِ؟
حلّقَ طائرٌ من آخر البستان
منعطِفاً ومنخفضاً
كمقذوفٍ من الفَخّارِ ...
أروقةُ المساءِ تغيبُ
.....................
ريحٌ
والسّماءُ بلا سماءٍ
والمَمَرُّ إلى الطريقِ بلا ضياء ...
هل هذه بغداد
*****
شعر / يحيى السماوي
*****
أغمَضتُ عن شجر ِ الهوى أحداقي
فاسكبْ طِلاكَ على الثرى يا ساقي
ورمَيْتُ عني بُرْدَة ً أبْلَيْتُها
في حَرْب ِ أشجاني على أشواقي
وبِصَخْر ِ صَبْر ٍما التحفت ُ بغيرِه ِ
وأنا أجوبُ متاهة َ الآفاق ِ
ما عُدْتُ تنُّورا ً لخبز ِ صبابة ٍ
سُفُنُ المَسَرَّة ِ آذنتْ بِفِراق ِ
جفَّ الصُّداحُ على فمي وتخثَّرتْ
لغتي ... وفَرَّ الحرفُ من أوراقي
وتعبْتُ من صوتي أُنادي لاهِثا ً
وطني ونخلَ طفولتي ورفاقي
وأحِبَّة ً مرّتْ على بستانِهِمْ
خيْلُ الغُزاة ِ فأصْحَرَت ْ أعماقي
وأنينَ ناعور ٍ وضحكة َ جَدْوَل ٍ
ورذاذ َ فانوس ٍ وجَمْرَ وِجاق ِ
أشفقتُ من خوفي عليَّ فأحْرَقتْ
نارُ الفؤاد ِ سُلافة َ الإشفاق ِ
أدْمَنتُ خُسرا ً منذ فجر ِ يفاعتي
وهْمُ المُنى ضرْبٌ من الإخفاق ِ
غرَسوا الظلامَ بمُقلتي .. فتعطَّلتْ
شَمْسي ونافذتي عن الإشراق ِ
المُطلِقونَ حمائمي من أسرِها
شدُّوا التُرابَ وماءَهُ بِوِثاق ِ
فإذا بتحريرِ العِراق ِ وليْمَة ٌ
حفلتْ بما في الأرض ِ من سُرّاق ِ
ما العُجْبُ لو خانَ الفؤادُ ضلوعَهُ ؟
إنَّ الذي خانَ العراق َ عِراقي ..!!
المُسْتغيث ُ من الظلام ِ بِظُلمَة ٍ
أدْجى .. ومن مُسْتنقع ٍ بِذعاق ِ
فإذا النضالُ نِخاسة ٌ مفضوحة ٌ
فاحَتْ عفونتُها بسوق ِ نِفاق ِ
وإذا الطِماح ُ مناصِبٌ مأجورة ٌ
يُسْعى لها زحْفا ً على الأعناق ِ
ولقدْ رأيْتُ النخلَ يلطِمُ سعْفَه ُ
خَجَلا ً من الماشينَ مشيَ نِياق ِ
هل هذه ِ بغدادُ ؟ كنتُ عرفتُها
تأبى مُهادَنَة َ الدّخيل ِ العاق ِ
تأبى مُساوَمَة ًعلى شرفِ الثرى
وتجودُ قبل المال ِ بالأرْماق ِ
ورثتْ عن "الحُرِّ"الحُسامَ وعزمَهُ
وعن " الحسين" مكارمَ الأخلاق ِ
هل هذه بغداد ؟ تأكلُ ثدْيَها
فإذا بِها وعَدوَّها بِوِفاق ِ...؟
لو أنّ ليْ أمْرا ً على قلبي فقد
عَجَّلتُ من تِهْيامِها بِطَلاق ِ
عَقَدَتْ على طينِ العراق ِقِرانَها
نفسي فمَهْري خافقي وصِداقي
أخفقتُ في عشقي فكنتُ غريبَهُ
إنَّ التَغَرُّبَ مُنتهى الإخْفاق ِ
هذا دمي يا نخلُ .. مُصَّ رفيفهُ
فلقد رأيْتُك َ ظامئ الأعْذاق ِ
أسْعِفْ خريفي بالربيع ِ لينتشي
وردُ المُنى في روضة ِ المُشتاق ِ
واكنسْ ظلامَ الطائفيّة ِ بالسَّنا
وأعِدْ لِدِجلة َ زورقَ العشاق ِ
فعسايَ أبتدئ الحياةَ ..فلا أرى
وطني ذبيحا ً والدماءَ سواقي
يا أنت يا قلبي أمثلك في الهوى
يشكو مواجعَ غُرْبَة ٍ وفِراق ِ؟
أوَلسْتَ مَنْ صامَ الشبابَ مُكابرا ً
عن ماء ِ أعْناب ٍ وخبز ِ عِناق ِ ؟
والمُثْمِلات ِ لذاذة ً بِمَباسم ٍ
والمُمْطِرات ِ عذوبة ً بمآقي ؟
يا مَنْ أضَعْتَ طفولة ً وفتوَّة ً
ماذا ستَخْسَرُ لو أضَعْتَ الباقي ؟
هل في جِرار ِ العُمْر ِ غيرُ حُثالة ٍ؟
أطبِقْ كتابَكَ .. لاتَ وقتَ تلاقي !