الفعل الإرادي البشري
إنّ الفعل الإرادي يمارسه عامة النّاس في حيّز مجال نشاطهم وسلوكهم وحريّتهم الفرديّة المتاحة ، وقد لا يعي الكثير منهم ويُدركون مدلولاته وخاصياته ونتائجه على حاضرهم ومستقبلهم ومصيرهم ليفقد جدواه وفاعليته ومردوديته مغيبين عن السبب والغاية من فعله.
فالفعل الإرادي يستوجب النيّة التّفكير وإتخاذ القرار ، يُسْتَخدم فيه وجوبا الذّكاء والذاكرة وخبرة الشّخص ونضجه ومستواه الثقافي ومهاراته .
تتعدّد أفعال البشر وتختلف ويمكن قيسها وتقييمها والحكم عليها بالسلبيّة والإيجابيّة ، كما تتفاوت مستويات البشر في إدراك الحقائق حيث تختلف وتتنوّع ردود الأفعال حسب درجة الإدراك والوعي والخبرة والنضج وسلامة التّفكير وسداده.
ولذلك يمكن تصنيف الأفعال الإراديّة من خلال صفاتها خصائصها ونتائجها ومدى تحقيقها للفعل الموجب للسعيّ والمتعلّق بإرادة الشّخص إلى :
1_ فعل خاطئ :
لا يصيب حقيقة ولا يُعالج موضوع ولا يحلّ إشكال ، يُجانب الصواب ويقع في الخطأ بسبب سوء التّفكير وهزالته وسُقمه ولسذاجة صاحبه وبساطته التّي يغشاه الجهل ويحيط به الوهم فقد تمكّن منه الوهن ليسلب نباهته وفطنته وذكائه لتراخيه وتكاسله وإنبساطه وغروره ونرجسيته ، فتراه قابعا خانعا راضيّا لا يبذل جهدا للتمييّز وإدراك الحقائق وقراءة الواقع كما هو لا كما يعتقد واهما جاهلا ، يُسارع متهافتا للفعل دون دراية ووعي بالعواقب وجاهلا بالأسباب ليرتدّ خائبا فاشلاً يلعن القدر ويتسبّب بالظروف وسوء حظّه .
2_ فعل نسبيّ بظروفه وشروطه :
كنسبيّة الذّات البشريّة والظروف والشّروط الموضوعيّة المحيطة به ، حيث يتارجح الإنسان بفعله الإرادي بين الخطأ والصواب ، يوفّق في سعيه وسلوكه أحيانا ويخيب في مرّات أخرى .
فعل بشري بإمتياز يمتزج فيه الهوى والنّفس والجهل والحكمة والمعرفة والذاكرة والنّسيان ، فصاحبه على طرفي نقيض من النباهة والحماقة حسب ظروفه وضغط زمانه وإحاطة المكان .
فعل لا يفلت منه إنسان وهو واقع به لتعلّق كينونته وصيرورته وتاريخه بظروف وشروط ذاتيّة و موضوعيّة نسبيّة غير مطلقة بالمرّة ، فليس الإنسان كله حقّ ولا جلّه باطل.
لا يُمكن أن يكون الإنسان يقظا صاح في كل الأوقات إذ الخطرات تجتاحه والشّهوات تُنهكه والمثيرات والمنبهات تغشاه لتسلب أحيانا نباهته.
3_ فعل مثالي فريد :
يتميّز بمثاليّة المنحى والأداء حيث سداد الفكر وسلامة السّلوك ورشاده ، يزيّنه تفكير سليم قويم مطابق للواقع معدوم الوهم مسلوب الجهل وخطأ التقييم والتقويم تتجلى فيه مواهب وعلم الشّخص وفقهه بواقعه حيث وعيه المطابق .
قليل من البشر يهتدي ويوفّق لمثالية فعله وذلك لنسبيّة الذّات العارفة المُدركة وتحوّل وتغيّر الظروف حين بعد حين .
إنّ من دعائم السّلوك وركائزه النّفس والهوى، العقليّة والعاطفة وهمّة الشّخص ، حيث يلعب تاريخ الفرد ونضجه وخبرته دورا هامّا في تحديد نوعيّة سلوكه ونجاحه وفشله.
وإنّ في إدراك وفهم مميّزات كل فعل إرادي تبيّن درجة الإخفاق والتّوفيق للإنجاز والتّحقيق .
وليعي كل فاعل لفعل عن قيمة فعله وفاعليته وسبب فعله والغاية منه ، لعلّه يكون ذلك السّابح المحمود في بحر مترامي الأطراف تجتاحه أمواج ردود الأفعال البشريّة بمختلف أصنافها وأنواعها فلا تزيده إلا صلابة في الفهم والإدراك والوعي ومرونة في التّعامل والتكيّف والتّجاوز بأقل الأضرار وبكثرة النجاحات .
واخيرا هل يُمكن أن نُقِيم لكل فعل وزنا وحسابا ، عقابا أو جزاءً ؟ أو نترك ذلك للقدر يُدين الشّخص بفعله المُشِين أو يُجازيه بفعله القويم !
الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني