السبت، 2 أبريل 2022

رؤية الفكر..نمذجة الفن : قراءة-متعجلة- في قصيدة-هنا كنا..- للشاعرة التونسية فائزة بنمسعود بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 رؤية الفكر..نمذجة الفن : قراءة-متعجلة- في قصيدة-هنا كنا..- للشاعرة التونسية فائزة بنمسعود

"مازالت كتاباتي يافعة،غضة وتبحث عمن يضعها في المسار الصحيح..كما مازلت أنحت دربي الإبداعي على الصخر بالأظافر..لكن حين لامست أنامل النقاد حروفي..أدركت أني في المدار الصحيح..(الشاعرة فائزة بنمسعود)"
يعدُّ العنوان عتبة مهمَّة من عتبات النص،سواء كان هذا النص نصًّا شعريًّا أم نصًّا نثريًّا،ولقد اختارت الشاعرة التونسية فائزة بنمسعود عنوان قصيدتها "هنا..كنا"،وهذا يؤكد على اختيار هذا المكان وأهميته لتجاوره للقلب في المكانة والأهمية،ولدمج المكان مع القلب؛للتدليل على حبِّ العشق في أبهى تجلياته،سيما إذا كانت "الحبيبة"ترقد في الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..
كما سرَدت لنا الشاعرة بكل حِرفية،وترَكَتنا نقرأ وكأنها تتحدث عن معشوقة أبدية..تركت عطرها وتوارت خلف الغيوم :"ضمها القبر/وترفق اللحد وطواه/وما رف جفن الموت خجلا/من لوعة العاشقين/ما قاسمني لوعتي ومصابي/سرق مني حبيبتي/ورماني على رفوف الفاقدين.."
إنّ القصيدة هي عبارة عن حلم عميق لا شعوري،يجب قراءة هذا الحلم بما يتناسب مع كمية الجمال المنبعث من داخله ، وتقديمه بصورة تكشف للمتلقي جميع مغاليقه،وتشير الى مواطن الجمال فيه،والإمساك بيد المتلقي وأخذه الى ضفاف هذا الحلم .
لذا على الناقد ان يقوم بتفكيك وإعادة تركيب وقراءة الأفكار فيه حتى يصل الى معرفة الغايات التي جعلت من الشاعر يصرّح بمكنونات ذاته،والغوص في اعماق هذه الذات .
ومتى ما تعاونت فيما بينها مكونات الذات ( الهو / الأنا / الأنا الأعلى ) ، تمكّن الفرد من أن يمارسَ نشاطاته الفعّالة والحيوية بطرقة مجدية في البيئة التي هو فيها..
إنّ الغاية من هذه النشاطات هي من أجل ارضاء الحاجات واشباع الرغبات الاساسية ، أما اذا اضطربت حينا ستضطرب هذه الاجهزة الثلاثة للشخصية،وأصبحت متذمرة وغير راضية عن نفسها وعن العالم الذي تعيش فيه .
ان المتلقي الابداعي لا يقبل من الشاعر بأي شيء على أنه شعر وجمال وابداع ما لم يحرّك فيه الذكريات البعيدة ، وتستفزّ حاضره، مما يجعل المتلقي يقوم بتحليل وتقييم ما يقرأه بروية وقياس كمية الابداع فيه ، وهذا ما لمسناه في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة- فائزة بنمسعود .
وبالعودة الى قصيدة الشاعرة : فائزة بنمسعود /هنا..كنا/ , من ارتباك الصوت نستشعر بوجود الذات الشاعرة , مما يجعله صوتا متميّزا بالعذاب والخيبة والخسران والتشظّي , وحينها سنتيقن بحضورها القوي والمميّز , فربما هناك مفردة او عدة مفردات سقطت في بئر المتلقي العميقة تمكّنه من لملمة ما يستطيع لملمته وحسب ذائقته , فتثير فيه الكثير من الصور والمشاعر والاحاسيس , ودون ان تستنفذ طاقاتها او تخبو اشعاعاتها .
انّ جوّ النسيج الشعري عند الشاعرة نجده مشحونا بزخم شعوري عنيف وذات قلقة تبحث عن الخلاص , فمثلا نجد بأن الشاعرة قامت بتكرار المفردات التالية لأكثر من مرّة /القلب :ثلاث مرات/حبيبتي: سبع مرات/العشق..والعاشقين : أربع مرات/الشوق : مرتان..
ليس اعتباطا الشاعرة هنا استخدمت وكرّرت هذه المفردات , فربما لا شعوريا سقطت وتكررت داخل نسيجها الشعري لا شعوريا أو عن قصد , لشحن هذا النسيج بزخم شعوري عنيف , فلو دققنا النظر في هذه المفردات واستمعنا بهدوء الى ما ينبعث منها ويشعّ في نسيجها الشعري وخصوصا من ايحاءات العنوان: هنا..كنا.. لكشفت لنا القصيدة عن مكنوناتها الملغزّة وباحت لنا بكلّ بوحها دفعة واحدة .
من خلال العنوان نجد هذا الزخم الشعوري متمثلا بلغة تجريدية مدهشة , فالعنوان هنا لا ينقل لنا معنى صريح وواضح , ولكنه ينقل لنا كمية هائلة من المشاعر والاحاسيس ,كما يعبّر عن الحالة النفسية والمزاج ,نتيجة ما تعانيه في واقعها الأليم , فربما هو يعبّر عن حالات من التذمر والحزن , ومن خلال نبرات ونغمات نستشعرها بين ثنايا القصيد هذا-الحزن الهاجع خلف الشغاف- نستطيع ان نعرف ماذا يعني وماذا وراءه من مغزى ومن دلالات , هل هو دليل عن الحزن او الفقد او الغربة والضياع , هل هو الشكوى مما تعاني من آلام أو هو البحث عن العزلة والانطواء على الذات في ظل غياب"حبيبة"خطفها-قسر الإرادة-موت عديم الرحمة ..؟؟ .
وتبدأ الذات الشاعرة بعزف أشجى موسيقى تعبيرية تحاول من خلالها بثّ مواجعها وأحزانها-بضمير الآخر (هو) , من خلالها تحاول ان تعبّر عن الجانب الشعوري العميق المتغلغل في روحها المنكسرة , فمن خلال مفرداتها تتهادى إلينا نغمات موسيقاها شجية , هذه المفردات استطاعت ان تنقل لنا هذا الشعوري الداخلي لديها , نقلت لنا هذا الزخم الشعوري العنيف بصدق ووعي , مما جعلها تغزو اعماق المتلقي وتستفزّه..
لقد جاءت هذه المشاعر تحت تأثير حالة نفسية ونتيجة ظروف قاهرة خارجة-حتما- عن إرادتها: "وكنت/أناديها حبيبتي/والى هناك رحلت/وما زلت أناديها حبيبتي لا شيء تغيّر/عدا قلبي المفجوع تجمّد نبضه/واختلت دقاته/قلب فرّ من سجن الضلوع/وتاه في الدروب والميادين/يتصفح وجوه العابرين/ويتهجأ العناوين/وببراءة الحيارى وعفوية المعتوهين/يسأل:هل رأيتم حبيبتي/حبيبتي شامة وخال/على الكتف اليمين/كنا هنا بين الخمائل/والبساتين/كنا نؤوب مع النوارس/ونشدو مع الحسَاسين كنا نوضب الشعر باقات/بعطر الياسمين/ونهديها لليائسين كنت أناجيها/و حبيبتي أناديها/وتجيب بين قبلة وامنيه/زدني عشقا/يا سلطان العاشقين/هنا كنا/هنا شربنا دموع الشوق/والقدر راضٍ عنا/وكنا له من الشاكرين/كنا هنا/واختارها الموت حبيبة/من بين الآلاف والملايين/وقلبي يحدثني انها أشعلت الجنه حبا/واخمدت نار الجحيم/ضمها القبر/وترفق اللحد وطواها/وما رف جفن الموت خجلا/من لوعة العاشقين/ما قاسمني لوعتي ومصابي/سرق مني حبيبتي/ورماني على رفوف الفاقدين/دثّرني بالأحزان/وعمّدني بالشوق والحنين/خدعتني ساعات الصفاء/وما كنت الا من زمرة الغافلين/الذين أمِنـوا شر الزمان/وما كانوا من المحترسين/ولغدر الزمان أنياب/إذا كشّر عنها/أصابت من الروح مقتلا/فاحذروا أيها العاشقين…"
لقد جاءت قصيدة الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بأنظمة نصّية متعددة ومتناسقة ومتناغمة فيما بينها , وكذلك بزخم شعوري عنيف وبعمق تجريدي وتعبيري وحّد مكونات القصيدة .
تناوبت في هذه القصيدة السردية التعبيرية لغة التجريد واللغة التعبيرية والسرد المشحون بالزخم الشعوري , وبلغة قاموسية بألفاظ تعكس ما في روح الشاعرة وما في روح القصيدة , فخلقت لنا بذلك صوراً حيّة برّاقة وببوح عميق .
اللغة هي الوسيلة الأولى لعملية التواصل مع الآخرين، غير أنها تتعدَّى وظيفتها الاجتماعية المحدودةَ هذه، فتشكِّل الأساس في عملية بناء القصيدة؛ إذ تمثِّل الطريق الموصلة بين المبدع والمتلقِّي،فتؤدي بذلك وظيفةً أخرى، تتمثَّل في إيجاد روابطَ انفعالية بينهما، فتتَجاوز بذلك لغة التقرير إلى لغة التعبير،وتسعى للكشف عن العواطف والأحاسيس،والانفعالات الكامنة في قلب الشاعر، ومحاولة إيصالها في نفس المتلقي. تختار-فائزة بنمسعود-من اللغة وإيحاءاتها، وتولّد منها ما قدرت على التوليد، لا لتأتي بمعانٍ يجهلها الناس تمامًا، ولكن لتصور الواقع كما تراه من زوايا متفردةٍ تدهش المتلقي وتجعله يعيش إحساسات جماليةً لا تنتهي، وحجارة هذا البناء الموضوعيِّ الألفاظ،إلا أن الألفاظ في الشعر تومئ إلى ما وراء المعاني، فتُضيف إليها أبعادًا جديدة، وبذاك تتجدد وتحيا، وبغير ذلك تذبل وتموت؛إذ نجد ألفاظها تقدِّم صورة إنسانية وفنية بغرَض إماطة اللِّثام عن هذه الألفاظ.
تعد العملية الإبداعية في حقيقتها نفاذا إلى واقع متخيل، أين يستطيع الشاعر تحويل أخيلته إلى نوع جديد من الحقائق التي تكون انعكاسات قيِّمة لواقعه الذي يمثل مسرحا لتجربته الفنية، فتكون رؤية الشاعر لهذا الواقع مختلفة تماما عما يراه الناس، فهو لا يكتفي بحدود واقعه، بل ينفذ إلى عمقه متخطيا النظرة السطحية إلى نظرة مرتبطة بالكشف والتجاوز،و"هنا..كنا" هي صورة أليمة تترجم بعمق أحاسيس من فقدوا أحبتهم في زمن مفروش بالرحيل..
في هذه القصيدة تظهر لنا الشاعرة التونسية فائزة بنمسعود كما لم تظهر لنا من قبل ،ولأن الأحداث المفجعة تجبرنا على الابداع، فإن قريحة -فائزة-قد اجترحت أفضل ما يمكن لشاعر ان يكتبه ،فكتبت بحبر الروح..ودم القصيدة ..
وأترك للقارئ الكريم أحقية التفاعل والتعليق..
محمد المحسن

الأربعاء، 30 مارس 2022

****بساط العشق**** بقلم الأديبة .... جميلة بلطي عطوي

 ****بساط العشق****

على بساط العشق
أرسمها حروفي
شموعا في كفّ اللّيل
تدحر لون السّواد
توقظ من هجع
على بساط الشّوق
أعتلي صهوة من نور
حياض دفء
يحضن المقرور
وأظلّ أركض كخيول السّبق
نحو خاتمة المطاف
نحو سدرة المنتهي
تستقبل أشواقي
تضمّها ، تعلن الانعتاق
يا حرفي المغموس في كبدي
يا نديم السّهاد
يا رفيق البهجة المطلّة من يمّ المداد
يا وشم أيّامي على مدار العمر
في رحاب الشّعر
أنا وأنت صنوان
شمعة وفتيل
كلّما اشتدّت العتمة نذوب
نوقد في وجهها أشواق الرّحيل
إلى الشّمس
إلى الضّوء
إلى الآمال تترى
زاد بوح ,دوحة
تعاند المستحيل.
تونس ....19/ 3/ 2022
بقلمي .... جميلة بلطي عطوي

ذِكْرَى يَوْمِ الأَرْضِ وعامٌ على مسيرةِ العَوْدة بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 ذِكْرَى يَوْمِ الأَرْضِ وعامٌ على مسيرةِ العَوْدة

عام ُالمسيرِ لِعَوْدِ الأَرْضِ في لَهَبِ!
والذّكرَى فِيهِ ….ليَوْمِ الأَرْضِ مِنْ حِقَبِ
والرّوحُ تُزهقُ مِن قنّاصِهِمْ هدَراً
يا وَيْحَ (غزّةَ )في النّيرانِ كالحَطَبِ!
أللهُ أكبَرُ ! يا رَبِّي …….لِترحَمهمْ
أهلي بِغزّةَ………يَستَجدوكِ فَلْتُجِبِ !
ألقدسُ تغلي ومعها الضّفّةُ انتفَضَتْ
كُلٌُ يتوقُ …… ……لِعَوْدِ الأَرْضِ والغَلَبِ!
غالَ اليهودُ كلابُ الأَرْضِ فانقلبوا
مِثلَ الوُحوشِ ……….وَغيلاناً بِلا سَبَبِ !
أنْْقِذْ عِبادَكَ يا رَبِّي …..وكُنُ لَهُمو
طَوْقَ النّجاةِ …..فقد غاصوا بِمُلتَهِبِ!
لا لن تنالوا من الأحرارِ …شِرذِمَةٌ
مهما فَجَرتُِم …….وسالَ الدّمُّ للرُّكَبِ!
قُلْ للدّماءِ بِيَومِ الأَرْضِ ….لا تَهِني
(سِخنين ُ)عهْدٌ،شهيدَ الأَرْضِ لَنْ تَغِبِ!
قُلْ للزّنازِنِ لا تقسو ….على بَطلٍ
عِشقُ الجميعِ تُرابَ الأَرْضِ في الكُتُبِ!
إيهي(فِلسطينُ)فالأرواحُ جاهِزَةٌ
لا لن تضيعي وفينا ……نابِضٌ عَربي !
عزيزة بشير

إلى شهيدة الهجرة حياة بلقاسم بقلم الشاعرة زهرة الطاهري

 إلى شهيدة الهجرة حياة بلقاسم

"كانت تأمل فقط في الحياة"
لقد جف حبر التمني
فليكتب القدر ما يشاء
القدَر يا حياة
هي أن الجبن سيدنا
والظلم صاحب هؤلاء
القدَر يا شهيدة البحر
هي أننا عبيد
والحديد في دمنا
في معصمنا/في قلبنا
في كل الأعضاء
كانت تأمل أملا في حياة أخرى
فسلمتها رصاصة
إلى موت آخر
الجوع المفروض لا يرحم
الظلم المفروض لا يتهاون
ومن يحاول الهروب
من سجن هذا السجن
يعود في كفن
كانت تأمل فقط في خبز
أو رغيف
أو أن تُنْقِصٓ عن أهلها المصاريف
فنقصت عن الحياة
كورقة في الخريف
كانت تأمل أن تأمل
فقد ضاقت من القهر
والجوع والظل
ومن جامعة
لا توفر لك بعدها فرصة شغل
ومن رؤية أم تعمل
وتتقاضى حجرا
من المعمل
في أول الشهر يتفتت
وتظل طوال الشهر
عن تاريخ كل يوم تسأل
كانت حياة تبحث فقط عن حياة في البحر
خارج هذا الوطن الذي هُجِر
إلى سمك
إلى سجن
إلى قهر
فأطلقتم عليها الرصاصات
وكالعادة ليس لديكم تكلفة لحياتنا
وللأحياء
ولحياة
لكن لديكم تكلفة القبر
وتكلفة كل الأموات
فيا أيها الصامتون على الظلم
اصمتوا أكثر
فحتى أنتم ونحن
ينتظرنا هذا القدر
الذي يشاء كما يشاء الفاسد الأكبر
وإن لم يطلق علينا الرصاص
فقد تكلف صاحب القدَر
بدفننا طوال العمر
زهرة الطاهري


على هامش ذكرى يوم الأرض : حين ينتصر الدم..على السيف بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش ذكرى يوم الأرض :

حين ينتصر الدم..على السيف
سلام هي فلسطين..
الآن.. وهنا.. نكتفي بأن نتابع المشهد.. ننام ونصحو لنحصي عدد قتلانا.. ونراقب بقلوب تبكي بصمت قوافل الشهداء تمضي خببا في إتجاه المدافن..
لأأكون صادقا أقول: "إننا الآن ونحن ننعم بعجزنا..أشعر وأنّي على حافة ليل عربي موغل في الدياجير، ولا نستطيع جميعا إلا أن نعزّي النّفس بأننا ننتظر فجرا أو قيامة.. من أي موقع إذن، نتكلّم ويكون لكلامنا معنى أو ثقل؟".
سأصارح: "ثمة سؤال لجوج يمور في وجداني قد يصلح لتفجير تداعيات معنوية وحلمية في زمن ينتفض على أرضه اللّحم البشري: كيف لم يتمكّن العرب من البحر إلى البحر وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من الإحتلال الصهيوني،من وضع الأسس الفاعلة التي تضع حدا للسطوة الإسرائيلية وتتيح للكفاح الفلسطيني هامشا فسيحا لتحقيق أهدافه العادلة،ولهذه الأمة العربية-الكسيحة-مجالا فاعلا للتخلّص من الخوف والقهر والتبعية وكذا الحكم الفردي؟!"
وبسؤال مغاير أقول: "لماذا يخشى الماسكون بزمام العالم خلخلة أمن إسرائيل دون أن يصوغوا معادلة يردّ عبرها الحق لأصحابه ويُصفّى تبعا لها الإستعمار في فلسطين؟!"
أقول هذا لأنني الآن وهنا أشعر في زمن الصمت الأخرس أننا غدونا نهرول نحو الهاوية بعد أن تخطينا الحافة الحرجة وبدأنا نهوي فعلا..
إذن..؟
وإذن كان لا بد أن ندرك أمرين لا ثالث لهما:
الأوّل هو أنّ إسرائيل في جوهرها مستوطنة بيضاء لا تختلف من حيث المعنى والدلالة والخطاب والأدوات عن مستوطنات أخرى عرفتها شعوب وبلدان في أمريكا الشمالية وآسيا وإفريقيا منذ ثلاثة قرون مضت.
والثاني هو أنّ-المقاومة الفلسطينية-انبجست من دهاليز اليأس والخيبة والإحباط،لكنّها في جوهرها تصوغ لغة جاسرة وواضحة وما علينا إلا أن نتعلّم قراءتها ونحول دون من يسعى إلى-تقزيمها-..
إننا لم نعد في عصر ننتظر فيه-صلاح الدين الأيوبي-كي يكتب ملحمة الإنتصار وهي تتخبّط في بحر التآمر الدولي،ذلك أنّ المعجزات التي تتخفى في ثنايا-الغيب-لن تكون المعادل الحقيقي لعظمة هذه المقاومة الباسلة،وما علينا إلا أن نعي أنّ الغاضبين هم الذين يصنعون أسس عمارة الإنتصار التي ستنتصب في مسيرة التاريخ شاهدا على أنّ المقاومة في تجلياتها الخلاقة فعل يوازي عظمة الشهادة.
..إنّ العدائية في مجتمع إسرائيلي حقود غدت عنوان سلوكه أكثر من نصف قرن،إلى حد أصبح يرى في -الحجارة الفلسطينية- رصاصة مستقبلية تهدّد كيانه بالإنقراض ولذا أوغلت العصابات الصهيونية في الدموية والإرهاب في محاولة بائسة لطمس الهوية الفلسطينية وإزالتها من الوجود،وانبرت تبعا لذلك تستولي على الأرض والمنازل وتقيم على سطوح المساجد وتنتهك المقدسات الفلسطينية وتغتال بوحشية لم تعرفها العصور القروسطية رؤوس المقاومة ذلك في الوقت الذي يكتفي فيه العالم العربي من المأساة الفلسطينة بالتباكي على صدرها دون إغاثة شعب مسيّج بالأكفان لكنّه يحثّ الخطى بثبات صوب الإستقلال الوطني على 22% من أرض فلسطين.. إلا أنّ رجع الصدى لمفاعيل الأنتصار الباهر الذي حققته غزة عبر صمودها الخلاق في وجه آلة الموت الإسرائيلية وضعنا جميعا أمام المرآة كي نرى ذواتنا علنا ننتهج سبيلا للتعبير عن مواقفنا المرتجة..
السبيل المقاوم لكل زيف أو خيانة.. لكل تردّد أو تملّق.. لكل وهْم أو جنون وعليه فإنّ الصمود الفلسطيني بدمائه وآلامه ودموعه سيما بعد اعتراف الرئيس الأمريكي -ترامب-بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، يضعنا هو الآخر أمام واقع ممجوج لن نتمكّن من تخطي عتباته إلا بأرواحنا وتضحياتنا وما امتلكت أيدينا،يضاف إلى هذا وذاك التغييرات التي أحدثها الدم الفلسطيني المراق في المنتظم الدولي حيث بدأ يجتذب كتلا من التفاعلات العميقة محليا ودوليا،رسميا وشعبيا وهذا يعني أنّ المقاومة -وعلى الرغم من تكلفتها الهائلة- برهنت على قدرة الشعب الفلسطيني على إلحاق الضرر الجسيم في صلب الإحتلال ورفعت من تكلفته المادية بما في ذلك البشرية عبر العمليات الفدائية وهذا مؤشّر على إجبار العدوّ على إعادة حساباته بعد أن غدت مناطقه مستهلكة للأمن لا مدعمة له، وعلاوة على هذا تجلت قدرة الفلسطيني على مغادرة مواقع الصّمت ليباشر كتابة التاريخ بدمائه الأمر الذي أحدث صدمة في جدار الوعي اليهودي الذي توهّم أنه إحتلّ الأرض، واجتث جذور أهلها، ومازال يروم المزيد لتكتمل الجريمة، غير أنّ جدلية الصراع هي التي ظلّت تصوغ العلاقة بين الغاصب والمغتصَب وتؤسّس للصدمة الحتمية لصياغة هذه المعادلة الأمر الذي كان سببا في ما مضى لتفجير إنتفاضة يوم الأرض عام 76 التي دفعت عشية انفجارها بالصهيوني "شامير" إلى أن يكتب: "إنّ الجيل الناشئ له طبائع سياسية مختلفة عما كان لدى جيل الوجهاء والمخاتير، إنه غير الذين ورثناهم عام 48" فماذا ترى يكتب -نفتالي بينيت-اليوم وهو يرى-بعيونه الدموية-جيلا فلسطينيا تتقاذفه الرّياح الكونية وهو منذور لمجد واحد ووحيد هو الإستشهاد؟..
ألا يدرك بطبعه الأحمق أنّ الغضب الفلسطيني ساطع، شامل،عميق وجارف..ألا يقول ولو بصمت خسيس: "إنّ الأسوأ لم يظهر بعد وسوف يأتي اليوم الذي تلاحقنا فيه السكاكين إلى حيفا ويافا".
وأنا أضيف: "ستطالهم صواريخ كاتيوشا المرعبة وقذائف الهاون وهم في قلب تل أبيب ينعمون داخل ثكناتهم بدفء شمس بدأ زمانها ينحدر صوب الغروب الأبدي،ذلك أنّ المخيال الصهيوني يتصوّر بأنّ سياسة بني إسرائيل من المنعة بحيث تكبح كل مقاومة وممانعة،إلا أنّ التاريخ علّمنا أنّ الغطرسة تخلق المقاومة،والهيمنة تفضي إلى الممانعة،فلقد تجرّع هتلر مرارة الهزيمة فوق ثلوج ستالينغراد حين أراد فرض منطق القوّة الأحادي على أوروبا والعالم كما أحبطت الصومال برمالها المتحركة سياسة القوّة وانهزمت قوّة إسرائيل-النووية أما إرادة الحياة على آلة الموت والإقتلاع بإنتصار الدّم على السيف.."
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ المقاومة الفلسطينية ودينامية صمودها وإستمرارها من بين ديناميات أخرى بدأت تصوغ معادلات جديدة تطرح مضامينها على المجتمع الدولي: ميزانالعدالة.. معيار الكلام عن السلم العالمي.. وظيفة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي..
وهذا يعني أنّ الشرعية الدولية لا تزال رهينة قيود مجحفة: الفيتو الأمريكي.. لغة السلاح.. المشروع الصهيوني.. التخاذل العربي، هذا في الوقت الذي لعب فيه الدّم الفلسطيني دورا متزايدا في إثارة الضمائر وبدأ يؤسّس لإستراتيجيات جديدة لكل الشعوب الباحثة عن المعادل البديل لفقدان الحقوق والقانون والسيادة بما يخلخل حالة الإستنفاع السياسي-الإجتماعي والثقافي في الوطن العربي ويسقط بالتالي وهْم الإركان إلى سلام بائس لاح في مضمونه أنكى من أية حرب.
ماذا بقي إذن؟
سيبقى السؤال مفتوحا على آفاق لا آخر لها تنبجس من ثناياها ملاحم شعب يرفض الإستسلام ويصنع مجده واستقلاله بدماء شهدائه ويكتب الملحمة الخالدة التي ستقتحم ذاكرة التاريخ كعمل جليل يوازي في عظمته الملاحم الكبرى عبر تاريخ الإنسانية جمعاء.
أما بخصوص القدس فلن تغتَصَب مهما تعجرف دولاند ترامب وتدحرج الجنون الصهيوني.. ومن فوهات البنادق سيكتب التاريخ ملحمة فلسطينية مذهلة ستسقط حتما كل الأوراق الأمريكية الماكرة في مستنقعات الهزيمة..
لست أحلم.. لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء من حسابات الآفاقين وحفاة الضمير..
محمد المحسن

الثلاثاء، 29 مارس 2022

الطفل بين التلقين والتطبيق بقلم الكاتبة ناريمان همامي

 الطفل بين التلقين والتطبيق

الطفولة عالم جميل مليء بالألوان و هي من أجمل المراحل في حياة الإنسان ولكن رغم بهائها وروعتها إلا أنها من أصعب مراحل التربية والتكوين ونحن بحاجة إلى دراسة نفسية الطفل ومعرفة رغباته وميولاته بلا أدنى إجبار أو إكراه ولكن على عكس مبادئ التربية القديمة فأمهاتنا تجهل سياسة الاختيار وقد تمت التربية في السابق على ٱسس ملقنة متداولة بين الأجيال فتعلم الأم ما تعلمته من والدتها والتي بدورها قد تعلمته من أمها قديما وقد ركزنا هنا على الأم لأنها العنصر الأساسي وعماد العملية التربوية في المنزل ولكن مع ظهور التكنولوجيا وتغير نمط الحياة وتطور العقل البشري الذي صار يعتمد على الملموس والمحسوس لا على المسموع أو الملقن بالإضافة إلى دور وسائل الإعلام التي كشفت بواطن المواضيع ونزعت الحجاب عن ميولات الطفل وأسراره المكبوتة داخله والتي غيرت عقليته وسلطت الضوء على أفكاره وذاك ما أوقعنا في فخ المقارنة بين الجيل القديم والجيل الجديد.

هذا ما أشعل حرب الأجيال وزرع العقد النفسية داخل العديد من الأطفال،

مما ساهم في قطيعة لن نقول بأنها جذرية ولكنها قطيعة جعلت كل جيل ينتقد الأخر.

لتجنب مشاكل أكبر قد تحدث مستقبلا وجب على العائلة إعادة برمجة العملية التربوية، وذلك حسب ما توفره الظروف والواقع الحاتمي، فعهد التلقين قد ولّى والتطبيق ليس بحل لمجاراة الواقع وما تقوم عليه البيئة السليمة وليس على الطريق السوي لطفل مسلم ومسالم، لذلك يجب التطرق لطرق أخرى تجعل من الطفل شخصية سوية نفسيا تقوم أساسا على الوسطية والاعتدال.

ناريمان همامي