توجّهنا الأقدار أحيانا دون أن نشعر الى الطّريق الذي كان لا بدّ أن نسلكه طوال حياتنا .
ذات مساء يوم جمعة، عندما تغيب أستاذ التربية البدنية بقيت انا وصديقاتي نتجول في ساحة المعهد . لا ندري ماذا نفعل حتى وجدنا نادي التصوير الشمسي.
وبدافع حبّ الاطلاع دخلنا علّنا نتعلّم شيئا نضيفه لمعارفنا خاصّة وانّ نادي كرة اليد حرمنا منه هذا الاسبوع. تقدّمنا من القاعة ووقفنا مع بقيّة المشاركين في هذا النّادي.
وهونادٍ مستحدث لأوّل مرّة سيفتح، ولحسن حظّنا انا ورفاقي.
لم نبق امام القاعة سوى بضع دقائق وجاء المنشّطان والمدير.
اصطففنا في الرّواق. فتقدّم منّا أحدهم وقال لنا بصوت جهوري شدّ انتباهي وبلغة دارجة نقولها :-خشّوا خشّوا... .....
التفتّ فإذا هو شابّ وسيم متوسّط القامة بهيّ الطّلعة جميل كجمال صوته الّذي علق بذهني.
له عينان جميلتان كغزال شارد تشعّان ذكاء وحيوية عليها مسحة حياء ،شاب ذاطابع ريفي مشرّب بالمدنيّة ...
ماأن التفتنا حتى أنزل عينيه المعبّرتين الضّاحكتين حياء... ودخلنا القاعة.
جلسنا وكنت وسط أصدقائي ألاّ أنّني أحسست بنظراته تطاردني وأحيانا تخترقني.
كل البنات اللاّتي هناك تنظرن اليه بدهشة لانّ بهاءه كان لا يوصف. لقد اخترق سمعي تهافتهنّ :-يااللّه ما أجمل عينيه! ورموشه الطويلة المعقفة بدون ماكياج! ولحيته كم زادته بهاء ووهرة! أما أنفه الدقيق كمنقار طائر جميل زاده جمال فوق جماله. وكم كان شعره اللاّمع بلون خيوط الشمس جذاب!
كنّ يتهامسن وانا أسمع وكأن الأمر لا يعنيني ربّما لأنّني أحسست أن اضواءه مسلّطة علي وانّه يتكلم ليشرح طول الوقت وكأنّني انا الوحيدة هناك.الشّيء الذي جلب انتباه أصدقائي الذين بدؤوا يردّدون
انّه لا يرانا بل هو يشرح اليها وحدها....
حتّى انتهت الحصّة. وجاء وقت التّوديع..
ودّع الجميع الاّ أنا ...لم أحسّ أنّه ماامتطى سيّارة العمل مع زميليه بل بقي يحادثني ويمشي معي حتّى وصلنا الى مفترق طرق .ودّعني على أمل اللّقاء في الحصّة القادمة .
مااستغربته هو أنّ المسافة التي قطعناها من المعهد الى أن افترقنا لم تكن قصيرة بل هي طويلة مشيناها معًا في بلدتي وكأنّنا نحن الوحيدين لم نعر انتباها لمن يرانا أو يتكلّم عنّا خاصّة وأنّ ذكرا وأنثى لا يمتّان بصلة لبعضهما ويمشيان وحدهما شيء يدعو للتّساؤل في مجتمع يعتبر ريفيّا و في بداية الثمانينات ...
تطرّقنا لعدّة مواضيع نتكلّم قليلا عن هذا ثمّ ندخل في ذاك .
ترى هل كان يتعرّف عليّ ويتسلّل الى خباياي وأنا كالحمقاء أجيبه ببراءة طبيعيّة عن رأيي ولم اعمل حسابا لهذا الاختبار ...
وبينما أنا ممدّة في فراشي بعد عودتي بساعات تبيّنت أنّني وُضعت تحت المجهر هذا المساء...
نمت ليلتي على صورته التي أفقت عليها في خاطري صباحا .
جاهدة حاولت التّخلص منها دون جدوى ...
أسبوع كامل عشت فيه صراعا بين قلبي الذي يضجّ به وعقلي الذي يحذّره من السّقوط في هاوية الحبّ ...
وجاء اليوم الموعود الذي سألتقي فيه أستاذي ألا وهو يوم الجمعة مساء في نادي التّصوير الشّمسي .
ذهبت على أمل أن أراه للمرّة الثّانية كي أصدّق بيني وبين نفسي أنّه من فصيلة الانسان وأنّني حقّا رأيته في المرّة السّابقة وحضيت بحوار شيّق معه والأجمل أنّه سكن قلبي ولم يفارقه بالرّغم من أنّني لم أشأ ذلك خاصّة وأنّني أنا الفتاة الطّموحة جدّا والتي تريد أن تكمل بعد الحصول على البكالوريا دراستها الجامعيّة .
كم حلمت أن أصبح محامية !!!
حثثت الخطى الى قاعة النّادي ترقبنا وقتا طويلا أمامها حتّى جاءنا صوت المدير قائلا :-ليس هناك ناديٍ اليوم هيّا يا أبنائي تفضّلوا بالانصراف .
وكأنّي به يصفعني ...
غادرت المعهد أجرّ أذيال الخيبة ...ولكنّي في قرارة نفسي حمدت اللّه لأنّني ما التقيته هذه المرّة .
ولكن ما علق بالذّهن وسكن ماعادت تقدر على محوه الامنيات ...
-ماهذا الضّجيج الذي يلازم قلبي ويطفو على السّطح كلّ مايمتّ له بصلة ؟
صورته العالقة بذهني ،حركاته ،سكاناته،ابتسامته وحتّى كلماته ...كلّ شيء فيه وحتّى أدقّ التّفاصيل ...
يا اللّه !أين المفرّ ؟
أيمكن أن أكون أحببته ؟ومن أوّل لقاء ؟
ولمَ لا ألم يكتب عن الحبّ من النظرة الأولى أغلب الأدباء وأغلب الشعراء ؟
ألم يقل فيه ابن حزم :الحبّ أعزّك اللّه أوّله هزل وآخره جدّ ؟
تقولون لي ان ابن حزم عاش في القرن الرّابع بينما نحن في القرن العشرين ...
وما الفرق بين النّاس في كلّ الأعوام ؟
يبقى الانسان انسانا مهما تغيّرت الأياّم ومهما تغيّرت الأماكن ...
ومن هنا ابتدأت رحلة البحث عن الحبيب من الطّرفين ...