الاثنين، 3 مايو 2021

حلم البارحة بأوجاع قديمة للكاتب محمد بن رجب

 حلم البارحة بأوجاع قديمة

...............

باحت لي العصفورة بخبر عاجل

أوحت أنه اليقين.

قالت :

أخبرتني نجمة شاهقة ذات سماء

في أفق المسافات البعيدة

أنها رأتني في عوالم جديدة .

لم تألفها فعلا ...

إحتارت في وصفها

هل هي البرزخ بالجنان السعيدة

أم هي الغيوم المتفجرة

في وجه تاريخ طويل موجوع ..

أو على كتاب قديم

يحمل حكايات زماني

منفلت من قلب طافح بالوجد مفجوع....

قالت العصفورة نقلا عن نجمتها الفريدة :

رحبت السماوات بالوافد المحلّق

بين الثنايا السرمدية

في لباسه الأبيض الأثير

سلمته للخزّاف

ذاك الذي كان شاعرا

أوصته خيرا بلطف كبير

كان يحبّك ذات أرض

ألم يصغ منك ولك أسطورة شعرية

فانزرعت توّا شجرة وارفة

تفاحها يخطف العيون

إعتلتها البلابل القزحية

وانطلقت في أناشيد المدح

هو مدح للقادم الجديد

تسلب بحزنها الغنائي عقول الشاردين .

قالت لي العصفورة في يقين

نجمك سطع فجأة

وانبجس منه ضوء أنار الحائرين

كانوا قادمين على أكفّ لا نراها

باحثين عن مصير ...

كنت لا تبحث عن أمر ولا جمر

كنت واثق الخطوة تمشي

عيونك أبرقت بنور بهيّ ...

إنها هي ..

نعم... فعلا ...هي

إنها هي.... بصمتها السنيّ

إنها هي .... بوجهها النبيّ

كانت تبعث نسائم الحنين

تحت تفاحة الانتظار

كانت ملاكا

أو هي كالملاك ...

لم تتغير

وابتسمت

فانفجرت السماء نجوما

تلألأت الجنان بالحنين

وصفّقت طيور الحب البهي

وغنت للخلود ..

تلك السماء سماك.

فٱقطف منها مباهج دنياك ...

سر نحوها ..

واقرن بهاءها الناصع ببهاك.

محمد بن رجب

 


(رسالة واضحة المعنى للموهوم بالزعامة الثوريّة) بقلم الأديب المختار المختاري 'الزاراتي'

 ملاحظة: في بعض المباشرتية والبذائة ضرورة تاريخية.

(رسالة واضحة المعنى للموهوم بالزعامة الثوريّة)
من ثقب الشمس
انبثق الوجه العار
من باع الثورة والثوار للأعداء
من سكن مصرف الدولة
ليعوض كذبته بقذرات الصرف
وصادر ضوء النهار
عن أعين الغد الصاعد
من روج كذبته سلعة ثوريّة
وغدر بالفقراء الكادحين
وجعل من اسمهم عملة الزعامة التجارية
من خلق القطيع
وأشاع الهزيمة في فراغ عقولهم البسيطة
وسكب النار على الهشيم...
من ركع في حرم الصالحين استعطافا
واستجداء لأصوات السقوط
من انزل سرواله تحت القدمين
حتى شاع عراء إسته في نشرات الأخبار
حتى مسح القاع به
واشترى الذلّ
بقرابين ممن زرعوا في نقاوة الأفكار
وقوّة الأشعار...
هذا الصوت يأتيه من جلاميد الزمان
يجندل ذاته
ويزلزل كيانه الفارغ مثل تبّعه من الرعاع..
ليكشف لليل حقيقة الذي اشترى المال
وقدّم الرفاق أضاحي
باعهم للأعداء على بساط الضياع
هذا الصوت الذي يعلوا ولا يعلا عليه
هو الرمز الذي وارته الأيام
حتى لا يندثر
أو يشترى ببخس
فهو لا ينشر ولا يذاع
هذا الصوت المستتر في الشوارع
بين خلق الجياع
تنبؤك يا كارتون زمانك تستتر في جلد حمل
وأنت لا تعدوا سوى زعيم الضباع
صدق قول الشاعر فيكم
قطيع من بهائم
معدة للتصفيق
مجبولة على الصراخ
ماع... باع... ماع... باع
هذا زمان الردّة المفضوحة
والخيانة المكشوفة
إذ تعانقا في زيجة سقط المتاع
والدرس واضح صريح
لا يستر عورته قماش مخمليّ
ولا زيف يكسوه شرفا
ولا حتى تمثيل البغال يعليهم فوق نجم
هموا عنوان الخيانة والانصياع...
كم قبله من واهم طول الزمان
وديمومة الحال
والريح إذا ما عصفت قصفت كلّ كراسي العفن
بعد طول ليل واشتداد أوجاع...
هي الأيام دول
إن خبرتها علمتك
أن ليس في المصارف سوى غائط جيفة
صالح فقط لصنع جوقة
تبّع... للفتات المغموس في الدم
ومردة أشياع
لا خير فيهم ولا فضائل
سوى التطبيل وتمثيل
والظهور في التلفاز في جبة النقيّ الملتاع
حريّ أن نذكر بما في الخرقة من أسماء
مسحنا بها الوسخ العالق في مؤخرات البهائم
وتركناها في برك الآسنة
تفقس اليراع
ذي ألفي إذا
ذي ألفي منتصبة كعادتها
جاهزة لسد ثقوب الغدارين
وأنا جاهز لسدّ ثقب الزعيم
بألفي المنتصبة عمودا واثق ثاقب
رد مزلزل في زمن النزاع
أنا الذي ندّ لكلّ واهم أنه الأقوى
تاريخي فقط
يخبرك كم قبلك من أخرق به لوثة
صادف قبضتي فضاع...
أنا الذي إذا ما وقفت
أسقط كلّ كذبة مبثوثة لدسّ
واردع بقوّة الذراع
من للساحة نزاعا.../...
03/05/2021
المختار المختاري 'الزاراتي'
Peut être une image de une personne ou plus et personnes debout

في عشقي دروس ما كنت تقرؤها بقلم د. فوزية ضيف الله

 في عشقي دروس ما كنت تقرؤها

وفي صمتي كلام
يكسي الحروف لحما
والأشواق تضطرب
سلامي لورد شهي اللون
على خديك يشتعل
واني شعاع فتيل الروح
قد هده التعب...
رفقا بقلب ضاعت ثناياه
وطوبى لحب يحيا الى الأبد
فوزية ضيف الله
Peut être une image de une personne ou plus, plein air et crépuscule


الأحد، 2 مايو 2021

إطلالة على تاريخنا الإسلامي المشرق: اشراقات النصر..وتجليات نعمة الله العظيمة في شهر رمضان الفضيل بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إطلالة على تاريخنا الإسلامي المشرق:

اشراقات النصر..وتجليات نعمة الله العظيمة في شهر رمضان الفضيل
"الأمة التي لا تقرأ تاريخها لا تصوغ مستقبلها"..
رغم المشقة التي تتعبها الصيام أنفسنا، رغم الجوع الذي يأكل أحشاءنا ويضيق أنفاسنا، هناك قصص روائع مثليات تحكي لك عن عمق هذا الشهر المبارك العظيم، في كل أمم، توجد تواريخ خالدة وأيام لا تنسى ولا تمحى من سفر حياتها لما كانت لها أهمية كبيرة في توجيه مصيرها ومسارها، فللأمة الإسلامية أيام خوالد، وذكريات شواهد، حدثت في عمق هذا الشهر المبارك، موسم الخيرات والبركات،وإن سمينا هذا الشهر العظيم بشتى الأسماء مثل شهر الأمة، أو بشهر المواساة،أو بشهر التراويح،فإنه هناك تروايح أراحت أفئدة المسلمين وأزاحت عنهم عبأ الهموم والأزمات،فحقا لهو شهر الانتصارات الكبيرة،التي غيرت وجه التاريخ وأجراه من جديد،بدء من غزوة بدر الكبرى وفتح مكة،ومرورا بفتح الأندلس ومعركة بلاط الشهداء،وفتح عمورية،والحطين وعين جالوت ونهاية بحرب أكتوبر العظيمة.
ومن هنا،فإنّ المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورًا عجيبة،هذه الأمور ليست مصادفة،وكل شيء عند الله عز وجل بمقدار،سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان،من ضعف إلى قوة،ومن ذلٍّ إلى عزَّة.
ما أريد أن أقول..؟
أردت القول أن شهر رمضان الفضيل ارتبط بالجهاد بشكل لافت للنظر، حتى آيات الصيام في سورة البقرة -بدايةً من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلى آخر الآيات- تنتهي في ربع من القرآن،ثم يبتدئ ربع جديد، وثاني آية فيه تتحدَّث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 190-193].
آيات تحضُّ على الجهاد والقتال بشدَّة،والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس،إعداد للجسد،إعداد للأمة كلها..العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا؛ فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط بما لا يدعو مجالا للشك.
إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) :
لقد انتصر المسلمون تقريبًا على كل الفرق المعادية للإسلام في شهر رمضان، انتصرنا على المشركين في بدر وفتح مكة، انتصرنا على الفرس عُبَّاد النار في البُوَيْب، انتصرنا على الصليبيين في وادي برباط في الأندلس، وأيام صلاح الدين في فتح صفد، وانتصرنا على التتار في عين جالوت، وكذلك حرب التحرير العظيمة التي حدثت في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد؛ فالحواجز التي عبرها الجيش المصري تدخل في عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب، فكانت النزعة والتربية الإسلامية في الجيش ملموسة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت في أبهى صورها.
كل هذا دفع إلى النصر،وللأسف عندما بدأ الشعب يتغير وبدأت كلمة (أنا) تعلو بديلاً عن كلمة الله عز وجل، وبدأت مقولة: (أنا فعلت)، بدلاً من (الله فعل). لَمَّا حدث هذا حدثت الثغرة، وبدأ التأزُّم في الموقف، لكن على كل حال كان نصر رمضان سنة 1393هـ نصرًا باهرًا،كان دفعة قوية ليس لمصر وسوريا فقط،بل لشعوب مسلمة كثيرة على وجه الأرض.
وإذن؟
لا يوجد إذا عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا،يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات،وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا؛ لنظلَّ نتذكر الجهاد والانتصار إلى يوم القيامة.
محمد المحسن

السبت، 1 مايو 2021

قصص حبّ بقلم الشاعرة حميدة بن ساسي

 قصص حبّ

في ذاكرتي تراتيل أحباب
...وأبواب ....وأقفال...
وقباب من الألوان....وقصص حبّ...
وأهازيج أفراح...
في مقتبل العمر ...كنت ألعب
مع رفاقي...والجمال بيننا أخّاذ
دمية بيدي أداعبها
أنظر إلى عينيها
وتارة أحرّكها...وطورا أخفيها...
أخاف عليها من أيادي الرّفاق...
في مقتبل العمر... كنت أعدو
خلف الرّفاق ...أبناء الجيران إخواني...
تلك الأيّام تخاصرني...كنسائم لطيفة...
ذاك السّارق وذاك الجلاّد ...
كبرنا ولم نعد نلتقي...
نسينا الحبّ ...والصّغر ...ومقاعد الدّرس
والركض في السّاحة
بعد رنين الجرس...والمضغ ...والشّرب...
وجمال الرّوح ...وتصفيق المدير...
وهيبة المعلم وسكينة الذّات...
بين لحظة ولحظة
أتتني الصّور كأنّها غيمات
وقصص الحبّ
تحكي عن الأميرات المسحورات
وعن الفارس الّذي أنقذهنّ من السّحر
وسوالف العمر كالسّواقي ضاحكات...
أهازيج محبّة ...
صورة أمّي والكحل في عينيها
يرسم ذاك الجمال
وأبي بطلعته البهيّة
يقبل فيضاء المكان في قلبي
ويتّسع صدري اتّساعا
صور من الماضي ...فيض محبّة...
وتلاوين السّماء
وعربدة البحر ...ودفء الرّمال...
مشاعري على العالم
نوافذ...وجدّتي الّتي غزلت من الصّوف
مودّة...تروي عن الصّبايا والغول...
أين تلك المحبّة؟
غيّبتنا الأوجاع
وضعنا في متاهات المدن
والأخطبوط أصابعه حول الأعناق
ممتدّة...
أيّ فراق ينسينا المودّة الّتي كانت...
تعالوا نجمع شملنا
ونرجع الودّ كباقات ورد بين الجنان
وينزل المطر مدرارا
ليسقي قلوبا تشتاق لذاك الماضي...
أين ذاك الجمال ؟
غاب عن قلوبنا ...وغبنا عن ذواتنا...المرتدّة...
وجه جدّتي
وقطائف صوف ناعم ...وذاك المغزل...
والبخور ...ورائحة الورد ...والأرجوحة
معلّقة في شجرة التّين...وأصابع والدي
تدفعني في رفق...
وتسترسل الضّحكات في ذاكرتي
كالوجد...
حميدة بن ساسي
.
.
Peut être une image de 1 personne et plein air

الكابوس بقلم الأديب شعبان محمد البنا

الكابوس
لست أدرى أكنت فى تلك اللحظة أحلم . أم أننى أتخيل أشياء لا وجود لها.
ففى إحدى ليالى الشتاء الطويلة رأيت طابورا من الموتى يمشى أمامى . هيكلا عظيما يلتف بكفن مهلهل ويسير متخطرا ومن خلفه هيكل أخر يحمل فوق كاهله قطعة من الخشب ومن خلفه ثالث يجر خرقا قديمة بحبل من الليف وظل الموكب يسير أمامى عدة ساعات. ثم التفت إلي هيكل بساق واحدة وقال:
خذ بيدى يا أخى ..خذ بيدى فقد برح بي التعب ؛ فأخذت بيده حتى جلس إلى جوارى وكان يحمل لافتة من الخشب مكتوب عليها ( محمد البنا) يونية ١٩٧٤ .
وظل يلتقط أنفاسه برهة ثم قال:.
أن الحالة فى منتهى السوء . وضم أطراف كفنه المهلهل ؛ ولف ساقه العارية. ثم أخذ يحك ركبته بظفر التقطه من الأرض. فقلت متسائلا:
ماذا جرى يا صديقى؟
ماذا جرى. !!!
ألا ترى هذه الحزمة المهلهلة ..انظر الى هيكلى أمامك.! وقد أكله الدود أما ترانى؟
أن حياتى كلها تهاوت وتسألنى ماذا جرى!
أن كبريائى يوطأ بالأقدام. وأريد أن أحدثك عمرا كاملا عن العذاب الذى أعيش فيه .
تحدث يا أخى تحدث!!
اننى أقيم فى هذه القرافة القديمة فى هذه المقبرة على طرف المستنقع فى طرف القرية .
لقد تفتت أحد ضلوعى. الضلع الرابع أنى أربطه بفتلة من الدبارة. هكذا تتفتت كل يوم ونبلى فى ذلك المكان الموحش
دون أن يسأل عنا أحد. ولاحت المرارة والحزن على وجهه العظمى؛ مرارة وحزنا ضاعف من وقعهما المحاجر الفارغة
والأنف المخروق وعاد يغمغم. لقد مضى أربعون عاما على اليوم الذى رقدت فيه فى هذا المكان .
كانت هذه الأرض حينئذ حقول غناء . حول المقابر. وكان جيرانى من صفوة الطبقة الراقية ليس فيهم لص ولا شحاذ وكان الزوار يأتون كل أسبوع يسقون الصبار فى الممرات ثم جر علينا الزمن زيل النسيان فهجرنا زوارنا وبلغ منا البلى والتعفن هذه الحالة التعسة ..الحقول الخضراء خرست طيورها بعد أن ذوت ولم يبق هنا الا تلك الجميزة والنخلة إلى جوارها ترسل رأسها المنكسة فوقها بين أحياء لا يعرفون الخجل. !
لقد اشترى أحفادى منزلا فى مدينة كوم حمادة. اشتروها بهاتين اليدين الكادحتين وأنا الذى صنعت لهم حياتهم أعيش فى الوحل والظلام.
وتسألنى بعد كل هذا ماذا جرى؟
أن هذه المقابر لا يوجد فيها قبرا واحدا سليما يقينا برد الشتاء حينما ينهمر المطر. فلم نجد سوى تلك الجميزة نلوذ بها وأحيانا نصحو ليلا على الماء يجرى فوق ظهورنا باردا فنهب من مقابرنا وتساند بالألوف ونتعثر فى الوحل. والربح تصفر فى صدورنا الفارغة ونتجمع تحت الجميزة وقد تشبث كل منا بالأخر حتى ينقطع المطر فتعود حيث يستعير كل منا جمجمة أخيه ليغترف بها الماء من مقبرته .
أنظر إلى جمجمتى.انها مليئة بالطين .
أن من يأتى فى ليلة كهذه يشاهد العجب . لقد كان لى كفن جميل من القطن . وفى ليلة من الليالى المشئومة علقته على سور المقبرة فضاع ..سرقته جثة باسم ( ريا) وهي عجوز فارعة القامة لها سنان أماميتان وضلع مفقود وخصلة شعر واحدة ملتصقة بجبهتها وثلاث أصابع.
أتسمعنى...!؟
وظهر على وجهه تعبير رهيب وانفرج فمه عن ثقب أسود مرعب فدب الفزع فى قلبى ولكنه فاجأنى قائلا أنه يضحك ويغمز بعينيه. وقال بعد فترة من الصمت هذه هى حالنا يا أخى .
عشر سنوات يا أخى وهذه المقابر لا تطؤها قدم أنسان حتى تعفنت بمن فيها الرطوبة والمطر والديدان تأمرت علينا. فلم تدع قبرا واحدا سليما.
حتى مقابر عائلة البنا الذين كان الناس يتسابقون إلى تقبيل أياديهم تعال انظر ماذا تبقى منهم ..لقد رأيت أحدهم يقايض خاتمه الذهبي مع ماسح أحذية مات حديثا مقابل قطعة من الخيش يضع عليها رأسه ويتوسل أن يقبل الصعلوك تلك المقايضة..
أن أقصى ما يعنى به الميت هو متاعه القليل الذى يملكه جوف مقبرته وكفنه والخيشة التى يضع عليها رأسه هذه الأشياء التافهة فى نظر الأحياء لها كل القيمة عندنا ؛ وقد يصحو الميت منا فى نصف الليل لا لشئ إلا لقراءة اللوحة المكتوبة على واجهة مقبرته ويظل يرددها حتى مطلع الفجر
ثم يهبط إلى جوف المقبرة ليواصل ركوده.
أذكر أنه كان على واجهة مقبرتى منذ عشر سنوات عبارة تقول ( أيها الزائر اليا. قف على قبرى شويا. وأقرأ السبع المثانى
رحمة منك إليا.).
كنت أتغنى بها .وهى محفورة على الاسمنت. ثم تلاشت. محاها المطر و تعاقب السنين والأيام
أن حياتنا فى هذه المقابر مهددة بالفناء ولذلك نهاجر فلم نعد نطيق تلك المعاملة السيئة. التى نلقاها على يد أحفادنا .
إنهم يبنون مقابر جديدة لأنفسهم ويقيمون منازلا لكلابهم ومواشيهم ويتركون بيوتنا تنهدم فوق رؤوسنا .
انظر الى ماتبقى من قبرى؛ ومع ذلك كان يوم مماتى غرفة تليق باستقبال ملك خذه فأنا لا أستطيع بناؤه.اصنع له سقفا ونم فيه .
* شكرا.
* لا شكر على واجب
* هذه أقل تحية أقدمها لصديق. أن غرضى هو خدمتك.
فاقتربت منه وسألته: هل تسمح لى يا صديقى أن أنقل شيئا عن مأساتكم لقرائي. الأحياء.؟
* ماذا يفيد ؟ حتى لو ملأت كتاباتك صفحات الدنيا كلها أيها الصديق..
إلى اللقاء
إلى اللقاء
وتابع المسير مختفيا عنى فى الظلام.
**********************
شعبان محمد البنا
مصر
Aucune description de photo disponible.