النموذج الفكرى للتحول فى الأدب الألمانى لعصر التعبيريه - وسيله لعبور أزمات عصر الحداثه
بقلم د. رانيا الوردى
أستاذ مساعد الأدب الألمانى بكليه التربيه عين شمس
رئيس منتدى الحوار العربى الأوروبى بإتحاد الكتاب والمثقفين العرب بباريس
عضو الهيئه العلميه الإستشاريه بهيئه إنست الدوليه بفيينا الداعمه للحوار الثقافى القومى والعابر للقوميه منذ 2011 وحتى 2019 وعضو مجلس إدارتها منذ 2019 وحتى الان
عضو مجلس إداره الجمعيه العلميه بفيينا للكاتب النمساوى الثائر يورا صويفر منذ 2011 وحتى الآن
فى إطار عصور التحولات الكبرى التى تمر بها مصر والدول العربيه
أجد من الضرورى قيامى بعرض النموذج الفكرى للتحول فى الأدب الألمانى لعصر التعبيريه أى فى مراحل ما قبل الطفرات الإقتصاديه والتحولات السياسيه فى ألمانيا. وعرض هذا النموذج فى الأدب الألمانى لعصر التعبيريه ولاسيما لدى الاديب الألمانى الثائر إرنست تولر توضح من ناحيه كيفيه المقاومه السلميه الداعمه لإعاده بناء إنسان وإعاده بناء مجتمع فى عصور التحولات قبل الطفرات الإقتصاديه والتحولات السياسيه كما تدعم من ناحيه أخرى حفظ السلام الشامل فى مصر والمنطقه العربيه فى عصور التحولات الكبرى المصاحبه لعصر العولمه. توضيح فكر المقاومه السلميه فى تلك المرحله الفارقه فى تاريخ ألمانيا يوضح أن المقاومه لم تكن تتم فقط عبر المظاهرات السلميه والصحافه ومجلس الشعب ولكن كانت تتم فى الأساس عبر مقاومه فكر سائد فى عقليه الجيل المعاصر وفى الاجيال المستقبليه لضمان نشأه الجيل الجديد ومن ثم المجتمع الجديد.
عصر التعبيريه هو العصر الأدبى الذى ظهر فى العقد الثانى من القرن العشرين، حيث كثر الحديث عن النظره الماديه، التكنولوجيا، التصنيع، المدنيه، ثوره الإتصالات، البيروقراطيه وتعدد المذاهب الأدبيه. وفى هذه الفتره سادت عده أزمات ولاسيما أزمه الإغتراب، الفقر والحرب. وقد وجدت هذه الأزمات مكانا لها فى المدن الكبيره التى كان ينظر إليها بإعتبار أنها مركزا للفقر، للمصائب الفرديه والجماعيه، لإفتقار التواصل، لغياب معنى الحياه، للخوف، لغياب التفكير الميتافيزيقى وكذلك لليأس.
وجود أزمه شديده التعقيد فى الفتره الزمنيه لعصر التعبيريه جعل الأدباء فى هذه الفتره يعرضون فى أعمالهم الأدبيه نموذجا فكريا يسهم فى التغلب على هذه الأزمه. هذا النموذج الفكرى هو نموذج التحول الذى يشير به أدباء عصر التعبيريه إلى التحرر من عقليه الطبقه الوسطى التى تتسم بالولع بالمال والسلطه، الديكتاتوريه، التعالى، الأنانيه، قسوه القلب، الجمود الفكرى، الإهتمام بالمظاهر الدينيه وإغفال جوهر الدين. كما يشيرون به أيضا إلى عمليه مقاومه هذه العقليه التى قادت البشريه إلى الأزمات السابق ذكرها.
وعمليه التحول هى العمليه التى يمر بها الإنسان الجديد والتى تجعله قادرا على تغيير مجتمعه. فالمرور بهذه العمليه تكسب الإنسان الجديد السمات التى تساعده على أداء مهمته. ومن هذه السمات توجهه الإنسانى، إستعداده للتضحيه، تفوقه العقلى، نقائه، قدرته على المقاومه وتدينه الذى لا يظهر فقط فى لغته ولكن يتضح أيضا فى مواقفه الإنسانيه. ويشعر حشود من الأفراد بالإنجذاب إلى هذا الإنسان الجديد. وقد أوضحت الأعمال المسرحيه لعصر التعبيريه أن هذا الإنسان الذى يتحول يستطيع أن يلعب دورا فى تحويل مجتمعه وذلك عن طريق أن يقدم لبنى عصره من خلال سلوكه وتصرفاته نموذجا يمكن محاكاته وكذلك عن طريق أن يقدم فنا يعرض عمليه التحول. وهذا الإنسان الجديد يستطيع أن يلعب دورا مؤثرا فى تغيير مجتمعه فى حاله إذا راعى فى حاله تقديمه للنموذج الفكرى للتحول روح العصر.
والنموذج الفكرى للتحول والمعروض فى مسرحيات العصر التعبيرى لا يشير فقط إلى التحرر من عقليه الطبقه الوسطى والتى تتسم بلا عقل، الأنانيه، قسوه القلب، الديكتاتوريه والماديه، ولكن أيضا بمقاومه هذه العقليه. والجدير بالذكر هنا أن التحرر من هذه العقليه يتم من خلال رجوع الفرد إلى الله مما يجعله يمر بعمليه ينقى فيها من هذه السمات الذميمه. أما مقاومه هذه العقليه تجد مكان لها فى منزل الطبقه الوسطى حيث تنقل هذه العقليه، فى البرلمان حيث تسن القوانين وفى الصحافه حيث يتم توضيح خطر هذه العقليه. وتتمثل أهميه الأعمال المسرحيه للكاتب الألمانى إرنست تولر فى كونها توضح كيفيه القيام بعمليه المقاومه على المستوى الأسرى والمجتمعى بأسلوب سلمى يؤدى فى النهايه إلى إحداث التحول الفردى والمجتمعى بطريقه تدريجيه وسلميه.
ملحوظه: كاتبه المقال لم تشارك او تدعو لثوره 25 يناير على الرغم من الاقتناع بمبادئها تخوفا لتحول الثوره إلى ثوره دمويه مثلما حدث مع الثوره الفرنسيه. ويجدر الإشاره أن كاتبه المقال كتبت رساله الدكتوراه الخاصه بها فى النموذج الفكرى للتحول فى مرحله ما قبل الطفرات الاقتصاديه والتحولات السياسيه فى المانيا. وقد أشرف على هذه الرساله أ.د. مشيره سويلم رئيس قسم اللغه الألمانيه بكليه التربيه جامعه عين شمس آنذاك وا.د. زيجفريد شتاينمان الأستاذ الزائر الألمانى بجامعه الأزهر آنذاك.وقد تم نشر هذه الرساله عام 2009 فى واحده من أكبر دارات النشر بألمانيا. كما اشتركت عام 2010 فى اول مؤتمر الكترونى على مستوى العالم افتتحه بنظام الفيديو كونفرس رئيس الاتحاد الأوروبى وأمين عام منظمه اليونسكو. كما ترأست أحد الجلسات الالكترونيه فى هذا المؤتمر، التى دارت حول النماذج الفكريه فى العلوم الانسانيه لعبور الأزمة العالميه الراهنه بأبعادها الثلاثه ( الفقر والحرب والاغتراب). كما اقترحت وطبقت من قبل الثوره المصريه وحتى عام 2015 مشروعا يدعم الأمل لدى الشباب فى إمكانية العبور للمستقبل وإن ساد الظلام. كما دعمت من قبل اندلاع الثوره المصريه فكره انشاء مكتبه سياسيه فى الجامعات المصريه لدعم التربيه السياسه لشباب الجامعات باعتبارها مدخلا رئيسيا لدعم التحول الديمقراطى. ولم يكن قبولها عام 2011 لتكون عضو مجلس إداره الجمعيه العلميه للكاتب النمساوى الثائر يورا صويفر بفيينا إلا ايمانا منها بدور الثورات الإصلاحيه فى دعم إعاده بناء الإنسان والمجتمع. هذه الثورات الإصلاحيه على المدى الزمنى القصير والمتوسط والطويل عرضها الكاتب الثائر فى أعماله الأدبيه ليستحق عن جداره وإستحقاق أن يتم حفل تأبين له عام 2012 تحت رعايه رئيس جمهوريه النمسا لتاكيد تصالح الجهات الأمنيه مع الشباب الثائر فى مراحل ما قبل الطفرات الإقتصاديه والتحولات السياسيه.
تم نشر المقال لأول مرة عام 2018