الخميس، 2 فبراير 2023

همس_الروح بقلم الكاتبة عائشة ساكري_من تونس

 همس_الروح

على تلال الثلج
عزف يخترق أوردتي
يعانق الروح.....
هدوئي سكينتي
وهمس عنيف.....
يحرك أشجاني
ورشفة الحنين....
تقيدني وتؤسرني
على تلال الثلج
تأخذني قصيدتي
التي نسجتٌ أبياتها
بخيوط الصمت....
كلمات تعانق الوجد
وتأخذني بعيداً...بعيداً....
خلف سراب الحرية
وتثير شغف القلب....
على تلال الثلج
مقيدة أنا....
بين سراب النسيان
وحلم البقاء!!!!!
صمت بلوري مفاجئ
يكتم أنفاسي
يعيدني إلى مداري
وأساوري مكسورة
في معصميْ
تقيد صمتي
وتترحل بي بين
ثنايا عتمة بترها الزمن...
عبق طفولتي يذيبني
على نهديْ إمرأة إتّبعتْ
خطاها التي تنثر مروجاً
وتوقظ أرض حزينة
ذات يوم ما...........
دٌمرت معالمها وأسوارها
الشاهقة العتيقه..........
هنا صمت القصور
في أقصى الشمال
جليده صامد
وانا ك نسمة ندية
ترسل دفئها وتوقظ
قلوب تجمدت
مرت عليها سنون
عجاف....تكاد تموت
لولا بصيص الروح فيها.......بقلمي
عائشة ساكري_من تونس

قربان الحلقه الثانيه بقلم الكاتبة حورية اقريمع

  قربان


الحلقه الثانيه
مضى عمي علي مستبشرا إلى زوجته خديجة يزف إليها بشرى إعتزام الشيخ عبد الله خطبة بنتهما البكر. ولكنه فوجئ بها وهي تبدي معارضتها قائلة:
إن للشيخ ثلاث نساء وإنه رجل مزواج...ثم إن زينب لا ترغب في الزواج الآن بل تريد إتمام مسارها الدراسي ...زد على ذلك فارق السن كبير بينهما...فزينب بالكاد أتمت الخامسه عشر ربيعا بينما الشيخ يحمل على كاهله ستين حولا....
أخذ عمي علي يضرب كفا بكف ويحوقل: ولكن يا إمرأة لقد أعطيت الشيخ كلمة...لا ...لا....لا يمكنني ذلك...وبدأ يصرخ بفناء البيت حتى استيقظت زينب على صوته...لبست لحافها الأسود وانتعلت حذائها ا الممزق وخرجت قاصدة الفناء وجدته يجوب الساحة اقترب منها...وبدأ يحدق بملامحها البريئة ذات القسمات الطفولية....
عبثا يستجمع الكلمات كي يجعل الخبر بطعم البشرى وبنكهة الفرح ...أشار إليها أن تجلس على الدفة المقابلة وقال مخاطبا....:
زينب يا ابنتي...لقد طلبك الشيخ عبد الله للزواج فما رأيك؟!
....امتقع لونها وسرت في جسدها قشعريرة. التفت ساقاها الباردتان فجأة تسمرت مكانها من هول الصدمة وسط الفناء كصنم تحاول ان تنصت قليلا للصمت والفراغ بداخلها . هرولت إلى الداخل وهي تردد على مسامع والدها بأن ما يعرضه عليها ضرب من الجنون...
صار عمي علي في موقف حرج إزاء شيخه عبد الله ولكنه لم يجد من خيار آخر غير إبلاغ الشيخ عن طريق تابعه الأقرب بأن ابنته زينب رفضت فكرة الزواج وأنها تريد إتمام دراستها....
في تلك الليلة الليلاء من ليالي فبراير الباردة حيث الريح العاوية تصك آذان النوافذ والأبواب فتئن البراغي وتتململ المتارس ..بعد صلاة العشاء جمع الشيخ عبد الله أتباعه الذين يعتمد عليهم في إنجاز المهام الصعبه, لم يكن له أن يقبل بسهولة أن يرفض له طلب وخاصة من ابنة فلاح بسيط...
انفض الإجتماع بزيادة الضغط على عمي علي حتى يرضخ لطلب الشيخ وتلين ابنته رغما عنها وقد وسوس له أحد أتباعه أن يحرق محصوله الزراعي.
كان الضغط الذي يتعرض له عمي علي من زبانية الشيخ ينعكس على زوجته وعبرها على زينب...بعد أيام لم تعد هذه الأخيرة تستطيع تحمل كل هذا التوتر الذي يخيم على المنزل
فكرت مليا في الأمر.....
.....يتبع
حورية اقريمع
Peut être un dessin animé

..... كابوس..... بقلم الكاتب صالح مادو

 ..... كابوس.....

انفجرت ليلتي الهادئة
ماذا حدث لمدينتي
لأمتي...
ماذا أرى؟
عيون الماء جفت
الأرض جرداء صفراء
ماذا يدور في ذهني
لماذا اركز على اللون
لقد رأيت نفسي
أحب القتال
وطني الان
أعزّ جزء في حياتي
كنت فزعا في حلمي
استيقظت فجأة
زال الكابوس
لكن أشعر بألم في جسمي
واصابعي تؤلمني
هل اتعذب هكذا؟
في ليالي الشتاء الطويلة
غيرة عن مدينتي
اسهر لأجلها
لأكتب لها
كل هذا الخوف
من أجل
ان تبقى مدينتي
صامدة....
هذا ما يدور
في فكري
أكتب نص بعد نص
عنها.......
ستبقى وسوف
يزول من كان
ضدنا
........
صالح مادو
المانيا. 30/1/2023

هل هناك حد ما يجب أن تقف عنده مقولة «المعاني مطروحة في الطريق»؟ بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 سؤال لجوج :

هل هناك حد ما يجب أن تقف عنده مقولة «المعاني مطروحة في الطريق»؟
تصدير :
الإبداع قادر على خلخلة الذاكرة واكتناه صيرورة الواقع..أما سطوة المستبد فلن تفلح في ضعضعة انثيالات الروح..والحد من وميضها الشفيف..
قد لا أبالغ اذا قلت أن لولا «النقد» في الصحف، لظللنا الى اليوم نجهل مؤلف الرواية الرائدة «زينب»،فقد وقعها صاحبها آنذاك باسم «مصري فلاح» لأنه كان يخشى على مركزه الاجتماعي كمحام ينتمي الى الأرستقراطية من ذيوع الخبر المثير،وهو أنه كتب «رواية أدبية»..
هكذا ظهرت رواية هيكل الأولى مجهولة المؤلف،ثم جاء استقبال النقد لها مشجعا الناس على قبول هذه «العجيبة»ومشجعا للكاتب أن يظهر «وعليه الأمان» كما يقال. كذلك لولا استقبال طه حسين لمسرحية «أهل الكهف» الرائدة لتوفيق الحكيم،لظل مفهوم المسرح كما كان هو العرض الغنائي التمثيلي لا «أدبا محترما» كما جرأ طه حسين أن يصف عمل الحكيم،ثم «النقد» الشجاع الذي وجهه العقاد لأمير الشعراء أحمد شوقي، وما أثاره في ذلك الحين (1921) من قلب للمقاييس وانقلاب في الموازين، مقاييس الشعر وموازين البناء،وإنما نحن في عصر اللهاث وراء لقمة الخبز بأسهل الطرق،عصر التعليقات السريعة على كتاب يعيدون ما كتب على ظهر غلافه بصيغ اخرى،أو مسرحية تتفوق فيها الممثلة على نفسها،أو فيلم ينتهي بسهرة ممتعة مع نجومه،أو كذلك وهذا هو المؤلم نص ابداعي تثار من حوله الزوابع وتتناسل بسببه التهم حاملة في ثناياها عناوين مؤسفة: سطو أدبي أو «لصوصية أدبية» الامر الذي يضيف الى ركودنا الفكري وافلاسنا الثقافي ما لا قدرة لنا على تحمله..
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: هل تردت أوضاعنا الفكرية والأدبية وسقط بالتالي خطابنا الابداعي في وهاد الترجرج والانحطاط الى درجة أصبحنا فيها «غزاة مدينتنا» نكيل لبعضنا التهم ونتراشق بالألفاظ، هذا في الوقت الذي يتنافس فيه «الغرب المتقدم» على احتضان مبدعية والاحتفاء بما أفرزته قريحتهم الابداعية بجهد غير ملول،وترشيح كبار مبدعين للفوز بنوبل العظيمة؟..
هل شحت ينابيع الابداع في ربوعنا وكلت أقلامنا وعجزت بالتالي على الخلق والابتكار وأصبح الواحد منا «ينهش لحم أخيه» و«يسطو» دون خجل أو وجل، على ابداعه وعصارة قريحته وكل ما «بناه» ابداعيا» بحبر الروح ودم القصيدة؟..
قد لا أحيد عن جادة الصواب اذا قلت أن المشهد الابداعي ببلادنا ما فتئ يتغلب فيه الفتق على الرتق بعد أن غص حد التخمة بأقلام تتجسس بالكاد دربها الى الابداع وتلهث متبعة خلف «الأضواء»..
ولا عجب في ذلك طالما أن الواحد منا بامكانه أن يتحول بقدرة قادر الى شاعر فذ تشد له الرحال،بمجردة قصيدة يكتبها وهو يتثاءب وتتلاقفها لاحقا «أقلام» النقاد لتصنفها ضمن «الابداع العجيب»..!!
قلت هذا،وأنا أقرأ ما تكتبه بعض الصحف حول «اللصوصية الأدبية» ببلادنا،ولكأن هذه الظاهرة المرضية استفحل داؤها وغدونا عاجزين على استئصالها وأمست بالتالي مرضا عضالا لا فكاك منه..!
على أية حال،كان بامكان كتابنا الأفذاذ الانصراف الى ما ينفع الساحة الثقافية عن ابداع خلاق تخاض به كبقية الأمم معركة الوجود والنهضة من الركود والترجرج، وأعني معركة درء التخلف، أفضل بكثير من خوض معارك جانبية لا تعبر في جوهرها عن الاختلاف الأدبي،ولا عما يضطرم به باطن المشهد الأدبي الابداعي من تناقضات،هي بالأساس ظاهرة صحية في عالم ممزق النفس والجسم..
قلت هذا،وأنا أتحسر على ما تشهده ساحتنا الثقافية بين الحين والآخر من اتهامات متبادلة بين بعض المبدعين..
من ذلك مثلا سطو فتاة مصرية على رواية “العراء” للكاتبة التونسية حفيظة قارة بيبان وإعادة نشرها في القاهرة منسوبة إليها.أو إقدام باحث مغربي على نشر دراسة نقلها عن مقال كان نشره الجامعي التونسي محمود الهميسي بمجلة “الموقف الأدبي” بدمشق عام 1996،دون أن يذكر المصدر.
والحق أن هذه الممارسات سمة من سمات المرحلة،فقد صار الفساد حالة عامة،يأتيه المهرب والسياسي ورجل الأعمال تكديسا للثروة، ويأتيه الفقير إشباعا لرغبة، ويأتيه غيرهما لؤما ونذالة.
قد يكون مثال الفتاة المصرية تعبيرا عن رغبة في تسجيل حضور لا تملك مؤهلاته،ولكن ما يأتيه الأكاديميون هو سقوط أخلاقي،لأن سرقة الرسائل العلمية تحولت إلى ظاهرة،بدأت بسرقة فصول وأبحاث ثم انتهت إلى سرقة كتب بأكملها،تحت إشراف عصابات منظمة تشتري ذمم بعض الأكاديميين.
ومن دون الخوض في التفاصيل حفظا لعفتي الثقافية،وكرامتي الأدبي وانتصارا مطلقا للمشهد الأدبي الإبداعي بتونس أو ببقية البلدان العربية،وما يزخر به من أقلام تكتب بجسارة وتصوغ إبداعاتها من خلف شغاف القلب يدعوني الأمر إلى الحرص على نقاوة مشهدنا الابداعي من كل الشوائب وسعينا الحثيث للارتقاء بمستوى وعينا الأدبي لأعرض شريحة قارئة،يحتم علينا جميعا إيلاء هذا المشهد ما يستحق من ابداع واعد من شأنه ترك بصمات واضحة على حركة الابداع الفني برمتها،بمنأى عن التراشق بالاتهامات الزائفة.
ويبقى السؤال : هل هناك حد ما يجب أن تقف عنده مقولة «المعاني مطروحة في الطريق»؟
يقال إن السرقة بأنواعها المختلفة شبيهة بحالات الإدمان أو المقامرة أو الشراهة في الأكل، بحيث يرتفع مستوى الأدرينالين في الجسم إثر القيام بالعمل، ليشعر المرء بحالة من اللذة الفوريّة والنشوة العارمة.
بالنظر إلى خبايا ودوافع السرقة الأدبية،سنجد أمامنا عدة احتمالات :
فهي قد تكون مرضًا نفسيًا عائدًا إلى شعور بالفشل؛إذ قد يحاول السارق الاختباء خلف أعمال الآخرين ونجاحهم،وكأنه يريد أن يرتدي قناع الآخر لتخبئة ضعفه فيلجأ للسرقة ليثبت وجوده، أو لربما هي حالة ناتجة عن رغبة في الانتقام من نجاحات الآخرين،أو من الممكن أن تكون عائدة إلى مشكلة في التنشئة وفي طفولة السارق وسوء تربيته.
وقد يكون السبب بكل بساطة انعدام قدرة السارق الأدبية ومحاولة الوصول واكتساب الشهرة والتباهي أمام الجميع بما ليس له عن طريق اتخاذ كاتب آخر ذي قدرات عالية سلّما للوصول إلى المبتغى المطلوب.
كما لا يسعنا التغاضي عن احتمالية الغيرة المرضية التي تنعكس في عدم احترام الذات والخوف والبغض،وتؤدي إلى السرقة كتغطية لهذا الفقدان الكبير.
وهذه الغيرة تولد أحيانا من إعجاب السارق المفرط بالنص ورغبته بأن يكون هو صاحب التقدير والإطراء،وكأنه بذاك الفعل يوهم نفسه ويخدعها،ثم يصدق أنه صاحب القدرات الفكرية والإبداعية والثقافية،وليس الآخر المسروق منه.
وهذه أقصى حالات المرض.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عامل الكسل الذهني والبلادة الفكرية يعتبران دافعًا لكثير من لصوص النصوص لكي يحصلوا على ما يبتغون دون أدنى مجهود يذكر وكأنهم يمارسون هواية ترفيهية.
مع انتشار التكنولوجيا وعالم “فيسبوك” الأزرق و”«تويتر”،أصبحت أبواب السرقة والأسوار كلها مشرعة ومشجعة على السرقات الأدبية،في ظل غياب أي تحرك جدي حازم لحل المشكلة قبل أن تصبح آفة المجتمع الثقافية الأولى.
وتبقى أيضا بعض كتاباتي بالصحف التونسية والعربية معروضة على الأرصفة وقارعة الطريق،تتلاقفها أحيانا -بعض الأقلام المأجورة-دون خجل أو وجل-وتنسبها لنفسها المريضة..
وأرجو أن تصل رسالتي إلى عنوانها الصحيح
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne


و أعود إليك بقلم الكاتبة نهلة دحمان الرقيق

 و أعود إليك

أهرب منك في كل لحظة
في كل جفوة
في كل غفوة
في كل شهقة
لأعود إليك في كل موسم
في كل فصل
في كل يوم
بكل عذابي
بكل اشتياقي
بكل لهفة
أهرب منك في كل دفقة
في كل رعشة
في كل رجفة
لأعود إليك
في كل دمعة
في كل بسمة
في كل ضحكة، في كل خيبة
بكل انكساري
بكل انتصاري
بكل حنيني
بكل شهوة
نهلة دحمان الرقيق
1/2/2023
Peut être une image de 1 personne, fleur et texte qui dit ’Have A Beautiful Day’

تحقيق صحفي حول تجليات أزمة المثقف العربي..في ظل راهن مأزوم.. أجرى التحقيق الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تحقيق صحفي حول تجليات أزمة المثقف العربي..في ظل راهن مأزوم..

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ التجارب التاريخية في الوطن العربي تشير إلى مرض الاغتراب والتهميش والإقصاء الذي عانى وما زال يعاني منها المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان كلها عوامل أدّت إلى اغتراب المثقف العربي وتهميشه سواء داخل وطنه حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي لأنه إذا فعل ذلك مصيره يكون مجهولا،أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع، لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء.
والمثقف مهما كانت الصعاب والمشكلات والعراقيل يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للفكر والإبداع.
في هذا السياق سألت الشاعر التونسي القدير جلال باباي قائلا :من هو المثقف؟ وهو سؤال يُطرح ليتمّ تعريف وتحديد الصورة الحقيقية،بعيدًا عن الخلط والغوغاء وسط كل التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة العربية.
فأجابني بتواضعه المعهود: "المثقفون كتلة الوعي الفاعل في المجتمع وأحد أهمّ مصادر قوته وتأثيره وتدبيره،فهم يشكلون الجمال والمعرفة مُحطمين القبح والجهل.."
مع المثقف،نحن إزاء فكر نابض بالحيوية والتحدي وتخطي الرموز والأفكار الراكدة،ليصبح منهجًا ووجهة نظر وأسلوب تصوّر تُغذيها الخبرة والتفرد،لكن يظلّ في المفهوم الاصطلاحي هو الناقد الاجتماعي، مهمته أن يحدّد ويحلّل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل.
وفي تعريف المُثقّف ككلّ صورة للمفهوم العام في الثقافة العربية الحديثة.يستشهد الشاعر التونسي الكبير طاهر مشي (المدير العام لمؤسسة الوجدان الثقافية) بمقولة لداريوش شايغان (2 فبراير 1935 -22 مارس 2018 ) مفكر إيراني معاصر بارز و منظر اجتماعي مختص في الفلسفة المقارنة،اشتهر بكتاباته عن الحضارات الشرقية و علاقتها بالحضارة الحديثة و طريقة تمثلها للحداثة الذذهنية و قيمها و الاختلافات الكبيرة في بنية هذه الحضارات لدرجة التناقض،هو أول من استخدم مصطلح حوار الحضارات و ذلك في مؤتمر عقد في طعران 1977 حظي بمتابعة و ثناء دولي كبيرين: "المثقفون يبدون محاربين أكثر ممن هم مفكرين يتأملون بهدوء وراء طاولات عملهم."
لكن ما نلاحظه في الحقبة الأخيرة يُظهر جليًّا تلك العلاقة المُعتلّة بين المثقف مع مجتمعه،وعدم نجاعته في إحداث تلك الخطوة الفارقة لإيصال صوته ووضع بصمته في ركب الحياة ككل،فنحن نرصد عزلته وكذلك العجز عن إدراك التحديات والتحولات التي تمرّ بها الأمة العربية،وأحيانًا يصبح مجرّد عابر يتبع الصفوف في آخر الركب،وهذا الأمر جعل فئة من المحللين تٌحمله مسؤولية كل الازمات.
ورغم مشاهد التواجد لمثقفين وكتاب عرب في منصات تلقي الضوء عليهم وعلى نتاجهم الفكري والثقافي الغزيز (روايات، قصص،مسرحيات،شعر،نقد، مقالات،حوارات... إلخ) لكنها لا تبرز كل الحقيقة،بل تكاد لا تخلو من الاستفزاز الذي يُروّج لأهداف ما تظل نمطية ولا تتجاوز تلك التحديّات المناطة بعهدته، ومن جهة أخرى وجد المثقف العربي نفسه مُكّبلًا بأنظمة تعيق تأثيره الملموس في سائر الحركة الثقافية أو بالأحرى التوعوية.
لكن حسب آراء بعض الباحثين،فهو مطالب بحراك مع منظومة كاملة للفكر المعاصر لصقل التقارب والتحاور مع الآخر في ظل تمازج مع الزمان والمكان.
في ذات السياق،يعزو -طاهر مشي عجز المثقف عن التأثير في محيطه وتطوير ثقافة مجتمعه،إلى طبيعة الحلول التي يقدمها والتي لا تتوافق مع طبيعة المشكلات التي تمرّ بها الشعوب العربية في الوقت الراهن.."
وإذن؟
إذًا،فالتفاعل الفكري المُنعش للثقافة مرتبط أساسًا بالتقارب والتواصل،ومرهون بالمعترك الفعلي للثقافة والفنون بالساحة الفكرية وبالمثقف،بما يدور فيها من فكر،وللمجلات الثقافية الدور الأكبر في الإنعاش الفكري كما تطرقت إلى ذلك الشاعرة المتميزة فائزة بنمسعود،إذ تقول:" حين يتم الإعلان عن ولادة مجلة ثقافية فهي ولادة حقيقية لحياة يتنفس من خلالها المثقف،ويطلق حمامات فكره في فضاء يشعّ بالتجديد، مخاطبًا العقول ومشركًا طيوف الأرض لتدور في فلك التكوين الجديد للخطاب المتسامي مع النور والتنوير."
تجليات أزمة المثقف :
تجليات أزمة المثقف العربي اليوم تتمثل بحالة الانكشاف القيمي الكبير،التي سقط من خلالها كثير من أدعياء الثقافة ورموزها الذين كشفت الأزمة عن تناقضاتهم مع أبسط المسلمات الأبستمولوجية ورطاناتهم الأيديولوجية.
فبعد نضال البعض منهم طويلا،تحت لافتة تعزيز قيم العصر الثقافية كالديمقراطية وحقوق الإنسان،إذ به يسقط في أول اختبار واقعي بمدى إيمانه بتنظيرات نضالاته تلك،كالديمقراطية التي ناضل من أجلها طويلا،ها هو اليوم يقف ضدا منها ما دامت لم تأت به وبفريقه للسلطة.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
أين نحن إذا من تحديات الألفية الثالثة ومن القضايا المصيرية التي تواجه وطننا العربي وحالة المثقفين في هذا الوطن الكبير على ما هي عليه من اقصاء وتهميش واستئجار،سواء تعلق الأمر بالمثقف المهاجر أو المغترب او المستأجر او المهمش او الذي اقصته القوى الخفية ومسحته من خريطة المجتمع؟!
حالة لا تستطيع ان تؤهل المثقف مهما كانت فصيلته من القيام بذلك الدور الريادي في المجتمع،ذلك الدور الذي حدده نعوم «تشومسكي» في اشهار الحق في وجه السلطة،والذي حدده الفيلسوف الايطالي «غرامشي» في دور المثقف العضوي الذي يحمل هموم المحرومين والمهمشين والذي ينظر وينشر الوعي والفكر من اجل انتصار الغالبية العظمى في المجتمع على القلة القليلة التي تتلاعب بثرواته وخيراته.
مسئولية المثقف العربي تزداد يوما بعد يوم في عصر لا يرحم،وفي عصر زالت فيه الحدود بين الدول وزالت فيه الطرق البوليسية والمخابراتية في الرقابة والاستعباد والاستئجار،فعصر المعلومات فرض ويفرض نوع جريء من المثقفين يتمتع بالتفتح والحوار وبالنقد والنقد الذاتي وبالموضوعية والأمانة العلمية وبالجرأة في الطرح والتحليل والنقاش بعيدا عن المصالح الذاتية والحسابات الضيقة.
وهنا تقول الشاعرة التونسية الألمعية نعيمة مناعي :"من حق الشعب العربي ان ينعم بمثقف يكون في مستوى الطموحات والتحديات ويكون عند حسن ظن هذه الجماهير التي لا تنتظر سوى اتاحة الفرصة لمنافسة الشعوب المتطورة والمتقدمة واللحاق بعجلة التطور والتقدم والازدهار.فلا مستقبل لأمة بدون مفكرين ومثقفين ومنظرين ينتقدون الباطل ويدافعون عن الحق ويحملون هموم المحرومين والمهمشين بعيدا عن شهوات ونزوات السلطة. "
ختاما لا يسعني إلا أن أتوجّه بالشكر إلى الشاعرين الكبيرين د-طاهر مشي (المدير العام لمؤسسة الوجدان الثقافية) وكذا الشاعر المتميز تونسيا وعربيا جلال باباي اللذان شجعاني على صياغة هذا المقال عله يحرك بعض المياه الراكدة في ظل ساحة ثقافية اختلط فيها الحابل بالنابل إلى درجة لم نعد نميز أحيانا بين الغث والسمين..!!
محمد المحسن