الخميس، 14 أبريل 2022

* أنا كما أنا* بقلم الشاعر كمال العرفاوي

 * أنا كما أنا*

أنا كما أنا
هادئ الطّبع
في العادة
شديد الغضب
أحيانا و زيادة
قلبي حديقة حبّ
أجمل من كلّ الجنان
مليئة بأزهار الودّ و الحنان
عطرها أفوح من شذا الفل و الياسمين
و السّوسن و النّرجس وكلّ الورود و الرّيحان
أنا كما أنا
بحر هادئ
من العشق و الهيام
ونهر مليء بالعطف و الحنان
و غابة ودّ من أشجار الصّنوبر و الزّان
و من نخل باسقات و أشجار زيتون و عنب و رمّان
أنا سيّد الغرام و المحبّ الوفيّ لزوجته العاشق الولهان
أنا كما أنا
حصن حصين
لعائلتي الصّغيرة
و لإخوتي و الأخوات
و لأصدقائي و الصّديقات
و لكلّ من يريد الأمان في كلّ حين و آن
فأنا شجاع بما فيه الكفاية لا يهاب الموت و يعشق الحياة
أنا كما أنا
شهم مخلص
معطاء خدوم و زيادة
عزيز النّفس أنوف قويّ الإرادة
أمين نصوح خلوق متواضع كالعادة
محبّ للخير دائم التّشجيع للغير صاحب الرّيادة
أنا كمال و لست بِكامِل و لكنّي أسعى للنّجاح لأجله عامل
كمال العرفاوي
Peut être une image de 1 personne et costume

* مجمع الأماني - بقلم الشاعرة روضة بوسليمي

 * مجمع الأماني -

أسرّ للطّائر الذي يستريح على أناملي
المنشغلة بتعديل نوتات روحي ،
ببضعةٍ من سرّي العظيم :
- أن تكون ذاك الإنسان الذي في البال
أمر محفوف بالمشقّات ...
أن تُسمِع الأمداء
آياتِك المقدّسةَ ،
لحنا يرافق الشّروق ،
لهو من الصّالحات الباقيات
إذ ما أحوج القلبَ إلى النّور !!
يا غابة من شجر الزّيتون !
كم نشتاق عناق الشّروق !!
وقد اعيتنا ابتسامة القيد
على خصر السّيف المسلول
لك أعشاش الدّفء يا سرب الطّير
الذي علّمني كيف أصنع المستحيل
ومرحى لي بعودك الميمون
يا من خبرت مشقّات السّبيل
ولأنّ لي في الخيال أشرعة بيضا
سأدّخر محاصيلي في سنابل القلب
حتى إذا ما أزف الفرج
يضّاعف لي في النّبض
تقول العرّافة :
- إنّ الحواريين سيحيطون
بكلّ ذي فؤاد
يفوح بالصّدق المكنون
حين يتخطّفنا الصّمت
ويكون ما في سِفر الصّدر
أعظم من كلّ اللّغط ...
فسلام ولطائف الشّعر
على أفئدة تبتهل للخلاص
حتّى تبلغ مجمع الأماني
------------------روضة بوسليمي
Peut être une image de 1 personne et montre-bracelet

القصة القصيرة جداً.. رؤية تأصيلية كتاب نقدي جديد للكاتب والناقد د. محمد ياسين صبيح متابعة الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 القصة القصيرة جداً.. رؤية تأصيلية كتاب نقدي جديد للكاتب والناقد د. محمد ياسين صبيح

صدر للكاتب السوري د. محمد ياسين صبيح عن دار خطوط وظلال في الأردن الكتاب النقدي الجديد الذي يهتم بالقصة القصيرة جدً، هذا الجنس الأدبي الجديد نسبياً والذي يحتاج إلى المزيد من الدراسات النقدية التي تفتح أفاق الكتابة الإبداعية.
يحتوي الكتاب على الكثير من الفصول التي تناقش وتدرس الكثير من المواضيع مثل (التناص والشعرية والتجريب والخطاب السردي الخاص بها، وإلى علاقتها الحساسة بالشعر النثري وتداخلاتها معه، والذي يعتبر إشكالية كبيرة ترافق الشعراء وكتاب القصة القصيرة جداً، والى الغوص في تعالقاتها مع الثنائيات اللغوية والضدية وغيرها من المواضيع)، والتي ستساهم في خلق رؤية إبداعية جديدة لها، وتعزز الفهم الأفضل لماهيتها السردية ولتقنياتها المتعددة.
يقدم الكتاب دراسة شاملة عن كل ما يتعلق بالقصة القصيرة جداً مدعّم بالكثير من الدراسات التطبيقية للعديد من الكتاب العرب، وتأتي أهمية الكتاب من خلال محاولته تقديم رؤية تنظيرية ونقدية للكثير من المواضيع الخاصة بالقصة القصيرة جداً،فهي لا زالت تحاول أن تجد لها مكاناً راسخاً على الساحة الأدبية،من خلال ترسيخ أحقيتها الأجناسية وتقنياتها السردية وتأصيل الحالة النقدية والتنظيرية لها،من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة في دراسة ومناقشة هذه المواضيع، حيث الأجناس الأدبية السردية الأخرى (الرواية والقصة القصيرة)، حظيت بدراسات تنظيرية ونقدية كثيرة جداً.
تحاول هذه الدراسة، تقديم رؤية تأصيلية ممكنة للقصة القصيرة جداً، ومدعّمة بدراسات تطبيقية واسعة وللعديد من الكتّاب العرب الذين نشروا مجموعاتهم عبر الوطن العربي.
متابعة محمد المحسن

الشاعر والكاتب التونسي الكبير طاهر مشي يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم..كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

  الشاعر والكاتب التونسي الكبير  طاهر مشي يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم..كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر.

تصدير :

* سيظل  طاهر مشي شاعرا قديرا وقاصا ماهرا،سوى حمل الجسد/ الذاكرة/ رحلة الإنسان من البدايات إلى النهايات متأمّلا الذات والعالم برؤية شعرية مدموغة بسؤال الشعر الحارق والمتقّد بالبحث الأبدي عن الكينونة. (الكاتب)

*هو شاعر تونسي وكاتب مثابر مُجدّد ( طاهر مشي)،يراهن على الكلمة وامداء وحيها، يصطفيها كميثاق خلاص،رميها كنردٍ أكيد من ربحه أو يناوشها كأفعى في جحرها.(الكاتب)

هي سيرة حياة شبابية تعبق يعطر الإبداع، اعتبرها أجمل قصيدة كتبها بحبر الرّوح ودم الكلمات، و جبلها من ترابه ورصعها بفسيفساء متقنة اكتنه أسرارها وعبث بألوانها.

بدا لنا كذواقة يلتهم الزمن ويتأنى في تذوقه،ينافس نفسه بصدق وعناد، ويأبى لا أن يقلب حياته على جمر حارق.

أحب الحياة كعاشقٍ أبدي مهما جانبت توقعاته،وانتصر دوماً على ضعفها وراودها عن أذيّته، وواجهها بملامح ونظرات جُبلت بالتحدي والسخرية والذكاء.

والحياة عنده قطار طويل وسكة ومحطات ولذة ارتحال..والكتابة عنده رحلة لا يرجو منها وصولاً ولا راحة .. هي نسق حياة سبحة لا نهائية..ومحطات عديدة، وظل يُكمل بهجة الاستكشاف،يعاند الصعوبات،ويحوّل التعب إلى ثمار، والثمار إلى لذة..واللذة إلى إبداع مذهل وخلاّق..

هو شاعر تونسي وكاتب مثابر مُجدّد، يراهن على الكلمة وامداء وحيها، يصطفيها كميثاق خلاص، رميها كنردٍ أكيد من ربحه أو يناوشها كأفعى في جحرها.

إن التكامل الجمالي-في قصائد الشاعر التونسي الكبير  طاهر مشي -يكمن في روح البناء الكلية من حيث الشفافية والعمق والتماسك الجمالي بين الأنساق،فثمة قيمة جمالية في الاندماج والتلاحم بين الأنساق الوصفية والمضافة، مما يرتد على إيقاع القصيد بشكل عام، لاسيما في العلاقات الجدلية التي تعطي جمالياتها على الشكل النسقي التضافري الذي تشكله القصيدة

إن خصوصية التجربة الشعرية لدى  طاهر مشي تمتاز باكتنازها بالرؤى والدلالات المراوغة التي تباغت القارئ في مسارها النصي، وهذا يعني أن الحياكة الجمالية في قصائد شاعرنا الكبير ( طاهر مشي) حياكة فنية يطغى عليها الفكر التأملي والإحساس الوجودي، وكشف الواقع بمؤثراته جميعها..

إن الحياكة الجمالية في قصائده -ترتكز على المخيلة الإبداعية، ومستوى استثارتها، الأمر الذي يؤدي إلى تكثيف الرؤى، وتحقيق متغيرها الجمالي.

ذهب في قصائده إلى أقاصي الجمال كما إلى أقاصي العشق، متقناً شهوة الاسترسال وبراعة الومض…يكتب ويكتب وكأن الكلمات تتوالد وتنساب بسعادة إلى ناشره وبسهولة إلى القارئ من أصابعه المتعرشة على قلم لا ينضب حبره.

لا يحاول - -طاهر مشي-أن يسترضي قارئه أو يستميله أو يمجّد قصائده. هو يصافح البؤس البشري، ويروي سقوط الإنسان في هاويته، ويفتح بجرأةٍ ستارة تفضح ما نوّد أن نخفي لإراحة ضمائرنا..يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر.

وهنا أقول:

مثل ساحر متمكّن يقود الشاعر الألمعي  طاهر مشي القارئ في كل قصيدة من قصائده، يقوده سيرا حيناً وركضا في الكثير من الأحيان. نتابع الكلمات والمعاني بلهفة الفضول والحيرة ونلتهم الكلمات من بين متون القصيد التهاما، ومن ثم لا نملك فرصة للهرب من فتنة شعره (بكسر الشين)،منذ أول بيت في القصيدة أو أول كلمة في القصة، حتى آخر نقطة في آخر صفحة. لا نستطيع أن نهرب من فتنة أسلوبه الشعري الموغل في الإيحاء، التكثيف والترميز، حيث تتحول اللغة إلى مجرد أداة، وتصبح بالتالي مثل إزميل النحات أو فرشاة الرسام، ولا تكون محور القصيدة، مثلما تعودنا من بعض الشعراء العرب الذين يهتمون باللغة وزركشتها على حساب القصيدة وأشكالها الفنية.

سواء في القصة أو الشعر تكشف لنا أعمال المبدع التونسي الكبير  طاهر مشي (المدير العام لمؤسسة الوجدان الثقافية)عن مدى قدرته على الانتفاع من معارفه الأدبية والثقافية والفكرية، بدون أن يسقط في نرجسية «ذات الكاتب»، التي تقول: «أنا موجود بالقوة». وإنما يستثمر كل ذخائره مراعيا حدود الجنس الأدبي، ومحافظا على الحس الجمالي والأثر الفني للعمل الأدبي.

سألته ذات يوم  قائلا: نسيج نصك الإبداعي (شعر،قصة،خاطرة..إلخ) غني. يتعدد الصور الفنية ومستويات السرد.كيف تنظر إلى التجريب ووظيفته وتبعاته؟

فأجابني -جوابا مربكا-ينم عن قدرة هائلة في التفكير الفلسفي :

في – تقديري-القصيدة الحديثة تحمل أدواتها معها، ما يسمونه تجريباً ينبغي أن ينبع من رائحة النص وشخوصه، بل ينبغي أن توفر الحكاية سبباً للابتكارات فيها، وهكذا كانت نصوص التراث العربي، فالشكل التقني لألف ليلة وليلة يرتبط بظروف الرواة دائماً، والطبيعة الشخصية لأبي الفتح الإسكندري في مقامات الهمذاني يمنح سبباً لتكرار ظهورها، والفضاء المتخيل في «رسالة الغفران» أعطى شكلاً منسجماً لتنقلات النص، ويبقى التجريب مفهوماً مضللاً في الكتابة الجديدة، فلم يعد شرطه تخليق عوالم خيالية، كما تقول قواميس النقّاد، لكنه مضمار تقديم علاقات حديثة مع الحياة المسرودة، وهذا شرط مفصلي يتعلق بنموذجنا العربي، فقد حدث من التفريط والتهويم والنسخ الشكلي ما ضيّع الواقعة وطرح الجزء التوثيقي في السرد، فاكتسب التجريب سمعته المتعالية التي لا تأبه بعلاقات الحياة ولا تقدّم صورة واضحة عنها، بينما تحتاج الرواية -مثلا- دائماً إلى إدارة ناجحة تضع التجريب في محله؛ أو تضحي به لصالح قيمة إبداعية أخرى داخل النص. ولا يعدم التلويح بما يوفّره التجريب من دافعية مرحة نحو الكتابة، في حالتي، لا أكتب شيئاً بدون التحديق بعدّاد المجازفات الذي يحفر في المجهول.”

لقد كشف الشاعر -طاهر مشي- بمهارة عالية من خلال تداخل رموزه عن قدرة شعرية تحقق المزيد من الانزياح والانحراف الدلالي عن النسق العام بلاغياً وتركيبياً ونحوياً وتنسيقها ضمن رؤية النص ومنظوره الذي يتحرك وينمو ويفيض بالرؤى وترابطاتها وتقنياتها المختلفة على التفاعل النصي والدلالي. فهي يكتسب أبعاداً جديدة عبر خلق معطيات التحول الذي تنفتح القصيدة به كلياً إذ تظل العلاقة بين البنية العميقة والانزياح النصي والدلالات المتشابكة والتقنيات والأساليب الشعرية هي المحرك الأساسي للنص الذي تتكامل فيه عناصر التشكيل البنائي في مجمل العلاقات النصية التي توّلد بدورها أسئلة الواقع وأسئلة النص وتتعانق وتتمازج في مكوناتها وأصواتها وأفعالها وأحداثها بشكل يعيد تشكيل تناقضات هذا الواقع ومفارقته ومأساويته وطاقاته المكبوتة ، ليوّلد الشاعر من خلال ذلك تمسكه بالشعر والقصيدة كمنقذ فاعل ومخلص أصيل وليؤكد هويته المتحققة في عمق المشهد ويعمل- جاهدا- على إضاءته وإثرائه وحضوره البهي المتألق في التجلي والرؤيا التي تنطلق منها قصائد الشاعر.

إن الرموز في مجمل نصوصه (وهذا الرأي يخصني) قد تشتبك مع بعضها وقد تتداخل مع الاستعارة بأنواعها لتمنح النص صورة مكثفة..

على سبيل الخاتمة :

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن سمة الشعر التحول والتغير، فهو يجترح الوسائل التعبيرية والقوالب التي بإمكانها احتواء نداء الذات والوجود، والبحث الأبدي عن تأسيس خطاب شعري منبثق من عمق الجرح الكينوناتي، النازف لغة تعبّر عن التوتر والقلق والاحتراق، تلك سيرة الشعرية العربية التي لم تستسلم للعقلية الثبوتية، لكونها تجد حياتها في التمرّد ضد القوالب الجاهزة،والمروق عن السكونية، بل تجنح صوب المغامرة، وارتياد أفق شعري يكتب تاريخ كتابة شعرية ممتدة في ذاكرة الإبداع الكوني.

فنداء الذات والوجود هو نداء إشكالي مادام السفر عبر دروب الإبداع شاق ومربك -كما يحلو لي أن أقول- لكن قصائد شاعرنا المدهش -طاهر مشي تلج عتباتها المزدحمة بالدهشة والاندهاش، عبْر قراءة تحاول القبض على مُمْكِنِهِ النَّصي والتَّنقيب عن جمالياته، رغم استحالة الإلمام بهذا المعطى، لأن الشعر عاص على التحديد واستكناه غوامضه وكوامنه.

هكذا نروم الولوج إلى عوالم تجربة شعرية لها ميزتها في الكتابة، لأن الشاعرالتونسي الألمعي  -طاهر مشي ينطلق من تصور نابع من رؤية عميقة للعملية الشعرية، الشيء الذي يجعلنا نقف حائرين من أي الأبواب القراءاتية يمكن أن ندخل؟ وما هي الآليات الممكن توظيفها لسبر البئر الشعرية العميقة لنصوصه الإبداعية المذهلة والمربكة في ذات الآن، سواء قصصيا أو شعريا، فالشاعر خبر المناطق الخفية للمتن الشعري.

هو ذا الشاعر التونسي السامق  -طاهر مشي كما عرفته.. وعرفته الساحة الأدبية في أصقاع عربية كثيرة.. وحتما سيظل شاعرا قديرا وقاصا ماهرا، سوى حمل الجسد/ الذاكرة/ رحلة الإنسان من البدايات إلى النهايات متأمّلا الذات والعالم برؤية شعرية مدموغة بسؤال الشعر الحارق والمتقّد بالبحث الأبدي عن الكينونة.

محمد المحسن


رواية في السيرة الذاتية للكاتب عبد القادر بن الحاج نصر "حديقة اللوكسمبور " تغطية الكاتب محمد بن رجب

 رواية في السيرة الذاتية للكاتب عبد القادر بن الحاج نصر

"حديقة اللوكسمبور "
........
لا يمكن أن ترى عنوانا لرواية تونسية مثل "حديقة اللوكسمبورغ"
دون أن يلفتك.فهذه الحديقة الباريسية الشهيرة لا يمكن أن لا تبعث على السؤال لدى كل الذين يحبون باريس..أو على الأقل لدى كل الذين يعرفون باريس جيدا ..والسؤال هو : ما علاقة الكاتب عبد القادر بن الحاج نصر صاحب الرواية بهذه الحديقة الجميلة ذات التاريخ العريق والتي تعلق بها كل الذين زاروها مرة أو مرات ..اعجبوا بها فاصبحت ملجأهم للراحة والتامل في الحياة والجمال ..وتذكر عظماء فرنسا الذين كتبوا عنها حبا فيها او لان قصة حبهم نشأت هناك وهل هناك حب اعظم من الحب الذي ينشأ في حديقة اللوكسمبور فاسالوا الشاعر الكبير لامرتين ..ويمكن ان نسال حتى جول بولساتر فكم مرة أمها ومرت من قلمه بشكل او بآخر ..وكذلك الشاعر أراغون عاشق الزا ..
عبد القادر بن الحاج نصر إذن أخرج لنا رواية جديدة بهذا الاسم ..قص علينا فيها مرحلة أساسية من حياته رغم قصرها فهي لم تتجاوز الثماني سنوات لكنها هي التي غيرت حياته تماما ونقلته من وضع ما كان ليرتضيه الى وضع أسعده وأخرجه من ضيق ذات اليد مع محدودية المستوى العلمي الى حياة مترفهة نسبيا مع شهائد عليا وآفاق علمية عالية معرفة ثقافية وأدبية شاهقة ومناصب عالية ومرتبة اجتماعية متميزة
..فقد سافر الى باريس
بعد أن تجاوز الثالثة والعشرين من العمر لتعويض ما افلت منه بلا بكالوريا وهو مقر العزم على مواصلة تعليمه ونيل ما يطمح إليه لإحداث تغيير كبير في حياته .
إذن أقحمنا عبد القادر بن الحاج نصر من جديد في خانة كتابة السيرة الذاتية روائيا وليس كتابة الذات تقريريا فالنص الذي بين أيدينا رواية متكاملة ذات لغة جميلة راقية
.وأبعاد درامية عميقة وروح انسانية متميزة
مع الانفتاح على عوالم لا يعرفها كل الذين لا يعرفون بعض تفاصيل ضافية من حياته بالإضافة الى التعرف على عوالم مهمة من فرنسا عامة و باريس خاصة بوصف فيه دقة دون أن يكون ما قدمه روبرتاجا صحفيا وايضا دون أن يكون اعلاميا استقصائيا يبحث عن خلفيات مشاكل باريس ومتاعب سكانها ودون أن يتوقف على تحليل الأسباب العميقة سياسيا واقتصادية وحضاريا لوجود الآلاف من السكان الغرباء عنها من الوافدين للدراسة بكل أنواعها في واحدة هي من أعظم جامعات العالم ألا وهي جامعة السربون أو هم وافدون للعمل والتجارة وهي أيضا ملجأ بعض الذين يناضلون سياسيا بشيء من الصدق باحثين عن الحرية والديمقراطية أو هم من الذين يتظاهرون بالنضال ليكون أسلوبهم في تحقيق مصالحهم فهربوا من بلدانهم خوفا من أنظمتهم التي عادة ما تكون إستبدادية وقمعية بما يجعلهم يحصلون على اللجوء السياسي والبداية تكون بالتمتع بما توفره لهم المنظمات الدولية من خدمات ومنح
لم يكن كاتبنا تسجيليا فهو يمر على هذه المسألة دون التعمق فيها فما يعنيه هو أن يكتب ذاته روائيا وقد توفق في ذلك فكانت حديقة اللوكسمبورغ
رواية جميلة ..وذلك ليس غريبا منه وهو الذي يمسك بناصية الرواية.. إذ بهذه الرواية يكون قد نشر 18 رواية فقد نشر روايته الأولى عام 1969 نال عنها جائزة أدبية وكان قد بدأ حياته بكتابة القصة القصيرة وملأ الساحة باسمه في النصف الثاني من الستينيات
و جمع قصصه الأولى في كتاب إسمه "صلعاء يا حبيبتي "وهو عنوان طريف وصادم جلب الانتباه لا فقط لطرافته إنما لأهمية القصص التي أطلقت في الأفق الأدبية التونسية إسم هذا الكاتب الذي لم ينل بعد الباكالوريا رغم تجاوزه العشرين بأربع سنوات ذلك أن مسيرته في التعليم الثانوي لم تكن عادية اذ تعثر فيها بسبب مرض ألم به طويلا وأدخله مستشفى أريانة حيث كان تحت رقابة طبيب هو من أفضل أطباء تونس الراحل العظيم الدكتور ابراهيم الغربي الذي تفطن الى موهبة هذا الفتى اليافع "ابن الحاج نصر" في الكتابة فأمر بمساعدته على القراءة والمطالعة و الكتابة أثناء إقامته للعلاج الذي شغل مدة طويلة بما عطل نيله شهادة الباكالوريا
كان كاتبنا الكبير واعيا بهذا النقص في تكوينه
فرغم أنه بدأ ينحت اسمه في الساحة الثقافية ..ورغم أنه بدأ يعمل مذيعا بالاذاعة التونسية وعمر شارع الحرية بحضوره البارز وأصدقائه وصديقاته فإنه كان واعيا بأن موهبة الكتابة الأدبية لا تكفي لتحقيق ذاته التي يطمح اليها و كان متأكدا أن العمل في الاعلام بلا شهائد لا يمكن أن يذهب به بعيدا لذا قرر مواصلة تعليمه ونيل شهائد جامعية والحصول على معرفة واسعة ..فكان الرحيل الى باريس ...
ولم تكن رحلته سهلة ولا أيامه في باريس عادية فقد عانى المرين من أجل أن ينال شهادة الالتحاق بجامعة السربون التي كان عليه ان يتردد من أجلها على المكتبات فلا اقامة قارة وصحية ولا مال ولم يكن قادرا حتى على شراء حذاء يقي قدميه من برودة الثلوج ولا معطف له يمنع عنه الارتجاف والتجمد ..ولا احد يمكن ان يقدم له مساعدة الا في السكن فمرة يبيت في دار تونس بمضايقة صديق او بدلار المغاربة ..او في شقة صغيرة فيها بضعة أمتار لصديقه وكان يعد فرنكاته كل يوم ليحافظ على مبلغ لينام في نزل صغير لما تأتي عشيقة الصديق لتقضي ليلتها معه..
ويعود الى تونس في البداية دون أن يحصل على شهادة الالتحاق بالسربون فيعود الى العمل مدة في الاذاعة
لكنه يقوى على نفسه ويعود..ويقضي سنة أخرى مع العذابات والبطن الفارغة فينالها
..وذلك يشجعه على مواصلة التعليم ..الى أن عاد حاملا شهادة الأستاذية في اللغة
والآداب العربية . وهنا يتوقف الروائي . بما يعني ان هناك جزءا آخر دون ان يعلن عليه . لانه فيما بعد نال شهادة الدكتوراه التي جعلته يشتغل في مناصب مهمة ثم يقتلع منصبا عاليا في جامعة الدول العربية بمقرها بتونس حيث عمل أكثر من ربع قرن كانت زاخرة بالعطاءات الأدبية السردية في القصة والرواية والكتابات النقدية والعلمية والاعلامية مع الكتابة للتلفزيون فهو غزير الانتاج الادبي بروح مفعمة بالتفاعل مع الواقعية في كل تجلياتها وأنواعها مع التمسك بالنقد في السرد .نقد المجتمع ونقد الفرد ونقد السلطة وفي طوايا سردياته تركيز على الحريات المفقودة مع سخرية مرة من سلوكيات النظام في التعامل مع المواطنين . ومع الخزب الحاكم ومع المعارضين في الداخل والخارج
وفي كل ذلك لم يترك مرحلة سياسية منذ الاستقلال الى اليوم دون أن يكتب عنها رواية . مع بث كل أفكاره في مجموعات قصصية ايضا
وللعلم أن الكاتب عبد القادر ابن الحاج نصر لم يكتب سيرته الذاتية لأول مرة بل كتب من قبل رواية عن عمله في الإذاعة الذي كان سببا لكتابة بعض مراحل من من شبابه الأول عنوانها "صاحبة الجلالة" كانت حدثا مميزاعندصدورها واذا ما تبينا الروايتين بدقة سنجد أنهما مترابطتين بشكل أو بآخر ..ونجد إحالات في الرواية الثانية على الرواية الأولى وتذكير ببعض الأسماء من المذيعين البارزين والصحفيبن الذين عمل معهم ..
ولا بد من أن نشير الى أن كاتبنا لم يختلق أسماء خيالية في "حديقة اللوكسمبور" فلئن كتب رواية وليست مذكرات أو يوميات مع تلاقيها جميعا في هذا النص فانه إعتمد على أسماء حقيقية لابناء مسقط رأسه "بير الحفي" من ولاية سيدي بوزيد هذه البلدة التي حظيت كثيرا بالاشادة والوصف الدقيق ونجد في الرواية اسماء لعدد كبير من الكتاب من أمثال محمد العروسي المطوي الذي وقف الى جانبه منذ كتاباته الاولى في القصة ..ووقف معه عن بعد لما يعود من باريس وآحتفى به على طريقته لما عاد فائزا بشهادته إذ أكرمه على طريقته الخاصة إذ أخذه في سيارته الى بير الحفي وحضر الاحتفال بمقدمه من باريس وسط عائلته وعاد الى العاصمة وهو ما لا يفعله معه أحد بهذا الشكل ..
وفي الرواية الشاعر أحمد اللغماني الذي فسح له الاذاعة ليعمل ونجد اسم صالح ولا أعتقد أنه غير صالح جغام ..
وفي باريس التقى بأحمد ممو وجلول عزونة ومحمد البلاجي واحمد الهرقام وعامر
بوترعة وسويلمي
بوجمعة..مع أسماء اخرى بدون لقب اذا ما تعمقنا في البحث فيها يمكن أن نتعرف عليها لكن لا يعني ذلك أنهم كانوا الى جانبه أو وفروا له ما ساعده على الإقامة الطيبة أو الدراسة المريحة كانوا جميعا بشكل أو بآخر يعاني الحياة الصعبة
وينطبق عليهم المثل الشعبي "كل حد لاهي في نوارو ".. أو القولة التونسية الاخرى "كل
شاة معلقة من كرعها"
الا ما لاحظناه من موقف الكاتب القصاص والناقد أحمد ممو الذي فسح غرفته الضيقة في دار تونس لصديقه في محنة الكتابة عبد القادر بن الحاج نصر
ونشير الى أن كاتبنا لم يتوقف طويلا عند حديقةاللوكسمبور ..وإن كان قد وصفها وصفا دقيقا ووضع صبعه على النواحي الكثيرة لجمالها الخلاب لكنها ليست هي الرواية. وأحداثها لا تجري في هذه الحديقة انما هو يهرع إليها ليريح نفسه من عذاباته اليومية أو للتأمل في جمالها وهو يقرأ كتابا أو يكتب نصا .. وربما قضى أوقات أطول في أنفاق مترو باريس لانها تحميه من لسعات البرد وقد توفر له مقاعدها قضاء ليلة اذا ما تعذر عليه إيجاد مكان ينام فيه...فهو دائم البحث عن فراش أو حتى كرسي ينام فيه في غرفة بحي جامعي أو في آخر طابق من عمارة عادة ما يكون مخصصا للخدم وقد يضحك فينام ليلة هادئة خارج باريس او في شقة خاصة بطالبة تعرف عليها..ودعته الى غرفتها ..و على فكرة حضور المرأة كبير في هذه الرواية ..حضور طالب محروم من الأنثى ..يتشممها عن بعد .ويقترب منها دون أن يحظى بلمسة فهي
أحيانا طالبة ..وأحيانا نادلة او هي عابرة سبيل ..إشتهى هذه وأحب تلك وحلم بأخرى . وتنمى تلك الجزائرية البيضاء او . تلك التونسية التي يراقبها زوجها عن كثب في غدوها ورواحها او تلك الاثيوبية الجميلة او تلك النيجيرية التي بلغت الخمسين ومازالت محافظة على جمالها او هكذا كان يرها شاب محروم من الجنس وكان يتصور أنه اذا ما دخل باريس سيجد حياة سهلة رائقة فيها العمل والمال والدراسة والنساء ..واذا به في عمق الماساة الدرامية والعذابات التي لا تحتمل ..اذن فإن الكاتب اختار هذا العنوان لانه يشير بوضوح الى أن الرواية تتحدث عن باريس أو عن حياته في باريس
لأنها رمز من رموزها وكان يمكن ان بختار لها عنوان آخر مثل مترو باريس..أو كنت في السربون ..أو المرور من برج ايفل أو التوريفال
او رحلتي الباريسية وكذلك قد يكون عنوانا على غرار الحي اللاتيني للكاتب اللبناني دريس .
وما لفت إنتباهي ان كاتبنا رغم انه سافر الى باريس وهو صاحب كتابين في الرواية والقصة ..وبدأ اسمه يروج في الساحة الأدبية انطلاقا من نادي القصة الذي يشرف عليه محمد العروسي المطوي ..او انطلاقا من الاذاعة حيث يعمل ..وكذلك كانت الجرائد ترحب بكتاباته وتفرد له صفحاتها دون انتظار وعناء ...ومع ذلك فانه لم يتحدث في بغريس عن هذا المجال
فلم يتعرض الى عالمه الادبي الا من خلال الأسماء التي أوردها في الرواية تؤكد انه من عالم الكتابة والثقافة والاعلام ..نعم فالامر غريب أن لا يخصص صفحات عن بداياته . وعن دخوله الى باريس يحمل بعض حضور وبعض شهرة والحقيقة أن المتاعب التي تعرض لها قبل التسجيل في الجامعة . واثناء الدراسة حانت كبيرة جدا أفقدته ذلك الإحساس الجميل بكونه معروف وصاخب حضور في تونس ..لقد نسي ذلك تماما . ولم يعد أمامه غير الدراسة والنجاح مهما كانت الظروف ..فقد تعود عليهاوأصبح العذاب الذي تجرع منه ألوانا والفقر الذي جعله يجوع و يكاد يقضى عليه من البرد..فقد عمل منظف الأرضيات والمراحيض
وعمل حارسا في مستودع يجمع كل المخاطر كما عمل في الاستقبال في بعض النزل ..وعمل موظفا في البريد ..لكنه لم يعرف فيها الا الاهانة والترذيل ..والعنصرية ..
تلك هي اذن بعض ملامح رواية "حديقة اللوكسمبور " ويمكن لنا أن نتعمق في تحليل أسلوبه في كتابة السيرة أو كتابة الذات مع دراسة خصوصيات هذا النوع من الكتابة السردية الروائية ..
تغطية الكاتب محمد بن رجب