السبت، 25 ديسمبر 2021

....... في ذاكرة البياض...... بقلم الأديبة جميلة بلطي عطوي

 ....... في ذاكرة البياض......

تلك الرّسوم خطوطي
خربشات بفرشاة عذراء
وشوشات في أذن الصّّدى
وانا
طفلة البياض ، تهوى الشّمس
حلمها السّهول الخضراء
تمتدّ جنانا
على مرمى الرّكض
تلاحقني الفراشات
يضخني النرجس عطرا
اتنفّس
أتعمّد
أمدّ اليد إلى النّور
أقبّل شوقه
الملم ما سال من عرق ريّاه
يهديني عطرا
زاد رحلة في الاخضرار
هودج عبق ونوّار
انا الطفلة
وليدة الزّمان
ذكرى ،،حضورا وأشواقا
أدسّ حنيني في زهرة النرجس
أكتب بالخربشات رسائلي
على ذاكرة البياض
لوحة
موجة
قصيدة
مركبا يحمل نتواءات العمر إلى الباحة البيضاء
إلى الفرشاة
إليّ
كما خلقت
إلى الحرف رفيقي
في مساحاته ألوّن أحلامي
انفض سواد اللّيل
وألبس أثواب النّهار
تونس ...24/ 12 /2021
بقلمي ... جميلةبلطي عطوي

الفسيفسائي طيب زيود يرتب مكعبات فسيفسائية بفنية عالية ام يوثق تاريخا إنسانيا بوعي حاد ليظل شاهدا يصرخ بالحق.؟ بقلم الأديبة حبيبة المحرزي

 الفسيفسائي طيب زيود يرتب مكعبات فسيفسائية بفنية عالية ام يوثق تاريخا إنسانيا بوعي حاد ليظل شاهدا يصرخ بالحق.؟

1 ....عندما تقف وسط القاعة الفسيحة في دار الثقافة خير الدين بباب العسل وتتصفح ببصرك المتلهف على اكتشاف جملي للوحات انتظمت على الجدران البيضاء فتبرز لك في الاول مجرد الوان مختلفة واشكال متباينة أو متماثلة . لكن وانت تقترب لتعمل الفكر في الجزئيات والترتيبات الفنية لأحد أقدم الفنون التي ازدهرت في حقب ضاربة في القدم من العهد البيزنطي مرورا بعصور الازدهار الاسلامي ستغوص في عوالم حضارية انسانية بتراكماتها الدينية والفكرية والاجتماعية
وان كنت خالي الذهن من انتماء الفنان المدبح لهذه اللوحات بمكعباتها حجرية كانت أم بلورية ام صدفية فإنك ستلج بادئ ذي بدء في عالم الفسيف خفيا واصارعا مع مخزونه الحضاري الثقافي الفكري لتدخل في جدال صامت مع الفتان وانت تفرز المرئي المبطن من المضمر المبيت الذي يصلك كرسالة مضمونة الوصول ليلقي عليك حمل فك شفراتها التي لن يتفق اثنان في تفسيرها وتحليلها وترتيبها .
اول ما يلاحظه الرائي هو هذا الصخب والاندفاع إلى اعلى خاصة في لوحة "المخاض"مع طغيان اللون البني المشوب بحمرة توهج ناري.
"المخاض" التي أنبنت على ثنائية البياض والسواد النور والظلمة تتاجج حممها البركانية في الوسط الفارق بينهما مندفعة من الأسفل إلى الأعلى في حركة اندفاعية عنيفة متشظية تفصل بين القتامة والتحجر الجداري الذي بدأ مركونا صامتا متكلسا تكلس التخلف الفكري العقائدي لكن الفنان وبنظرة استشرافية تفاؤلية يسرب خطا تمويهيا بنيا لعله بارقة امل في نور ثابت قد يشق صفوف الجهلة المتحجرين الذين اصطفوا اصطفاف المكعبات الفسيفسائية الصارخة المُدينة لتكلس التخلف الفكري ،
هذا التقاذف الناري الذي يتوزع توزعا استفزازيا في الشق المضيء المنير بالوان رخامية اقرب إلى البياض الفضي بياض العقول النيرة البعيدة عن الجهالة والسواد .والتي تظل مهددة بهذه القاذفات الراجفات الراجمات التي تقتحم الفضاء النير بعنف هو تهديد الظلاميين للعقول النقية المشرقة لكن الأهم من هذا الصراخ والحمم المتقاذفة هو تانك النقطتان الداكنتان اللتان زرعتا في الرحم البركاني .الأولى لم تتعد طور النطفة والثانية بدأت التشكل في هيئة الكائن الحي الجنيني .بجامع بينهما من حيث اللون القاتم يغلف نقاطا بيضاء خفية منيرة والتي لن يكشف المتلقي سرها الا اذا دقق النظر وتجاهل كل ما حولها هي لعمري الأهم من كل القاذفات الراجفات هي العقل المرشد الذي قد يقود هذا أو تلك إلى ظلمات الجهل المتكدس المتماسك قتامة او إلى النور والعلم والضياء ..هي القلب النابض يوجه خيرا ام شرا . لكن الجزئية الأهم والتي تبعث في المتلقي الأمل هي أن الجنين الذي بدأ يتشكل في سابقة جزئية مقصودة هو الأقرب إلى الشق النير المضيء وهي بادرة خيرة .هي الجيل الذي سيختار العلم والنور والضياء وسيقاوم الجهل والتحجر الفكري لانه سيكون أنضج فكريا .
هذه اللوحة "مخاض" هي في الأساس خوض الفنان طيب زيود في تلافيف أعماق التجربة الإنسانية ليجتث منها ما يضغط على الوجع مي ينتبه الإنسان بانسانيته وفكره تحذيرا وتوعية لبناء مستقبل أفضل انطلاقا من انطاق الجامد للتعبير عن معاني الحياة المختلفة المتشابكة بصور فنية جمالية راقية. تغبيرات يعجز عنها اللسان والقلم احيانا كثيرة .
يتبع
حبيبة المحرزي
تونس
يتبع

هنا كنت... بقلم الكاتبة نور الرحموني

 هنا كنت...

أنا شاهد المعارك
على قبتها غردت
بلحن إنتصار أمتي
هنا كنا....
نحلق بنبض فارس
عروبتنا وأعلامنا
شامخة منتصره
على قمم أوطاننا
هنا كتب التاريخ
عن أبطال ومعارك
أزحق فيها الباطل
سيوف تصدح بالحق
ونساء قدمت أشبالها
قرابين لأجل القضية
هنا كان......
ربيع أمتي رابضا
على أطراف احلامنا
وجه السماء مستبشرا
بصدق النوايا
وشوشة الصخور
تحتفي بدمي سهدائنا
هنا كنا...
وانظروا كيف صرنا
وهنت عزائمنا
رحل ربيعنا
تشتت صفوفنا
غرقنا في الأحزان
سواد لف قلوبنا
فعن أي ربيع تتحدثون؟
لكم السيادةوالمصير
والرضا والحكم
ولنا اللهو والطرب
والخمر والعنب والحناء
لكم منا الولاء
هنا كنا....
حين سقطت الضحية
غرقت أرض الطهر بالدماء
التف الذباب ينعي الموتى
وضباع تتراقص على
أحزان أم الشهيد
غرقتم في القاع
صمت أذانكم
إختنق صوة الحق
واعتنقتم الدنيا
لنا الحزن والأسى
والفقر والعراء
ولكم القصور والمال
والترب والرتابة
لكم الطاعة والولاء
كنا هنا.....
شعب أدب وخلق
تربعت على عرشها
تسلطنت سيادة التفاهة
وقرعت كؤوس الخيانة
وضاعت قضيتنا
اسفة لجلالتك
فمقامكم صار عاليا
محفوظا بين أحضان
قلة الحياء والأدب
اسفة لك ياشعبي
اسفة لربيع أمتي
اسفة لك يابني
اسفة لي ولكم
ولسيادة التفاهة وقلة الأدب
فماذا ساكتب!؟
بشرى لعام جديد
حرب خفي
وفيروس مستحدث
وكؤؤوس مازلت تقرع
في حضرة القضية
ومازلتم تتوهمون
في غروركم غارقون
وعروشكم المزيفة
ستهوي وتعدم
وتنتحر العروبة
فأين غضب الأسود
وقرع الطبول
وصهيل الخيول
وسيوف عطشى
لأسود القدس
نور الرحموني
Peut être une image de ‎1 personne, foulard et ‎texte qui dit ’‎سيبقی الحق ساطعا مادامت القلوب تنبض والاقلام کالسيوف وسيزهقِ الباطل وتعلو كلمة الحق‎’‎‎

*حالة مستعجلة* قصة قصيرة بقلم الأديبة حبيبة المحرزي

 *حالة مستعجلة*

قصة قصيرة
الساعة تشير إلى الثانية صباحا . الظلام مستبد في المنعرجات خارج قسم الاستعجالي . الاضواء الخافتة المنبعثة من عامود الكهرباء المقابل للنافذة البلورية تكشف رذاذ مطر يتراقص في احتشام.
طبيب يسرع بسماعة تتأرجح على صدره . تلاه اخر مهرولا ، ثم طبيبة وممرضات ..استوقفت احدهم :
_مالها كريمة ؟
_لا ادري . دعيت لحالة مستعجلة.
اشتد خوفها . فتاة وجدتها اخر النهار متلفعة بمعطف صوفي مهترئ في محطة الحافلات القريبة من بيتها و بيدها صرة ادباش صغيرة وهي تبكي . سالتها :
_ما بك يا ابنتي ؟
ازداد نشيجها برهة ثم اجابتها :
_ انا يتيمة الأب. امي فقيرة . جئت من قريتنا البعيدة ابحث عن عمل .
صفا ذهنها لحظات. تذكرت أن ابنتها الموظفة تبحث عن معينة تهتم بابنتها الرضيعة في هذه الأيام الباردة.
الطبيب يسالها:
_هل هي ابنتك؟
_لا . مالها دكتور؟ هل هي في خطر ؟
_لماذا اتيت بها إلى المستشفى ؟
_لانها أحست بآلام شديدة ثم رايتها تتقيا سائلا خالطته الدماء.
الطبيب يعود مسرعا إلى قاعة الفحص. مشت خلفه دون استئذان . رأتها على الطاولة. وجهها شاحب عيناها فزعتان ذراعاها تلتفان على بطنها وهي تئن .
_خير يا دكتور .مالها ؟
_البنت قاصر . عمرها لا يتعدى الخمس عشرة سنة.وهي حامل في شهرها السادس وتقول انها شربت سائلا لتجهض .
الممرضة تسألها:
_هل انت اعطيتها السائل ؟
لم تجبها. انتابتها حالة ذهول غريب. كيف لم تتفطن لهذه المصيبة؟
تقترب منها غير مصدقة. وقبل أن تنبس بكلمة سمعتها تقول بصوت متهدج:
_البارحة تفطنت امي. أخبرتها . ارتعبت . اعطتني عشرة دنانير واوصلتني إلى الحافلة واوصتني بألا اذكر الأمر لأحد كي لا يتخرب بيت اختي ولا يتيتم أطفالها السبعة. صديقة لي اعطتني مغلى "قضوم" واعشاب جبلية قالت إنها ستجهضني بسهولة.
_اين هو هذا السائل؟ صرخت الطبيبة.
__شربته اول ما وصلت دار السيدة. ظننت أنه سيسقط الجنين بسرعة وارميه في الحاوية واستريح لكن الما شديدا مزق أحشائي. ....
تعود اسماء حزينة إلى بيتها بعد أن تركت رقم هاتفها عند الممرض .
في الصباح صحت على رنين هاتف ملح .وصوت يسالها ان كانت تستطيع الاتصال بأهلها ليستلموا الجثتين .
حبيبة المحرزي
تونس .
Peut être une image de 1 personne

جف النبع بقلم الشاعر توفيق حجلاوي

 ________ جف النبع ______

على رمالي على شواطئي
اصطاف المبحرون
تجلو في احلى صورهم
الأجساد عارية
الأفكار على القارعة
تحت ظلال رموش عشقت الجود
ركبوا زورق السعادة
تلذذوا الامواج
تنعموا بدفئ الماء
من روح النبيذ
انتشوا
قارعوا الكؤوس
شربوا حتى الثمالة
تجلت الصورة
نظرات ملتهبة جمعت القبح في أبهى تجلياته
واخرى باهتة
سنفونية القهقهات خرقت أذني
همسات في آذان العاشقين
تتلوها تعابير رسوم الوجه
تتواتر الحكايات بالعزف على أوتار الزمان
بمرور السنين
ترهلت الشروخ
جف النبع ...
بتتالي الايام ...
تنحّت الساعات البالية
حل البياض ....
قطعت الاكفان
انزاح الغمام
فاح الشذا ....
اشرئبت الاعناق
تجرعت كاس الامل
غمرتني النسائم.....
حزمت حقائبي
ودعت الرفاق....
تحليت بسيف العزيمة
سرت في دربي
عزمت على مقارعة الدلافين
في لج المحيطات
اعتقدت ان رحلتي على وشك الانتهاء
القطار يسر
و حلمي في نمو
السحاب المثقل قادم اليّ
بتبركات الحاقدين
ذبلت زهور و اينعت اخرى
بقلمي ___ توفيق حجلاوي
2021/12/24

أُغْنِيَةُ عَمَّتِي. بقلم الكاتب صالح سعيد / تونس الخضراء

 أُغْنِيَةُ عَمَّتِي.

أُحِبُّكِ يَا عَمَّتِي،
وَفِي الرُّوحِ وَالقَلْبِ أَنْتِ، سَكَنْتِ مَعِي،
رَحَلْتِ سَرِيعًا، وَكُنْتُ صَغِيرًا، وَلَكِنَّكِ اليَوْمَ فِي أَضْلُعِي.
وَأَسْمَعُ صَوْتَكِ يَدْوِي دَفِيئًا فَيَسْكُنُ لَحْمِي إِلَى أَدْمُعِي،
أَعُودُ إِلَى دَشْرَتِي، فِي التِّلاَل البعِيدَة،
أَرَى كُلَّ خَطْوٍ خَطَوْتِهِ لِي،
أَرَاكِ مَلاَكًا يُرَفْرِفُ حَوْلِي وَيَنْسِجُ كُلَّ هَوَى مِغْزَلِي.
وَأَذْكُرُ حُضْنَكِ أَهْفُو إلَيْهِ إِذَا شَقَّ يَوْمًا عَلَيَّ أَبِي..
وَيَا عَمَّتِي، يَا شُعَاعَ المَكَان،
وَيَا بَسْمَةَ الرُّوحِ إِذَا مَا ادْلَهَمَّ الزّمَان،
وَيَا نَبْعَ كُلِّ الحَنَان.
أَبِي بَعْدَكِ ذَاقَ يُتْمًا أَلِيمًا، وَدَهْرًا هَوَى فِي سُجُوفِ الظَّلام..
أَنَا ذُقْتُ مُرًّا وَطَاوَلْتُ قَهْرًا، وَطَيْفُكِ يَسْكُنُنِي فِي المَنام.
وَأُخْتِي الحَبِيبة، تَرَدَّتْ عَلِيلَة، بَكَتْ بِدُمُوعٍ كَسَيْفِ الغَرام.
..............
أُحِبُّكِ يَا عَمَّتِي الغَالِيَة،
وَأشْقَى بِفَقْدِكِ، يَا عَالِيَة،
وَطَيْفُكِ مَا غَابَ عَنِّيَ يَوْمًا، وَأَشْوَاقُكِ كُلُّهَا دَانِيَة.
أَبُوسُ التُّرَابَ الذي فِيهِ جُلْتِ، أُشُمُّ رَحِيقَكِ فِي السَّانِية.
وَ"بَرَّادُك" شَاهِدًا يَصْهَلُ، وَكَأْسُكِ يَحْنُو عَلَى الآنِيَة.
وَكُوخُكِ ذَاكَ المَكَانُ الرَّطِيبُ يُسَبِّحُ رُوحًا لَكِ هَانِية
أَرَاهُ فَأَسْمَعُ صَوْتَ الوِدَادِ،
وَأُبْصِرُ مِنْكِ بَهَاءَ الرَّشَادِِ،
أُسَافِرُ فِيكِ لِذَاكَ الجَمَالِ وذَاكَ الهَنَاءِ وَذَاكَ العِمَادِ،
وَمِنْ ثَمَّ أَصْحُو عَلَى الهَاوِيَة.
وَأُخْتِي الحَبِيبَة أَرَاهَا بِحُضْنِك تَغْفُو وَتَرْضَعُ مِنٌكِ حَلِيبَ الحَنَان.
أَغَارُ فَأَضْرِبُهَا بِالسِّيَاطِ لِتتْرُكَ ذَاكَ الأَمَان.
تَقُومُ إِلَيَّ تُطَارِدُنِي فِي المَكَان.
فَأهربُ مِنْهَا إِلَيْكِ وَأَغْفُو بِحجْرِكِ أَرْضَعُ رَشْفَ البَيَان.
تُدَغْدِغُنِي عَمَّتِي فَأنَام،
تُمَسِّدُ شَعْرِي ووَجْهِي وَتُشْبِعُنِي لَثْمًا كَلَثْمِ الفِطَام،
أَغُوصُ بِعَيْنَيَّ فِي مُقْلَتَيْهَا، وَأحْضُنُهَا كَالغَمَام،
وَأُخْتِي تُدَافِعُنِي ثَائِرَة تُرِيدُ نَصِيبًا مِنْ حُضْنِ ذَاكَ الوِئَام.
لِيَ اللهُ بَعْدَكِ يَا عَمَّتِي،
وَطَيْفُكِ مَا غَابَ عَنِّيَ يَوْمًا...
سلام...
سلام...
صالح سعيد / تونس الخضراء.
Peut être une image de 1 personne

قصة قصيرة جدا تٓعريةٌ بقلم الكاتبة لين الأشعل/تونس

 قصة قصيرة جدا

تٓعريةٌ
رٓاودتْه التّجربةُ، دخل عليها، غٓير ٱبهٍ بقواعدِها؛
كادٓ قلمُه يُجرِّدُها من هويّتِها...
صٓرختْ "ققّجٓتُه" في وجهِه:
-لن أخلعٓ ثوبي أمام رغباتِكٓ !
لين الأشعل/تونس
(من مجموعتي القصصية الساخرة: "ضحكات مسروقة")


هل آن الأوان..كي،نضعَ خطط مرحلية،وأخرى طويلة المدى،للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا..؟!! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 هل آن الأوان..كي،نضعَ خطط مرحلية،وأخرى طويلة المدى،للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا..؟!!

هل يمكن القول إنّ الدولة العربية وضعت خططا إعلامية واضحة، سواء على المستوى القطري أو القومي؟
أم أنّ ما نلحظه مجرّد توجيه استثماري، أو تخطيط برنامجي قصير الأمد؟
وفي سؤال مغاير: هل فكّر القادة العرب في وضع خطّة إعلامية دقيقة، من شأنها الرد على الحملات الغربية،في محاولة لتغيير اتجاهات الرأي العام العالمي المضادة للعرب،ليس تجاه قضايا سياسية معينة،وإنّما حيال الصور العربية إجمالا،ليكون ذلك أساساً لتغيير اتجاهات الغرب حيال القضايا العربية السياسية، فيما بعد؟
هذه التساؤلات،البريئة،يمكن أن تطرح على المستويين،القُطري والعربي،فإلى جانب التخطيط الإعلامي في كل قطر عربي،فإنّ التخطيط الإعلامي في عالمنا الراهن،الذي تزداد فيه الفجوة الإعلامية بين الدول المتقدّمة والنامية، وحيث يختلّ فيه التوازن في تبادل الأنباء والأفكار فيما بينها، يحتاج إلى أن يرتفع إلى المستوى الإقليمي، حتى يتمكّن من الوقوف في مواجهة التسلّط الجديد لوسائل الاتصال في الدولة المتقدّمة.
في ضوء هذه النقطة،فإنّ الدعوة إلى تخليص الخطاب الإعلامي العربي من قيود الترهّل، والارتقاء به إلى مستوى التحديات التي يفرضها الراهن الإعلامي الكوني، ليست مقصورة على هذا القطر، أو ذاك، بقدر ما هي دعوة قومية شاملة، فالإعلام القطري، وإن نادى بعضه بشعارات قومية، لا يحقّق الوعي القومي، أي أنّنا على صعيد الأقطار العربية مجتمعة، وعلى صعيد جامعة الدّول العربية، نحتاج، اليوم،وأكثر من أي وقت مضى،إلى ثورة إعلامية شاملة، لا تتوقّف عند حدود ثورة المواصلات والتكنولوجيا وفن صياغة الخبر، وإنّما تتماهى مع هذا كله، جنباً إلى جنب،مع توعية قومية أصيلة في أخطر مرحلةٍ، يجتازها الفكر القومي العربي على مدى تاريخه.
فلأوّل مرّة، هناك شعب عربيّ كامل مسيّج بالأكفان،داخل أسوار عالية،هو الشعب الفلسطيني، يتعرّض لحملة دموية مرعبة،تستهدف مسخ هويته وسلخه من جلده.
ولأوّل مرّة، هناك شعب مسلم،يتعرّض لحملة إبادة جماعية،عبر قصف جوّي مرعب،يختلط فيه اللّحم البشري بالتراب، هو الشعب الأفغاني الذي يستغيث،بكل ضمير ينبض إيماناً بوحدة هذه الأمّة وقدسية هذا الدّين.
ولأوّل مرّة،هناك تراجع وانحسار للفكر القومي نفسه،حتى أنّه يتخذ في أحسن الحالات موقفا دفاعيا، يصل بالمواطن العادي إلى حافة الإحباط...!!
لذلك،نحن جميعا في منعطف تاريخي حاسم ومحفوف بالمخاطر،حيث يرقى الإعلام إلى درجة قصوى من الأهمية،لا باعتباره جزءا تقليدياً من مهام الدّولة، أية دولة،بل باعتباره جيشاً حقيقياً في أشرس المعارك.
وإسرائيل تحاربنا بجيش إعلامي يستهدف اقتلاع جذور الهوية القومية العربية من أعماق النّفس البشرية،من خلال إرباك خط الدّفاع الأوّل، العقل العربي،ثم إنهاكه وتركيعه خارج حدودنا العربية أيضا،والولايات المتحدة،والغرب كله معها،حاربنا بجيش إعلامي يصوغ الأحداث السالفة والآنية،عبر تغطية كاملة،تستند إلى خلفيات تاريخية مغلوطة،وتحليلات سياسية مغرضة،من شأنها تشويه صورة العرب وتمجيد العنصرية الصهيونية،ولعلّ أبرز مثال لذلك الصورة الأميركية عن العرب التي تضعنا جميعاً في نمط جامد في أذهان الشعب الأميركي،تماهياً مع أهداف الصهيونية،وقد تجلّى هذا،بوضوح،إثر حرب 1973حين صوّر العربي"بالنفطي" الذي يوظّف ماله "لابتزاز الغرب"، كما صوّر العربي الفلسطيني"بالإرهابي" الذي يزعج العالم بسلوكه العنيف!
نقاط الالتقاء والاتفاق بين الإعلام الأميركي ونظيره الغربي جدّ متشابهة،ولا اختلاف بينها،إلا من حيث اختيار نقاط الإساءة التي تصبّ جميعها في خانة التجريح لضمير هذه الأمّة،ودمغ السلوك العربي بالاهتمام المفرط بالجنس والتخلّف،والتعصّب والوحشية..!!
وعليه،فنحن مطالبون،الآن،وهنا،بوضع خطط مرحلية،وأخرى طويلة المدى،للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا،والتي لا يمكن تفسيرها إلا كونها صدى للصراع الحضاري والتاريخي بين الشرق والغرب،وهي تهدف،بالأساس،إلى حسر المد الإسلامي المتنامي،علاوة على الرغبة في تكريس التخلّف العربي،وكل مظاهر الانكسار والتصدّع...
وحتى لا يسوء حالنا أكثر مما نحن فيه،بات لزاماً علينا اعتماد تخطيط إعلامي،يتبرأ من الارتجال،ويتلاءم مع التنمية العربية،والإعلام المحلي والإقليمي الرامي إلى تغيير الصورة، ولن يتأتى ما نرومه إلا بالتخلّص من التبعية الحضارية التكنولوجية التي تطبع التكوين الإعلامي..
والنجاح في إيجاد فكر إعلامي عربي،لا يرتهن لنفوذ الخطاب الغربي،وبالإضافة إلى هذا وذاك، أصبح من الضروري التفكير في إنشاء محطة فضائية عربية تتجه إلى الغرب،وتخاطبه بالأسلوب المقنع والمناسب،وتردّ، في الوقت نفسه،على الافتراءات،بما من شأنه أن يظهر الحقائق،بإيصال الصّوت العربي إلى الأجهزة الإعلامية المباشرة،ولا سيما وأنّ أصواتاً إعلامية عربية عديدة تعالت،في المدة الأخيرة،منادية بتجسيد هذا الطموح..
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne