قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن -حكومة المشيشي- ساهمت في التعامل مع جائحة كورونا التي شلت الاقتصاد وأخرجت عيوب النظام الصحي إلى السطح في تشجيع سعيّد على أخذ المبادرة خاصة مع نجاح تحركاته الدبلوماسية الناجحة لجلب ملايين اللقاحات وأطنان من المساعدات والتجهيزات الطبية. ليلتقط سعيّد المظاهرات التي خرجت في مختلف مناطق البلاد الأحد 25 جويلية والتي نددت بالأساس بالمشيشي وحركة النهضة.
وكثيرا ما تحدث سعيّد في الخطابات التي تنشرها صفحة رئاسة الجمهورية التونسية على فيس بوك عن أنه سيتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة لإنهاء الأزمة السياسية عندما "تأتي اللحظة" المناسبة.
وطيلة فترة الانسداد،تحدث شق من السياسيين وخبراء القانون في تونس عن أن المادة 80 من الدستور تمنح رئيس الدولة إمكانية اتخاذ "إجراءات استثنائية" يتولى بموجبها إدارة الدولة بشروط محددة ولفترة زمنية مضبوطة مسبقا.
ومهدت هذه الاحتجاجات لترحيب شق واسع من التونسيين بقرارات سعيّد التي استند فيها لهذه المادة الدستورية.إذ خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع مباشرة بعد إعلان قرارات سعيّد احتفالا بما يرونها نهاية لجبل من الأزمات السياسية التي استعصت عن الحل.
ولكن..
ترحيب جزء كبير من التونسيين بخطوة سعيّد رافقه توجس لدى النخب والساحة السياسية من نوايا الرجل فيما يتعلق بالخطوة المقبلة خصوصا في ظل غياب خارطة طريق واضحة لعودة استقرار المؤسسات.
في هذا السياق يصف ناشط سياسي ممن تحدثنا إليهم:" احتفالات تونسيين بقرارات الرئيس بـ"المنطقية،إنها تعبر عن حالة الغضب الشعبي من "فشل المنظومة السياسية التي قادت تونس إلى أن تصبح دولة فاشلة على جميع الأصعدة؛الصحية والاقتصادية الاجتماعية،مضافا إليها أزمة سياسية خانقة".
وفي المقابل،وصف عضو مكتب سياسيي لحركة النهضة(طلب منا عدم ذكر إسمه)،الاحتفالات بـ"الانقلاب"مضيفا:"هناك من يعارض الحكومة والبرلمان والنهضة" التي تشكل أكبر كتلة نيابية في المجلس (54 من أصل 217).
واستنكر متظاهرون عدم إدارة الحكومة الأزمة الصحية بشكل جيد، خصوصا أن تونس تعاني نقصا في إمدادات الأكسوجين. ومع نحو 20ألف وفاة لعدد سكان يبلغ 12 مليون نسمة،فإن البلاد لديها أحد أسوأ معدلات الوفيات في العالم..
وتدخل البلاد في الفترة المقبلة في فترة ترقب للخطوات التالية"لسعيّد "فيما يتعلق برؤية سبل العودة إلى استقرار المؤسسسات وإمكانية اقتراحه تغيير النظام السياسي بالصبغة التي اقترحها إبان الحملة الانتخابية..
وتساءل كثيرون عن الآليات التي ستنفذ بها قرارات الرئيس قيس سعيد ومن سينفذها،وسط مخاوف من توريط الجيش التونسي،الذي حمى ذات يوم الثورة،في هذه المعركة بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان.
وفي الوقت الذي يترقب فيه الجميع إلى أين ستمضي الأحداث في تونس،يتساءل الكثيرون: هل ما يقوم به الرئيس التونسي قيس سعد هو تصحيح لمسار الثورة التونسية،التي بعثت الأمل للشعب التونسي وللشعوب العربية، أم أنه انقلاب على الدستور.؟!
وفي الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال يمثل فجوة متسعة بين أنصار الرئيس سعيّد من جانب،وأنصار حركة النهضة وزعيمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي من جانب آخر،سواء على المستوى السياسي أو الشعبي.
وكان الرئيس قيس سعيّد أشار إلى أنه قرر "عملًا بأحكام الدستور اتخاذ تدابير يقتضيها الوضع لإنقاذ تونس وشعبها، ولإنقاذ الدولة التونسية والمجتمع التونسي"، مشددًا على أن ما قام به ليس تعليقًا للدستور، وليس خروجًا على الشرعية الدستورية.
ما أريد أن أقول ؟
وإن كانت تونس تواجه الآن مستقبلا غامضا من الانقسامات فإن الرئيس “سي سعيد”يحاول إنقاذ البلاد والعباد من فتنة قد تأتي على الأخضر واليابس سيما أن أطرافا سياسية تحاول-عبثا-سكب البنزين على نار هي ملتهبة أصلا،وقد ينجح-في تقديري-فى الخروج من هذا المأزق التاريخى لتبقى وحدة تونس ويستمر إشعاعها الديموقراطي..علما أنها (تونس)من أكثر الشعوب العربية تقدما واستنارة وستظل واحة ثقافية وحضارية مضيئة في ظل الدياجير العربية.
وإذن؟
الرئيس قيس سعيد إذا، تصدى-في تقديري-لأزمات اهتراء النظام،عبر التصويب على الأخطبوط التونسي،بما من شأنه أن يقيّد حرّية النهب وتعميم الفساد الذي تتعطّل حركته تحت الضوء.
ومن هنا،خرج -المغبونون- في عيد الجمهورية،يوم 25جويلية،الأمر الذي سيدفع إلى الذهاب إلى أبعدَ ما يمكن،في طريق تصحيح المسار.
وهنا أضيف:
كانت ثورة تونس منذ سنوات هى التى أشعلت ما يسمى-تعسفا على الذكاء الإنساني-ب” ثورات الربيع العربى”وهى تجربة مازالت تواجه قدرها أمام التاريخ سلبا وإيجابا..
كارثة جائحة كورونا الأخيرة في تونس،أدّت إلى أن يقطع قيس سعيّد الشكَّ بيقينٍ مفادُه أن الحكومات المتعاقبة “رهينة ائتلافات حاكمة تخدم مصالحها الخاصة”، بحسب تعبير الامين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري،وأن الانتخابات البرلمانية تتحكّم فيها طبقة النظام القديم المتجدّد بائتلافات سياسية،ورجال أعمال فاسدين،لتعطيل دواليب الدولة.
العائلات المافياوية الـ 46 في نظام ابن علي، جدّدت نفوذها ومصالحها منذ حكم “الترويكا”، ووسّعت نفوذها ومصالحها في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة (تقدَّر زيادة ثرواتها المشبوهة بالفساد منذ عام 2012 بنحو 20%).
على سبيل الخاتمة:
إنّ النهضة لا تتقدّم تلقائيا بما يشبه الحتمية،والحضارة لا تتأثّر بمجرّد الإستخدام الميكانيكي للآلات،والثورة لا تنجز مهامها بالأدعية والأمنيات،بل الإنسان،هو صاحب المعجزة.ولكن المعجزة لا “تتحقّق” إلا بالإرادة الفذّة والموقف النبيل،حيث ينتصر العقل الجديد والوجدان الجديد،نهائيا على فجوة الإنحطاط..
وحتما..تونس ستنتصر..
لست أحلم..
لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء،من حسابات-حفاة الضمير-