الجمعة، 5 ديسمبر 2025

رسالة إلى الطّبيعة بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

 رسالة إلى الطّبيعة

يا شتاء،
تمهّل على الّذين أثقلتهم الحياة.
بردك ليس أوّل ما يلسع عظامهم؛
لقد سبقتك قلوب من حجر،
وبشر لا يحملون سوى عتمة صامتة.
رفقا بهم،
ففي صدورهم شروخ الخيبات،
وفي وجوههم مرايا لأيّام
مرّت عليهم بيد من صقيع.
يا مطر،
إذا جئت
فانزل كما تنزل يد رحمة على روح بائسة.
كن رذاذا خفيفا،
حريرا ينساب على الوجوه،
يغسل تعب الوحدة،
ويترك في الأعماق خيطا من طمأنينة
تشبه لمسة أمّ تهدّئ بكاء الألم في صدر صغيرها.
يا ثلوج،
حيدي عنهم.
هذه القلوب لم تعد تحتمل ثقلا آخر.
اصعدي إلى قممك العالية،
إلى بياض لا يسكنه بشر.
أمّا غزّة…
فلا تقربيها.
ففوق صدرها من الجراح
ما يجعل ليلها أثقل من عذابك،
ومن الدّموع
ما ينهمر كأنّه بكاء السّماء نفسها،
وخيانة تأتي من وجوه تشبهها…
ولا تشبه وفاءها.
يا هواء،
لا تبعث في صدورهم ما يزيد غبار اليأس.
كن نسمة فقط.
نسمة تمسّ الرّوح
كما يمسّ الضّوء سطح الماء،
وتعيد ترتيب الفوضى في الدّاخل
ولو لثانية.
فثانية واحدة من هواء طيّب
قد تعيد للقلب شهيّته للحلم،
وشجاعته على استقبال الحبّ
دون خوف.
يا قوانين الطّبيعة،
يا ما تموج به الأرض من أسرار وقوى،
كوني لهم سكينة،
ملاذا لا امتحانا،
دفئا لا سيوفا.
فقد أخذت الدّنيا منهم أكثر ممّا أعطت،
وأتعبتهم دروب لا مخرج منها،
وتراكمت في أرواحهم ندوب
لا ترى…
لكنّها تئنّ كلّما همّوا بالنّهوض.
كوني لهم، يا طبيعة،
ظلّا لا يخون،
وسلاما يصلح ما أفسدته
الأيّام والبشر.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق