الخميس، 9 مايو 2024

جدلية العلاقة بين النقد..والأدب والقراءة والمعرفة بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 جدلية العلاقة بين النقد..والأدب والقراءة والمعرفة


تصدير :


-مواكبة النقد للأدب العربي الحديث في ظل الإنتاج الأدبي الراهن تبدو ضعيفة إن لم تكن معدومة،ولعل لهذه الحالة ما يبررها إذا عرفنا أنّ معظم النقّاد العرب يعملون في الصحافة،كما أنّنا لم نعد في عصر طه حسين والعقاد والمازني ومحمد مندور..( الكاتب )


-إن النقد توأم الروح للأدب،لا يتطوّر الأدب من دون نقد،ولا يستقيم نقد من دون معرفة...وهكذا، هي سيرورة في بناء الفكر في أعمق تجلّياته،فالنقد في علاقته الجدليّة مع القراءة والأدب والمعرفة يكشفُ عن أسرار الكتابة، ويربطها بحركة التاريخ ومُتغيّرات الفكر..( الكاتب)


هل تخلى النقد عن النقد وترك المهمة للصحافة،فخطفت هذه الأخيرة خيرة النقّاد وحوّلتهم إلى صحفيين..؟!

وهل غدا النقد الجاد نسخة لما ينشر في الصحف وهذا أمر يثير تحفظات كثيرة،بإعتبار أنّ الصحافة تستجيب لأهواء إثارية عابرة،بما يجعلها تهتم بالشاعر مثلا،دون الشعر،تهتم-بصفة-النجم لا بإشراقات الإبداع،ومن ثم تتجلى على السطح مقومات أخرى لا علاقة موضوعية بينها وبين الشاعر والشعر والقصيدة،وتسطو”النجومية”على ما عداها من قيم الفن والنقد...

ألا يبدو التباين واضحا بين الصحافة والنقد الجاد بحيث تبرز أسماء أخرى وقيم أخرى ومعايير مختلفة،فيصبح المشهور صحفيا في حجمه الحقيقي نقديا،إلا أنّ لا أثر له على الإطلاق بين صفحات النقد الجدير بهذا الإسم،عكس المجهول صحفيا وهو الجدير بأعمق الدراسات النقدية..؟

وإلى أي مدى يمكن للصحافة والحال هذا،أن تؤثّر في إختيار الكتاب أو سماع محاضرة،أو الإشتراك في ندوة؟

وبسؤال مغاير : إلى أي مدى نستطيع القول بأنّ”النجم الأدبي” في الإعلام العربي الراهن،هو نفسه نجم القراءة؟

على أية حال يبقى النقد إختيارا ومسؤولية،وأقصى درجات الإلتزام هي الحرية..

ومهما قيل عن صحافة مجتمع الإستهلاك والإذاعة والتلفزيون فإنّه ليس صحيحا على سبيل المقارنة أنّ هذه”الوسائل” قد أضعفت من موقف”الكتاب”في الغرب،وليس هناك من يقول بهذا الضعف في سوق الكتاب العربي..

ولكن ليس هناك أيضا من يضع يده على أسرار إنحسار أو انكسار جدلية العلاقة بين الإبداع والنقد،أو بين النص الإبداعي والمتقبّل.إلا أنّ البعض من المنابر الثقافية المتقدمة تقوم بدورها لردم هذه الهوّة غير المرئية،كذلك البرامج الأدبية الهادفة بالإذاعات والفضائيات الأمر المضاد تماما لبعض الصفحات”الأدبية” الإستهلاكية التي تستبعد”النقد” كعلم وفكر أصيل بتركيزها عليه كتعليق خبري مطوّل،لا يحتاج إلى نقّاد،بل إلى “محررين” حتى ولو لم يكن ميدانهم الأصلي النقد..

إنّ مواكبة النقد للأدب العربي الحديث في ظل الإنتاج الأدبي الراهن تبدو ضعيفة إن لم تكن معدومة،ولعل لهذه الحالة ما يبررها إذا عرفنا أنّ معظم النقّاد العرب يعملون في الصحافة،كما أنّنا لم نعد في عصر طه حسين والعقاد والمازني ومحمد مندور..

وأخيرا علينا الإعتراف بأنّ البعض من نقادنا يقيم الآن في الخارج والبعض الآخر من الذين هنا-داخل المنطقة العربية-اختطفتهم مثلما ذكرنا الأضواء الصحفية فتماهوا مع إغراءات بريقها اليومي،وانحسر تبعا لذلك النقد الأدبي ذو المنحى العلمي ليفسح-للنقد الإنطباعي-الذي لا يخلو في مجمله من محاباة ومجاملة بإعتباره يحوم حول الشعر من خارجه دون ولوج العالم الداخلي للقصيدة،بما يجعله يستند على موقف الشاعر من قصيدة ما أو موروث جمالي ما،ويستهدي بهذه القيم الخارجية في تقويم القصيدة وينآى بذلك عن نقد الشعر بأدواته الخاصة وينساق بالتالي مع تلك القيم سوى كان معها أو ضدها،وسوى كانت منظومة شعرا تقليديا أو حديثا،وهذا يعني الإنزياح العفوي مع تداعيات النص الشعري،الأمر الذي يفضي إلى عرض الإنطباعات الجزئية دون إستخلاص المعيار.

إنّ ما نرومه،هو أن يكون النقد حاضرا حضورا”صداميا” وليس ساكنا أو مخاتلا..

نرومه حركة منفعلة ومتفاعلة داخل القصيدة لا يبحث في خباياها-مثلا-عن عناصر الأسطورة بل عن أدوات الشاعر في تجسيد الأسطورة..في تحويلها من الخيال المحلّق والذاكرة المكتنزة إلى فعل،وذلك من خلال تحليل النص الشعري إلى عناصره الأولية وإعادة تركيبه-بالخلق-في صياغة نقدية موضوعية،تستلهم المادة الشعرية نسيجها وأدواتها من ناحية،وتستلهم “الفكر الحضاري” نسيجه وأدواته من ناحية أخرى،بما يجعله -ونعني النقد-يتسع موضوعيا لمختلف الإبداعات أي بتحوّله عن الهوامش والحواشي والشرح على المتون،إلى كينونته المستقلة ذات الجسور مع الشعر والحياة وجمهرة القراء،فيخرج تبعا لذلك من دائرة”الإنطباعات”إلى حرية البناء الموضوعي الرحيب،ويتحوّل بالتالي من كونه”هامشا” أو حاشية للعمل الشعري،إلى خلق وإبداع تنتظمه كافة مراحل وتفاعلات العمل الفني سواء على صعيد التكوين النفسي أو على صعيد التجربة الجمالية بمختلف ظواهرها وخفاياها،ويصبح نتيجة لهذا وذاك علاوة على دوره الإجتماعي المباشر في تثوير النهضة وتجذير الحضارة قائما بدوره المتكامل في نحت ملامح المستقبل والتأسيس لثورة طليعية في مجال الأدب وحقل الفن وميدان الثقافة عموما..

على سبيل الخاتمة :

قد يكون النقد مَبنيّ على دراسة دقيقة للنص ذاته تشمل لغة النص وفكرته والعاطفة التي يحتويها،وقد يعتمد على تفسيرات وأحكام مُسبقة عنه،وقد يأخذ في الاعتبار كل ما يقود لفهم النص،وبما أن النقد هو الذوق للإبداع الأدبي،فقد يرافق هذا الذوق لذة أو عدم لذة يترتب عليهما حكم (رأي نقدي) يصب في صالح النص أو يقف ضده. وأخيراً يمكننا القول أن العلاقة بين الأدب والنقد تكاملية، فالأدب بحاجة للنقد والنقد بحاجة للأدب،فلا يمكن أن يَثمر إحداهما بمعزل عن الآخر.

وهذا يعني أولا وأخيرا أن  النقد توأم الروح للأدب،لا يتطوّر الأدب من دون نقد،ولا يستقيم نقد من دون معرفة...وهكذا، هي سيرورة في بناء الفكر في أعمق تجلّياته،فالنقد في علاقته الجدليّة مع القراءة والأدب والمعرفة يكشفُ عن أسرار الكتابة، ويربطها بحركة التاريخ ومُتغيّرات الفكر..


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق