الأحد، 9 يناير 2022

المجيء.. من شهقات المواجع بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 المجيء.. من شهقات المواجع

إلى الربيع العربي..الضوء الذي باغت ظلمتي..
فلسطين :
مثلما قلت ذات أسى:
ها قد تعبت من الجري واللّهو
في حدقات السنين
هأ أنا الآن وحدي :
أصرخ من صمت البراري
سلام على سوسنات
رمت عطرها في الحنايا
وعادت إلى أمّها الأرض
ألف سلام على زهرة لوز تناستها الفصول
سلام على نرجس القلب..
حين يعيد البهاء لوجه فلسطين..
السلام على الراحلين إلى موطن السنبلة.
السلام على باقة الشهداء النّدية
وهي تُزفّ إلى غرغرات التراب
والسلام على آخرين حاصرهم السيل
..في منعطفات الذهول
* * *
هوذا الرصاص في نشوة الدّم والدمع..
يبحث عن قسمات قتيل..
يطارد على ضفة الجرح أبهى الصبايا
يطارد على شفرة النّاي طفلا شريدا..
يجرجر نجما يضيء في عتمات الدجى..
إلى كدر في الأفول..
ويعوي..
ثم يمزّق تلو القتيل القتيل..
* * *
هي ذي بغداد تتحسّس كلّ المواجع..
تخبئ شوقها..
في تضاعيف السيول..
وترنو بصمت إلى نقطة في المدى..
حيث الهدى والتجلي..
هي ذي عروس المدائن
تلمّ الريش من أقصى الأماني..
تنسلّ من حلم الفرات..
يكسّرها الحنينُ
وتطرّزها المرايا..
هو ذا دجلة يسرّح شعرها عند المساء..
يسلّمها لبياض الرّيح..
فيغمرها العويل..
* * *.
بغداد :
سمعت بإسمك في أقاويل الرياح..
وظللتُ أبحث عنكِ في كتب العواصف..
في المصاحف..
في احتدام الموج..
وانهمارات الفصول..
أنتِ تاج العارفين..
وأنتٍ معجزة اليقين..
أنتِ الحمام يرتحل عبر ثنايا المدى..
أنتِ الحزن المبلّل بالندى..
أنتِ الهديل..
* * *
دمشق :
أيتها القادمة..
من خلف الضَباب
من أساطير الحكايا..
أحتاج ذاكرة النوافذ المطلة على الخراب..
أحتاج خياما تدر ّصهيل الخيول..
أحتاج وجْدا ينبت على شجن القلب
ويغمره السحاب..
أحتاج حماما يحطّ على الرّمل..
يحرِس حزني ..
ويؤثثُ مدائنَ ترشح بالموت..
تنام في غيمة الرّوح..
ويبعثرها الصهيل..
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne


جلال باباي.. شاعر تونسي كبير..شامخ شموخ الرواسي أمام العواصف..رغم المواجع والمحَن.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

جلال باباي.. شاعر تونسي كبير..شامخ شموخ الرواسي أمام العواصف..رغم المواجع والمحَن..
تقديم: محمد المحسن
من الثابت أن النقد العربي قديمه وحديثه،أولى عناية خاصة للغة الشعرية،وخصها بكثير من الدراسة والتفصيل.فهذه اللغة هي المحدد الأساسي لهوية النص الشعري،والعنصر الدال على انتمائه إلى حظيرة الشعر.
ولهذا ميز النقاد بين الكلام الشعري والكلام النثري.فالشاعر في تعامله مع اللغة يحرص في أن تبقى لصيقة بصفة الشعر،متضمنة لخصائصها الفنية والجمالية ومنسجمة مع السياق النفسي والرؤيا الشعرية.
والنص الشعري هو بطبيعته نص يقوم على التشكيل والبناء والإيحاء.وتبعا لذلك تتنوع توظيفات الشاعر لمكونات رؤياه الشعرية عبر اللغة والصور والأخيلة والأصوات.
واللغة الشعرية في النص المعاصر من أساسيات الدلالة،تستمد قيمها مما توحي به لا مما تخبر عنه،فلا تهتم بما تفرضه القواعد والأعراف وتقاليد الكتابة،لذا كان طبيعيا أن تختلف قراءة النص الشعري من متلق لآخر بحسب نوع المتلقي ومستواه التواصلي وقدرته على التذوق والتفكيك ثم التأويل.
وبالرغم من تعدد القراءة وتحققاتها،فإن اللغة تبقى العنصر الحيوي الضامن للفعل التواصلي بين الشاعر والمتلقي،فإذا كان النص الشعري حافلا باللغة الحاملة للإيحاء والمعبرة عن الرؤيا الشعرية والمحققة لقيمة الجمال،تضاعفت جاذبيته وتعددت أسئلته.
والشاعر التونسي العظيم(هكذا أريد أن أنعته وأسميه) والكاتب التونسي جلال باباي ،أحد شعراء تونس المبرزين في فن القول الشعري.فهو الذي تفرد في تحمله في صمت لتبعات دفاعه عن رؤياه الشعرية ولصرخاته الموسومة بالرفض والتمرد والقلق والوجع.
وهذه الرؤيا لا تقف من الواقع،واقع الوطن والأمة والعصر والرومانسية..،موقفا واحدا،ولا تنظر إليه من زاوية واحدة ثابتة،بل هي سعي وتساؤل دائمان،وبحث دؤوب عن أجوبة مقلقة.
إن هذه الجمالية على مستوى الانزياح القائم على كسر العلاقة بين المدلول الأول والدال (التي تميز بها -جلال-في جميع أشعاره التي اطلعت عليها منذ زمن موغل في الإبداع)، تخلق جمالية أخرى قائمة على الغموض الذي يقوم دليلا على سمو الكلام وشعريته،وهذا الغموض يعود بالأساس إلى المدلول لا إلى الدال في حد ذاته،ويتبدد بفعل القراءة المتعددة التي يتحول فيها من عنصر هدم إلى عنصر بناء.
«قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية،موحّدة،مضغوطة،كقطعة من بلّور..خلق حرّاً، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجًا عن كلّ تحديد،وشيء مضطرب،إيحاءاته لا نهائية»،
هكذا تصف الناقدة الفرنسية سوزان برنار قصيدة النثر،التي وجد فيها كثير من شعراء العصر الحديث ملاذًا من تقلبات العمودي والموزون،وبعيدًا عن قوافيه وقواعده المحكمة.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته قصيدة النثر،لا تزال الحروب مستعرة بين الشعراء، في ظل تأكيدات فصيل كبير منهم أنها لا تنتمي إلى الشعر،بينما يتمسك كاتبوها بأنها نوع أدبي بامتياز. «بيان الكتب»يرصد طبيعة الصراع حول قصيدة النثر والمعايير التي يجب أن تتمتع بها وفق مبدعيها.
والشاعر التونسي القدير-جلال باباي-ينحت أشعاره على لوحات -أذهلتني-وكتب عنها نقاد كثر..وبدون إطالة أهدي هذه-اللوحة الشعرية-المزدانة بكل تجليات الإبداع للسادة القراء..
ولهم-كما أشير دوما-حرية التفاعل والتعليق:
يتآكل عمودي الفقري مع الأيام كما يتآكل قلبي بمرور السنين
يقول لي الطبيب: هذا ضريبة أن تكون بشرياً
أن تمشي بدل الأربع على اثنين
قلت: هرمنا أضحى تنقّلنا في البيت على أربعٍ كالمزارعين
تسخر منٌي حبيبتي التي تمشي على أربع منذ زمن السبعين
وتقول: ستعتاد على ذلك، لا تجزع...
..إن لم تفلح بالرقص على اثنين ربما تجيده على خشبة الفلٌين
يقول الطبيب :
لا تقلق، عش حياتك بشكل طبيعي
فقط لا تحمل أكثر من كيلوغرامين
بتٌ،أزنُ كل الأشياء التي أحملها،الكتب،هاتفي،طبق التفاح مرٌتين
من حبيبتي أكتفي بحمل كلٌ الديون
مصاب بتآكل عمودي الفقري..!
تُظهر صور الأشعة ثقلاً زائداً فوق الكتفين
هذه ضريبة أن تكون إنساناً ممحونا
أعاني سيرا في الشارع الأمرٌين
لمٌا تحلُّ العتمة،أتخبٌط كالمسعور
فوق حريقين
يخفُّ وزن النور في عينيٌ
قلبي يتآكل بعشقين
تقول معذٌبتي:
لا تقلق، سنُعلّم طفلنا الرابع المشي على أربع حتى تلين!!
الشاعر التونسي الكبير جلال باباي
قصيدة تحلق في عوالم من الجمال والسحر،هي بمثابة ترنيمة غنائية لما فيها من عذوبة حس، وموسيقى دافئة،وأناقة مفردات،وفيض من الشجن الخفي،وبساطة تخرج من قلب طفل،ولقد كان -جلال-وهو يتحدى المواجع والأحزان بالفعل طفلاً كبيراً،ضاعت منه في خضم تناقضات الحياة،وفي زمن مزخرف بالليل أشياء كثيرة ولم يتبق له غير أحزان خفية هي التي شكلت قوام القصيدة.
والسؤال :
هل فعلاً الشعر حقيقة مؤلمة،لا بأس بذلك،لكن علينا أن نتذكر أن ألم هذه الحقيقة،يشد الإنسان دائماً إلى روحانيته،إلى نوره الخاص،ليعيشَ الحياةَ كما يحب ويشتهي، رغم قسوة الواقع وظلمه وانحطاطه...
وأترك الجواب..لإختمار عشب الكلام..


تمرد القلم بقلم الشاعرة فوزية عبد الفتاح السباعي

 تمرد القلم

مزق كاهل الكلمات
أيها المحتل عواصم الأبيات
أعتق صراح حرفي
بقلمي فوزية عبد الفتاح السباعي

جلال باباي.. شاعر تونسي كبير..شامخ شموخ الرواسي أمام العواصف..رغم المواجع والمحَن.. تقديم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 جلال باباي.. شاعر تونسي كبير..شامخ شموخ الرواسي أمام العواصف..رغم المواجع والمحَن..

تقديم: محمد المحسن
من الثابت أن النقد العربي قديمه وحديثه،أولى عناية خاصة للغة الشعرية،وخصها بكثير من الدراسة والتفصيل.فهذه اللغة هي المحدد الأساسي لهوية النص الشعري،والعنصر الدال على انتمائه إلى حظيرة الشعر.
ولهذا ميز النقاد بين الكلام الشعري والكلام النثري.فالشاعر في تعامله مع اللغة يحرص في أن تبقى لصيقة بصفة الشعر،متضمنة لخصائصها الفنية والجمالية ومنسجمة مع السياق النفسي والرؤيا الشعرية.
والنص الشعري هو بطبيعته نص يقوم على التشكيل والبناء والإيحاء.وتبعا لذلك تتنوع توظيفات الشاعر لمكونات رؤياه الشعرية عبر اللغة والصور والأخيلة والأصوات.
واللغة الشعرية في النص المعاصر من أساسيات الدلالة،تستمد قيمها مما توحي به لا مما تخبر عنه،فلا تهتم بما تفرضه القواعد والأعراف وتقاليد الكتابة،لذا كان طبيعيا أن تختلف قراءة النص الشعري من متلق لآخر بحسب نوع المتلقي ومستواه التواصلي وقدرته على التذوق والتفكيك ثم التأويل.
وبالرغم من تعدد القراءة وتحققاتها،فإن اللغة تبقى العنصر الحيوي الضامن للفعل التواصلي بين الشاعر والمتلقي،فإذا كان النص الشعري حافلا باللغة الحاملة للإيحاء والمعبرة عن الرؤيا الشعرية والمحققة لقيمة الجمال،تضاعفت جاذبيته وتعددت أسئلته.
والشاعر التونسي العظيم(هكذا أريد أن أنعته وأسميه) والكاتب التونسي جلال باباي ،أحد شعراء تونس المبرزين في فن القول الشعري.فهو الذي تفرد في تحمله في صمت لتبعات دفاعه عن رؤياه الشعرية ولصرخاته الموسومة بالرفض والتمرد والقلق والوجع.
وهذه الرؤيا لا تقف من الواقع،واقع الوطن والأمة والعصر والرومانسية..،موقفا واحدا،ولا تنظر إليه من زاوية واحدة ثابتة،بل هي سعي وتساؤل دائمان،وبحث دؤوب عن أجوبة مقلقة.
إن هذه الجمالية على مستوى الانزياح القائم على كسر العلاقة بين المدلول الأول والدال (التي تميز بها -جلال-في جميع أشعاره التي اطلعت عليها منذ زمن موغل في الإبداع)، تخلق جمالية أخرى قائمة على الغموض الذي يقوم دليلا على سمو الكلام وشعريته،وهذا الغموض يعود بالأساس إلى المدلول لا إلى الدال في حد ذاته،ويتبدد بفعل القراءة المتعددة التي يتحول فيها من عنصر هدم إلى عنصر بناء.
«قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية،موحّدة،مضغوطة،كقطعة من بلّور..خلق حرّاً، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجًا عن كلّ تحديد،وشيء مضطرب،إيحاءاته لا نهائية»،
هكذا تصف الناقدة الفرنسية سوزان برنار قصيدة النثر،التي وجد فيها كثير من شعراء العصر الحديث ملاذًا من تقلبات العمودي والموزون،وبعيدًا عن قوافيه وقواعده المحكمة.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته قصيدة النثر،لا تزال الحروب مستعرة بين الشعراء، في ظل تأكيدات فصيل كبير منهم أنها لا تنتمي إلى الشعر،بينما يتمسك كاتبوها بأنها نوع أدبي بامتياز. «بيان الكتب»يرصد طبيعة الصراع حول قصيدة النثر والمعايير التي يجب أن تتمتع بها وفق مبدعيها.
والشاعر التونسي القدير-جلال باباي-ينحت أشعاره على لوحات -أذهلتني-وكتب عنها نقاد كثر..وبدون إطالة أهدي هذه-اللوحة الشعرية-المزدانة بكل تجليات الإبداع للسادة القراء..
ولهم-كما أشير دوما-حرية التفاعل والتعليق:
يتآكل عمودي الفقري مع الأيام كما يتآكل قلبي بمرور السنين
يقول لي الطبيب: هذا ضريبة أن تكون بشرياً
أن تمشي بدل الأربع على اثنين
قلت: هرمنا أضحى تنقّلنا في البيت على أربعٍ كالمزارعين
تسخر منٌي حبيبتي التي تمشي على أربع منذ زمن السبعين
وتقول: ستعتاد على ذلك، لا تجزع...
..إن لم تفلح بالرقص على اثنين ربما تجيده على خشبة الفلٌين
يقول الطبيب :
لا تقلق، عش حياتك بشكل طبيعي
فقط لا تحمل أكثر من كيلوغرامين
بتٌ،أزنُ كل الأشياء التي أحملها،الكتب،هاتفي،طبق التفاح مرٌتين
من حبيبتي أكتفي بحمل كلٌ الديون
مصاب بتآكل عمودي الفقري..!
تُظهر صور الأشعة ثقلاً زائداً فوق الكتفين
هذه ضريبة أن تكون إنساناً ممحونا
أعاني سيرا في الشارع الأمرٌين
لمٌا تحلُّ العتمة،أتخبٌط كالمسعور
فوق حريقين
يخفُّ وزن النور في عينيٌ
قلبي يتآكل بعشقين
تقول معذٌبتي:
لا تقلق، سنُعلّم طفلنا الرابع المشي على أربع حتى تلين!!
الشاعر التونسي الكبير جلال باباي
قصيدة تحلق في عوالم من الجمال والسحر،هي بمثابة ترنيمة غنائية لما فيها من عذوبة حس، وموسيقى دافئة،وأناقة مفردات،وفيض من الشجن الخفي،وبساطة تخرج من قلب طفل،ولقد كان -جلال-وهو يتحدى المواجع والأحزان بالفعل طفلاً كبيراً،ضاعت منه في خضم تناقضات الحياة،وفي زمن مزخرف بالليل أشياء كثيرة ولم يتبق له غير أحزان خفية هي التي شكلت قوام القصيدة.
والسؤال :
هل فعلاً الشعر حقيقة مؤلمة،لا بأس بذلك،لكن علينا أن نتذكر أن ألم هذه الحقيقة،يشد الإنسان دائماً إلى روحانيته،إلى نوره الخاص،ليعيشَ الحياةَ كما يحب ويشتهي، رغم قسوة الواقع وظلمه وانحطاطه...
وأترك الجواب..لإختمار عشب الكلام..


حتى لا يسقط خطابنا الأدبي الإبداعي في وهاد الترجرج بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى لا يسقط خطابنا الأدبي الإبداعي في وهاد الترجرج

قد لا أبالغ اذا قلت أن لولا «النقد» في الصحف، لظللنا الى اليوم نجهل مؤلف الرواية الرائدة «زينب»، فقد وقعها صاحبها آنذاك باسم «مصري فلاح» لأنه كان يخشى على مركزه الاجتماعي كمحام ينتمي الى الأرستقراطية من ذيوع الخبر المثير، وهو أنه كتب «رواية أدبية».. هكذا ظهرت رواية هيكل الأولى مجهولة المؤلف، ثم جاء استقبال النقد لها مشجعا الناس على قبول هذه «العجيبة» ومشجعا للكاتب أن يظهر «وعليه الأمان» كما يقال. كذلك لولا استقبال طه حسين لمسرحية «أهل الكهف» الرائدة لتوفيق الحكيم، لظل مفهوم المسرح كما كان هو العرض الغنائي التمثيلي لا «أدبا محترما» كما جرأ طه حسين أن يصف عمل الحكيم، ثم «النقد» الشجاع الذي وجهه العقاد لأمير الشعراء أحمد شوقي، وما أثاره في ذلك الحين (1921) من قلب للمقاييس وانقلاب في الموازين، مقاييس الشعر وموازين البناء، وإنما نحن في عصر اللهاث وراء لقمة الخبز بأسهل الطرق، عصر التعليقات السريعة على كتاب يعيدون ما كتب على ظهر غلافه بصيغ اخرى، أو مسرحية تتفوق فيها الممثلة على نفسها، أو فيلم ينتهي بسهرة ممتعة مع نجومه، أو كذلك وهذا هو المؤلم نص ابداعي تثار من حوله الزوابع وتتناسل بسببه التهم حاملة في ثناياها عناوين مؤسفة: سطو أدبي أو «لصوصية أدبية» الامر الذي يضيف الى ركودنا الفكري وافلاسنا الثقافي ما لا قدرة لنا على تحمله.. والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: هل تردت أوضاعنا الفكرية والأدبية وسقط بالتالي خطابنا الابداعي في وهاد الترجرج والانحطاط الى درجة أصبحنا فيها «غزاة مدينتنا» نكيل لبعضنا التهم ونتراشق بالألفاظ، هذا في الوقت الذي يتنافس فيه «الغرب المتقدم» على احتضان مبدعية والاحتفاء بما أفرزته قريحتهم الابداعية بجهد غير ملول، وترشيح كبار مبدعين للفوز بنوبل العظيمة؟..
هل شحت ينابيع الابداع في ربوعنا وكلت أقلامنا وعجزت بالتالي على الخلق والابتكار وأصبح الواحد منا «ينهش لحم أخيه» و«يسطو» دون خجل أو وجل،على ابداعه وعصارة قريحته وكل ما «بناه» ابداعيا» بحبر الروح ودم القصيدة؟..
قد لا أحيد عن جادة الصواب اذا قلت أن المشهد الابداعي ببلادنا ما فتئ يتغلب فيه الفتق على الرتق بعد أن غص حد التخمة بأقلام تتجسس بالكاد دربها الى الابداع وتلهث متبعة خلف «الأضواء».. ولا عجب في ذلك طالما أن الواحد منا بامكانه أن يتحول بقدرة قادر الى شاعر فذ تشد له الرحال،بمجردة قصيدة يكتبها وهو يتثاءب وتتلاقفها لاحقا «أقلام» النقاد لتصنفها ضمن «الابداع العجيب»..
قلت هذا،وأنا أقرأ ما تكتبه بعض الصحف حول «اللصوصية الأدبية» ببلادنا،ولكأن هذه الظاهرة المرضية استفحل داؤها وغدونا عاجزين على استئصالها وأمست بالتالي مرضا عضالا لا فكاك منه..!
على أية حال، كان بامكان كتابنا الأفذاذ الانصراف الى ما ينفع الساحة الثقافية عن ابداع خلاق تخاض به كبقية الأمم معركة الوجود والنهضة من الركود والترجرج، وأعني معركة درء التخلف،أفضل بكثير من خوض معارك جانبية لا تعبر في جوهرها عن الاختلاف الأدبي،ولا عما يضطرم به باطن المشهد الأدبي الابداعي من تناقضات، هي بالأساس ظاهرة صحية في عالم ممزق النفس والجسم..
قلت هذا،وأنا أتحسر على ما تشهده ساحتنا الثقافية بين الحين والآخر من اتهامات متبادلة بين بعض المبدعين، كما حصل في السنوات القليلة الماضية بين الكاتبين حسونة المصباحي وابراهيم الدغوثي،فالأول ينفي «سطوه» على لوحة قصصية تحمل امضاء ابراهيم،وهذا الأخير يتحفظ على الموضوع،ورغم أن كاتب السطور يحترم الاثنين معا،ولا يشكك أبدا في ثراء زادهما الابداعي الا أن حرصنا على نقاوة مشهدنا الابداعي من كل الشوائب وسعينا الحثيث للارتقاء بمستوى وعينا الأدبي لأعرض شريحة قارئة،يحتم علينا جميعا إيلاء هذا المشهد ما يستحق من ابداع واعد من شأنه ترك بصمات واضحة على حركة الابداع الفني برمتها، بمنأى عن التراشق بالاتهامات الزائفة.
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne


الواقع السياسي التونسي المأزوم..في ظل اعتزال المثقف للسياسة أو عزله عنها بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الواقع السياسي التونسي المأزوم..في ظل اعتزال المثقف للسياسة أو عزله عنها

-هناك حقيقة واحدة في الوقت الحالي،وهي أننا لا نعرف الكثير عما حدث،ولا نعرف ما يخبئه المستقبل القريب، والبعيد.-(الكاتب)
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن لا خيار أمام التونسيين اليوم،إلا تجنّب إضاعة آخر فرص الإنقاذ المتاحة،فالفشل يعني إنهيار المسار الديموقراطي بأكمله والعودة إلى مربع الفوضى والإنفلات وغياب سلطة ونفوذ الدولة.
قد تكون الإختلافات عميقة جدا،والهوة بين الأحزاب والتيارات السياسية والمنظمات الإجتماعية واسعة،لكن الواجب الوطني يحتّم على الجميع تجاوز هذه الخلافات وتجسير الهوة للخروج من المآزق وانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الآوان،وكفانا مناكفات ومزايدات سياسوية لا طائل من ورائها سوى تغليب الفتق على الرتق..والنقل على العقل..
أقول هذا،وأنا على يقين بأنّ العديد من الملفات الشائكة تستدعي-منا جميعا-وعي عميق بجسامتها ومقاربة شاملة تبحث في الأسباب وتستخلص النتائج عبر رؤية ثاقبة،وهو ما يقتضي نمطاً من التوافق الضروري بين القوى المختلفة،إذا أرادت-حكومة المشيشي-أن تحقّق استقراراً ونجاحاً ممكناً في إدارة شؤون البلاد..
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع :
في ظل هذا الواقع السياسي المأزوم الذي يئن تحت وطأته المجتمع التونسي من تفشي الفساد وضعف الرقابة وغياب للمساءلة وانتشار الفقر والبطالة وانسداد الأفق..من المنطقي أن نتساءل عن أهل التخصص من العلماء والكفاءات العلمية والفكرية وأساتذة الجامعات،تلك القامات العلمية التي لطالما نظر لها المجتمع نظرة تقدير واحترام وبنى عليها أملاً مستقبلياً كبيراً،وكان لحضورها معنى ولغيابها معانٍ،فهم مسؤولون فكريون،مسؤوليتهم تتضاعف في اللحظات الحرجة التي يمر بها مجتمعهم،تفوق بأضعاف المرات على مسؤوليات العامة من الناس..
نتساءل : هؤلاء الذين تخصصوا في علومهم،حملة الشهادات العلمية العليا،أصحاب البحث العلمي ورواد المعارف والعلوم،أولئك الذين يملكون مفاتيح المعرفة والقدرة على التعريف والتأهيل والفك والتركيب والتوجيه والتحليل،ما هو دورهم الحقيقي في هذا الواقع الذي تتعالى فيه أصوات الاحتجاجات على سياسات الحكومة والمطالبة بالإصلاحات وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد؟
تُرى هل اتخذ هؤلاء ما ينبغي من خطوات عملية وفكرية للقيام بدورهم في هذه المرحلة الحرجة؟!
المثقفون الحقيقيون مَنْ يُستَشعَر وجودهم في الأزمات،وكما يقال: “في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ”وفي صدارة المثقفين أساتذة الجامعات حيث مطلوب منهم فهم أبعاد الأزمة ليلعبوا دوراً توعوياً ومؤثراً في تحريك عواطف الناس وتوجيهها بعقلانية من دون ضجيج يربك المشهد..
يتابع-التونسيون-اليوم مثقفي مجتمعهم بحرص سيما-كما أسلفت-في ظل هذه الوضع المعقد، وتشرئب أعناقهم لمن يثقون بهم من الرموز الثقافية الواعية،وهذه مسؤولية كبرى وفرصة عظيمة لمن يحسن توظيفها من المثقفين المؤثرين..
-التونسيون-ترنو نفوسهم الى دور توعوي يسهم في توضيح حقيقة الأوضاع التي يمر بها مجتمعهم وما يترتب عليها وكيفية الاستعداد لها ومواجهتها أو التأقلم معها،تهفو افئدتهم الى رمز له جمهور يؤمن بفكره ويحب أن يستضيء برأيه لاسيما عندما يختلط الحابل بالنابل..
وإذن؟
المرحلة تستدعي إذا،من الأكاديميين مواقف حاسمة،حيث إن الأمانة العلمية التي يحملها الأكاديميون أمانة عظيمة،وحمل ثقيل،تُملي عليهم تقديم الحلول والمشورة وإضاءة الطريق أمام أبناء مجتمعهم للوصول بهم إلى الحقيقة أو ما هو قريب منها؟
على هذه النخب الأكاديمية أن تكون مستعدة للتلاحم مع مجتمعها والوقوف معه في السراء والضراء وشدة الكروب،ولا أن تقف موقف المتفرج على ما يجري في الوطن بانتظار أن ينقشع الضباب..وتضَاح الرؤية..
إن غياب الأكاديميين والمثقفين اليوم عن المشهد الضبابي في مجتمعهم غياب قاتل مؤلم، وتقوقعهم داخل مكاتبهم واكتفائهم بالكتابة في مجلة أو صحيفة إلكترونية محدودة الأثر،أو الاعتماد على كتاب يؤلف أو بحث علمي لا يخدم الواقع المرير الذي يمر به الوطن. هو من باب الفلسفة التي لا طائل منها في ظل الأزمات وترف فكري لا جدوى منه،وهو لا يعفي الأكاديمي من مسؤوليته،ولا يعذره المجتمع في حال غيابه،بل سيكون عليه الاستعداد لمواجهة محكمة التاريخ بعد نظرات مجتمعه التي لطالما حدقت فيه بانتظار حراكه المنشود!
الوطن قضية ساخنة تمسنا جميعاً،وصمت النخبة المثقفة في حال تعرض الوطن للأزمات بدعوى عدم الرغبة في الولوج في السياسة ليس من الوطنية في شيء فالوطن يعني كياناً يضمنا جميعاً،وكما ننافح عن سمعة بيوتنا ننافح عنه..
ختاما أقول :
مازالت حالة المخاض التي تعرفها تونس في انتقالها الديمقراطي وإعادة هيكلة البنية السياسية للدولة مستمرة للخروج من البنية الإستبدادية المتوارثة والتي هيمنت على البلاد طيلة عقود من سيطرة حكم الحزب الواحد والزعيم المطلق.
وإذا كان من الممكن تثمين الخطوات التي قطعتها البلاد بتنظيم محطات انتخابية تعددية وإقرار دستور يحفظ الحقوق والحريات،فإن مطبات كثيرة مازالت تعطل مسيرة الإصلاح وتضع عراقيل كثيرة أمام خلق البيئة السياسية المناسبة التي تضمن استمرارية الوضع الديمقراطي الناشئ إثر ثورة 2011.
وإذا كانت المشكلات الاقتصادية والأمنية هي من قبيل القضايا المعتادة بالنسبة لدولة نامية هي جزء من محيط دولي وإقليمي متوتر ومضطرب فإن أزمة الوعي السياسي إن صح التعبير تظل المشكلة الأكثر خطورة وتأثيرا على مستقبل المسار السياسي بتونس.
فالممارسة الديمقراطية تستلزم حضور نخبة سياسية-متسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة-واعية ومؤمنة بأهمية التحولات السياسية مع ما يفترضه الأمر من مراجعة كثير من المسلمات الفكرية التي تحكم النخبة السياسية في تونس وتشكل البنية العميقة التي تنجم عنها كل الأعراض المختلة في المشهد الحزبي والحكومي التونسي.
لقد آن الأوان لأن تدخل الديمقراطية التشاركية مرحلة جديدة في تصورها للعلاقة مع المثقف من علاقة تشاورية إلى علاقة ندية وظيفية،إذ لا يمكن أن نرتقي بالسياسة بطوابير من المثقفين الإستشاريين داخل الأحزاب أو الدولة الذين لا يحملون أية صفة تنفيذية.
ومن هنا،لا بد للمثقف أن يدافع عن مصيره السياسي ولا بد للثقافة أن تعود القلب النابض للمجتمع،وإلا فلن تحدث لعبة السياسة التحزبية أي تغيير جذري داخل مجتمعاتنا نحو تحرير إراداتها وطاقاتها الإبداعية والتنافسية.بل “ستتكرر مشاهد الحوارات الوضيعة تحت قبة مجلس الشعب والقرارات المرتجلة والهدامة في صالونات القرار إن استمر اعتزال المثقف للسياسة أو عزله عنها.”
وأرجو..أن تصلَ رسالتي”البريئة” إلى عنوانها الصحيح..
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne