الصورة الشعرية وجمالية المفردة
في نصوص الشاعرة الدكتورة منى عبد الحسين
أياد النصيري
***********************************
تلك نصوص شعرية تأخذ مساحات واسعة في سوح الأدب وتنطق بجمالها ونستذوقه بعذوبة نصوص عذبة تحمل في طياتها صور شعرية ومفردات شفيفة -بالعشق وطقوسه وتقلباتــه
تُراوِد السُّكون عن سكونه وصمته، تُحاكي صور الذَّات الكاتِبة/الْمُبْدِعَةِ لتجعلها تحكي وتسرد وتحتفي وتنسج صوراً متعددة من محطات حياتية للذات المبدعة.
هي لوحات لبلابل ملونة وفراشات تطير من أقحوان إلى آخر، تتجسَّد ُ حيناً قبسا من نُورٍ،وحيناً آخر نبرة غضب وآحايين أخرى تستدعي الذكريات وتقتحمُ الصَّمت وتَرْكبُ يمَّ اللُّغة لتتدفق أغْنياتٍ وألحان،تارة بعين الحنين والشَّوق وتارة بعبق حروف الأمل المُسْتنبته في زخم الألــم والوجع.
نصوص شعرية بلغة رصينة تكشف صمت الذَّات المبدعة، تستنطقها لتبوح بمكنوناتها، فتقتحم صمت المبدعة وتتوغَّل فيه لِتكْشِف عن خبايا هذه الذات بِلُغَةٍ أَنِيقَةٍ.--هكذا وحدت تلك الذات المبدعة لدى الشاعرة الدكتورة (منى عبد الحسين)
..كثفت الشاعرة الصور والرموز كدعوة إلى فتح شهية العقل ليجوس بين ربوع القصيدة متحسسةمفاصلها لتفك شفراتها وطلاسمها فترتسم اللوحة واضحة المعالم بيّنة الأبعاد
************************************************
--مللت ان أناديك وانت لاتسمع
يبعثرني الحنين اليك اناديك ان ترجع
حين لا اجدك يبكيني هجرك اناديك
وانت لاتسمع
احتاجك قربي فشوقي اليك لايهجع
اريد ان اسكن مملكتك ابدا لا اطلع
هاهي سطوري وحروفي
تناجيك وتتوسلك
وبنات احزاني تتجمع
تفارقني وقلبي من نار فراقك يتلوع
حبيبي امنحني كل مالديك من حب
فانا من عشقك لا اشبع
******************************
.إن الذات المتكلمة في هذا النص تبثّ الرسائل إشارات برقية بكل وعي وإدراك ..تستبطن ..ترسما وشما على ستارة مخملية ..تكشف ثم تنتقل من الوجدان إلى الفكر ..إلى ذات الآخر ..ذات متلقية ..إلى مخاطبة تستفزها وتدعوها إلى اليقظة ..تعرض المعادلات وتتحدى وتنتظر النتائج ..اختارت الشاعرة (منى عبد الحسين) إستراتيجية مميزة في منطق اختيار الكلمات المتآلفة طورا والمتخالفة طورا آخر لتقود القارئ إلى توليد "حالة الدهشة" ينساب الحدث من خلالها محيرا مستفزا وتتجلى الصورة وتتشكل مكتظة بالرمز لتستولي على اللب تشده بل تجبره على الغوص أكثر ليقتنص صدر النص المكنونة
********************وعاد الليل ياقلبي
ليعزف على نبضات قلبي الحزين
حروف الشوق واوجاع الحنين
وعاد الليل ياقلبي مثقل بالهموم
وساعزف مقطوعتي الشهيره
على اوتار العتاب لكل العاشقين
واطربهم بوجعي الذي طال سنين
فاآلةعزفي رائعة تطرق على اسماع
الموجوعين
اعزف لكم غصات وعبرات وانين
اسمعوني كيف اعزف
انا والليل ...وقلبي الحزين
************************
.تترقرق الكلمات من جديد سلسبيلا بمذاق الصنوبر ..ترفّ الكلمات عارية من الزيف ..نابضة بالجمال والتوهج لأن الشاعرة آلت على نفسها أن تؤثث قصيده بهواجس الذات الشاعرة وهمومها المتألمة ..هاجسه إرساء الكلمة الأصيلة بعيدة عن الزيف محملة بأجمل الرؤى والأخيلة تنسجها أبجدية جديدة مبهرة مغرية بالغوص والتنقيب ..
يرفّ الهدْبُ الأخضر مؤديا طقوس صلاة الشوق والحنين فتسحب البساط من تحت السكون الذي فرضه الوصف السابق وأتاح من خلاله للقارئ استراحة للتأمل والقبض على تلك الصور المتلاحقة ..يثور النص في هذا المقطع حركة دوامة بركانا حركة لاتعرف الاستقرارهدير آت أصواتا هادرة هائجة ووقع خطوات تهز الوجدان وتربك سكون النص وتلغي هدوء المتلقي وسلبيته فتخرج بالنص إلى الحركة وبالقارئ إلى الركض وراء الطريدة ..انقلب السكون اهتزازا مطربا تنتشي به الذاكرة ..انه العشق القادم من وراء السنين مختمرا بتجارب العمر وخيبته مسترجعة ذكرى صولاتها وجولاتها ..انها الذكريات المنقوشة على أغشية الوجدان ونبتة خضراء على جبين الوجود عصارة ماضٍ تبشّر بالبدْء ..بالحياة ..من جديد وهذا مانجده في بوحها (حروف من نسج الروح)
**********************************
انا عطر تفرد عن
كل انواع العطور
وحرف يرسم الالوان
على لوحة السطور
ساوصف لك نفسي وبدون غرور
انا لا اكسر ..... لا
ولن أضعف .... امام
خزعبلات الامور
واعلم ان امام وصفي
ستجف كل البحور
غلقت الابواب وقتلعت
كل اوجاعي من الجذور
قويه بكل ماتعنيه القوه من معنى
( وهذا من عزم الامور)
نعم رقيقة ناعمة هادئة حنونه وحاذقه
ولكن عند اللزوم اكون ثورة البركان حين اثور
الان شيعتك واقمت عزائك في روحي
واشعلت لك البخور انسى ماكان ولاتعود
فانا كشفت اوراقك كاملة واعلنت فيك الضمور
وعلمت ما انت ومن تكون
واعلم انك تقرأ مابين
السطور
وما تعنيه حروفي
فارحل فانا اقمت عزائك وانتهت احزاني
وخلعت ثوب الضجور
وبدأت اعيش في عالم خالي
من الخداع والالم
وشكرا لك على ماكان
فأنا الان سيدة الحضور
**************************************
.. هذا القصيد نبتة عميقة الجذور في تربة الأصالة بلغتها المتينة ومفاصلها المتلاحمة البناء وفروعها ممتدة في سماء الحداثة على مستوى الصور الشعرية والمجازات والاستعارات اللطيفة والرموز والأخيلة والإدهاش ..نلمس فيه النبرة الواقعية معطرة بشذا المنشود المستقبلي ..لقد نجحت الشاعرة ( منى عبد الحسين) في توظيف كل تقنيات القصيدة الحداثية وخاصة الرمز الذي غرفت من معينه بذكاء فجعلت القصيد رحلة بحث عن الكنوز الجمالية المخبأة بين ثنايا المعاني دون أن ننسى لعبة الإيقاع التي وزعهتا بكل اقتدار على مدى النص سواء على مستوى التناغم الداخلي أو اللازمة المموْسقة للمفاصل البنائية أو تلك النغمات الشجية التي تكثفت في آخر القصيد أنينا وحنينا تردد صداهما بين طيات الشجن برق أمل شامخ وقرار لايلين
***************************************
متعبة روحي
ارهقتها اوجاع الزمن
وكثر الصدمات
راسي يحتاج لمسند
كي اخبيء وجهي
عن قبائح الحياة
اريد البكاء لدرجة
لافرغ كل مابداخلي
من معاناة
اريد النوم لزمن لامحدود
كي لا اشعر بالشتات
اريد التلحليق في الفضائات
لعالم خالي
من اناس سلبوا منا
اسعد اللحظات
اريد الكتابه على
اوراق لاتتعرض
للنقد والانتقادات
حينها ساخط عليها
حروف جديده
لم تقرؤها على كل الصفحات
وانثر حروف النور
بعد ماعاثت بي الظلمات
تجرعت المر كاسات
رياح غادره تعصف بي
كعصف عواصف عاصفات
**************************
عادة عناصر الصورة لاتكاد أن تخرج عن اساس التشبيه أو الاستعارة أو الكناية ، ولكن ما ألمسه لدى (منى عبد الحسين ) ، أنها انحازت بشكل كلّي الى الصورة كجسد غير جامد له ساحله في الحراك اللغوي للقصيدة لخلق علاقات جديدة بين المفردات المنقولة من الواقع والى الخيال الذي تتمتع به الشاعرة بمحسوسات تمتلكها وكيفية تدجينها في الشعرية ، فليس صدفة عند النظر الى روح الصدق في متن النص الشعري وليس صدفة وهي تتمسك برؤية الواقعية ، حيث الخروج الى خارج البيئة التي تنتمي اليها (منى)) حيث اللغة وكيفية الانتماء اليها شعريا ، وبين الشاعرية والشعرية يكمن التخييل والنزول اليها بوسائل عدة ، تأتي من خلال منهج الشاعرةوفكرها الذي تتبناه
إن الوسائل الحسية في الصورة الشعرية غير كافية على الابحار بها في نصوصها المكثفة، هكذا المس من خلال متابعتي للشاعرة (منى عبد الحسين) وهي في الوقت نفسه لا تعين على كشف أبعادها وتأثيراتها، في حين أن ربط الصورة بالمشاعر وتشكيلها وفق هذا المفهوم عامل قوي في نجاح الصورة وصياغتها فنيًّا وكذلك دور اللغة الشعرية وكيفية استخدامها ضمن الخيال في رسم كلّ ماهو امامها وتحولها الى فن من الفنون التي ينتمي المرءاليها ، كالشاعرة ( منى)مثلا أو غيرها من القصاصين وكتاب المسرح
*****************************************
.رحلت دون وداع
وخلف هذا الصمت
الحزين
باتت العيون عطشى
رغم انهار الدموع
صمت رهيب
صمت وانين
وجرح سنين
يعقبه جرح
سيذكره التاريخ
عبر السنين
ذلك النعش
العجيب
انه نعش الزهور
***********************
ليست للوسائل القريبة في صياغة الحدث فعالية واضحة في ترجمة الأحاسيس والمشاعر، وإنما الوسائل غير المباشرة هي التي تحمل هذه الفعالية، وتولدها في مشاعر المتلقي وعواطفه لتنجب الينا التصوير الخيالي وعكسه على الورقة بصور شعرية تحمل الشاعرية في ذهنية الشاعر .
إن الكتابات المباشرة ماهي الا ضعفا واضحا لدى أي شاعر ينتمي اليها دون اسباب أو مبررات فنية ، وهذه الفنيّة تعتمد التجربة والخبرة وكيفية مراعاتها في الكتابة وحبس المفردات ربما لفترة طويلة وتفريغها مرّة ثانية ، الكتابة المباشرة ليس وسيلة فنية لتهيج بها المشاعر المحبوسة ولعلّ الأدب أبعدها جميعًا عن المسلك الشعري ، لذلك فالشاعرةهنا( منى عبد الحسين)أبعد ت عن مخيلتها من مثل هذا الحراك لتنتمي الى قصيديته القصَدية وكيفية معالجتها والاجتهاد في تفريغ الخيال الذي تمتلكه عبر تجربتها في الكتابة الشعرية .
ولا شك أنَّ التناسق التام بين الأدوات البيانية، وبين ما تصور من المشاعر والأحاسيس، وما تخلفه من الدلالات، هي إحدى الوسائل غير المباشرة التي أشرنا اليها عدة مرات من خلال دراساتنا لقصائد الشعراء
**************************************
اتنفسك عشقا
سأرددها
ما دمت تحبها
احبك احبك
ها انا اغنيها
وارقص على لحنها
وادندن عاليا فيها
وللعالم اجمع
قصتنا سأرويها
كان ياما كان
في هذا الوقت
وفي هذا والأوان
احببت انسان انساني كل ماكان
وبحبه صرت مجنونه
مفتونه
سأبقى اعشقك مهما يكن
ومهما يمضي بي الزمان
سأغمض عيني بين يديك
واطلق لاخر انفاسي العنان
سنكون أجمل اثنين
أصدق كلمتين
**************************************
الشاعرة الدكتورة العراقية (منى عبد الحسين)تنتمي بشعرها الى الحداثة الشعرية وتمتلك ادوات شعرية فريدة ، من خلالها تبحر بصيرتها نحو الابداع واتخاذ السبل الامثل في ايجاد القصيدة وحضورها المستمر ، وفي ظل هكذا نظرة تغدو التجربة الكتابية، سواء أكانت إبداعاً شعرياً أم نثرياً، تجربة وجودية، وتغدو الكتابة / النص مشاركة في الحياة (تجربة وجودية) تتجاوز إطاري الذاتية والموضوعية، إلى تقديم تصور أوسع لطبيعة الفن وماهيته، وطابعه الوجودي.وهو تصور قائم على رفض التعامل مع العمل الفني باعتباره شيئاً لا علاقة له بالعالم، ولكنه يؤمن باستقلال العمل الفني بنفسه وهذه خاصيته الأساسية، وهو في هذا الاستقلال لا ينتمي للعالم بل العالم ماثلٌ فيه، حيث إنه هو الذي يفصح عن نفسه.
هكذا هي الشاعرة الدكتورة(منى عبد الحسين)) التي تمتثل امامي من خلال هذه النصوص الجميلة التي تحاكي الواقع وليس بها اي لبس او غموض--لغة سهلة ومفرداتات ذات جمالية وتلك الصور التي رسمتها في معظم نصوصها نطقت بها صدقا
***********************
أياد النصيري -العراق-2017 -10-10
قراءة نقدية في الصورة الشعرية وجمالية المفردة
في نصوص الشاعرة الدكتورة منى عبد الحسين
الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017
الصورة الشعرية وجمالية المفردة في نصوص الشاعرة الدكتوره منى عبد الحسين * ، * ، * بقلم الأستاذ// أياد النصيري// العراق * ، * , *
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق