منزلة المرأة الفلسطينية في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة الأستاذة سعيدة طاهر الفرشيشي " المرأة الفلسطينية" 1
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب،إذا قلت أن المرأة الفلسطينية ليست مجرد ضحية للظروف، بل هي صانعة تاريخ وحارسة هوية ومربية أجيال. إنها تجسد التناقض الإنساني العظيم: تجمع بين ليونة الأم وصلابة الجبل،بين حزن الفقد وتفاؤل المستقبل.مكانتها في المجتمع الفلسطيني مركزية، فهي نواة الأسرة وقلب النضال،وفي المجتمع العربي تعد رمزاً للعزة ومصدر فخر.ورغم كل التحديات والمآسي،تظل المرأة الفلسطينية تثبت يومياً أن الصمود خيار،وأن الحياة بصناعتها إرادة، وأن الكرامة بقيمتها كونية.وهنا نؤكد أن مستقبل فلسطين،ستحمل معالمه بصمات لا تمحى من عطاء وصبر وإصرار نسائها.كما ورد في القصيدة التالية الموسومة ب " المرأة الفلسطينية" للشاعرة التونسية أ-سعيدة طاهر الفرشيشي :
.
المرٱة الفلسطنية
إن سٱلنا عن الصبر
عن الجلد،عن الإرادة
حتما سنجدهم
عند الفلسطنية وبزيادة
فهيٌ الٱمٌ الحنون المعطاة
وللٱبطال ولاٌدة
لا يخيفها قتال
تعشق النضال
لحد الشهادة..
بالبسمة تودع
ٱباها،بعلها،وليدها
فلحظة الفراق
ٱضحت لها عادة
راضية بقدر
جعلها في كلٌ لحظة
تذود عن ٱرضها
عرضها،هويتها
وبغيرهم لن ترضى
يهددها الموت
في كلٌ حين
يرسل لها ومضة
ٱوجبته حرب
شعارها الإبادة
تلك هيٌ خصال
المرٱة الفلسطنية
صاحبة الشجاعة
والرٌوح النضالية
بصبرها،وجلدها
من ٱجل الحريٌة
حق لها اليوم
وسام الريٌادة
سعيدة طاهر الفرشيشي
تناغما مع هذه القصيدة الرائعة أقول : تعتبر المرأة الفلسطينية-كما أشرت-ركيزة أساسية في نسيج المجتمع الفلسطيني،إذ تمثل نموذجاً فريداً يجمع بين القوة النضالية والعمق الثقافي والقدرة على التحمل في وجه ظروف استثنائية.لقد تشكلت شخصيتها وترسخت مكانتها عبر تاريخ طويل من النضال الوطني والتحولات الاجتماعية.وتسلط هذه القصيدة التي بين أيدينا ( المرأة الفلسطينية) الضوء على أبرز الصفات التي تميز المرأة الفلسطينية،وتستكشف منزلتها متعددة الأوجه داخل المجتمع الفلسطيني وأيضاً في إطار المجتمع العربي الأوسع.
لقد أبدعت الشاعرة في رسم صورةً بطولية للمرأة الفلسطينية،وإبرزت دورها كرمز للصبر والتضحية والنضال،متجاوزة ببراعة،الصورة النمطية للأم الحنون فقط،لتجعلها مصدر الإرادة ومدرسة الشهادة وحارسة الهوية.أما الفكرة الأساسية فهي إعلاء مكانة المرأة الفلسطينية كشريك أساسي في معركة الدفاع عن الأرض والعرض والهوية،وتمجيد قيم الصبر والجلد والتحدي في وجه الحرب والإبادة.
هذا،واستخدمت الشاعرة لغةً واضحةً ومباشرةً،بعيدة عن الغموض،مما يناسب الطابع التعبوي والبطولي للنص.ونلمس ذلك من البداية: "إن سألنا عن الصبر..حتماً سنجدهم عند الفلسطينية وبزيادة".فهي تخاطب القارئ بشكل مباشر،وتؤكد الفكرة بثقة تامة..كما وظفت التكرار لدعم الفكرة وتعزيز الإيقاع،كتكرار كلمة "عن" في البيت الأول: "عن الصبر،عن الجلد،عن الإرادة".
وتكرار الهوية والارتباط بالأرض عبر العبارات المترادفة: "أرضها،عرضها،هويتها".
وتجلى الإبداع أيضا في الطباق والمقابلة،بين الحياة والموت: "لا يخيفها قتال" مقابل "تعشق النضال لحد الشهادة"،بين الفراق والابتسامة: "بالبسمة تودع..فلحظة الفراق أضحت لها عادة"
وبين التهديد والتصميم: "يهددها الموت في كل حين" مقابل "راضية بقدر..تذود عن أرضها".
يشار إلى أن القصيدة مكتوبة على نمط "شعر التفعيلة" أو الشعر الحر،حيث حافظت على تفعيلة بحر المتقارب ولكن مع مرونة في عدد التفعيلات في كل سطر،وهو أسلوب شائع في الشعر العربي الحديث.و-كما أشرنا-يُعَد موضوع تمجيد صمود المرأة الفلسطينية وتضحياتها موضوعاً رئيسياً في الأدب الفلسطيني،حيث كثيراً ما يتم تصويرها كرمز للقوة والأمومة والنضال.
صيغت هذه القصيدة في (7 ديسمبر 2023) ويُحيل تاريخ صياغتها إلى الظروف الفلسطينية الراهنة وما تشهده من حرب مدمرة وتحديات عصيبة،مما يجعلها ( القصيدة) وثيقة تعبوية وحضارية،وتؤكد الشاعرة من خلالها أن دفاع المرأة عن أرضها وعرضها وهويتها هو دفاع عن الوجود نفسه،وبدونه لا معنى للحياة.فقد تجلت المرأة بين ثنايا القصيد كـ"أم الأبطال" و"بطلة".. وجمعت بين الأدوار التقليدية (الحنون) والثورية (المقاتلة)،مما يعطي صورة متكاملة للمرأة المناضلة.
القصيدة أولا وأخيرا،خطاب تحريضيٌّ ناعم،يعتمد على الإقناع العاطفي والفخري،دون صراخ أو شعارات جوفاء.إنها تحتفي بالمرأة الفلسطينية كـ"أسطورة حية" تمثل أعلى درجات التضحية والإيمان.واللغة بسيطة لكنها موحية،والصورة واضحة لكنها عميقة،والإيقاع منتظم لكنه يحمل نبض الألم والأمل.
خلاصة القول :قصيدة "المرأة الفلسطينية" للشاعرة التونسية الفذة أ-سعيدة طاهر الفرشيشي،قصيدة وظيفية ذات بُعد وطني، نجحت في توظيف أدوات الشعر التقليدية (لغة، صورة،إيقاع) لتقديم نموذج إنساني مشرِّف، يجسد الأنوثة المقاومة التي تبتسم في وجه الموت،وتحمل جراحها بيد،وبيد الأخرى ترفع راية الهوية.
من جانبي أؤكد أن المرأة الفلسطينية تشكل رمزاً بارزاً للصمود والشجاعة في مواجهة التحديات الاستثنائية،حيث تزاوج بين دورها الأساسي في الحفاظ على نسيج الأسرة والمجتمع تحت ظروف صعبة،وبين مشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والاجتماعي والاقتصادي.كما تُمثّل(المرأة الفلسطينية)نموذجاً لإنسان يعيش بكرامة تحت الاحتلال،يحمل هموم وطنه دون التخلي عن دوره الأسري والاجتماعي،مما يجعلها ركيزة لا غنى عنها في حاضر فلسطين ومستقبلها.وشجاعتها ليست في المواجهة فقط،بل في الاستمرار بالحياة والإبداع رغم كل المحن.
لك مني يا شاعرتنا السامقة ( أ-سعيدة طاهر الفرشيشي) باقة من التحايا،وسلة ورد تعبق بعطر فلسطين.
متابعة محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق