أصداء الغياب
لا تُنادِ…
فالصمت يمتصُّ كل صوت،
والأبوابُ غائبةٌ،
والصوتُ رمادٌ يتطاير في الريح.
رحل القريبُ،
رحل الحبيبُ،
وانطفأت أنوار الدرب الذي كنتَ تظنُّه لا يخون،
وبقيتَ وحدكَ،
تحرس الليل الجريح،
تستودع الدمعَ على أكتاف الغروب،
وتسأل قلبكَ: هل في الركون خلاص؟ أم في النداء جنون؟
لا تُجيب…
فالهواءُ يعيد لك وهم الرحيل،
والنجوم التي كنتَ ترجُوها،
تحولت إلى رماد بارد،
يغلق أبوابه في السماء.
لا قريب…
كل وجوه الأمس تبخرت،
وانسلت من حضنك كالماءِ بين أصابع العطشان،
وسوى الدموع تُنقّط الليل كنجوم حائرة،
وسوى وجعٍ يُقيم في ضلوعكَ
يفتح جرحًا فوق جرح،
ويردد: «من يضمّدني إن لم يكن القريب؟»
لا حبيب…
مَن أضاء ليلكَ بالوفاء أطفأه الغياب،
وترَكَكَ معلّقًا بين ذكرى تستهلكك،
وقلبٍ يقاوم الانكسار،
تمد يديكَ للهواء فتعود فارغة،
كأنك تجمع الرماد وتحسبه جناحًا للطيران.
لا غريب…
فالطرقات صامتة،
والوجوه متشابهة كالأقنعة في مسرح بالٍ،
تمشي بين الجموع فلا ترى إلا فراغًا يتحرك،
تبتسم الشفاه،
لكن العيون تُخفي ركامها،
والقلوب حجارة تدحرجت في صدر الزمان.
لا نجاة…
كل المرافئ أغلقت أبوابها،
كل السفن غادرت الشواطئ،
والموج يبتلع ما تبقى من حلم المسافرين،
وكل الطعون أغرقتكَ،
ولم تعد تعرف:
أأنت تسير على قدميك؟ أم تُجرّكَ خُطاك إلى هاوية لا نهاية لها؟
لا فناء…
فالظلام، وإن طال، ينحني للفجر،
والأرض، وإن جفت، تتفجر بالزهور،
والقلب، وإن انكسر، يلمّمه الحلم فيزهر مجددًا.
في ركام الوجع يولد اليقين،
وفي صمت العتمة تُضيء نجوم الرجاء،
ومن بين أنقاض كل غياب يولد حضور أبهى.
ومادامت الروح تشهق لله،
ومادام فيكَ نبض يهتف:
«سيجيء صبحٌ،
وتضحك الأرواح بعد طول بكاء».
سَعيد إِبْرَاهِيم زَعْلُوك

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق