السبت، 13 يوليو 2024

لا قوة في هذا الكون الفسيح..تشبه قوة إمرأة فلسطينية تعشق وطنها حد النخاع.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 أكتب إليكم..والدموع تنحدر على خدي النحاسي


لا قوة في هذا الكون الفسيح..تشبه قوة إمرأة فلسطينية تعشق وطنها حد النخاع..


*هذه أيقونة من آلاف الأيقونات الفلسطينيات اللواتي لم تسمعوا بهن قبل ذلك..لم تصورها شاشات التلفاز ولا تسابقت وكالات الأنباء لعمل سبق صحفي معها،فكم أيقونة صفعت جنديا هنا ومرغت وجه آخر هناك..!


-ما أظن أرضا رويت بالدم والشمس كأرض بلادي/وما أظن حزنا كحزن الناس فيها/ولكنها بلادي/لا أبكي من القلب/ولا أضحك من القلب/ولا أموت من القلب إلا فيها..( مظفر النواب)


"كنت فتى في الـ17 من عمري يوم اعتقلوني أول مرة..أخذت خوذة جندي محتل وهربت، هكذا مماحكة،اعتقلوني عشرين يوما وبعدها أخرجوني..يومها قلت لأمي: عندما دخلت السجن شعرت بنفسي مثل "الدجاجة الممعوطة" ليس لي مكان بين الأسود.

فهمتني أمي وقالت لي "أنت مش مطوّل..رح ترجع للسجن قريب".

"وفعلا رجعت بعدها للسجن..ليس وحدي بل مع إخوتي الثلاثة،لم تعرف أمي تهمتنا إلا من التلفاز وتوزعنا على أربعة معتقلات، ولحقنا أبي في معتقل خامس.

هذا هو الوجه الحقيقي للمرأة الفلسطينية التي توقن بأن وجه العدو واحد لا يتغير مهما تفاوضوا وتعايشوا ونسقوا أمنيا

"وعندما حكموا علينا بالمؤبد زغردت وملأت القاعة بالتكبير، وعندما سألها الضابط الصهيوني: لماذا تزغردين وقد حكم على أولادك بالمؤبد؟ قالت "ابني حرق قلوب اللي سرقوا أرضه.. ابني ما ترك الزناد وخاف".

قال لها القاضي: لا يحق لأم مثلك أن يكون لها أبناء يكفنونها عند الموت،لقد أنجبت أربعة إرهابيين،ودولة إسرائيل ستحرمك منهم لآخر لحظة في حياتك.

تجاهلت ما قاله الضابط ووجهت كلامها لنا: "ولا يهمك يمّا..السجن للرجال..إوعك تكون ندمان..هذه الأرض بدها رجال زيك يا حبيبي".

هذه أيقونة من آلاف الأيقونات الفلسطينيات اللواتي لم نسمع بهن قبل ذلك،لم تصورها شاشات التلفاز ولا تسابقت وكالات الأنباء لعمل سبق صحفي معها،فكم أيقونة صفعت جنديا هنا ومرغت وجه آخر هناك..؟!

عندما تذبل الورود تبقى البذور في الأكمام تبشر بميلاد جديد للزهور،وزغرودة الأم الفلسطينية تضيء بها الطريق لأم أخرى تقف على قائمة الانتظار..

هذا هو الوجه الحقيقي للمرأة الفلسطينية التي توقن بأن وجه العدو واحد لا يتغير مهما تفاوضوا وتعايشوا ونسقوا أمنيا،هذه المرأة تؤمن بأن جمال المعركة في فلسطين يكمن بأن وجه العدو واضح وصريح فلا تردد ولا تراجع ولا انحناء،فالمعركة في فلسطين معركة بين الحق المتجذر والباطل الهش.

كل فلسطينية هي هاجر،وستلد في واد غير ذي زرع وستتفجر زمزم تحت أقدام وليدها..

كل فلسطينية كزهر فلسطين،كبحرها الهادر،كأسوار عكا منيعة.

كل فلسطينية تغزل بأنامل من نور ويقين ثوب العودة..وتحيي نبض الثورة..فقد تذبل الأوطان ولا يبعثها من مرقدها سوى امرأة تحترف المقاومة كما تحترف الأمومة.

ربته كل شبر بنذر،ثم ها هي يوم استشهاده تزغرد وكأنه عريس في ليلة عرسه وكأنها ما ربت ولا نذرت..أم أنها نذرته لهذا اليوم.

هذه الزغرودة تحمل جدلية المشاعر عند المرأة الفلسطينية،فبماذا نفسر هذه الجرأة والعنفوان..!؟

 كيف استطاعت أن تكسر قيد الأمومة،والأمومة قيد من نور ونار؟!

كيف انعتقت من وجعها وعجزها ودموعها..!؟

أعتقد أن هذه الزغرودة ضماد للجرح وشمعة تضيء قلبها الذي أعتم، فعندما تذبل الورود تبقى البذور في الأكمام تبشر بميلاد جديد للزهور..وزغرودة الأم الفلسطينية تضيء بها الطريق لأم أخرى تقف على قائمة الانتظار.

زغرودة واحدة.صفعة واحدة..ركلة..كفيلة بأن تجعل المنفلتين من العقال لا ينامون الليل..زغرودة يقابلها هلع محتل..

هذه الزغرودة ميلاد لفجر قادم،زولأنها ممتلئة بالوطن،ولأنها تخاف أن تنحني وينكسر،ولأنها تدرك أن الحياة قنطرة للعبور وأن الدم هو المعبر للتحرير والعودة زغردت حتى لا تنكسر وينكسر الوطن.

هذه الزغرودة تحمل أسرارا وذكريات وأحلاما وحكايات وتفاصيل..تحمل عيونا لطالما وقفت على الشباك تودع الصغير ذاهبا للروضة وتستقبله عائدا من الجامعة وترسم في مخيلتها أحداث عرسه وشكل عروسه وتزغرد ثم تصحو لتكمل المشهد هنا في يوم استشهاده أو أسره.

تقف بصلابة وتحمل نعشه وتوشوش في أذنه "عريس يمّا وما أحلى طلتك..الله يسهل عليك يا حبيبي".

هذه الزغرودة الصفعة جمرة نار تلتف حول أعناق محترفي القتل لتؤكد لهم أننا شعب عصي على الحزن والتآكل،قوتنا تكمن في المرأة التي ترسم الخريطة بأنامل من نور.

زغرودة واحدة..صفعة واحدة..ركلة.. كفيلة بأن تجعل الأفاقين لا ينامون الليل..زغرودة يقابلها هلع محتل..

وصفعة يقابلها ضوء أحمر يشعل في دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن الأسوأ قادم.

زغرودة هنا وجذب شعر هنا وتمريغ وجه الجنود بالتراب يقابله أرق وعيون لا تنام في المستوطنات.

هذه الزغرودة تلخص الحكاية،فكل فلسطينية هي أيقونة سمعنا بها أم لم نسمع.

كل صفعة هي حكاية الكف الصلبة التي لا تلين وتستند إلى كتف يحرسها ويدعمها.

كل فلسطينية يقف خلفها رجل يسند روحها ويشكل عنفوانها..

لا معركة يمكننا أن نكسبها ما دامت المرأة تشعر بالخيبة والخضوع،ولا حرية يمكننا أن نرنو لها ما لم يرع الرجل خطوط النور في يديها..

لن تزغرد المرأة،لن تصفع،لن تقف في وجه جندي مدجج بالكراهية والفولاذ،بكل بسالة وشجاعة لولا رجل يهبها كتفه ويظلل روحها بالأمان.

النصر ليس رجلا،النصر امرأة تروي الحكاية وترسم خريطة الوطن في الوجدان،فتنبض الخريطة في قلوب الصغار. 

لن تترك المرأة الخطوط الخلفية وتتقدم الصفوف لتصبح في المقدمة إلا إذا شد أزرها رجل يعرف أن تحرير الأوطان بتحرير حرائره من الانكسار والخذلان،وأن قوة الوطن بقوة حرائره،وأن انكسار المرأة هو انكسار للوطن.

لا معركة يمكننا أن نكسبها ما دامت المرأة تشعر بالخيبة والخضوع،ولا حرية يمكننا أن نرنو لها ما لم يرع الرجل خطوط النور في يديها،فالمرأة الفلسطينية زارعة الورد..ناثرة العطر لا يمكنها أن تتحول لمنجل حاد يقطف المحتل لولا الرجل الفلسطيني الذي يقف خلفها..يقدمها ولا يخشى من قوتها ولا يكسر من عزيمتها،فلا قوة تشبه قوة امرأة عشقت وطنها.

هي ذي فلسطين اليوم مجلّلة بالوجع ومخفورة بالبهاء: أمل يرفرف كلما هبّت نسمة من هواء..ثمّة فسحة من أمل..خطوة بإتجاه الطريق المؤدية،خطوة..خطوتان ومن حقّنا أن نواصل الحلم.

ولتحيا الحياة.

سلام..هي فلسطين..فلا بهجة لأبنائها خارج فضائها..

وهي مقامنا أنّى حللنا...وهي السفر.


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق