الجمعة، 12 يوليو 2024

وصيته ... رواية / رضا الحسيني


 وصيته ... رواية / رضا الحسيني ( 21 )

( الكابوس )
هذه الليلة لم تكن لتمر بنجلاء بشكل عادي وسهل ، وكأن الأربعين ليلة كانت مملوءة بالصبر الذي نفذ ، أو كأن جلسة الوصية فتحت عليها كل أبواب الفكر والذكريات ، فهي كانت كجسد هش داخل لفافات القماش التي تشبه الكفن ، حين تلمسه لاتجد بداخله شيئا متماسكا ، وهي كانت كذلك ، كلهم عادوا لبيوتهم لايشعلهم شيئا غير وصية زهران ، وعادوا لايفكرون إلا في كيف يلتفون من خلف الوصية لينقضوا عليها ويجردوها من كل شيء ، مايطمئتها أن زهران عمل حساب هذه الالتفافة فكتب لها كل شيء ، المال والبيت ، وقدعاهدته ألا تتصرف بشيء في حياتها من بعدها إلا بما يجعلها فقط تعيش باستقرار كما يعيش إخوته ، فهي لم تقتنع مثل زهران بفكرة أن تنهار حياة من يبقى منهما بعد وفاة الآخر
لم تخرج من كل هذا إبل على دقات جرس الهاتف ، أسرعت نحوه :
_ أهلا ياخالي ، إزيك ياحبيبي عامل إيه وإزي أبلة عفت والولاد
_ ليه ماقولتيش كنت أروح معاكم يانجلاء ، هو أنت مفيش ليكي أهل ولا إيه ؟
_ ياخالي ربنا يخليك لينا ، والبركة في أبو ماجد قام بالواجب ، أنا محبنش أتعبك وأنت صحتك مش زي الأول
_ بعد كده أي حاجة تقوليلي عليها
_ حاضر ياخالي ، وعموما اطمن أنا تمام وزهران كان عامل حساب كل حاجة
_ أه ماهو أنا عرفت من عبد الوهاب لما جاني من شوية ، وزهران يانجلاء لاعمره تعبك ولايمكن بعد موته هيتعبك
_ فعلا ياخالي وحقك عليا متزعلش
كان اتصال فاضل رسالة أمان لنجلاء ربما كانت تحتاجها ، فتذكرت كيف كان لخالها فاضل وأميرة أخت زهران الفضل بعد الله في زواجها ، فزهران وهو يتابع شقة أخته المسافرة للسعودية بزوجها وأولاها كان يتابع أيضا كل شيء تفعله نجلاء دون أن تشعر وهي ماتزال طالبة بدبلوم التجارة ، في هذا الوقت لم تكن محجبة ، شعرها ناعم وينساب لحدود منتصف ظهرها ، جميلة الطلة والضحكة تهتم بمظهرها ويتحاكى الكل بأخلاقها ، كانت فقط تحب الدراسة لأنها تخرج فتستقل المترو وتُلاقي زميلاتها ، وعندما عادت أخت زهران كانت نجلاء قد حصلت على شهادة الدبلوم وبدأت تعمل في حضانة بنفس المنطقة ، شقة أميرة كانت بنفس العقار مع خالها فكري ومقابل شقة خالها فاضل وكذلك مقابل بيت نجلاء ، لم تكن نجلاء تلاحظ متابعة زهران لها إلا عندما دق باب فكري ، يومها كانت أميرة تستأذن للمجيء بأسرتها وأخيها زهران لطلب يد نجلاء ، وكانت الجلسة الأولى بشقة خالها فكري مع زهران وأسرته بحضور والدها وأمها وخالها فاضل ، يومها كانت كل الظروف مهيأة لإتمام الزواج ،وانطلقت بداخلها فرحة كبرى وشعرت أنه الرجل الأنسب لحياتها وعمرها فلم تُخفي قبولها ، وهاهي اليوم تتواجد في الجلسة الثانية بعد وفاته بأربعين يوم لتعرف بما أوصى زهران ، كان الفارق الزمني بين الجلستين قرابة الأربعين عام
وضعت رأسها مع عمرها الماضي كله على وسادتها ، كانت تشعر بأن زهران سيأتيها ، كان دائما يأتيها ، يوقظها لتناول علاجها ، يُعد لها زجاجة الماء المعدنية ، لم تشرب ماءا غيره في آخر عشرين عام ، وفي الصباح تستيقظ لتجده قد أحضر لها الفول من المطعم الذي تحبه مع أجمل خبز بالحي كله
_ نمتي يانجلاء ؟
_ مين بيكلمني ؟! مين
_ مين يعني يانجلاء بيهتم بيكي غيري
_ زهران ؟! كنت حاسة إنك فعلا هتيجي الليلة تطمن عليَّ ، أربعين يوم دلوقتي يازهران لا سمعت صوتك ولاشفتك ، طول جوازنا ماغبتش عني أبدا مدة كبيرة كده
_ بس أنا كنت طول العمر معاكي يانجلاء ، وكنا كتير بنختلف وبنزعل ونتخاصم
_ فعلا يازهران عندك حق ، ضيعنا كتير من عمرنا في الزعل والخصام ، هو انت لسه زعلان مني ؟ عشان كده غبت عني الأربعين يوم دول ؟ خلاص مش هزعلك تاني ، بس ماتغبش عني تاني ، زهران .... زهران ... لحقت تمشي بسرعة كده ، زهران .. زهران ...زهران
_ إيه مالك يانجلاء ، خير حصل إيه ؟، ليه بتنادي عليَّ كده ؟!
_ زهران ؟! إنت هنا معايا بجد ؟! يعني مفيش حاجة حصلت خالص ؟! يعني كل ده كان كابوس بس ؟!
_ أنا مش فاهم حاجة يانجلاء ، هو إيه اللي حصل وكابوس إيه ؟!أنتِ كويسة ؟
_ لأ خلاص مافيش حاجة ، خلاص أنا بقيت دلوقتي كويسة خالص ، كويسة أوي أكتر من أي وقت فات
... غدا نعود لوصيته بفصل جديد هام جدا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق