الثلاثاء، 25 يونيو 2024

بين أحضان الإله بقلم الشاعر رشيد بن حميدة-تونس

 بين أحضان الإله 

*********************

أكاد ألمحني

بين ثنايا الغيم

أدهس كثيرا من الأشواك

في دروبي.. 


وأمضي

لا أبالي بالمواء والنّباح

ولا الجراح

والنّدوب..


أكاد ألمحني

في ضياء الأفق

أمسك بتلابيب الحظّ

وأحضن الفجر السّعيد

إثر غيابه

والشّحوب..


أكاد ألمحني

خاشعا بين أحضان الإله 

يجبر بخاطري

يؤمّن روعاتي

ويمسح عن جفوني

أثر الأرق

والشّجون...

*********************

رشيد بن حميدة-تونس 

في25-6-2024




حين تقول غزة..كلمتها الجاسرة بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين تقول غزة..كلمتها الجاسرة


-علمني وطني أنّ حروف التاريخ مزوّرة.. حين تكون بدون دماء.. "(مظفر النواب)


-

-إن الجرح الفلسطيني ما فتئ يتعمّق،وغزة  بالنيابة عنا جميعا،يخوض أبطالها معركة الصمود والبقاء،تحت زخات الرصاص ووسط حصار الدبابات والصواريخ،يحدوهم أمل وضّاء في تحقيق النّصر المبين..( الكاتب )


.. لأنّ إسرائيل متذرعة-بالسماء فقد احتلّت الأرض..ولأنّ حاخاماتها المهوسون يرفعون شعارات قتل العرب والإستيطان عملا-بأحكام الرب-حسب ز عمهم الذي اختار هؤلاء اليهود تنفيذا لمشيئته..! ولأنّنا كما قال المستوطنون النازيون الجدد نستحق القتل..وكما قال -كبيرهم الحاخام يوسف عوفاديا-أنّنا من جنس أقل،ففتوى قتلنا مشروعة من وجهة نظر دينهم،وتدنيس المقدسات الإسلامية،واستخدام آليات القتل والتدمير وإبادة الفلسطينيين ومحاولة الإستيلاء على الحرم القدسي بإعتباره وفي نظرهم-جبل الهيكل-أمر لا يستحق الإستنكار.. !

ومادام ذلك كذلك فلا حرج أن تقفز إسرائيل على قرارات الشرعية الدولية وتنتهك كل القوانين والإتفاقيات والتشريعات التي تكفل إحترام الفرد وتعزّز إنسانيته،وتذهب إلى أبشع مدى وتتجاسر على هتك المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس وتخترق السيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف..وتصعّد من عمليات القتل والترويع وهدم وإحراق المباني والممتلكات الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة والقدس..

إنّ الجرح الفلسطيني ما فتئ يتعمّق،وغزة بالنيابة عنا جميعا،يخوض أبطالها معركة الصمود والبقاء،تحت زخات الرصاص ووسط حصار الدبابات والصواريخ،يحدوهم أمل وضّاء في تحقيق النّصر المبين..

وفي عالم فقدنا الثقة في نزاهته وفي ظل التواطؤات العالمية في مختلف أشكالها المخزية، يزداد الصلف الإسرائيلي وتوغل حكومة"آكلة الموتى"بتل أبيب في القتل والترهيب،ويغدو تبعا لذلك"السلام المنشود"زبدا وطواحين ريح..

فالعقلية التلمودية-كما أسلفنا-لا تعترف بقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب الفلسطينيين بنسبة 50 في المائة !! ولا تكترث بقرار عودة اللاجئين ولا بموضوع وقف النشاط الإستيطاني..

وهذا يعني في مجمله أنّ-تحقيق السلام المزعوم-أمر يكاد أن يكون مستحيلا مع"شريك إسرائيلي"لا يلتزم بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام..

وإذن؟

بات لزاما إذا-على دعاة السلام-من الفلسطينيين و العرب على حد سواء أن يعوا بأنّ-الدعوة-للتفاوض المزعوم وتكريس قضية التطبيع بمختلف الأشكال المريبة،قد برهنت الأحداث الدامية في فلسطين على السقوط الفاضح لها وعرّت طريقها المسدود وكشفت زيفها وخداعها من أوسلو إلى شرم الشيخ،وما الصمود الباهر -لأبناء غزة-في حرب الإبادة التي يشنها الإحتلال الغاشم على-القطاع-ومتساكينيه،إلا دليل قاطع على إفلاس المفاوضات العربية-الإسرائيلية،وعلى هشاشة التطبيع مع كيان غريب يستمدّ قوّته من ضعفنا ومن دماء الأبرياء..

ولذا فقد قالت-غزة-كلمتها الجاسرة،وانتصرت لقضيتها العادلة ورفعت-اللاءات-التي تخترق سجوف الصمت العربي وكذا الصلف الإسرائيلي وبرهنت للعالم أنّ فلسطين جرح غائر في الوجدان العربي لا تبريه المفاوضات العبثية وأنّ "الحكمة" التي طالبت أمريكا-الجانبين-أن يتسما بها استحالت جنونا،بما يؤكّد أنّ هذه الأمة الغائرة جذورها في التاريخ لن ترض بأي حلول أو اتفاقات تقفز على دماء الشهداء وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وما على العالم إلا أن يعي أنّه من المستحيل التفريط في-تلك الدّماء الزكية-مهما سعى الآخرون وهم في طريقهم المسدود إلى تحويلها إلى حبر زائف تكتب به بيانات التنديد أو الإتفاقات المشبوهة..


 

محمد المحسن




لا شيء في نشوة الشوق..يثبت أنّي أحبّك..غير الكتابة.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 لا شيء في نشوة الشوق..يثبت أنّي أحبّك..غير الكتابة..


الإهداء:إلى تلك التي مازالت تتجوّل في خراب يسكنني..ووحدها تراه..


-أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ..فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ (محمود درويش)


..في الأفق البعيد..

                يلوح ضوء باهر

يسربله السّحر

               ذاك الأفق البهيّ

متشحا بباقات من الحسن

هوذا الحسن..

يتوهّج في سحر عينيك

وإنّي لأقرأ هذا المدى العندميّ

                    على شفتيك..

***

يا إمرأة

إنّ فيك لسحر السّماء

          وجوع الحياة

وكون من التيه

       والبوح والموج

والرغبات..

ياسيدة اليمّ

امنحي كلامي لغات السّفن

   امنحي قلبي لغة سافرة..

***

يا سيدة اللّون

أنيري ضوء الكون المعتّم في أجوائي

                 علّني أفتح بؤبؤ الرّيح

وأستوطن الذاكرة

***

يا سيدة البحر

“أسندت روحي على وهج العشق فيك”

أستنجد الوجد..

أحتسي لغة الكوثر في كأس الهديل..

خذيني بقربك..“كي أقرأ روح العواصف”

حين يعانق النورس زرقة اليمّ

          ويسرج القلب أفلاكه..

للرحيل..

***

يا سيدة البحار..

على جدائلك بروق البحر والملح..

             وفي سماوات عينيك

ذاك الفضاء البدائيّ

  أراه متشحا بالغيم

والصّمت

والنّور

والنّار..

وأنا..

أغذّ الخطى بين جرح

وجرح

   وأقتفي أثرا للمرايا

لكنّ الدرب إليكِ..

غدا دروبا لا تؤدي إليكِ..

كنت أرى وجهكِ..

         في المنام

أراه على صفحات البحار..

         وكنت أقول: غـدا..

أقول غدا ربّما قد أراها..

         إن قدّر اللّه حسن النوايا..

لكنّ السنين تعدو

                والأمنيات تمضي

وكل الرغبات تنأى..

             والقوافل أسقطتتني

في منعطف للثنايا..

***

يا سيدة الكون واللّون

            ها أنذا على مرمى..

نبضتين من القلب..

         أتصفّح دفتر عمري..

أكفكف غيمي

        أسرج وجدي..

 إلى جهة في المحال..

وأسري إليك..

لكأنّي في غمرات البنفسج..

أولد الآن..

ولا شيء في نشوة الشوق ..

يثبت أنّي أحبّك..

   غير الكتابة..

ذبل الزّهر ولم يجيء الربيع..

رحل طائر البرق..

       ولم ينهمر الغيم..

مثلما وعدتني الرؤى..

   كما وعدتني رؤايَ

ترى..؟

هل أظلّ أحبّك إلى آخر العمر..؟

وهل..؟

وتظلّ في تضاعيف الرّوح

              محرقة للسؤال..


محمد المحسن


*ازدحمت أسماء النساء في ذاكرة خرّبتها الأزمنة المفروشة بالرحيل..ولذا،أهدي هذه الكلمات المتخمة بالمواجع إلى واحدة فقط ظلت تسكنني عنوة في زمن الجدب..وظللت أهفو إلى عطرها كطير غريب حطّ على غير سربه.



أمسية أدبية فكرية بالمقهى الثقافي البوزار باب بلد قليبية الأحد 23 جوان 2024 للاحتفاء بالمجموعة القصصية (محرقة السوس.. أغاني الحياة2) لمؤلفها الأستاذ عبد القادر بن عثمان

 أمسية أدبية فكرية بالمقهى الثقافي البوزار باب بلد قليبية  الأحد 23 جوان 2024 للاحتفاء بالمجموعة القصصية (محرقة السوس..  أغاني الحياة2) لمؤلفها الأستاذ عبد القادر بن عثمان 

قدمها للحضور الأستاذ الباحث قيس المرابط.


متابعة وتوثيق فوتوغرافي الأستاد فاروق بن حورية مراسل الوجدان الثقافية ومجلة حورية الأدب








نظّمت مساء أمس السّبت 22 جوان 2024 المكتبة العموميّة بحمّام الأغزاز لقاء أدبيّا للإحتفاء بالإصدار الجديد "كيف تتأسّس المدن؟ في تأسيس مدينة حمّام الأغزاز" للأستاذ مزار بن حسن.

  نظّمت مساء أمس السّبت 22 جوان 2024 المكتبة العموميّة بحمّام الأغزاز لقاء أدبيّا للإحتفاء بالإصدار الجديد "كيف تتأسّس المدن؟ في تأسيس مدينة حمّام الأغزاز" للأستاذ مزار بن حسن.

 قدّم الكتاب للحضور الأستاذ محمّد بن امحمّد بن حسين في قراءة ماتعة شدّت الجمهور الحاضر من أدباء وشعراء ورجال تعليم ومثقّفينن، فكانت أمسية رائعة على كلّ المستويات.

تصوير وتوثيق مراسل مؤسّسة الوجدان الثّقافيّة ومجلّة حوريّة الأدب الاستاذ فاروق بن حوريّة










مهرجان الساف بالهوارية أيام 23/22/21 جوان 2024 في دورته الخامسة والخمسين

 مهرجان الساف بالهوارية أيام 23/22/21 جوان 2024

في دورته الخامسة والخمسين 

تدشين وزيارة المعرض التشكيلي والفوتوغرافي التونسي الجزائري بنادي البيازرة 

متابعة لمسابقة بيازرة حمام الأغزاز وقليبية بالساف والصقر

رغم الرياح فقد تمت المسابقة في جو بهيج وحضور جماهيري محترم. 


تصوير وتوثيق الفوتوغرافي الأستاد فاروق بن حورية مراسل الوجدان الثقافية ومجلة حورية الأدب














...تَعَارُفٌ . (من غزَل الشّباب، أيّام الدّراسة ).. بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف (تونس)

 ...تَعَارُفٌ . (من غزَل الشّباب، أيّام الدّراسة )..

عُـلِّـقْـتُـهَا، بَـعْدَ التَّعَـارُفِ صَادِقًا

وذَكَـرْتُـهَا، قَـبْلَ الشَّـهَـادَة تُـذْكَرُ

وجَـعَلْـتُـهَا خِلِّي الوَحِــيدَ ومُلْهِـمِي

أَشْدُو عَلَى ذِكْرِ اسْـمِــهَا وأُكَـرِّرُ

ونَسَجْتُ أَطْرَافَ النِّخَابِ كِسَاءَهَا

وطَـرَحْتُ آمَــالِـي، بِـهَـا تَـتَــدَثَّـرُ

وعَـصَـرْتُ مَاءَ الـمُهْجَتَيْنِ شَرَابَـهَا

وجَعَلْتُ مَخْزُونَ الحُشَاشَةِ يُفْطَرُ

وسَهرْتُ فِيهَا اللَّيْلَ، أَرْقُبُ نَجْمَهُ

وأُسَائِـلُ الأَطْـيَافَ، إذْ تَتَصَوَّرُ

وأُفَسِّرُ الغَمَزَاتِ فِي الأُفُقِ البَعِيـ

... دِ لَعَلَّـهَا تُـبْدِي الغَرَامَ، فتُخْبِرُ

ونَزَعْتُ مِنْ أَلَـقِ النُّجُومِ مَقَاطِعًا

بِالنُّورِ يَسْطَـعُ ضَـرْبُـهَا الـمُتَكَرِّرُ

وجَنَيْتُ مِنْ عَـرْشِ الثُّريَّا نَفْحَةً

لِأُرَصِّعَ الأَبْيَاتَ، قَـبْـلُ، وأُشْهِـرُ

وحَمَلْتُ هَذَا الكَنْزَ مِنْ دُنْيَا الضِّيَا

فِي صَفْحَةٍ، تُسْنِي القُلُوبَ، وتُبْهِرُ

وبِـطَـيِّـهِ لَـمَـعَتْ حُرُوفٌ خَـمْسَةٌ

رَسَمـَت أُسَيْمًا، لَفْظَهُ لَا أَذْكُــرُ...

أَهْـدَيْـتُـهَا أَغْـلَى شُعُـورِي، إنَّـنِـي

فِي الحُبِّ، أُرْفِدُ مَنْ أُحِبُّ، فَأُكْثِرُ.

حمدان حمّودة الوصيّف (تونس)

"خواطر" ديوان الجدّ والهزل



"وَحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ" بقلم الشاعر محمود بشير

 ذِكْرَىٰ رفيقةِ  دربِي "نَجِيَّة درويش" التي وافاها الأجلُ في27 نيسان 2024 ستبقىٰ حيَّةً ما حييتُ.


"وَحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ"


وحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ مصطَبِرَا

      فالخِلُّ غادرَقبلَ الأمسِ ماانْتَظَرَا


أجَلٌ يُقَدَّرُ والقَهَّارُ يُلْزِمُهُ

    ذاكَ الملاكَ الذي في ذاتِهِ استَتَرا


فَجْراً أفَقْتُ وإذْبالخَطْبِ يدْهَمُنِي

    وقْعُ المُصيبَةِ هدَّ القلبَ فانْفَطَرَا


مصيبَتِي كان ذاكَ الفجرُ شاهِدُهَا

مامن مُغيثٍ يُعِيقُ الموتَ إن حضَرَا


ضاقَتْ عَلَيَّ وقد أُغْرِقْتُ في حَزَنِي

        ناجَىٰ"نَجِيَّةَ"وجْدِي زادَ ما فَتَرَا


لملمْتُ نفْسِي إلىٰ الرّحمٰنِ أُوكِلُهَا

          عَلِّي ألاقِي رفيقَ العُمْرِ مُنْتَظِرَا


يا بُؤْسَ قلبِي إذا ما مسَّنِي ضَرَرٌ

         مَنْ ذَا سيَدْرَأُ عنِّي ذلِكَ الضَّرَرَا


كانتْ رِدائِي هيَ الدِّفْءُالمُدَفِّئُنِي

    كانتْ غِطائِي تَقِينِي البَرْدَ والمَطَرَا


بَقِيتُ وحدِي ولا خِلُّ ألوذُ بهِ

           ماذا تَبَقَّىٰ لِشَيْخٍ ينْطُرُ القَدَرَا


بابُ الصَّفاءِ إذا أقدَمْتُ أقصِدُهُ

  ألْقَىٰ مزيداً من الحسْراتِ قد ظَهَرَا


ربّاهُ هبْنِي إذا أوْفَيْتُ مَنْزِلَةً

             تُعْلِي كِليْنَا ولا تُلْقِي بِنَا هَدَرَا



محمود بشير

2024/6/25



الاثنين، 24 يونيو 2024

المُتحدّي بقلم الشاعر كمال العرفاوي

 *المُتحدّي*

قال الفَتَى الغزّاويُّ النّحيف

صاحبُ العقلِ الرّاجحِ الحَصيف

بلسانٍ عربيٍّ فصيح

وبلهجة المُتحدّي الصّريح

مُتوجِّها بالخطاب لأمّه وأبيه

وأهله وذَويه

وفَصِيلته الّتي تُؤوِيه

ولِعَدُوِّه الّذي يُؤذِيه

  وِجميعِ مُعاوِنِيه

لن نَخضَعَ أبدًا للتّرهيب والتّخويف

لن نَخضَعَ مُطلَقّا للتّقتيل والتّعنيف

لن نركعَ وإن قُطِعَ عنّا الماءُ والكهرباء

ومُنِعَ عنّا الدّواءُ والغذاء

لن نستسلِمَ وإن حُرِمْنا طَعمَ الرّغيف

وفَقَدنا العيشَ في مُحيطٍ نظيف

وأصبحنا نَنام في العراء

ونلتحِف بِوجهِ السّماء

ونتوسّد الصَّخرَ على الرّصيف

وَسط الظّلامِ الحالِكِ المُخيف

فقالت أُمُّ الفَتَى

مُسانِدةً لِابنِها الفَصِيح

وهي تُزَمجِرُ في غَضَبٍ تَصِيح

لن نضعُفَ من وطأة الشّقاء

سنصبر على الابتِلاء

سنتحمّل الضُّرَّ والأذى

وشتّى أنواعِ البَلاء

وقِلّةَ المَؤُونةِ والغلاء

ثُمَّ أضاف أبو الفتى

في إصرارٍ وتَحَدٍّ ودَهاء

لن نستسلم أبدا للعَناء

سندفع دِماءنا تضحيةً وفداء

لفلسطين الحبيبةِ

أرضِ المُرسَلين والانبياء

وبَوَّابةِ الأرضِ إلى السّماء

سنَذُودُ عن قُبّةِ الصّخرةِ

والمسجدِ الأقصى

وساحةِ الإسراء

سنحمي القُدسَ الشّريف

بقُوّةِ كلِّ صِندِيدٍ عَفيف

حتّى نحرّرها من العدوّ العنيف

ومن إجرامه وإرهابه المُخيف

كي ننعمَ بهواء الحُرّية النّظيف

وبالأمنِ والسّلامِ في قُدسِنا الشّريف

كمال العرفاوي في 23 / 06 / 2024



إِلَــــــهِـــــــــــــــــي بقلم الأديب عَبْدُ الْمَجِيدِ زيْنُ الْعَابِدِينَ

 إِلَــــــهِـــــــــــــــــي


إِلَهِي أَنْتَ يـَـــــــــــا رَبِّي **شكوتُ أَخِي إِلَيْكَ أَنَا

أَخِي بِالْأَمْسِ نَحْضُنُهُ **وَهَا هُــــــــــوَ ذَا يُقَاتِلُنَا

أَخِي بِالْأَمْسِ نَحْمِيــهِ **وَصَارَ الْيَوْمَ يُفْنِينَـــــــا

أَخِي بِالْأَمْسِ عَايَشَنَا **وَصَارَ الْيَوْمَ يُغْرِقُنَـــــــا

بِأَسْلِحَةٍ مُكَدَّسَةٍ **يُسَخِّرُهَــــا لِغَزَّتِنـَـــــــــــــا

فَيُدْمِينَا بِلَا سَبَبٍ**سِــــــوَى عِشْقٍ لِمَوْطِنِنَا

**********

سَأَلْتُكَ أَنْ تُزَعْزِعَهُ **كَمَا قَدْ كَانَ زَعْزَعَنَا

وَأَنَّكَ أَنْتَ تُسْكِتُهُ **لِأَنَّهُ كَانَ أَسْكَتَـنَـــــــــا

وَتُنْهِي أَنْتَ جَرَائِمَهُ **فَقَدْ فَاقَتْ تَصَوُّرُنَا

فَلَمْ يَرْدَعْهُ إِحْسَاسٌ **بِأَنَّهُ يَظْلِمُ عُزَّلَنَــــا

بِقَتْلٍ أَوْ بِتَهْجِيرٍ **لِأمْكِنَةٍ لِيُهْلِـــــــــكَنَــــا

عَبْدُ الْمَجِيدِ زيْنُ الْعَابِدِينَ

الأحد 12/04/2024


يا أيها الوطن السجين بصمتنا بقلم الشاعرة د.زهيرة بن عيشاوية

 يا أيها الوطن السجين بصمتنا 

فك القيود وحطم الأغلالا 


لا تبك من خان العهود ومن جفا 

لا تلتفت لا تندب الأطلالا 


لا تسمع الصوت الجبان ولا ترى 

أطياف قوم باركوا الإذلالا 


يا أيها الوطن الجريح بقلبنا 

اضغط على الجرح الذي قد طالا 


لا تنتظر منهم طبيبا مسعفا 

مهما النزيف من السواعد سالا 


لا تنتظر من ذلهم عزا ولا 

من طول صمت شفاههم أفعالا


لا تأمل النصر البعيد بسيفهم 

لا تنتظر خلف السيوف نبالا 


يا أيها الوطن القتيل بجرمنا 

رغم الحصار صمدت خضت قتالا


وطن وحيد فالعروبة أُجهضت 

وطن وحيد أنجب الأبطالا 


قد دست وجه الذل ملء جباهنا 

ولففت حول الظالمين  حبالا 


ودفنت طين الخوف تحت رقابنا

ووضعت فوق المثقلين جبالا 


ومنحت فوق دماء شعبك سجدة 

وحمدت رب العالمين تعالى 


يا أيها الوطن القتيل بصمتنا 

صرخات جرحك أيقظت زلزالا 


لكنما الأعراب ذلا أُشرِبوا 

سُلِبوا الصواب و أُلبِسوا التمثالا


زهيرة بن عيشاوية 

                           Zouhaira Ben Aichaouia



الأحد، 23 يونيو 2024

إكْسِيرُ عُشَّاق بقلم الشاعرة سعيدة باش طبجي☆ تونس》

 إكْسِيرُ عُشَّاق


قَذًی بِعَیْنِي و عُوَّارٌ باؔمَاقِي

مُذْ خانَ عهْدُکَ غَدرًا عَهْديَ البَاقِي


مُذْ عَرّّشَ الدّمعُ في رَمْشي وأنْسِجَتي

وعاثَ ليْلُ القذَى في فَجْرِ أحدَاقِي


وعَشَّشَ العُقْمُ في نَبْضِي وقافیتِي

وجَفَّ فَوْقَ یَراعِي حِبْرُ أشواقِي


واسْتَوْطَنَ العَتْمُ في دَمّي وأوْرِدَتي

وفِي بِلادِي تَهاوَی الکأسُ وَالسَّاقي


وفَوْقَ عَرشِ القَوافِي اسْتأسَدَتْ قِطَطٌ

ومَربَعُ الضّادِ أضحَى جَدبَ أعذَاقِ

☆☆

فاسْكُبْ أيَا قلَمِي بَوْح الجَوى نَزِفًا

ولا تَذَرْ دَمعَتي تَثْوِي بأعمَاقِي


فالرَّأسُ مِنّي كَسَاهُ الشّيْبُ مِنْ وَهَنِي

َلكِنَّ حَرفي سيَغْدُو نَبْعَ أشواقِ


لاضَيْرَ مِن ثَلْجِ أسْقامٍ يُكَلِّلُنا

مادَامَ في نَبْضِنا أكْسِيرُ عُشّاقِ☆


 《سعيدة باش طبجي☆ تونس》

بلاد الحرمان بقلم/عثمان زكريا(رسول الإنسانية)

 بلاد الحرمان


بقلم/عثمان زكريا(رسول الإنسانية)


_ليبيا


أنا الشاعر

هنا في بلاد الحرمان 

أريد أن أقلد السلاطين

في كتابة الشعر

في الانخطاف 

وتدوير التاريخ

استيقظت قصيدة اللاوعي

تنبض على أصابعي

على هامش المدينة المكتوبة

بأقلام السلاطين

ولا أحد يحفظ إلا الهامش

هذا العالم ليس أكثر من حاوية 

هذه الحرب يا سيدتي

ترتدي جلدنا

كل أمراض المناعة الذاتية 

تكسوه بالطفح المشوه

يرتفع في جسد المدينة 

من سوء التغذية 

في حروبات تدور رحاها

بين تاجر الدم

وحطاب الحرب 

تجر مدينة كبيرة ظهرها مقوس 

على طريق الإعراب السياسي

ككلاب حراسة

إلى المجلة

كمجلة الطريق بلا قراء.




قصيدة بعنوان // لي مكان في اللأشىء بقلم الشاعر // محمد الليثي محمد

 قصيدة بعنوان //        لي مكان  في اللأشىء

ليس لي مكان في المكان

ضعوني علي ظهر فراشة 

( فأنا مشتاق وعندي لوعتا )

لن أؤذى ظلي المركون بجانبي

ولن أسيء إلي نفسي

كل ما أريده هو البكاء

علي قمة التل

لأضع دمعي علي حرف الطريق

لعلي أبلغ المنتهي

يا حزني الطويل كأشجار الكلام

لا تضع يومي في قبري

سأهتدي إليه بضوء سيارة

كما يهتدي الوليد إلي ثدي أمه

فعندما ترفع الرايات

وتقرع الطبول 

أسحب مسدسي

كالفارس المهزوم .. أغني

لتقص حكايتي أيها الغريب

 عن الأحباب

ثم الصراخ في آخر الليل 

فيسمع صوتي من في البيت

ومن في الطريق

ومن في العالم


ثم أسحب نفسك من نفسك

كحذاء قديم خلف الباب

أتحسب أرصفة الشتاء

كالكمسري النائم 

وتذاكرني في يده

سأدفن وجهي في لحم  ظلي

فحزني يبعثره عمال النظافة

في حارات انتحاري

هل أتبعك ؟

لقد حاولت صعود السفينة 

والهبوط من عربات الحضارة

لم أجد كياني 

لن أغفر لذاتي أبدا

كلامي عن الحنان

سأعود إلى قريتي

 ولو حبوا

لأنثر حولي رفرفة الحمام

وأرتمي علي عشب أمي

لي مكان في الحياة 

لم أجده بعد 

لكنه موجود في أملي 

كجندي مهزوم 

 يطالب بالانتصار

سأعبر كل أبواب البحر 

ونوافذ الماء 

محلقا كعصفور

يطير فوق سنوات العمر

كنت أتسكع في العتبات

كعجوز يهوي الحديث 

عن الذكريات البعيدة

مترددا في استقبال الموت 

أعطني حبة شعير

وحبة فول

وبقايا أيام

سوف أصنع عمري

سأحب صوتيا 

حين أغني ، أغنية  الفرح

سأحب حضنيا

حين أحضن نفسي 

سأحب ضوء قنديلي

حين يهديني للنهر

في قلب الطريق

في  الطريق ؟ 

           *************************

بقلم الشاعر // محمد الليثي محمد


قراءة نقدية في رواية ابن العاقر للكاتبة زهرة الحواشي تقديم : د. كمال الساكري

 أخيرا وبعد طول هجر للنقد الروائي عزمت على تجديد العهد مع الرواية وكانت رواية ابن العاقر لزهرة حواشي هي البداية. وقد قدمت هذه الورقة النقدية في معرض تونس الدولي للكتاب في أفريل ثم أرسلتها إلى مجلة الحياة الثقافية التي تكرمت بنشرها في عدد 345 مارس2024 والذي صدر منذ يومين....شكرا على القراءة والصدى


قراءة نقدية في رواية ابن العاقر للكاتبة زهرة الحواشي

                                                      تقديم : د. كمال الساكري

" إن الكتابة لم تعد كتابة مغامرة وإنما صارت مغامرة كتابية"

               جان ريكاردو(1932-2016) :منظر الرواية الجديدة)

            يبدو لي أن أفضل مدخل لمقاربة رواية الاديبة والكاتبة والشاعرة باللغتين والترجمان زهرة حواشي  هي زاوية الخطاب في روايتها ابن العاقر. كيف حكت لنا قصة هذه العاقر؟ هل كانت مجرد سارد يروي مغامرة بإمكان أي إنسان أن يرويها ولا تميز إلا للمغامرة  أم أن الأديبة واعية بمغامرة الكتابة الروائية وما تقتضيه من إبداع يستلزم الإلمام بشرائط الحكي من خلال مسرحة الاحداث وعرضها لا قولها وسردها.

أولا : التقديم المادي والمعنوي

1 : التقديم المادي

ابن العاقر رواية للكاتبة زهرة الحواشي. تقع في مائة وتسع وثلاثين صفحة. الطبعة الأولى بمطبعة الثقافية المنستير/ تونس. 

2 : التقديم المعنوي

أ- منطق الرواية 

 جمعت ابن العاقر بين اسم الرواية وخصائصها من حيث موضوع عقر امرأة اسمها ربح وولادتها بعد تزوجها ثانية وما اكتنف مغامرة ربح الاجتماعية والوجودية حتى حبلت وولدت من جهة وشكل المسرحية وفصولها وهي بعدد خمسة هنا وعروضها من جهة أخرى.

إن العقرمشكلة اجتماعية صحية نفسية يمكن أن تكون رمزا للجفاف والجدب والمحل وكيف يمكن التغلب عليها بالصبر والحب والتسامح ذلك أن العقر ليس هو العقم... 

ب- الشخصيات وعلاقة بعضها ببعض

تزدحم الرواية بالشخصيات ويمكن تقسيمها حسب وظائفها حسب نماذج فلاديمير بروب والتي اختصرها غريماس (الجيرداس) في ثلاث علاقات الرغبة بين الذات والموضوع والتواصل بين المرسل والمرسل إليه والصراع بين المساعد والمعارض.

*الرغبة : رغبة ربح بنت الضاوي في الإنجاب من ابن عمها زوجها وحبيبها  لكن تلك الرغبة  منيت بالفشل. فكان تطليق زوجها لها. ثم تعلق ربح بالإنجاب دفعها إلى المغامرة بزواج ثان وتربية ربيب لها رضيع أحبته حبا جما وتمنت الحمل فكان لها ما أرادت.

* الصراع : لربح أحباء كثيرون أبوها الضاوي وأمها فاطمة وأخواتها زمردة وتبر وابن عمها زوجها الأول وعلي بلخمري زوجها الثاني والناجي ربيبها من أمينة زوج بلخمري الثانية وعمر ابن بلخمري من زوجته الأولى...ولربح باعتبارها الشخصية المحورية أعداء قليلون جدا أولهما العقر وثانيهما زوجة عمها أم طليقها التي يبدو أن لها يدا في عدم إنجاب ربح. ولم يكن الصراع قويا ولا متجسدا بل كان صراعا خفيا يدور في النفوس والأذهان أكثر منه متبلورا في الواقع والعيان.

* التواصل حوار بين ربح وأبيها وأمها وأخواتها ثم زوجها علي بلخمري وهو حوار تفاهم وتعاون وإمتاع ومؤانسة. فكثيرا ما كان الضاوي يغني لربح وكثيرا ما كانت ربح تغني للناجي وكثيرا ما غنت ربح في الأعراس وأمتعت وشتفت..

لكن الحوار يكاد يختفي بين ربح وحماتها زوجة عمها وبينها وبين ربح وطليقها حتى أن أسماءهما لم يذكرا فكان التواصل تسمية للشخوص وتكنية للوجود واستمتاعا بالحياة من ناحية وكان عدم التواصل ذكرا لبعض السمات أو الصفات وسكوتا عن الكلام المباح وإعداما لذكر ذوات من ناحية أخرى.

تبدو القصة المغامرة قصة عادية لا أهمية كبرى لها فليس فيها مخاطرات ولا أخطار ولا غرائب تشيب لها الولدان ولا عجائب تسحر الوجدان بل حكاية تكاد تكون عادية هذه الأيام ولكن ما الذي قد يجعلها رواية إبداعية ذات خصال وشأن؟

ثانيا : الخطاب الروائي

ونعني به الطريقة التي بواسطتها يجعلنا الراوي او الراوية نتعرف على أحداث القصة المغامرة.

وينقسم إلى مستويين المستوى التركيبي النحوي والمستوى الدلالي.

I. المستوى التركيبي النحوي

ويتكون من الزمن أي علاقة زمن القصة بزمن الخطاب وعلاقته ببناء النص ثم صيغ الخطاب أو السرد وتتحدث عن العلاقات بين الخطابات وكيفية اشتغالها( خطاب مسرود –معروض – منقول) وأخيرا الرؤية السردية أو التبئير أي الراوي وعلاقته بالسردي بوجه عام.

انبنى عنوان الرواية على المفارقة. فمن جهة ربح عاقر لما تنجب ومن جهة أخرى ابنها الناجي ربيبها الذي اتخذته ابنا ثم ابناها اللذان أنجبتهما من صلبها أي غير عاقر. فالقانون الذي يحكم هذه الرواية مبدئيا المفارقة والتباين وعدم الاتفاق أي الاختلاف. فهل ينطبق هذا القانون على بقية جسم الرواية؟ وما قيمته الفنية في تحقيق روائية الرواية وأدبيتها؟

1- الزمن :

 لا توجد مطابقة بين الزمن التاريخي والزمن الروائي. فالرواية تنطلق أحداثها من فترة ما بعد طلاق ربح من ابن عمها وهي خمسينية . "ربح بنت الضاوي امرأة قمحية البشرة ...تلك الفتاة القادحة نشاطا ...تزوجت وكان عمرها ثلاثة وعشرين سنة من ابن عمها وعاشت معه ما يزيد عن عشر سنين  ولسوء حظها لم ينجبا..." (زهرة الحواشي، ابن العاقر(رواية) ، ط 1، مطبعة الثقافية بالمنستير، 2023، ص 7). ونضيف مدة الطلاق حوالي07 سنوات لتصبح مع انطلاق القصة خمسينية. بينما التسلسل التاريخي يفرض البداية من الولادة ثم النشأة والطفولة والشباب ثم الزواج والطلاق بسبب العقر ثم الزواج والإنجاب وخاتمة القصة.

لذلك اعتمدت الساردة التضمين والتسلسل والتناوب.

*التضمين : القصة الأم مغامرة ربح بنت الضاوي. تنطلق الرواية من حدث توقف ربح عند حالها وقد شارفت الخمسين وبدأت تيأس من الزواج والإنجاب فتتذكر صباها السعيد مع والديها ومعاناتها في زواجها الأول وطلاقها ومرارة عيشها اليوم تذكر الراوية :" بقيت ربح مع والديها واستمر بها كابوسها وقتا طويلا ثم تتكلم ربح " علاش مخاليق ربي الكل تولد من البقرة للنعجة للدجاجة للكلبة...لا نفعت معاي قوابل لا عزامة...توة أيست وبرد قلبي على الصغار" (زهرة الحواشي، ابن العاقر، ص 12).

*التسلسل : تندفع الأحداث أحيانا متتابعة في الزمن متسلسلة تسلسل التاريخ. تنطلق الأحداث إلى الأمام متسلسلة منذ إخبار زمردة أختها ربح بوفاة أمينة زوجة علي بلخمري وحثها على قبوله زوجا إن تقدم لها لتبدأ قصة الزواج بين الرفض فالتمنع فالقبول مرضعة لابنه فزوجة فمنجبة. وطبعا تتخلل هذه القصة الاجتماعية فالعاطفية فالغرامية تضمينات لأحداث وتناوب لها.

* التناوب : تسرد الرواية سفر علي بلخمري وزوجته ربح وربيبها الناجي وأبيها الضاوي إلى العاصمة قصد متابعة العناية بربح في حملها بعد عقر مديد فتصف الطريق من السرس إلى تونس مرورا بالروحية ومكثر وسليانة وجبل برقو زمن الاستقلال في بداياته فينقطع وصف الطريق لينفتح القص على زمن الاستعمار حين يتذكر الضاوي سفراته إلى الفحص في شبابه ليتاجر مع رفاق له في بيع الدجاج " الداندان" للفرنسيين. يقول السارد :" كانت السكك الحديدية تحاذي طريقهم فتذكر الضاوي كيف كان يمر بتلك الربوع ...ثم يقول الضاوي : الثنية حتى للفحص مشيتها ميات المرات قبل الاستقلال...كنت نا وجماعة صحابي ..نربو الدندان ونهبطوه في أقفاص ...ونقصدو ربي للفحص . كانوا فيها الفرنسيس والمعمرين يحبوا لحم الدندان ياسر" ( ابن العاقر، ص ص 122 و123).

إن توفر هذه الأنواع الثلاثة من الأزمنة شائع في الرواية ولكن فضل بعضها على البعض بتخير الأزمنة في الخطاب بعيدا عن تسلسلها في الخبر وهو ما يعرف بتقنية التخطيب من جهة و بإتقان تنويع الأزمنة وإدماجها في المتن الحكائي فترد سلسة منسجمة لا تصنع فيها ولا إسقاط من جهة أخرى. وهنا نجحت الكاتبة في حسن تضمين الأحداث من خلال مركزتها في شخصية محورية هي ربح. واكتفت ربح بسرد ما تعيشه وتجاوزت التعاقب التاريخي غير الإبداعي في الرواية باستخدام التذكر والاسترجاع فتتحدث عن طفولتها المرحة وشبابها المنكسر وكهولتها المضطربة. ثم تتخلص من ربقة الماضي والحنين لتمني النفس بانبثاق صباح جديد عبر الحلم والمنام استباقا للحاضر المحبط. فتكسر سلاسل الحاضر وأغلال الماضي القريب منذ خيبة الزواج والعقر لتتطلع إلى المستقبل عبر الرؤيا. لطالما كانت تحلم وخاصة بالظفر بحصاة لؤلؤة في نهر. وكبر هذا الحلم لما انتقلت إلى منزل علي بلخمري لترضع له ابنه يتيم الأم. وتكرر ذلك الحلم ليلة أرضعت الناجي " ثم فتحت يدها وبقيت تتأمل الحصاة وتمسحها ...فيزداد بريقها حتى صارت لؤلؤة ..واستفاق بها الحلم على صياح الديكة فأخذت تبحث عن لؤلؤتها في صدرها لتجد الرضيع في حضنها ..." ( ابن العاقر، ص 48).

ولا يخفى هنا حبكة الراوية وحنكتها ومهارة الصنعة في التصريح والتلميح بين الحصاة التي تحولت لؤلؤة في المنام ولما أفاقت وجدت لؤلؤتها في حضنها. أي أن الحلم بدأ يقدم بشائره ولو عن طريق الرمز وعبور الحلم.

إن ارتباط كافة أحداث الرواية بربح وانبثاق كافة الأحداث من ربح وأهلها وعالمها يشد معمار الرواية إلى هيكل صلب ومنبع ثر وصانع ماهر في الحكاية والغناء وتقدم الأحداث وتناوبها كما تشد خيوط إلى النول وتتعرج وتتفرع وترتفع محكمة الصنع في يد امرأة صناع تذكرنا بإحكام السرد لدى شهرزاد سيدة الحكي وأميرة البيان.وهنا مظهر كبير من مظاهر الأدبية ربحت الكاتبة رهانه.

فكيف جاءت صيغ السرد ؟

2- صيغ السرد   

وفيها نتعرف الطريقة التي بها يقدم الراوي القصة أو يعرضها. وتنقسم عامة إلى السرد المحكي telling)  ) والعرض (showing) والنقل (Reported speech). وتنبع أدبية الخطاب هنا من بناء عالم سردي خيالي يوازي أحداث القصة فيكسبها جمالية تتجاوز المباشرة الفجة والواقعية المبتذلة تسمى اليوم الجمالية الواقعية.

احتوت رواية العاقر على الحكي والعرض ونقل السرد أي بين التقريري والوصفي و بين الحكاية في تحركها والمشهد المسرحي الثابت في عرضه. فكانت هذه مفارقة الجنس الفني الذي سمته الكاتبة رواية بالرغم من أنها مسرحية أيضا. أو لعلها مزيج بينهما. وهنا مفارقة التكنية. هل نحن أمام جنس أدبي محدد التصنيف  يدعى رواية أم نحن أمام شكل أدبي يجمع الرواية بالمسرح والغناء.

لذلك نجد أنواعا من الخطاب المسرود وأصنافا من الخطاب المعروض والمنقول.

وهي إجمالا 7 أصناف (صيغة المسرود الذاتي وينبني على الاسترجاع وتذكر الماضي وصيغة الخطاب المعروض وفيه يتكلم المتكلم مباشرة إلى متلق مباشر والخطاب المعروض غير المباشر وصيغة المعروض الذاتي ويتميز بمحاورة ذاته عن شيء يحدث في الحاضر أما المنقول فنوعان منقول مباشر عندما ينقل غير المتكلم كلام غيره كما هو والمنقول غير المباشر حينما ينقل الخطاب المسرود بتصرف).

وبالعودة إلى ابن العاقر فلا نكاد نجد الصنف الأول أي المسرود الذاتي والمعروض الذاتي  وعلى العكس من ذلك تحضر  بقية الأصناف الخمسة التي يهيمن فيها السرد المعروض والمنقول مباشرا وغير مباشر. 

مثل ذلك ربح تتذكر طفولتها "عاشت ربح سنوات من السعادة مع حبيبها ولكن نكد عيشها عدم الإنجاب.." (ابن العاقر، ص 8). فالاسترجاع هنا لا يمر عبرذات ربح وصوتها بل عبر صوت الراوية . وكذا أغلب الاسترجاعات. 

 والرواية في معظمها خطاب معروض أو منقول يتمحور حول ربح. ولا شك في أن طغيان الخطاب المعروض والمنقول يعكس رؤيا الكاتبة وجهة النظر أو التبئير ورؤيتها العالم. فما هي خصائص الرؤية السردية في ابن العاقر؟

3- الرؤية السردية أو التبئير

ويهتم التبئير بالراوي وعلاقته بالعمل السردي. ويعرف تنظيريا بوجهة النظر والرؤية ( تودروف مثلا) والبؤرة  والتبئير(جرار جنيت مثلا)...

وتتجسد الرؤية السردية عمليا في التقديم البانورامي (الراوي مطلق المعرفة ) والتقديم المشهدي (تغيب الأحداث وتقدم الأحداث مباشرة للمتلقي) واللوحات الفنية (تركز الأحداث على ذهن القارىء أو إحدى الشخصيات). وقد قدم تودروف أصنافية في الغرض تتكون من الراوي العليم أو الرؤية من الخلف والراوي الشخصية أو الرؤية مع والراوي الشخصية من الخارج أو المحدود.

وحينما نطبق على روايتنا نلحظ بيسر هيمنة الراوي العليم. فالتعريف بربح وبحياتها العائلية وبقريتها " دشرتها" وتجارب الزواج والطلاق بل وأحلامها وحنينها كلها تمر عبر الراوي العليم يعرف كل شيء ويتدخل في كل شيء حتى في المنام يرافق ربح ويحيط  بهواجسها وأحلامها وكوابيسها وقد يسمح في بعض المرات بابتعاده القصير لتتكلم أو تبلغ موقفا.

كما يحضر التقديم المشهدي منفلتا إلى حين لتقديم حدث أو موقف أو مشهد وخاصة عندما يكون المشهد أغنية شعبية أو موقفا ملحميا.

مثال ذلك إتاحة السارد لربح الغناء. وكان ذلك عن طريق استراق علي بلخمري صوتها وهي تغني

تقول الساردة "وكان علي بلخمري يطرب لصوتها فيبقى خلف الباب. وكم كان يتأثر عندما تغني ربح :

وحش الصرا وبرودة

يا ولفتي وحش الصرا وبرودة

يا من عزم شرف على قمودة...

وقد تلجأ الساردة لاستغلال فرصة الحديث عن الزلاج وسقوط شهداء في معركة الزلاج سنة 1912 وإعدام الشاذلي بن عمر القطاري والمنوبي بن علي الخضراوي المعروف بالجرجار تستغل هذه الذكرى لتعرف بالجرجار وتعرض الأغنية الملحمية التي ظهرت بعد الإعدام

 مناحة الجرجار

بر ي وإيجا ما ترد أخبار علجرجار

يا جماعة شوفو ما صار

القطاري معاه الجرجار..

آه يم خلوني نبكي بالغصة

آه لا إله إلا الله...

ولا تعدم رواية ابن العاقر الرؤية المصاحبة لكنها قليلة جدا إذا ما قورنت بالرؤية العليمة. لكنها تكاد تعدم الرؤية من الخارج.

انطلاقا من أصناف الرؤى السائدة في الرواية  وهي الرؤية من الخلف أساسا والرؤية "مع" نادرا فإن التبئير باعتباره الموئل السردي المركزي يعكس هيمنة الراوي وإمبرياليته. وهذا الاستنتاج يطابق غياب السردي الذاتي في محور صيغ السرد ويفسر طغيان السرد  المعروض والمنقول ويقر عدم توفق الكاتبة إلى إبداع السرد الكاشف للذوات وما يعتمل في وجدانها وما يتطلبه من قوة الخيال وثراء اللغة ونضح الصنعة وما يتيحه من تعدد الأصوات وفرادتها. وهي نواقص تتجاوز بتعميق التجريب.

قصرت الكاتبة في زرد سرد متخيل ذاتي حر ينطق به الشخوص فيشعروننا أننا أمام كائنات حية تعيش وتحلم وتتألم وتتشوق وتعشق وتكره كأنها كائنات دموية تنضج بالحياة وليست دمى حبرية تحتاج أكسير الحياة . ومع ذلك وفقت الكاتبة في حبك الأزمنة وتوظيفه إبداعيا من خلال استخدام الحلم والذاكرة.

فكيف انعكس التميز في البناء الحكائي والضعف المسجل في صيغ السرد ورؤاه على البعد الدلالي في رواية ابن العاقر؟ أو كيف تنبني الدلالة ونستحصل المعنى أمام مفارقة الخصب والعقر؟  

II. المستوى الدلالي التدلالي

ويشمل المكونات الأساسية في المتن الروائي من عنونة وعتبات وقضايا/ تيمات مصرح بها أومسكوت عنها والتي يسميها جيرار جنيت "المتعاليات النصية" في كتابه أطراس وكيفية تصويرها للمفارقات  وقيمتها الجمالية وميزتها الشعرية ، " أدبية الرواية"...

أولا : مفارقة العنوان

    يقوم العنوان على مفارقة بين العقر والإنجاب. والمفترض في العنوان أن يكون وليد اختيار عميق هادف وليس عملا اعتباطيا. فالعنوان مرآة العمل الفني ووجهه وواجهته إن أحسنا اختياره أفلحنا وإن تعاملنا معه بسذاجة خبنا. ولذلك نشأ علم كامل في أروبا مؤخرا وتطور ليبلغ أوجه اليوم تحت اسم العنونة La titrologie) ).

يذهب في روع القارىء لعنوان ابن العاقر أن في الأمر تناقضا لا مفارقة. كيف للعاقر أن تنجب؟

غير أن بالعودة إلى المعجم أول درجات الكتابة والتفسير اللغوي سرعان ما تتبدد غيوم المقابلة لتتجلى مفارقة عجيبة لغوية ودلالية إذ تفرق اللغة العربية بين العاقر والعقيم. العقيم من العقم مدارهما على الجدب وعدم الخصوبة و عدم الإثمار والإمطار والإنجاب والموت بينما العقر من الجرح والقطع والذبح فنقول انعقر البعير بمعنى الجرح والذبح. ونقول اعقر الله رحم المرأة أصابها بداء في رحمها فلم تحمل. هنا نتبين الفرق الكبير بين العقم المؤذن بالجدب والهلاك وعدم الإنجاب والموت والعقر الدال على عقم جزئي بل عرضي يمكن تجاوزه والنجاة والحياة بالمداواة والرعاية...

فهل قصدت الكاتبة من خلال روايتها ابن العاقر حال السرس موطن الحكاية وتونس الإطار الأكبر 

للسرس بعد الاستقلال وما أصابها من الجراحات والخيبات والقطائع مع التاريخ الوطني النضالي والأصالة التاريخية والثقافية والحضارية مثلت كلها مأزقا أودى بها إلى عقر كدنا نعتبره عقما لولا أن الكاتبة استدركت بأن قلبت الميم أولى حروف الموت راء أولى حروف الرواء والحياة فانتقلنا من ظلمات الجدب والممات إلى ممكنات الخصب والإنجاب والحياة إلى أغاني الحياة...

قد يكون. اعتنت الكاتبة بعتبات النص فوصفت ابن العاقر بالرواية. وهو تنصيص توجيهي قد لا ينطبق بالضبط على نصها ابن العاقر.. فحتى المعيار الكمي تعد ابن العاقر 139 صفحة لايعد محددا حاسما فبإمكان القصة أن تقارب هذا الكم وقد تتجاوزه. وقسمت نصها إلى خمسة فصول. وهو تقسيم أنسب إلى المسرحية. وجمعت ابن العاقر بين السرد والمشاهد المسرحية والمواقف الغنائية والملحمية. فهي قصة غنائية هجينة ليست بالرواية ولا بالمسرحية. وهي رواية بالاتفاق. لكن هذا التنوع الأجناسي في رواية ابن العاقر وتعدد الأصوات لتعدد المتكلمين أخصب الرواية وأغناها لتزاحم النصوص المتعالية صلبها.


ثانيا : مفارقة الجدب والخصب والموت والحياة 

  لاحظنا في بنية الرواية جمعها بين الرواية والمسرحية بين الحكي والإخبار وبين العرض ونقل المواقف والأشعار وهي ثنائية السرد والعرض ثنائية الماضي والحاضر والميت والحي تنعكس دلاليا في نوعية الرواية خبرا وخطابا.

قصة ربح امراة خمسينية تزوجت ابن عمها عن حب ووفقا للتقاليد فابنة العم لابن عمها يحل له خطفها من الهودج إن زوجت لغيره كما استقر في التراث الشعبي. لكن عدم إنجاب ربح كان حاسما في تطليق ابن عمها الذي لم تسمه الراوية ولحماتها دور خطير في حصول الطلاق.

تأتي اختها زمردة لتعرض عليها الزواج من علي بلخمري الذي فقد زوجته بعد إنجابها الناجي الذي يحتاج إلى مرضعة.

بعد رفض وتمنع تقبل ربح المغامرة كمرضعة للناجي لا زوجة لأبيه لكن حسن معاشرة بلخمري من جهة وتحريض أختها زمردة على اغتنام ربح كهولتها ويسر زوجها دفعاها لإتمام الزواج.

تبدو الأحداث هنا عادية لكن تعلق ربح بالرضيع وإخلاصها له وعنايته الفائقة به وحبها الخرافي له جعلها تحن إلى الحمل والإنجاب والعلاج بعيدا عن دجل الدجالين ورقيات الأفاقين مثلما حصل لها في زواجها الأول. وما حصل كان عجبا عجابا كيف تقمصت ربح دور الحامل وعاشت الدور وتقلبت في الفراش تكور بطنها بأقمشة مذكرة إيانا بتقمصات أبطال كافكا في روايته الشهيرة المسخ مع فرق جوهري فإذ تحول فيه البطل الكافكي إلى حشرة صرار فإن تحول ربح من العقر القريب من العقم إلى حمل حقيقي بعد عقر وحمل كاذب..هنا دعوة قوية من الراوية إلى ضرورة مقاومة العقر والجدب بالحب والصبر والإرادة وصنع القدر لا انتظار السانحات...إذا الشعب يوما أراد الحياة ...فلا بد أن يستجيب القدر.

وتنجم مفارقة ثانية لصيقة بالأولى متصلة بمفارقة العلم والعمل والشعبذة والدجل. تصور الراوية ماساتها مع العقر خلال زواجها الأول من ابن عمها. وكيف كانت تجبر على التردد على المشعوذين الدجالين والمتطببين ليصفوا لها أدوية غيرنافعة ويعطوها حروزا بمثابة كتيبات شفاء غير مجدية. فكانت النتيجة الفشل في الإنجاب فالطلاق. تقول الساردة :" وقد أخذها زوجها عديد المرات إلى أحد العزامين المشهورين ...يسلمها مكاتيب صغيرة مكتوبة بماء الصمغ ... مع "حروز" تضعها تحت وسادتها أو تعلقها في ثيابها. لكن لم يجد كل ذلك نفعا" (ابن العاقر، ص 11).

بينما زواج ربح الثاني من بلخمري ورعايتها لابنه الناجي وتعلقها به كل ذلك شجعها على حب الإنجاب فسهرت من أجله وتعلقت همتها به وطلبته بتمثيل دور الحامل وحب بلخمري حتى أدركته 

ولكن نجاح الحمل والولادة لم يتما إلا بتدخل الطبيب بتشخيص صعوبة الحمل لدى العاقر ربح ومعالجة المعيقات بالأدوية اللازمة جعلا قضية الإنجاب ممكنة. وهكذا زال عقر ربح بطلب الأسباب من رغبة فيه ومعاشرة لزوج أحبته بالمطاولة والتجريب واختارته بالعقل والتدبير على عكس زواجها بابن عمها على مقتضى التقليد ثم لما أرادت الإنجاب قصدت الطبيب رمز العلم لا المشعوذ رمز الجهل والتخلف فكان لها ما أرادت وغادرت العقر والعقم إلى الولادة والخصب. 

ويتخذ الصراع بين العقر والإنجاب بعدا ثقافيا في مراوحة الكاتبة بين الفصحى والتي تستخدمها في الحكي والعامية التونسية الريفية الفلاحية من أعماق السرس والشمال الغربي وعموم تونس في الستينات والتي تستخدمها الكاتبة في نقل مواقف الشخصيات وحواراتهم الداخلية أو الخارجية.

فكأنما الفصحى للتاريخ والسرد أي البونوراما والعامية للحوار ونقل بواطن النفوس فهي لغة المسرحة والدراما. مثال ذلك : "كانت كثيرا ما تنظر إلى الحيوانات الصغيرة ويغلب عليها الحزن. "علاش مخاليق ربي الكل تولد م البقرة للنعجة للدجاجة للكلبة حتى الخنافيس تولد ونا ما نولدش" ( ولد العاقر، ص 12).

ولقد تكررت هذه الخاصية في معظم الرواية. وهي ميزة إيجابية تقوي السمة الإبداعية للرواية فترتقي بها من سرد الكاتبة الأحداث إلى صنع الشخصيات بأنفسهم لها. وهذا ما كان نوه به الروائي الأمريكي هنري جيمس في دعوته "إلى ضرورة مسرحة الحدث وعرضه لا إلى قوله وسرده بمعنى أن على القصة أن تحكي ذاتها لا أن يحكيها المؤلف" .

ولكن السؤال هل تنجع المزاوجة بين الفصحى والعامية في تحقيق أعلى مراقي الإبداع؟ وهل تصلح الفصحى للسرد والعامية للمسرح والمسرحة دائما؟ بصفة أخرى كيف نوظف اللغة ودرجاتها في العمل الإبداعي؟  أعطت الكاتبة إجابة وهي الفصحى للقص والعامية للمسرحة. وهي إحدى المقاربات الممكنة ولكن ما خصائص اللغة الفصحى وميزات العامية المختارة؟ في الفصحى والعامية أبعاد جمالية إبداعية لكن تخير العبارات والكلمات ليس أمرا هينا فهو لا يقل قيمة عن تخير العناوين.

استمتعنا بنصوص في العربية الفصحى من إبداع الكاتبة حضر فيها الجهد الشخصي لزهرة الحواشي  وخصائص نصوص إبداعية مشهورة مسجلين ظاهرة التناص الأثيرة. مثال ذلك  حينما تتذكر طفولتها مع أبيها الضاوي: "وقد قضت معه طفولتها البسيطة والسعيدة بين المروج الخضر والجداول المنسابة حين كانت ترافقه للمرعى وتستمع إلى صوته البديع وهو يردد الأهازيج العذبة" ( ابن العاقر، ص9)

ثم " لكنها عادت منكسرة الجناحين" ( ابن العاقر، ص 10). طبعا نلحظ أسلوب الكاتبة ونصوص الشابي وحسين هيكل وجبران خليل جبران...

وشنفتنا الراوية بعرض قصائد من الشعر الشعبي الذي تتغنى به الأرياف والمدن في أغراض الغزل

والحب والحرب والملاحم البطولية. مثل " ياربح يا نجمة الصبح لو كان منك ياسر"

أو فاجعة إعدام القطاري والجرجار......

مناحة الجرجار

بر ي وإيجا ما ترد أخبار علجرجار

يا جماعة شوفو ما صار

القطاري معاه الجرجار..

آه يم خلوني نبكي بالغصة

آه لا إله إلا الله..

وهي قصائد شعبية كانت منتشرة في ربوع الشمال الغربي وربما في أغلب البلاد التونسية أحسنت الكاتبة استثمارها فأدرجتها في سياق وصف شخصية أو ذكر حدث وطني وذكرتنا بها حفظا للذاكرة الجماعية واعتزازا بالتراث الشعبي صنو التراث الفصيح.

وفي هذا الحرص على استذكار التراث الغنائي والملحمي تشبث بالهوية الخصبة لتنوع مكوناتها وأبعادها وتحذير من الجحود والتجاهل والقطيعة وهي كلها عبارات مرادفة للعقر إن استطال ولم يعالج أو تتوفر العزيمة للتغلب عليه استحال عقما.

 وقد سجل تحاور النصوص العامية والفصحى والادبية والتاريخية والغنائية والملحمية  تناصا او " تفاعلا نصيا" على حد تعبير سيد يقطين في كتابه انفتاح النص الروائي يدلل على تميز النص الجامع أو الرواية وفرادتها.يقول جرار جنيت في مدخل على جامع النص :" ليس النص هو موضوع الشعرية بل جامع النص أي مجموع الخصائص العامة أو المتعالية التي ينتمي إليها كل نص...". حبلت رواية ابن العاقر بالنصوص المختلفة والمتنوعة شعرا ونثرا وتاريخا ومسرحا وملاحم ومشاهد واكتظت بالأصوات عامية وفصيحة عالمة وشعبية معاصرة وتاريخية عريقة. نلمح حضور تلك النصوص مجردة أو مضمنة أو مقتبسة ولكنها مغيبة بشكل ما. وهي حاضرة في غيابها. فلئن كان الغياب فقرا وعقرا ومحلا فإن شظاياها وأطيافها وشخوص بعضها يوثث مائدة زاخرة بالأطعمة والفواكه ووليمة دسمة تعلن عن الخصوبة والغنى وترسم سجادا مطرزا بشتى الأشكال والألوان وتغري الأنوف بأطايب العطور والعود والبخور. 

ولقد اختارت الكاتبة نهاية طريفة لمثل هذه المفارقات والمنسلة للصراعات. لقد اختارت التسامح حلا ممكنا للأحقاد والنزاعات والكراهية الناجمة عن النزاع حول الميراث والثروات ولم تختر الحرب والسجال والقتل والثارات. وهي أمراض اجتماعية إن لم نوفق في معالجتها أهلكنا الضرع والنسل وحققنا العقر المؤدي حتما إلى العقم والمحل والهلاك. 

فلقد اكتشفت ربح كيد عمر لأبيه وسرقته لأمواله وترصده لسرقة العقود للاستحواذ على الأرض والميراث دون إخوته من ربح. وعوض أن توغر ربح صدر زوجها بلخمري على ابنه عمر من زوجته الأولى وتؤجج الكراهية والحقد بسبب الإرث خاصة وقد ظلم الورثة وخاصة ابنه عمر  "وميز عنهم ربح اعترافا لها بجميلها مع الناجي" ( ابن العاقر، ص 138) فإن ربح اختارت العدل والتسامح حلا وعنوانا للحياة. فطلبت من زوجها علي أن يعدل وينصف عمر رغم حقده على أبيه. خاطبته قائلة :" نعرف اللي أنت وعمر ولدك ماكمش متفاهمين لكن هو يتيم ووحداني ما كانش عنده خيوة ذكورة...نا ما ش نتنازل ليه على بايي في الأرض وغيرها. نهار آخر ما يلقو كان خوهم الكبير"

ولم يكن من الأب علي بلخمري إلا أن يصفح عن ابنه عمر" وأمام نبل مشاعر ربح ورجاحة عقلها ازدادت معزتها عند زوجها وصفح عن ذنب ابنه ...وقد استعاد علاقته مع أبيه وأسرته".

وهكذا توفق الكاتبة إلى حل أزمة العقر وما تشي به من عقم وتستبعد كافة حلول العنف والقوة والكراهية والحقد وتختار التسامح .

 التسامح قلب يسع المفارقات ويتفهم الاختلافات ويتسامى عن الإساءات والتعديات ويدعو إلى التعايش والتكامل والتجاوز عن الصغائر من أجل هزم العقر والجدب والمحل والسعي المخلص إلى طي صفائح البغضاء القديمة وفتح صحائف أخلاق التسامح والقيم العليا ومجالات العلم والعمل والإرادة والمحبة والعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة ضد كافة أشكال العدوان الأجنبي والهيمنة الاستعمارية والعنصرية في مجتمع حر وعالم متضامن مع الحق. 

الــخــاتـمـــة

   ابن العاقر للروائية والشاعرة والترجمان زهرة حواشي جنس بديع يجمع بين الرواية والمسرح والغناء فهي أقرب إلى رواية غنائية تصور ربوع تونس الخضراء بالشمال الغربي عامة والسرس والدهماني والروحية والكاف خاصة زمن الاستقلال وما قبله وما بعده بقليل. فترة تحول كبرى شهدتها تونس والمغرب العربي والوطن العربي والعالم. فترة الاستقلالات على حد تعبير المغربي علي أومليل والديكولونيالية حسب فرانز فانون (1925-1961) الفرنسي المارتينيكي وإيمي سيزار(1913-2008) أستاذ فانون ومواطنه. تروي قصة امراة كهلة عرفت العقر في زواجها الأول من ابن عمها فطلقها فتزوجت أحد جيرانها فأنجبت. هي حكاية عجيبة بعض الشيء لأنها تتحدث عن عقر امراة ثم إنجابها. ولكن العجيب حقا كيف حكت الراوية القصة؟ أي كيف جاء خطاب الرواية؟

تكون خطاب الرواية ككل رواية من مستوى تركيبي نحوي ومستوى دلالي تاويلي.

ويتفرع المستوى التركيبي النحوي إلى صيغ الزمن وصيغ السرد والتبئير.

تميزت الرواية بتخطيب الزمن (اختيار ازمنة بعينها وتوزيعها) في مخالفة للزمن التاريخي وربطه بالراوية العليمة مما سمح بالتلاعب بالأحداث والتصرف فيها وعرض لوحات غنائية ومشاهد درامية ومواقف بطولية تخلد الحركة الوطنية فسمعنا أصواتا متعددة لفاعلين كثيرين تسجل الحوارية الباختية وتجسد أشكالا من  المناص أو العتبات والتناص وألوانا من التسلسل والتناوب والتضمين في كف راوية عليمة تدير خذروف الحكي وتهيمن على الإخبار فتتجاور البانوراما والمشهدية وتتنافس القصة مع المسرح والماضي مع الحاضر وهو ما ينقلنا إلى المستوى الدلالي التدلالي الذي ينهض على متوالية من المفارقات أولها العنوان ابن العاقر ليتناسل في مفارقات الجدب والخصب والعلم والجهل والفصحى والعامية والثارات والتجاوز لتفصح الرواية عن تصوير مشكلة اجتماعية صحية نفسية ثقافية فكرية حضارية منطلقها ربح والشمال الغربي في تونس زمن الاستقلالات ومنتهاها تونس والعرب والعالم الثالث في صراعه بين عقره الناجم عن الماضي والاستعمار وتطلعه إلى الاستقلال الحضاري. وهنا قدمت الكاتبة زهرة التسامح والعلم والإرادة حلا للخلاص والتغلب على كافة أشكال العقر والعجز.

رواية ابن العاقر رواية غنائية اجتماعية واعدة نجحت في تشخيص المشكلة أي العقر وتقديم الحل أي العلم والتسامح ولكنها مطالبة بتعميق الجوانب الفنية لاسيما صيغ السرد وتحرير الشخصيات.




السبت، 22 يونيو 2024

مقهى الشّام).. قصة الكاتب مصطفى الحاج حسين.

 ** (مقهى الشّام)..


   قصة:مصطفى الحاج حسين. 


  عند مدخل مقهى الشّام، الكائن في ساحة (الجابري)، قرب الفندق (السّياحي)، التقيت صديقي (لقمان) صدفة، فدخلنا المقهى، وطلبنا قهوة (الإكسبريس)، وجلسنا بعد أن طلبنا من النّادل، إحضار الشّطرنج، وبدأنا اللعب، بقصد التّسلية.


كان عليَّ أن أمضي ساعة، ريثما يجهّز لي، بائع القطع الكهربائيٍة، فاتورتي.


على الطّاولة المجاورة لنا، كان صديقنا الممثّل المسرحي (طراد خليل)، مع صديق له، لا أعرفه، يجلسان، ويلعبان (الشّطرنج) مثلنا.. فتبادلنا التّحية، بالإشارة والإبتسامة.


أصوات السّيارات العابرة بالمقهى، كانت تطغى على أصوات الرّواد الغارقين ، في الأغلب في اللعب بالشّطرنج.


من تحت الطّاولة، ضغط (لقمان) بقدمه على قدمي، نظرت إليه، أشار بعينيّه إلى طاولة (طراد).. نظرت وإذ بعناصر أمن يقفون عند طاولته، عرفتهم على الفور، من مسدّساتهم البارزة، على خصورهم، حتّى وإن كانوا في لباسهم المدنيّ، وكانوا طلبوا من (طراد) وجليسه، هويّاتهم الشّخصيّة، فأخذنا أنا و (لقمان) نراقب خلسة، ونحن نتظاهر،

باستمرارنا، بلعبة الشّطرنج. 


تفحّصوا الهويّات جيّداً، ثمّ طلبوا منهما مرافقتهم، وحين نهضا.. تطلّع إلينا، من كان يحتفظ بيده، بهويتي (طراد) ورفيقه.. ثمّ خطا نحونا، وألقَى التّحية، وقال:


- نحن.. فرع الأمن العسكري. 


قلنا، وقلبانا يرتجفان:


- أهلاً وسهلاً.


سألنا، وهو يتفرّس بوجهينا:


- هل تعرفان هذين الشّابين؟.


نحن لا نستطيع أن نقول لا.. ماذا لو كانوا يراقبوننا من قبل، وقد شاهدونا نتبادل التّحيّة والإبتسام.. لذلك قلنا بصوت واحد، أنا و(لقمان):


- نعم. 


وبكلّ تحضر ، قال:


- هل يمكن لكما، أن ترافقانا إلى الفرع، لنأخذ منكما، بعض المعلومات عنهما؟. 


وهل نستطيع أن نعتذر، ونقول لا؟!.. من يجرؤ أن يرفض؟!.. أو يدّعي أنّه مشغول، ولا وقت لديه؟!.. قلنا له: 


- نعم.. 


رغماً عنّا.. خوفاً.. رعباً.. إذعاناً.. كرهاً.. وافقنا أنا و (لقمان)، وقلنا نعم. 


دفعنا للنادل، الذي حاسب من قبلنا (طراد).. وخرجنا، نهبط درج المقهى.. وكانت سيارتهم العسكرية هناك عند شارة المرور.


حملوا فيها (طراد) ورفيقه، أما أنا و (لقمان) ، فقد اقلونا سيّارة أجرة صفراء. 


جلس، واحد منهم، من الأمام، إلى جانب السّائق، وجلس من الخلف، واحد آخر، معنا أنا و (لقمان)..كنت في رعب شديد، فأنا أحمل حقيبة يد، فيها ثمن البضاعة الكهربائيّة، وخرجيّتي القليلة، وهويّتي، وعلبة تبغ إحتياط، وقصائد لي منسوخة على الآلة الكاتبة.. والأهم، والأدهى، والأفظع، هي تلك الجريدة، التي نشرت قصيدتي، التي ألقيتها في المهرجان السّبعين، لذكرى الثّورة (البلشفيّة) في (الإتّحاد السّوفيتي).. وكانت مهداة لرّوح الشّهيد (فرج الله الحلو) الذي تم قتله، وتذويب جسده بالأسيد، زمن الوحدة.. نشرها لي صديقي (حسيب برّو) في جريدة ممنوعة، تابعة لجامعة (حلب).


ماذا لو قرؤوا قصيدتي؟!.. ماذا لو اكتشفوا الجريدة؟!.. مصيبة.. كارثة.. تذكّرت صديقي (مصباح) المعتقل، منذ أكثر من ستّة سنوات، بتهمة الإنتساب (لرابطة العمل الشّوعيّ) ، وتذكّرت جارنا (أبو محمد) المعتقل أيضاً، ومنذ بداية أحداث (الإخوان المسلمين)، بتهمة أنّه (بعثيّ يمينيّ)

.. وتذكّرت، وتذكّرت.. وأنا أرتجف بروحي و أنفاسي.. و (لقمان) الصّامت جنبي، ناولني سيجارة، وكان وجهه شديد الشّحوب.. لا أعرف كيف، وبماذا يفكّر الآن؟!.


التفتَ إلينا، من كان يجلس أمامنا، جانب السّائق، وقال:


- إذا سمحتم، أعطوني هويّاتكم. 


فتحتُ حقيبتي.. وناولته هويّتي، وكذلك فعل (لقمان).. وأخيراً سألت نفسي:


- لماذا هذا الخوف يا جبان؟!.. إنّه مجرّد سؤال لا أكثر.. وأنا أعرف (طراد) معرفة سطحيّة، وصديقه لا يهمّني، لأنّي أراه لأوّل مرّة.. ثمْ أنّ (طراد)، موظف لدى (نقابة الفنّانين)، ولا أظنّ أنّ عليه شيئاً مخيفاً.. لذلك يجب أن أطمئنّ وألّا أخاف.. مجرّد دقائق وينتهي الأمر. 


حين وصلت السّيارة إلى بوابة الفرع، وبدأنا بالنّزول، قال لنا من احتفظ بهويّاتنا عنده، بلهجة بدت جافّة وآمرة:


- إدفعا للسائق حسابه. 


تبادلنا.. أنا و (لقمان) نظرات التّعجب، والدّهشة، والاستغراب.. دفع (لقمان) للسائق، ودخلنا باب الجحيم. 


كم حاولت أن أرميّ الجريدة، في قلب السّيارة، لكنّي عجزت، بسبب من كان يجلس إلى جانبي، ويراقبني.. لو كنت أخذت مكان (لقمان) جانب النّافذة، كان ربّما استطعت، التّخلصَ والتّصرف.


في كلّ خطوة، نخطوها إلى الأمام، وندخل، كان قلبي يزداد انقباضاً، وتتضاعف دقاته في التّسارع والخفقان.


في بهو مسقوف بالرّهبة، والهيبة والصّمت المريع، وجدنا (طراد) ورفيقه، يقفان أمام أبواب، مكاتب عديدة مغلقة، وقفنا قربهم، ونحن نتبادل النّظرات.


وخرج علينا.. من طلب منّا مرافقتهم، حين كنّا في المقهى، وزعق:


- استديروا إلى الحائط، يا حيوانات. 


رباه!!!.. كيف انقلب علينا، هذا الكائن، الذي كان يتحدّث معنا، بلطف قبل قليل؟!. 


استدرنا إلى الحائط بطلائه الرمادي.


صرخ بانفعال شديد:


- ارفعوا أياديكم عالياً.. يا (كلاب). 


أردّت أن أستدير نحوه، وأذكّره، بأنّنا أنا و(لقمان)، لا علاقة لنا، ولقد أتينا معهم، إلى هنا، لمجرّد أن نكون شهوداً لا أكثر.. ولكنّ يدا خفيفة، باغتّتني من الخلف،وخطفت الحقيبة من يدي، المرتفعة، والمستندة على الجدار.


- لا تلتفت.. ولا تحرّك رأسك، وإلّا دعسته لك.. يا قرد. 


غابت الحركة والأصوات، دقائق ولم نسمع صوت الخطوات التي كانت تدور حولنا، تشجّعت وأنا أحاول أن أستدير برأسي قليلاً إلى (لقمان) وإلى (طراد) وصديقه.. وإذ بزعيق ينفجر من خلفي، بحدّة ووحشيّة:


ألم أقل لك لا تحرّك رأسك يا (جحش)؟!.


وانهال سوطه على ظهري.. لم أكن أتوقّعه، أو أنتظره، أو أتخيّله.. فتألّمت، وتوّجعت، وتأوّهت،

وصرخت:


- آ آ آ آ ه ه ه ه.


- بلا صوت.. يا خنزير. 


خرستُ.. وابتلعتُ حرقة ظهري، وألم روحي، وبكاء دمي، ونشيج قلبي، وانهيار فضائي.


- يا الله!!.. أنا لا أحتمل الضّرب.. تذكّرت تاريخي الحافل و ما تعرّضت له، من عقوبات، وفلقات، أيّام طفولتي، من أبي، وعمّي،وأساتذتي، (وشيخي) في الكتّاب، وعند الأمن (الجنائي)، والشّرطة العسكريّة في (القابون)، وفي دورة (الأغرار)، في الجيش. 


من أين جاءتني هذه المصيبة؟!.. ليتني لم أذهب إلى المقهى.. ليتني ظلّلت مثل كلّ مرّة، عند بائع الأدوات الكهربائية، أشرب الشّاي والقهوة، ريثما يجهّز لي طلبي.. ليتني ذهبت إلى (مقهى القصر)، أو إلى (مقهى الموعد).. أو إلى (الفندق السّياحي).. في كلّ هذه الأمكنةِ، قد أصادف أحداً من أصدقائي الأدباء.. اللعنة عليّ لحظة توجّهت إلى (مقهى الشّام).. ثمّ الآن سينشغل بال (أبو معتز) على غيابي، فقد أرسلني كالعادة، لأشتري للمحل الذي أعمل فيه، بضاعة.. الآن سيظنّ أنّني لطشتُ (العشرة آلاف ليرة)، واختفيتُ عن الأنظار.. ولم أرجع إلى المحلّ.. سيلوم نفسه لأنّه وثق بي، 

ويحمّل صديقي (إبراهيم) السّبب، لأنّه عرّفني عليه..سيقول عنّي هذا شيوعيّ لا يمكن الوثوق به.. كان يأمل أن تتمّ هدايتي على يديه، وأن أعود إلى ديني الذي هجرته، وإذ به يقع فريستي.. أصدقائي جميعهم خدعوه بي، (زكريّا)، (وعليَّ)، و(محمد علاء الدّين)، أيضاً هم شركاء (إبراهيم)،في هذه الخديعة.


وسمعنا جلبة، وصوت خطوات تقترب،فأصخنا السّمع، حتّى اقتربت منّا..وكان هناك شخص يجرجرونه، على ما يبدو.. وهو يترّجّى، ويتوّسل، ويتأوْه، ويئنّ، ويتضرّع، ويبكي.. وبدأت تنهال عليه الضّربات، والرّفسات، واللطمات، والصّفعات، واللكمات، والصّيحات، والزّعيق، والصّرخات، والتّهديدات، والتّوعدات، والأوامر الغاضبة:


- استلق على الأرض يا حقير.. يا كلب.. يا منحط.. يا ساقط.. يا خنزير.. يا ابن الزّانية.. يا قوّاد.. يا ديّوث.. يا قليل الشّرف.. يا عديم الذّوق.. يا جبان.. يا كافر.. يا ملحد.. يا من لا تخاف الله.. يا مشرك.. يا دجّال.. يا كاذب.. يا فاسق.. يا شيوعيّ. 


- ضعوا رجليه بالفلق.. لا ترحموه.. ألعنوا أمّهِ على أبيه.. على طائفته.. على ملّته.. على مذهبه.. على دينه.


وانهالت السّياط عليه.. صوتها وهي تهوي، يصدر هواءاً، أزيزاً، صفيراً، فرقعة، دوياً، لسعاً، هديراً، جلداً. 


وكنت أرتعش، البلاط من تحتي يرتعد، 

الحائط الذي أستندُ عليه، بلّلت دموعه يدايَ، الهواء تشقّق جلده، السّقف تقوّض حديده، والصّدى بحّت حنجرته، وتورّم الضّوء. 


جاؤوا لنا (بطمّاشات)، غطّوا عيوننا.. غاب الحائط من أمامنا، اندلق الظّلام فوقنا، واسودّت أنفاسَنا، وانتحر لعاب فمنا، وغادرنا دمنا، وتقصّفت سيقاننا. 


وفجأة.. وضع أحدهم يده على قلبي، وجده ساقطاً تحت قدميه، فصرخ:


- لماذا يدقّ قلبك بعنف؟!.. يا ابن الحرام؟!.. لم أنت خائف هكذا؟!.. ما الذي تخفيه عنّا؟!.


وجذبني من رقبتي، وأدارني نحوه، بقوّةٍ وعنف. 


قلت بصوت ميت، لا نبض فيه:


- أنا يا سيّدي.. لست خائفاً، ولا أخفي عنكم شيئاً، أنا مجرّد شاهد هنا.. أتيت لتسألوني عن (طراد خليل)، قلتم لي مجرّد كم سؤال، وتعود أنت وصديقك.. وأنا لا أعرف شيئاً يا سيّدي، وأقسم لك. 


صاح بي محقّق ثاني:


- من منكم ينتسب ، لأحزاب الجبهة التّقدميّة، يا (أوغاد)؟!. 


لم يردّ عليه أحد منّا.. فعاد يسأل:


ـ طيّب.. من منكم منتسب لحزب البعث العربيٍ الإشتراكي؟!. 


وأردت أن أنجو، أن أغامر، المهم أن يسمعوني، قبل أن يكتشفوا ما في داخل حقيبتي، فقلت:


- أنا. 


وصاح.. وكرّر السّؤال:


- أنت بعثيّ؟. 


- نعم.. سيّدي. 


رفع عن عينيّ القماشة السّوداءُ، و سحبني من يدي، نحو مكتب قريب.. فتحه وأدخلني.. كان داخل المكتب، من يجلس خلف الطّاولة.. وحوله ثلاثة من العناصر، ومحفظتي في يده، يهمّ بفتحها وأفراغها، على طاولته الفخمة والكبيرة، والتي توجد عند مقدمتها، (يافطة مذهّبة) مكتوب عليها، وبأحرف كبيرة سوداء، وجميلة، الرّائد الرّكن، (فضل الله الأسعد).. رفع رأسه إلينا، ونظر إليّ، فقال، من أدخلني إليه:


- سيّدي.. هذا يقول، إنّه رفيق (بعثيّ). 


توقّفت يده عن تفريغ المحفظة، وسأل، وكان له شوارب غليظة، وطويلة:


- من أيّ شعبة أنت؟!. 


قلت بتلعثم وخوف:


- أنا يا سيّدي.. من شعبة (العمال الأوْلى)، كنت جالساً في المقهى، نلعب الشّطرنج أنا صديقي، سألونا عن شخص يريدون أخذه، قلنا نعم نعرفه، فطلبوا أن نرافقهم، ليأخذوا منّا بعض المعلومات، وحين صرنا هنا، يبدوا أنّهم نسوا لماذا أتينا، راحوا يعاملونا، كأنّنا مثله.. وأنا أقسم لك يا سيّدي، بأنّ معرفتي به سطحيّة ، مجرد سلام وتحيّة لا أكثر. 


وضع سيادة الرائد حقيبتي من يده على الطّاولة، ودفعها من أمامه، وقال:


- سأسأل عنك في شعبتك. 


كم فرحت، وسعدت، وشكرت الله لأنيّ دخلت عنده في اللحظة المناسبة، وتركته لا يفتش حقيبتي، ويتركها من يده، إنَّها إعجوبة، معجزة، ضربة حظ عظيمة.


ثمّ أخرجوني من المكتب.. لم أجد أحداً من جماعتي.. كان البهو فارغاً. قادني من كان يصحيبي إلى غرفة أخرى، وطلب منّي أن أخلع كل ما عليّ من ثياب، وأن أبقى في السّروال، وأن أتركهم في الأمانات، ثمّ أتبعه. 


كان الممر ضيقا وطويلا، على يمينه جدار، وعلى يساره، زنازين مفتوحة الأبواب، أمرني بالسّير لآخر الممرّ، كان عدد الزّنازين التي عبرت من أمامها، خمسة، مليئة بالموقوفين، عليهم آثار ضرب، وتعذيب.. وعند الزّنزانة الآخيرة، أمرني بالدّخول، وتركني. 


دخلت حاملا أغراضي، ووجدت عدد من الموقوفين، والمتورّمي الوجوه، والأقدام، وكان بينهم (لقمان) و(طراد) وصديقه، فوسّعوا لي المكان، وقعدت قرب(لقمان). 


صمت مطبق، لا أحد هنا يستطيع الكلام، فقط هي النّظرات المنكسرة، الدّامعة، المقهورة، الزّائغة، المرتابة، هي ما تحتلّ فضاء الزّنزانة المفتوحة الباب، الممنوع من الخروج منها، أو استراق النّظر.


وهناك نافذة يدخل منها الضّوء، خائفاً، متوجّساً، يخشى على نفسه، من الإعتقال، فهو قبل أن يسقط في هذه الزّنزانة، تعترضه شباك من حديد، متينة، وقويّة، وغليظة، وكثيفة. 


من المؤكد أنّهم، زرعوا بيننا هنا، من يقوم بالتّجسّس علينا، لذلك لا تجد هنا من يكلّم غيره، الكلّ مشغول بكلامه، مع ذاته، ولكن بصمت شديد، وكتمان متين، وراحت عينايَ تجوسان في المكان، وتبحثان بين الوجوه المتورمة، والمرهقة، والمتعبة، والدّامية، عن ذاك المندسّ بيننا، ليراقب حركاتنا،وهمساتنا

.. ولكن من هو يا ترى؟!.. وأين هو الآن يجلس؟!.. إن جميع الذين هنا، تعرّضوا للضرب، واللتّعذيب. 


ترى ماذا سيقال (للرائد الرّكن)؟!، حين يسأل الرّفاق في (شعبة الحزب) عنّي؟!.. هل ما زالوا يعتبرونني رفيقاً لهم؟!، أم سيخبرونه بأنّني منقطع عن الحضور، منذ لحظة قبولهم لي؟!.. قدّم لي طلب الإنتساب سيادة الرّائد (خليل اسكندر)، المسؤول عن التّوجيه السّياسي، في قيادة اللواء، وأنا في دورة الأغرار، وقتها، حتّى يتمكّن، بعد إنتهاء الدّورة، من فرزي لعنده، ووافقت أنا بدافع الخوف، لا أكثر.. وهل كنت أجرؤ على الرّفض، في تلك الأيام؟!.. وانتهت الدّورة، وتمّ فرزي إلى مكان آخر،بسبب تأخّر وصول الموافقة، على إنضمامي إلى الحزب الحاكم، ومرّت الأيّام، وسرّحت من الخدمة الإلزامية، بعد ثلاثة سنوات وأربعة أشهر، وخمسة أيام.. ولم تصل الموافقة بعد.. ونسيت أنا الموضوع، وطلب الإنتساب الذي أرفضه، إلى أن توظّفت في مخبز (الحمدانية) الآلي، وبعد مضي أكثر من سنتين، وإذا بمدير المخبز، يرسل خلفي

، ليزفّ لي بشرى، قبولي نصيرا في الحزب، شعبة العمّال الأولى.. أيضاً تظاهرت بالفرحة، والقبول. 


والتحقت بالشّعبة، وحضرت أوّل إجتماع، كان يترأسه الرّفيق (ماهر)، وهو مدير شركة، في القطاع العام، هامة، وحيويّة.. واعترضت على فكره، وحاولت مناقشته، وإحراجه، وحينَ وجدته، يشتم، ويسبّ (أمريكا)، وهو يدخّن سجائر فاخرة، من صناعتها، تضايق منّي، ومن يومها، لم أحضر غير هذا الإجتماع اليتيم.


وسرعان ما زجّ بي، في نوبة حرس للشعبة، التي تقع أمام، (نقابة الفنّانين).. ومنذ اللحظات الأولى، لوقوفي حارساً على (باب الشّعبة)، نظرتُ وشاهدت صديقي (خالد خليفة)، مقبلاً علينا، وهو يعرف ميولي، للشوعيّة، وأنا دخلت بيته كثيرا، بهذه الصّفة، و أيضاً أنا أحبه، وأحترمه، هو وأخوه، (مروان)، الذي أعتقل بتهمةِ انتمائه (لرابطة العمّال الشّوعيّ)، وهو صديق (لمصباح)، صديقي المعتقل منذ سنوات، وهو من عرّفني عليه.. فخجلت من نفسي، وقبل أن يراني، وينتبه لوجودي هنا، صعدّت إلى الأعلى، وسلّمت بندقيّتي، واعتذرت، وانسحبت، وما عدت أحضر عندهم، وكم أرسل خلفي، وإلى بيتي، الرّفيق (ماهر).. وما استجبتُ، ولا عدتُ. 


خارج زنزانتنا الصّغيرة والضّيقة، وعلى الطّرف المقابل لها، وبعد متر أو أكثر بقليل، يوجد (المرحاض) الوحيد، لكلّ نزلاء الزّنازين، وهو بلا باب، وله حنفيّة ماء، مفتوحة بشكل دائم، تصدر صوت خرير قاتل، ومزعج، ويسبّب صداعاً حادّاً، وتحت الحنفيّة، توجد عبوة معدنيّة صغيرة، تستعمل (للتشطيف)، لا وجود لخرطوم إلى الحنفيّة، ولا وجود لمغسلة، أو صابون للتغسيل.. وكان علينا أن نشرب الماء من هنا، من هذا (المرحاض)، القذر، والكريه الرّائحة، والذي ندخله و(نفعلها) دون ستار، أو حجاب، أو مخبأُ!!.. شيء غير إنساني، وفظيع!!. 


طبعاً كانت الزّنزانة بلا أي مقعد، أو سجادة، أو عازل للأرض، فكلنّا جالسون على البلاط، المتوهج من شدّة الحرّ.


السّيجارة هنا تساوي الكثير، الحرُّ وحش خرافي، ينقضّ على الزّنزانة، وعلى الجدران الإسمنتية السّوداء، يسيل منها العرق، بغزارة بالغة.. حيث يجد المرء نفسه، يغفو، ويسهو، دون مقاومة منه، بسبب الحرّ الخانق، والشّمس عَمِيْلَة المخابرات، كانت تتوّغل لنخاع موتنا باقتدار. 


ماذا.. لو عرفت أمّي إني هنا موقوف؟!، أو علم أبي، أو أخوتي، أو أخواتي؟!.. أو خطيبتي، التي هي في مدينة الباب؟!.. آهِ كم هذا أمر مؤلم، وفظيع عليّ، وأنا لا أحتمله، ولا أطيقه.


وفتحَ باب الممرّ، سمعنا صوت حركة المفتاح، أحضروا إلى زنزانتنا، ثلاثة أشخاص، يلبسون السّراويل مثلنا، منهم رجل مسنٍ، ذو لحية خفيفة بيضاء ، وإثنان في سن الشّباب، واحد منهما على عنقه، آثار جرح قديم، يحمل بيده كيساً أسوداً، وممتلئاً.. وكان العنصر الذي قام بصطحابهم، يتعامل معهم بمنتهى اللطف والوداعة!!، ويخاطب كبيرهم، باحترام وتقدير، يناديه بكلمة عمّي. 


جلسوا في صدر الزّنزانة، بعد أن أمر عنصر الأمن، من كانوا يجلسون في هذا المكان، بالنّهوض، والابتعاد.، فابتعدوا، وأفسحوا المجال، للثلاثة الوافدين علينا. 


علائم الخوف والرّعب، ليست بادية عليهم.. كانوا يتحدّثون، لم ينقطع كلامهم، منذ دخولهم علينا، حتّى كانوا يبتسمون.. بل فتح صاحب العنق المجروح، كيسه، وأخرج منه علب تبغ، أجنبيّة، وأشعلوا السّجائر، ونحن نتطلّع إليهم، بدهشة، وحسد. 


لم نكن نجرؤ على الكلام، رغم أنْ البعض بدأ يتجرّأ، وبدأت الهمسات، تنتشر في الزّنزانة، واقترب منّي (لقمان)، وهمس:


- الله يسترنا يا صديقي!. 


أردت أن أجيبه.. بكلام لا معنى له.. لكنّ (طراد) مال عليه، وأخذ يكلّمه بصوت خافت، لم أستطع تميزه.. وكان لقمان يهزّ برأسه.. وأحياناً يهمس:


- فهمت عليك.. أطمئن.. لا عليك. 


وعرفنا من يكون هؤلاء الثّلاثة، المتميّزون عنّا، فهم أب وابنيه، يعملان في تهريب الأسلحة.. ولقد تمّ ضبط السّلاح المهرّبِ، في سيّارتهم، التي هربوا منها، وتركوها وسط الطّريق.. والآن يرفضون الإعتراف، بأن هذا السّلاح، الذي ضبط داخل سيّارتهم، يخصّهم، أو لهم علاقة به.. وهم يدّعون

أنّ سيّارتهم قد تمّ سرقتها، من قبل ناس مجهولين، وقام السّارقون، باستغلال سيّارتهم.. ليهرّبوا بها السّلاح.. وهناك من يعمل على مساعدتهم، وتخليصهم من هذه الورطة. 


ودخل العنصر، الذي تركنا قبل قليل، يحمل بيديه الأكياس، كانت رائحة الفروج المشوي، تفوح من الأكياس بقوّة، حرّكت عندنا مغارات الجوع، فبدأت أمعاؤنا تتلوّى، وتقرقر، وتنهش بنا بضراوة وتوحّش. 


ناولهم الأكياس، شكروه وانصرف.. ثمّ وضعوها على أرض الزّنزانة، وفتحوها، وضعوا فروجتين لهم، وأعطونا نحن جميع، من في الزّنزانة، فروجتين ، و بلغ عددنا دونهم، أحد عشر شخصاً.. فرحنا وشكرناهم، واقتربنا، رغم الأقدام المتورّمة، والمّمدودة.. وهناك من تطوّع لتقسيم حصص، لكل واحد منا، تقريبا بالتّساوي، وبطريقة عادلة. 


وصبّوا لكلّ واحد منّا، نصف كأس (بلاستيكي) من (الكولا) الباردة.. فأغدقنا عليهم شكرنا.. ودعونا لهم بالإفراج السّريع.. مع أنّي كنت أكذب.. فما أقوله بداخلي، هو غير الذي قلته لهم، فهم مهربو أسلحة، أولاد كلب، مدعومون، ومدلّلون عند رجال الأمن. 


الماء البارد.. الذي أحضره لهم عنصر الأمن.. في عبوات نقيّة، ونظيفة.. لم يعطونا شربة واحدة منه.. كان على من يريد أن يشرب منّا، أن يشرب من ماء، دورة المياه.. من الحنفيّة التي لا يتوقف صوتها البشع. 


لكنّ المهرّب.. الأب (الحجي)، لم ينتهي كرمه بعد.. فبعد أن انتهينا من الطّعام، وقمنا بتنظيف المكان، ووضع المخلفات في ذات الأكياس، وثمّ حملها، إلى سلّة الزّبالة في دورة المياه.. قام هذا الرجل الورع، بتضييف كل واحد منّا،بسيجارة 

بعد الطعام.. وقال لنا:


- لا أحد يطلب منّي، سيجارة ثانية، فقد أخذ عليّ وعداً، سيادة الرّائد (فضل الله)، أن لا أعطي لأحد، نفثة واحدة من الدّخان..وأنا أعطيكم الآن على مسؤوليتي. 


أشعلنا السّجائر بشغف عارم، وأقدمنا عليها، كمن يُقدِم، على عناق حبيبته، الفاتنة.. لكن.. وقبل أن ينتهي (طراد)، من تدخين سيجارته، دخلا علينا إثنان، من عناصر الفرع، واقتاداه معهم، بعد أن وضعا، القيد بيديه إلى الخلف، وثمّ عصبا له عينيه، بقماشة سوداء، وسحباه، وانصرفوا.. وسط صمتُنا، وخوفنا، ورعبنا. 


بدأ التّحقيق معنا.. هل سنتعرض للضرب؟!.. كما فعلوا مع ذاك، الذي عذّبوه، وضربوه، حين كنّا نرفع أيدينا على الجدار؟!.. آهِ ربي.. أنا لا أحتمل، لا أقوى، لا أستطيع، ولا أتخيّل أن يفعلوا

معي هكذا، مثلما فعلوه.. أموت..

ومستعدّ أن أعترف، بكلِّ ما يريدون.. آهٍ أنا خائف.. بل ميّت من رعبتي. 


استرقت نظرة إلى وجه (لقمان).. كم بدأ شاحباً، ومصفراً، ومتيبّس الشّفتين.. صديقي المدلّل (لقمان)، هنا لا يفهمون، ولا يراعون، أنك وحيد والديك، وأن بقيّة أولادهما، ستّة بنات.. وأنّك ابن نعمة، وعزّ، ومكانة وجاه.. وأنك رقيق المشاعر، لطيف وحساس، شاعر، وعازف (بزق) ماهر، وممثّل، وناقد، ولاعب كرة قدم.. وراقص (كزوربا).. أنت لا تستحق ما نحن فيه.. قل لي صديقي.. كيف سننجو من هذه الورطة، اللعينة؟!.. صديقي الرّائع.. صديقي النّبيل.. صديقي المبدع المحبوب.. نحن في ورطة كبيرة، بل في كارثة عظيمة.


الدّقيقة أطول من ساعة هنا.. الزّمنِ هنا ميّت بلا حراك.. هنا مكان إقامة ملك الموت (عزرائيل).. هنا يصلب الأنبياء.. هنا تقطع ألسنةُ الشّعراء.. هنا تخصى الرّجال.. هنا تغتصب الإرادة.


أهلي حدّدوا لي يوم عرسي.. بعد أقلّ من إسبوع سأتزوج.. هكذا كنّا نأمل، ولكن الآن أسأل، هل سيتحقّق هذا الحلم؟.. سامحيني حبيبتي (رغداء)، يبدو أنّني سأفقدك.. بل سأفقد حرّيتي وفرحتي، وأحلامي.. انسيني..من حقك أن تتزوّجي من غيري، رغم أنّ (عمّتي) أمّك، قد حملت بك لأجلي.. هي وعدتني قبل أن تحبل بك، بأنّها ستنجب لي عروسة.. وأنا انتظرتك، وفرحت يوم ولادتك.. وكنت أراقب نموّك، وأنت تكبرين.. وتتفوّقين على أقرانك من الفتيات، في دراستك، وجمالك، وقوّة شخصيّتك.. كنت فرحاً

بك، وبحبّك لي.. ولكن، هنا تعدم الأحلام.. في هذا الفرع، يدفن الفرح، 

وتقتل البهجة. 


(مصباح) أخذوه قبلي.. منذ سنوات، أخفوه عن الحياة التي كانت تضجّ به، أبعدوه عن تفتُّح المستقبل، هو لم يشأ أن يورّطني قبل أن أنضج.. كانت معرفتي ناقصة لم تكتمل بعد.. خاف عليَّ، وكان يصفني:


- أنت ثرثار.. متهوّر.. مندفع.. مغامر.. عصبيّ.. نزق.. بسيط..  متقلّب المزاج.. عاطفيّ.. تنخدع بكلِّ بساطة. 


وأنا من بعد إعتقاله، سكنني الخوف، والجبن، والإرتباك، والضّياع، والحزن، والإنكسار. 


بدأت تتناهى إلينا أصوات غائمة، مبهمة، أصخت السّمع، دقّقت أكثر، تعالت ضربات قلبي، انكمشت عنّي أنفاسي، وسرت موجة تيبس بداخلي.. إنّها صرخات (طراد)، أنينه، توسّلاته، تأتي مع أصوات غاضبة، حادّة، غليظةٍ، 

لئيمة، ولا تعرف الرّحمة، ولا الشفقة. 


كان صديق (طراد) الذي لا أعرفه.. يرتعشُ، جسده النّحيل بالكامل ينتفض

، ووجهه ذو الأنف المعوجّ قليلاً محتقن بالإنهيار.. و(لقمان)، تضاعف شحوب سمرته، تحول وجهه إلى سحابة قلق داكنة، وعيناه الكبيرتان غار فيهما الأسى، وإعصار الحيرة والإرتباك. 


- سأعترف.. سأقول لكم كلّ ما تريدونه.. أقسم بالله لن أخفي عنكم شيئاً. 


هذا ما كان يردده (طراد) قبل أن يختفي عنّا صوته. 


قال أحد الموقوفين.. المتورّم القدمين، الغارقتين بالدّمِ المتجمّد:


- ومن يستطيع أن لا يعترف؟!. 


قصيدتي نقطة ضعفي.. الجريدة تشكّل خطراً قاتلاً عليّ.. سيوجّهون إليّ تهمة إزدواجيّة الإنتساب للأحزاب.. (بعثي وشيوعيّ) بآن واحد!!.. وهناك قانون الإعدام.. لمن يرتكب هذا. 


دخلوا.. علينا مرّة ثانية، طلبوا (لقمان)، انهارت نبضات قلبي، أخذوه بعد أن أوثقوه، و(طمّشوه).. ولم يعيدوا (طراد) إلينا.


اقترب دوري.. حان وقتي.. أزفّت لحظة موتي.. ربّاه.. أمّاه.. أبي.. أنا الآن أواجه الحقيقة.. حقيقة فظيعة ولئيمة..ولكن اسمها الحقيقة.. بلا أدنى كذب.. بلا توريّة.. بلا مجاملة.. أو تجميل.. نعم هذه الدّنيا ليست لنا.. نحن الجماهير أتيناها بالخطأِ.. اقتحمناها، وكنّا نجهل أنّنا غير مرحب بنا.. الطّببعة تحتقرنا.. وتزدرينا.. والغابة استكثرت علينا، أن نعيش بأمان، تحت ظلالها الوارفة.. الموت مصير الفقراء.. العبوديّة نصيبنا المحتوم.. كذب علينا الفلاسفة، وأصحاب الفكر.. ودعاة التّحرر.. من منّا يستطيع أن يكسّر قيده؟!.. أن يتمرّد؟!، أن يحتجَّ؟!، أن يثور؟!.. وأن يقول لا للطغاة، والمستبدّين.. أنا لا أمل عندي.. 

لن ننتصر على الظّلام.. لآخر لحظة من عمر الكون، سيكون الظّلام أقوى، وأشدّ إتّساعاً.. آهِ (مصباح) غيّبوك مجاناً. 


طال الوقت.. استبشرت خيراً.. وفرحت، وأحسّست بالأمان.. نعم.. حتّى الآن لم نسمع صوتاً (للقمان).. وهذا يعني لم يتعرّض للضرب.. وأقصد أن هناك أمل.. فقد تمرّ هذه الأزمة، ونخرج من هذا الفرع على خير.. ليت هذا يحدث.. قسماً سأتوقّف عن ارتياد المقاهي.. سألتقي مع أصدقائي في البيوت.. الأماكن العامة خطيرة، ومغامرة أنا في غنى عنها للأبد.


وزعق بقلبي صوت، قويّ، جهور، شجاع، وواضح النّبرة:


- لا تخف.. كن شجاعاً.. لا يقع في الفخّ، إلّا الجبان.. إنتبه لنفسك. 


أمّي دائماّ تدعو لي، ذات الدّعاء، وفي كلّ مرّة، تكون فيها راضية منّي:


- الله يبعد عنك، الظّلّام، والحكّام، وأولاد الحرام. 


يا رب استجب لأمّي.. فأنت تعرف كم هي طيّبة.. وخيّرة.. وبسيطة.. ورقيقة.. وضعيفة.. فلا تفجعها بي.. حتّى وإن كنت أنا حقيراً لا أستحقّ.. أعصاك حين أحسّ بالأمان..وأرجع إليك وقت الشّدّة والخطر.


فتح الباب المقفل، سمعت أصوات أقدام في الممرّ، وها هو (لقمان) يدخل، بلا قيود، أو طماشة على عينيه، ولا أثر لضرب، عليه أبداً.. لكنّ الحزن لم يرتحل، وعينيه ما زالتا هائمتان في الفراغ.. اتخذ مجلسه.. وذهب عنصر الأمن..فهتفت بخفوت:


- طمّني.. ماذا صار معك؟!. 


ظلّ مطرقاً رأسه بالأرض.. شعره الخرنوبي الطّويل كان مغسولاً من التعرّق.. في صمته وجع وألم.. تذكّرت ضحكته المجلجلةِ، ومزاحه الذي لا يتوقّف، وسخرياته العميقة والذكيّة.. ماذا فعلوا معك صديقي؟!. و(لقمان) ليس معنا في زنزانتنا، بل هو في زنزانة أبعد.. زنزانة صغيرة، ومظلمة، منفردة، لا تّتسع لدمعته، ولا لصمته. 


عادوا وفتحوا الباب، تضرّعت إلى الله أن لا يكون الدور عليّ.. أن يكون على صديق طراد، الذي لا نعلم ماذا حلّ به، وإلى أين أخذوه؟!.. لكنّهم نادوا اسمي.. أنا سمعت إسمي منهم.. تلفّت علّ غيري يتبرّع ويردّ عنّي، ويذهب معهم بدلاً منّي.. ولكن هيهات هيهات.


انحنوا فوقي.. أنهضوني عن الأرض.. في تلك اللحظة لمحت بريقاً في عينيّ لقمان.. وفهمت منه قوله لي.. لا تخف. 


دخلت مع قيدي.. ومع ظلمة تحيطني أنا فقط.. هم يرونني، وأنا لا أبصر سوى رعشتي بداخلي.. تعرّضتُ لضربة من عصى غليظةٍ، جاءت في خاصرتي.. كنت أسمع صوت طرقاتها،على الأرض.. 

وزعق بي صوت، كنت قد سمعته سابقاً:


- قلت لي أنّك (حزبيّ).. أليس كذلك؟!. 


هبط قلبي إلى الدّرك الأسفل، من جحيم الخوف، والذّعر.. إذاً عرف الموضوع!.. كشف كذبتي.. الويل لي.. بماذا أجيب؟. 


- نعم سيّدي.. أنا (حزبي). 


- (حزبي)!!.. ولا تحضر إجتماعات؟!

.. ولا تدفع إشتراكات شهريّة؟!.. ما شاء الله عليك يا (رفيق)!. 


عادت روحي إليّ، استبشرت خيراً.. أطلّ الأمل على أفقي.. لقد بالغت في مخاوفي، أكثر مّما ينبغي.. الأمر أهون الآن، على ما أظن:


- سيّدي.. أنا الآن أعمل في القطّاع الخاص.. كنت سابقاً موّظفاً، (أمين مستودع) في (مخبز الحمدانيّة) ولهذا صعب عليّ الإلتزام، وحضور الإجتماعات، ولكنَّني سأدفع كلّ ما يترتب عليّ من إشتراكات سابقة.


- نعم صلّح وضعك عند( شعبة الحزب).. ولكن... 


وجاءتني ضربة مباغتة، بالعصى، وأردف بسؤال:


- ماذا تعرف عن (طراد خليل)؟. 


أحسّست براحة أكثر.. أجبت:


- سيّدي.. أنا أعرف (طراد خليل) بحكم صداقته مع صديقي (لقمان)..و(لقمان) شاعر، وأنا أكتب الشّعر.. و(طراد) ممثل في المسرح القوميّ، و (لقمان) ممثل في المسرح الجامعي.. وهكذا تعارفنا، ولكن معرفة سطحيّة.. وهذا الذي مع (طراد)، أنا لأوّل مرّة أراه.. ولا أعرفه أبداً. 


وصلتني ضربة مؤلمة على فخذي، ثمّ تبعها سؤال:


- ما علاقتك.. (برابطة العمل الشّيوعيّ)؟. 


- سيّدي.. أنا لي أصدقاء في جميع أحزاب (الجبهة الوطنيّة التّقدميّة). 


صرخ.. وضربني بعصاه، على مؤخّرة رأسي:


- (أحزاب الجبهة)، لا علاقة لها بهذا التّنظيم، المعادي للدولة، وإلى الحكومة. 


تظاهرت.. بالجهل، والغباء، وعدم المعرفة، وقلت:


- أنا.. لا علاقة لي بهذا التّنظيم،

المعادي، وأنا لأوّل مرْة أسمع به. 


هذه المرّة أمسكني من أذني، وشدّها بعنف، ذكّرني يوم كان أستاذي (المعرّاوي)، يضع حصاة صغيرة، بين أصابعه، ويضغط بها على أذني، وهو يقوم بشدّها. قال:


- لكنّ صديقك (لقمان)،إعترف بتنظيمه في (رابطة العمل السّرّيّة)، واعترف عليك أيضاً، فأنت من مجموعته، وتحضر معه الإجتماعات، وتدفع الإشتراكات، وتقومان بتوزيع المنشورات، على الكتّاب والأدباء. 


تظاهرت بالدّهشة  والإستغراب..

وبالضّيق، والإنزعاج.. وكنت أشاهد، من خلال (الطّماشة) السّوداء، التي تغطي عينايَ، أرض المكتب،وأقدامه المتحرّكة حولي.. وأتسأل عن الجدّوى، من تغطية عيني، طالما شاهدت الرّائد (فضل الله) وحفظت اسمه، عند دخولي مكتبه، في المرْة الأولى؟!.


وهتفتُ.. بندفاع، وكأنّه جاءني عفوياً:


- لا.. يا سيّدي.. (لقمان) يكذب.. لقد خدعكم.. وغشّكم.. فهو ليس من (الرّابطة).. وليس منتسباً إليها.. ولا أنا. 


وصاح بي.. وكانت ضربة عصاه، على ظهري مؤلمة، وقويّة:


- قبل لحظات كان (لقمان) صديقك.. والآن تقول عنه كاذب.. أبهذه البساطة تتخلّى عنه؟!. 


- يا سيّدي.. أنا لا أتخلّى عنه.. لكنّ (لقمان) صغير بعد.. خاف منكم، فصار يقول لكم أيّ كلام.. ويعترف لكم بأنّه، منتسب لجهة معادية، وأنا شريكه.. نعم، هو خائف، ويكذب، فلا تصدّقوه. 


شاهدت قدميّه تتحرّكان، حول طاولته، ومن خلال الحركة، التي صدرت، عرفت أنّه جلس خلف الطّاولة.. وقال يسألني بتهكّم وسخرية:


- أنت شاعر، أليس كذلك؟. 


- سيّدي.. كانوا يسمّونني في الجيش، شاعر الفرقة الخامسة، عند حدود الجبهة، مع العدو الإسرائيلي، إسألهم عنّي، هناك. 


قال وبتهكّم زائد.. أنا أريدك أن تسمعني 

من شعرك الآن.


- سيّدي.. أنا بهذه الحالة، لا أستطيع أن أسمعك، من شعري.. حالتي الآن لا تسمح لي. 


وعاد إلى تهكّمه، وسخريته الباردة:


- وما بها حالتك؟!.. لتشكو منها؟!.. هل نحن أزعجناك؟!.. هل وضعناك على الدّولاب، أم نزعنا لك أظافرك؟!.. أم أطفأنا أعقابَ سجائرنا، بظهرك العاري؟!. 


همست بانكسار:


- أنا متعب سيّدي.. أرجوك. 


مرّت دقيقة صمت، خلتها دهراً.. وأنا أسأل بلاط المكتب، الظّاهر أمامي فقط، وهو يضحك بشدّة، من قدميَّ الحافيتين، والمتورّمتن من التّعب والإرهاق، إلى أن قال:


- إن كنت.. لا تريد أن تسمعني شعراً، فدعني أسمعك، أنا هذه القصيدة.


خفق قلبي بشدّة، وبضراوةٍ، وبقوّةٍ، وبجنون، أربكني، وأرعبني، يا الله!!.. كنت أظنّ، أنّ الأمور تسير نحو الخلاص.. لكنّها عادت لتتأزّم.. وتشتدّ، وتعود كما كانت في السّابق.. نعم.. ها هو سيقرأ عليّ قصيدتي، المنشورة في الجريدة الممنوعة، والّتي أهديتها إلى روح الشّهيد (فرج الله الحلو)، أمين عام (الحزب الشّيوعيّ).. والذي قتلوه تحت التّعذيب، وثمّ أحرقوا جسده، وأذابوه (بالأسيد). 


- اسمع هذه القصيدة، وأعطني رأيك بها، دون مجاملة، أومسايرة، بل بموضوعيّة تامّة. 


- ما قولك؟!.. هل أنت جاهز؟.. هل أبدأ بالقرأة؟. 


- تفضل سيّدي.. أنا أسمعك. 


كنت على وشك الموت، وأنا أتظاهر باستعدادي للإستماع. 


وقال:


- ( خراء حافظ الأسد، على مصطفى الحاج حسين).. ثمّ ضحك بقوّةٍ، وقال ما رأيك بهذا الشّعر الحديث؟.. أليست جميلة؟.. أجمل من كلّ ما تكتبه؟. 


عادت إليّ أنفاسي.. نعم.. لم يفتح حقيبتي.. ولم يقرأ قصيدتي، في الجريدة.. وهذا مدعاة للفرحة، وإلى السّرور، وإلى البهجةِ.. فليقل عنّي ما يشاء.. وليسخر من إسمي، ومن كتاباتي، المهم أن لا يقترب، من الحقيبة.. وهنا أحببت أن أجاريه، وأن أبعده عن التفكير، بفتح الحقيبة، قلت في نفسي، سوف أتظاهر بالمسكنة، وبالغباء:


- سيّدي.. عفواً.. هذا ليس شعراً.. إنْه كلام لا أكثر. 


وهتف.. وهو غارق بضحكته:


اتّضح أنّك (جحش)، لا تفهم بالشّعر الحديث. 


ستفرج يا الله.. ستفرج.. وسأخرج.. وأعود للحريّة، وسأتزوح بعد خمسة أيام.. ويبقى هذا اليوم ذكرى، أليمة وقاسية. 


- سيّدي.. أنت هكذا تسيء إلى الشّعر، وإلى مفهوم الحداثة. 


لم أتوقّع.. أن يقول لمن حوله، من عناصر، أرفعوا الغطاء عن عينيه، وفكّوا قيده، ودعوه يوقّع، ثم سلّموه أغراضه. 


وخاطبني يقوله:


- أحذّرك.. من الذّهاب للمقهى، مرّة أخرى.


وخرجنا.. أنا و (لقمان).. وظلّ عندهم الممثّل المسرحي (طراد خليل) وصديقه.


          مصطفى الحاج حسين.

                   إسطنبول