الجمعة، 17 مايو 2024

عندما يتحدث الصمت بقلم د . صالح وهبة

 عندما يتحدث الصمت 

بقلم د . صالح وهبة


نعيش هذه الأيام في حياة تموج بحارها بالضجيج والغوغاء  وتفيض بالثرثرة وكثرة الكلام وقلة الأفعال  ويقف على شطآنها الذين يدعون المعرفة، الكل فاهم ، الكل مثقف، الكل مفكر ، الكل عالم ، الكل كاتب .

حياة تطفو على سطحها أنصاف المتعلمين الذين لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون   وإن تظاهروا بالفهم يجادلون وإن جادلوا ينكشفون . 

حياة تجيش بالأصوات العالية في غياب المنطق  وبات الذين يعملون في صمت قليلون . 


أفكار كثرة أحاطت بمخيلتي وتزاحمت في ذهني 

وحان الوقت لتخرج من أسرها وتتدفق على سيل قلمي ليكتب بلغة من أرقى  اللغات "بدون حروف ولا أبجديات"لغة المشاعر  تلك اللغة التي تقرأها ملامح الوجه وتفضحها العين ، 


فاعذروني إن ظهرت آثار الجراح على سطوري لأني قررت أن أكتب بلغة الصمت  لغة الحكماء لغة العقلاء والنبلاء . 

دعنا نتجول في مدرسة الصمت  ونتبحر في مناهجها لنتعلم منها دروسا مفيدة على أيدي حكماء ومن هذه الدروس  :

متى نصمت ومتى نتكلم ؟  متى يكون الصمت محبوب ومتي يكون الصمت مكروه ؟ هل الصمت فن ؟ وما أنواع الصمت ؟


في البداية يجب أن نفرق بين الصمت والسكوت.

الصمت  ينتج عن حكمة ولكن الصمت الطويل يؤدي إلى السكوت والسكوت ينتج عن جهل بالأمور أو خوف وهذا غير مستحب  .

فالإنسان الحكيم هو الذي يصمت إذا وجب الصمت  ويتكلم إذا لزم الكلام  .

بمعنى آخر :  الشاطر الذي يجيد فن  التوقيت المناسب "متى يصمت ومتى يتكلم".


ويقول الحكيم في هذا السياق:

أرقى أنواع عزة النفس "أن تصمت في الوقت الذي ينتظر الناس فيه انفجارك بالكلام "

فالصمت في الوقت الذي يجب فيه الصمت يصون كرامتك ويحفظ قيمتك وخاصة عندما ترد على أحمق أهانك بكلمة فتتساوى معه بل قد يتغلب عليك في التفوه بألفاظ خارجة "والتي هي لعبته" والحكيم يقول : لا تجادل غبيا لأن الناس لا تعرف أيكما الغبي !!

هناك مواقف لا يجب فيها الصمت مثل ترك ابنك المدمن بدون توجيه، 

أو قول كلمة حق ،

وفي هذا السياق المقولة : "الفم المطبق لا يدخله الذباب " غير صحيحة بالمرة . 

فللصمت أوان وللكلام أوان والشاطر الذي يضبط التوقيت. 


"أنواع الصمت "


"صمت التجاهل"

هذا النوع عندما يري الشخص أن كلامه لا يجدي ولا يغير في الأمر شيئًا  . 

فيقول أحدهم : صمتي لا يعني جهلي بما حولي ولكنه يعني أن ما حولي لا يستحق الكلام ، 

وفي هذا السياق يقول الشاعر :

لا تحسبن صمتي جهلًا أو نسيانًا          فالأرض صامتة وفي جوفها بركان 

فالصمت لغتي واعذروني لقلة كلامي 

ربما ما يدور حولي لا يستحق الكلام .

ومنهم من  يرى صمته  نوع من الترفع عن أحاديث وثرثرة لا تجدي ولا تؤدي نفعا  لصاحبها ولا  تغير شيئا، فيفضل الصمت .

ويحضرني في هذا 

"مرحلة ملكية "  Royal level 

أحيانًا يمر بها الإنسان في مراحل حياته، في هذه المرحلة لا يرغب الشخص في الخوض في جدال أو نقاش مع أحد وإن دخل في نقاش لا يحاول إثبات  أن من يجادله مخطئا بل يتركه  غارقا في جداله ولو كذب عليه سيتركه يكذب وهو مستمتع بكذبه حيث يعلم يقينا أنه لا يستطيع إصلاح الكون .


. وهذا لا يعني أن نهمل رسالتنا في الحياة كالنصح والإرشاد بقدر الامكان ونحاول مع من تنفع فيه المحاولة ، أما الأحمق فنبتعد عنه ،


صمت الاستفادة

هو النوع الذي يصمت فيه الشخص من أجل الاستفادة سواء من دروس الحياة  من أفواه الحكماء أو دروس المدارس، مثل إنصات التلميذ لمعلمه.


صمت الفرح

هذا النوع من الصمت تعجز فيه الكلمات في التعبير عن شدة السعادة  فتحتبس الكلمات وتحررها المشاعر وتفضحها العيون وتكشفها الملامح وتعبيرات الوجه فمثلا :

عندما يتقدم شخص ما لخطوبة فتاة ثم تسألها مامتها:  ايه رأيك في العريس ؟ فتصمت الفتاة بابتسامة عريضة وترى مامتها صورة السعادة تتراقص في عينيها  .

هنا تكلم الصمت ومعناه "القبول والموافقة "

وهناك صمت غضب وصمت احتقار  وصمت احتيال وصمت حزن.


نصيحتي :

لا تجعل لسانك يسبق عقلك، فليس كل من تعلم الحروف  أتقن الكلام .

نسأل الله أن يمنحنا نعمة الاتزان  لنتعلم "متى نصمت ومتى نتكلم" .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق