الثلاثاء، 14 مايو 2024

على هامش ذكرى رحيل أيقونة فلسطين- شيرين أبوعاقلة-* بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش ذكرى رحيل أيقونة فلسطين- شيرين أبوعاقلة-*


نامي هانئة..فأنت خلف شغاف قلب فلسطين


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن شيرين أبو عاقلة “قاتلت”ببسالة على مدى عقدين ونيف في جبهة تشكيل الوعي وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني الشامخ؛وقطعت مسيرتها الإعلامية المحفوقة بالمصاعب،المتاعب والمخاطر بعزيمة فذة وإرادة لا تلين،وعاشت في “الميدان”،وهي تدافع عن فلسطين والقدس،وأغتيلت برصاص منفلت من العقال..رصاص عديم الرحم..أطلقه قاتل من حفاة الضمير..

أيقونة فلسطين (شيرين) دفعت ثمن رسالة عظيمة وجليلة حملتها بأمانة واقتدار،وبمهنية عالية. ولذلك،حُقَّ لكل حرّ وعزيز وذي وفاء أن يغضب ويحزن ويثور على زمن تغتال فيه الكلمة الحرة على مرآى ومسمع من العالم..

هكذا كان-موتها-فرجويا متوحّشا بدائيا ساديّا ضاريا عاتيا فاجعا..

هو ذا القتل على مرأى من الدنيا والعرب..

فلسطين..لم تصب بقشعريرة ولا بإندهاش.إنّها ”تبكي” بصمت بنيها.

جرح مفتوح،وعدالة شائخة،وضمير إنسانيّ كسول وضرير..لا يفعل غير أن يعدّ حصيلة الخراب ويتأفّف من وفرة دماء الموتى!..وأيضا : ينتظر.

شيرين..يا..أبوعاقلة..ضجرت ذاكرة التاريخ.ضجر الشهود.ضجرت الأسلحة والقوانين والمذاهب والسماوات،وضجرت أرواح الموتى..لكن-وحدها-شهوة القاتل إلى مزيد من الدم..لم تضجر!

الدّم يشحذ شهية الدّم …

أنت الآن في رحاب الله حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..أما أبناء فلسطين الأشاوس فهم في عراء الخليقة الدّامي،تتقاذفهم الرّياح الكونية من زنزانة..إلى معتقل..إلى هواء يتهدّم..إلى أرض تنتفض..إلى عدالة عمياء..إلى قاض أخرس..إلى ضمير أعزل وكفيف..وإلى أمل يضيق ولا يتهدّم..

وعلى شاشة الملأ الكوني،تترقرق الدّمعة الأكثر إيلاما وسطوعا في تاريخ صناعة العذاب،وتعلو صيحة الضمير الأعزل المعطوب،دون أن تُسمَع..!

ودائما : ثمة شهداء يسقطون..ودائما خلف القاتل،ثمة حلفاء وقضاة وجيوش..وخلف الضحية..العماء والصّمت..وخلف العماء والصّمت..شعب يقيم أعراسه على حواف المقابر: أعراس مجلّلة بالسواد ومبلّلة بالنحيب..أعراس دم.

لكن..ثمة أمل…

ثمة أمل ينبثق من دفقات الدّم ووضوح الموت..أمل يتمطى عبر نباح الرشاشات وعويل المدافع..

وحده الفلسطيني اليوم..-يا شيرين-بإمكانه أن يحمل بين ضلوعه أملا وضّاء ينير عتمات الدروب أمامه..

ووحده بإمكانه أن يقايض سخط الجلاّد الحاقد بكلمة الأمل الغاضب..فقد علّمنا التاريخ-يا شيرين-أنّه في أحيان كثيرة يمكن للأمل الأعزل أن ينتصر على جنون القوّة المدرّعة..

كما علّمنا كذلك،أنّ السفّاح-بما يريقه من دم-يحدّد الثمن النهائي لدمه.

لهذا سيذهب-الفلسطيني-نيابة عنك-بأحلامه من حافة الموت إلى حافة الحياة حيث سيرى خلف دخان الجنون وجلبة القوّة : علمَ فلسطين وشمسها ونخيلها وبساتينها وسماءها..

وتحت سمائها تلألأ الرنّة السخيّة لفرح الإنسان..

هناك،وعلى التخوم الفاصلة بين البسمة والدّمعة،سيعثر على-فلسطين الصامدة-وقد هيّأت له مقعدا مريحا ونافذة مفتوحة وسماء صافية وظلا ظليلا..ورغيفا لذيذا..وأنشودة نصر يرقص على ايقاعها أبطال ينشدون الحرية بجسارة من لا يهاب الموت..

لينزل ضيفا جليلا على مائدتها..مائدة الشهداء..والشهداء الأحياء: مائدة التاريخ.

ونحن..يا شيرين..!

نحن الذين نخبئ في عيوننا عتمات الأحزان..نحن من المحيط إلى الخليج أمام البحر المتوسط،تنتصب أمامنا حاجبات الوميض،نقرأ أوجاعنا ونردّد كلمات لم نعد نعرف أن نكتبها..!

موتك-يا شيرين-سيظلّ وصمة عار على جباه-لا تعرق خجلا-..لعنة أبدية تلاحق بسخطها حفاة الضمير..

ولكن..

سينتصب الحقّ شامخا،يخرّ الباطل صريعا..وينبلج الصبح على فلسطين.

لست أحلم..لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء من حسابات الآفاقين..وعراة الضمير..

وداعا..شيرين أبو عاقلة..


محمد المحسن


*شيرين نصري أنطون أبو عاقلة (وُلدت في 3 أفريل 1971 في القدس– أستشهدت في 11 ماي2022 في جنين)،صحافيّة فلسطينيّة،عملت مراسلةً إخباريّة لشبكة الجزيرة الإعلاميّة بين عامي 1997 و2022. كانت شيرين أبو عاقلة من أبرز الصحفيين في العالم العربي، وهي مراسلة مخضرمة، حيثُ وُصفت بعد وفاتها بأنها من «أبرز الشخصيات في وسائل الإعلام العربية». تضمنت حياتها المهنية تغطية الأحداث الفلسطينية الكبرى بما في ذلك الانتفاضة الثانية بالإضافة إلى تحليل السياسة الإسرائيلية. وكانت تقاريرها الحية على التلفزيون والإشارات المميزة معروفة جيدًا، وقد ألهمت العديد من الفلسطينيين والعرب الآخرين لمتابعة حياتهم المهنية في الصحافة، منحها الزعيم الراحل معمر القذافي في 8 مارس 2003 وسام الشجاعة تقديرًا لشجاعتها في نقل وقائع مجازر قوات الاحتلال الإسرائيلي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق