الأربعاء، 15 مايو 2024

مقاربة الاستاذ لحسن قراب ل(ق، ق، ج)من تأليف الاستاذ مهاب حسين مصطفى تطلع

 مقاربة الاستاذ لحسن قراب ل(ق، ق، ج)من  تأليف الاستاذ مهاب حسين مصطفى:

                                تطلع

 خنقه إطار الصورة لما تناهى لسمعه تفاقم الويلات.

 وثب منها متحفزا.

 جاهد ليجد بندقيته.

 فتش عن رفاقع القدامى تأهبا للمسير.

ألفهم يرسفون بكل ارتياح في عتمة البراويز!


  الدراسة :

ليسمح لي الكاتب على إعادة نشر النص بطريقة تهيئه للدراسة عن طريق التقسيم إلى جمل، لتظهر منها الطويلة والقصيرة بشكل جلي،ويسهل تشريح النص بتمييز اعضائه عن بعضها البعض. 

وأول ما نبدأ به الدراسة هو هذا العنوان المشرئب الذي يلتف حول عنق النص ويلوي بتلابيبه فلا يترك منه مِفصلا  ،فالتطلع نوع من التبرم من الزمان والمكان اللذين يكتنفان المتكلم ويأمل في مفارقته عن طريق التجاوز. والنص يتألف من خمس جمل، ثلاثة طويلة واثتنتان قصيرتان، يبتدئ بواحدة طويلة ثم يثني بالقصيرتين. فالطويلتين، وذلك لخدمة منهج دقيق في تقسيم الألفاظ حسب طولها المناسب لما تعبر عنه.

   فالجملة الطويلة الأولى وهي التي يستهل بها النص:

(خنقه إطار الصورة لما تناهى لسمعه تفاقم الويلات)

 وأول مايقرع السمع ويصدم العين هو الفعل (خنقه)، فهو يعبر عن لحظة تقع بين الحياة والموت، ولكليهما هو أقرب، فالروح تتطلع للحياة، أي للإستمرارية، وآلة الخنق تحاول مستميتة ان تضع بين الروح والحياة قطيعة تسمى :(الموت). فالموت والحياة تتجاذبان الجسد وتبذلان جهدهما للفوز، لذلك عبَّر العنوان (تطلع) بالنكرة لأن الفوز يظل نكرة حسب طاقة الجسد على التجاوز وقدرة اليد على الخنق. 

    كذلك من تقنيات الكتابة التوسل بها علاقة الجوار التي تربط عملية الخنق بضمير الغائب، فهي علاقة اتصال لا انفصال، ولكن الكاتب رجَّح الحياة على الممات عند استعمال ضمير الغائب بدل ضمير المتكلم، فكأنما الاختناق يهم شخصا آخر في الماضي، استطاع الحاضر ان يتجاوزه. وسيفصح النص عن هذا التجاوز بمجموعة من الإشارات اللفظية مثل (وثب/جاهد /فتش...) وهي كلها تشي بمحاولة الذات للإفلات من واقع غير مستطاب. 

إن هذا التبرم من الواقع الثقيل تشي به ايضا على المستوى الكالغرافي وطأة النقط على الحروف :

 خ: نقطة فوق الحاء

ن: نقطة فوق السطر 

ق: نقطتان فوق الحرف 

وكلها نقط منفصلة عن الشكل الهندسي المتصل الذي ارتآه واضع اللغة للتعبير عن أصوات مختلفة. 

  أما حرف (الهاء) الدال على الغائب فقد جاء منزها عن كل ثقل، استبشارا بالتجاوز والتخطي والتعدي. 

  ولعل النحويين اعتادوا ان يجعلوا الضمير تاليا لما يعود عليه، وقالوا انه يعود للأقرب منه قبله، ولكن الكاتب آثر ان يقزم البطل ويجعل ظهوره من خلال ضمير غائب متصل مفرد، وكلها خصائص تدفع النص للإنفتاح على دلالات كثيرة: _أليس المتكلم منفردا في مقابل الجماعة: 

      هو: خنقه/لسمعه/وثب/جاهد/ليجد/بندقيته/فتش/رفاقه/ألفهم. 

     هم:  رفاقه/القدامى /ألفهم /يرسفون/

  و(الويلات) قد تضاف لضمائر الجمع، باعتبارها وشاية تنم عن ان النص جاء بها تعميما، وإن حالة الرفاق القدامى هم تفصيل لها،، 

   يستمر النص بعد الكلمة المفتاح  (خنقه) باستعارة تحيل عملية الخنق ليس إلى ذات فاعلة وإنما لإطار الصورة، وقد جاءت الصورة معرفة بالألف واللام باعتبارها معهودة ومعروفة، وكان الإطار نكرة لانه خارج المألوف، وإذا غصنا في البنية العميقة للنص نجد  الكاتب يحيل على تقسيم العالم العربي إلى دويلات تسيجها حدود من صنع الإستعمار وأصبح الفرد محكوما بعدم الإنزياح وعدم الإرتياح، حتى غدا المصنوع طبيعيا، واعتاد الناس ان يقبعوا في امكنة مسيجة ببني جلدتهم تحمي حدود الغير قبل حمايتهم هم أنفسهم، وهو يحيل على واقع العالم العربي الذي يتطلب تأشيرة لتجاوز الحدود الي الجيران، بينما العالم الغربي لايشترط تأشيرة الا للغرباء عنه كوحدة وليس كدول منفصلة (شنغن). 

     إن هذه الجملة (خنقه إطار الصورة) هي جملة بسيطة تتصل بجملة بسيطة أخرى (تناهى لسمعه تفاقم الويلات) بالرابط (لمَّا) وهذا الرابط هو نفسه مؤلف من جزءين (لم) و(ما). 

  ف((لم) حرف جازم، ينفي المضارع ويقلبه ماضيا) (1)

واما (لمَّا) أي (لم +ما) :(فعلى ثلاثة اوجه:_أحدها ان تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه، وتقلبه ماضيا. 

   _. الثاني :من أوجه (لمَّا) ان تختص بالماضي، ويقال :لمّا حرف وجود لوجود، وقيل حرف وجوب لوجوب، وقيل ظرف بمعنى (حين) ، وقيل بمعنى (إذ) ويكون جوابها فعلا ماضيا اتفاقنا، جملة إسمية مقرونة ب(إذ) الفجائية،او بالفاء عند بعضهم، وفعلا مضارعا عند بعضهم الآخر) (2). 

  ومن هنا يبدو أن جواب الشرط جاء قبل جملة الشرط، وجملة الاستهلال (خنقه إطار الصورة) يكون جوابا لسؤال (تناهى لسمعه تفاقم الويلات) فيكون الضمير في جملة الشرط جمعا، وهو في جملة الجواب مفردا، وهذا يشير لعدو التوازي بين الواقع (الويلات بشتى اصنافها) وعدم تقبله من طرف الفرد الذي يشعر إزاءه بنوع من الإختناق. 

 فإذا (لما) هي ظرفية تفيد الزمان، 

  وللتنصل من هذه المفارقة يثب بطل النص اي يتجاوز الواقع عن طريق النط والوثب ليجعل القطيعة بين الحاضر والتطلع لاتبقي ولاتذر منه شيئا ،اي ان فعل (وثب) أفاد الانفصال وعدم الإستمراية بين عالم (الويلات المتفاقمة التي تؤدي للإختناق، وعالم التطلع إلى فضاء أرحب تتنسم فيه الروح هواء الحرية والسكينة والوئام مع الذات. 

 إن الفعل (وثب) يزداد جرأة بإضافة الصفة (متحفزا)، فإذا كان الفعل مجرد حدث في زمن محدد، فإن الصفة تفيد الحدث المستمر، اي تفيد جرأة البطل على التطلع بالروح الإعتماد على طاقاته لمغادرة واقعه، فهو يسعى للخروج من مأزق لا يتحمله. 

 إن هذا المسعى الذي عبر عنه الفعل(وثب) والصفة  (متحفزا) يجد تحقيقه في الفعل الموالي في فضاء قريب (جاهد) أي بذل جهدا وطاقة للتخلص من واقعه واستند إلى ما ملكت يده من وسائل الجهاد والتي رمز لها بالبندقية وهي أسمى آلات الجهاد اي الجهاد بالنفس ودونها الجهاد بالمال.

وقد ورد لفظ الجهاد بمعاني مختلفة فمنها (الجُهد والجَهد) (الجَهد والجُهد : الطاقة والمشقة، وقيل (الجَهد) بالفتح، المشقة، و(الجُهد) الوسع.) _3_وقيل  (جُهد الرجل ،للمفعول :هُزل) _4_

  إن القسم الأول من هذه القصة القصيرة جدا، ينم عن استفراغ الجهد وتحمل المشقة من أجل تغيير وضع قائم لا تستطيبه النفس، بل هي تختنق به ،واقع موبوء يضر ولا ينفع، ولكن القسم الثاني، يأتي كعامل موازي ينطلق من واقع البطل ولكنه يجد نفسه منسجما معه، فحيث يختنق العاقل تجد الجاهل مطمئنا، لقد (فتش) البطل عن عوامل مساعدة ممن يعيشون نفس الوضع، وعبر عن عملية الإستعانة بفعل، ايضا حروفه تئن تحت وطأة النقط (ف/ت/ش) في نوع من التراتببة المثقلة:

_ الفاء بنقطة واحدة

_ التاء. بنقطتين 

_ الشين   بثلاثة نقط 

اي ان الواقع إزداد مرارة، بل إن حرف الشين الذي يؤتى به للتشتيت والإنشطار عبر عن تشتت الرأي وانقسامه وتخلي من هو على شاكلته، عما يصبو إليه، كلاهما يعيش واقعا مختلفا، حيث البطل يتذمر من واقعه، نجد الآخر وهو السواد الأعظم راضيا بل مستريحا لا يعكر صفو حياته قذى، وقد عبر بلفظ (البراويز) للدلالة على جمع ينعم فيه  الآخرون، إذ الجذر (ب، ر، ز) يعبر عن الخروج، (البروز :الكشف والظهور، ومنه البراز، اي الأرض المكشوفة الفضاء،.... والمبارزة في الحرب ان يخرج للغريم، لأنه يظهر نفسه ويبرز منها للصف) (5) 

  خلاصة :إن هذه الاقصوصة تفضح واقعا مريرا يعيشه المثقف سواء كان كاتبا او قارئا، ولكنه واقع الراحة والطمأنينة بالنسبة للذين اخطأهم الوعي وتجنبتهم القراءة ،وإن جذر كلمة (قص) يجد مصداقيته في التتبع والإقتفاء ومنه قوله تعالى (وقالت لأخته قصيه) القصص11، فقد فسرها الرازي بقوله (أي اتبعي أثره، وانظري إلى أين وقع، وإلى من صار) (6)

فقد تتبع الكاتب وقع الواقع على المجتمع فوجد فئة المثقفين يرزحون تحت أحداث يشمرون على اذرعهم ليغيروها للأحسن حبا في أوطانهم، ووجد فئات لاتكثرت للحالة التي أصبح عليها الوطن العربي، حالة الشتات وعدم الإلتفات للغير ولو كان من بني جلدتهم، فكل واحد يعيش عالما منزويا، يرى الاشواك ورودا ،والحدود حماية وقطع الرحم استقلالية، والغش ذكاء، في أنانية لم يعهدها العالم الإسلامي فيما قبل. 

=================

_1_ بصائر ذوي التمييز /الفيروزآبادي 

_2_ نفس المصدر 

_3_ مفردات ألفاظ القرآن الكريم /الراغب الإصبهاني 

_4_المعجم الإشتقاقي /محمد حسن جبل 

(5)عمدة الحفاظ /السمين الحلبي 

_6_تفسير الرازي (فخر الدين الرازي 606 ه

===================== لحسن قراب /المغرب/2024 /5/14

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق