الثلاثاء، 14 مايو 2024

تمظهرات التناص..روعة البناء الفني وتمثلات الوجع الإنساني في قصيدة ( تبّت يد الغدر) للشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تمظهرات التناص..روعة البناء الفني وتمثلات الوجع الإنساني في قصيدة ( تبّت يد الغدر) للشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود


تصدير :

“نحنُ نجدّد في الشعر،لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد،نحنُ نجدّد لأنَّ الحياةَ بدأت تتجدّد فينا،أو قُل تجدّدنا”(الشاعر اللبناني الراحل يوسف الخال)

-الشعر وفقا لتعريف جيهان «هو أن تتفجر بداخلك القصيدة»


-لك الله يا درعنا المنيع يا غزة الأبية،فقد صدق محمود درويش حين قال: لا أَحَدْ…في انتفاضة فلسطين الأولى التي سميت بانتفاضة الحجارة علمنا أطفال غزة معنى أن يرضع الوليد من ثدي المقاومة، أن يسري في عروقه معنى الشهادة، وأن ينشأ في حضن القضية، ليشبّ شهيدا جميلا يسير على أحلامنا، وترفرف له قلوبنا أن يا للشهيد.


-أيّها العابرون على جسدى لن تمرّوا..محمود درويش دفاعًا عن فلسطين


مقدمة : إنّ البحث عن الرؤيا الأساسية لشعريّة النص من بنياته الأساسية المشكّلة له أمر مهم للتعرف إلى طبيعته الفكرية،ودلالاته العميقة،وهكذا تظهر قيمة الشعر باعتباره نصوصاً تضيء ما غادر داخل التجربة،واكتنه فيها،وتظهر قدرته في اختزان دلالات عديدة ترمز إلى هذا المنحى أو ذاك من مناحي الحياة،بمعنى أن الشعر يقوم على اختزال التجربة الشعريّة في كلمات مصوغة بدقة وتركيز في الوقت الذي يقوم فيه على تحقيق رغبة الشاعر في التعبير عن هذه التجربة.

*تنويه : هذه القصيدة ( تبّت يد الغدر) تهديها الشاعرة التونسية القديرة د-فائزة من مسعود لكل فلسطيني جسور قال للمحتل الغاشم ..لا..بملء الفم والعقل والقلب والدم..وارتقى بقراره إلى منصة الإستشهاد..كما أنها وسام شرف على صدر أيقونة فلسطين الصحفية-شيرين أبوعاقلة-التي نال منها رصاص الغدر المنفلت من العقال..

تبّت يد الغدر

عهدا علينا

وعلى العهد باقون

تبت يد الغدر

والف تب

وويل والف ويل

لإخوان الشياطين

حفدة أبي لهب

من أوقدوا نار الحرب

واتخذوا من كل مناضل لها حطب

أين  نحن وأين انتم يا عرب؟

أحرقوا غض السنابل في الحقول

اجتثوا  أشجار الليمون

اقتلعوا ببرودة أعصاب شجر الزيتون

تفننوا في التقتيل أيما فنون

والصبر بلغ منتهاه

فماذا نحن فاعلون؟

أفكلما نبت وردة بريه

 في حقول  الحرية

انتم لها قاطفون

أنتم لها مدمرون ناسفون؟

وفرصة للدعاة السلم تمنحون

ليؤثثوا المنابر

ويملأون الدنيا

ضجيجا بلا جدوى

وتحت الطاولة وفي الزوايا ووراء الستائر 

ثمن قتلكم وتهجيركم

بكل وقاحة يقبضون

أيها المناضلون

يامن على جبهات القتال صامدون

يامن لـطريق  الحرية  سالكون

أخبريهم 

وقولوا لهم بأعلى الصوت

....قتلتم شيرين

وما خطر ببالكم

أنّـا منها استنسخنا الملايين

شيرين وكل مناضل مشروع

شهادة هكذا يولدون

الويل ثم الويل

يا بني صهيون

ما قتلتموها وما صلبتموها

بل شبهت لكم

وحملتها الملائكة

حيث يحيا  الخالدون

ستبعث شيرين

على هيئة زلزال

يطحن الظالمين

ستبعث شيرين

حمامة سلام  

ونُواحها يوقظ الغافلين.....

ياللغباء..أوتظنون 

أن القضية تدفن مع الميتين؟

القضية تولد مع  كل شهيد

وتكبر وتعظم في السجون

أمام أعينكم

برعاية من سجنتم من المساجين..

ويوما ما ستكون 

لكم كما موسى لفرعون

وبالصمود   فردا فردا

في بحر جوركم تغرقون....

-فائزه بنمسعود-

تمثل هذه القراءة المتعجلة افي قصيدة (تبّت يد الغدر) للشاعرة التونسية المتميزة فائزة بنمسعود التي عمدت فيها الذات الشاعرة إلى الكشف عن الخوف والحزن اللذين يجتاحان النفس الإنسانية حينما تنتظر فعل القهر والدمار المنبعث من أدوات الموت التي يصنعها عراة الضميرمن أجل استلاب الإنسانية..إنسانية وروح فلسطين..

ذلك الخوف الذي يتشظى ليشمل كل ما هو حي أو غير حي،وليتمخض بعد ذلك عن فعل مقاومة يتحقق النصر بعدها لصدق القضية وحتمية انتصار الإنسان على العدوان..

ألم يقل ألفريد إدوارد هوسمان  مهمة الشعر ( هي تنسيق أحزان العالم )

وقد ركّـــزت القراءة-المتعجّلة-على دراسة تقنيات عديدة وظفت في النص منها التناص والتوازي واللعب باللغة. 

تراكمت في النص تناصات متتالية عمقت الرؤيا الشعرية وتواشجت مع الاستعارة فانتجا دلالة تهدف الى بيان بشاعة العدوان الذي يشنه-حفاة الضمير والآفاقون-مما أدى الى إثراء النص وجعله اكثر عمّقاً .

 والتناص ترحال للنصوص وتداخل وامتصاص ففي فضاء نص معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى ما يحرك دينامية القراءة والكتابة،ويؤكد وجود ترابط نص مع نص آخر،ويكشف عن خاصية كانت مطمورة فيه ويعد بالنسبة للشاعرة تلويناً وتنويعاً ولعباً فنياً محكماً بالأزمنة "

  تناصا داخليا وكوّن لأزمة قبلية تكررت في ثناياه لتضفي إيحاءات إيقاعية ودلالية عليه، ولتوحي بالإنذار،وتعبر عن حالة التوتر التي يعيشها الإنسان زمن انتظار الخراب..ولكن متى تُخرج الأرض مكوناتها ؟ويخرّ الباطل صريعا..؟!

 ألا يعد هذا النص تناصاً مع الآية القرآنية الكريمة،{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ }النساء157

" إذا زلزلت الأرض زلزالها .واخرجت الأرض أثقالها ،وقال الإنسان ما لها "إنه مشهد من مشاهد يوم القيامة فالأرض تخرج ما فيها من معادن ومياه وصخر وذلك بسبب تكرر الانفجارات الناشئة عن اضطراب داخل طبقاتها وانقلاب أعاليها أسافل وأسافلها أعال.

لكن ارض النص تعاني من اعتداءات تؤثر فيها حدّ النزف..فماذا تنزف الأرض ؟ 

إنها تنزف..

هذه القصيدة -الموجعة-صاغتها الشاعرة التونسية الفذة د-فائزة بنمسعود بحس عال،ولغة شائقة،وأسلوب سلس،يعكس مدى شاعريتها وإحساسها المرهف بالتعامل مع الجملة الشعرية،والتحليق في المعاني بشكل مدهش..

فالشاعرة تنشد زمنها,و تمسك بجذوة الشعر المقدسة في اللحظة التي ستنمو وتغدو قصيدة كما لو كانت تخفق بجناحي الخيال،فالروح الشاعرة لم تكن سوى همسة أو نسمة تتسلل بين الكلمات لتستقر على شجرة القصيدة،و هي في شبه حلم يفيض عنها،فيصل الى إحساسنا شعورها الواثق باليقين في قدراتها وفي معرفتها وتجربتها،أن هناك جزء أصيل فينا ينشد الخلاص أيضاً في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة وتسلّل من فجواته عدو لئيم يكشّر عن نابه الأزرق المتوحّش ليقطف بنهم شديد..ووحشية قروسطية رأس أيقونة فلسطين..شيرين أبو عاقلة..

الشاعرة د-فائزة بنمسعود تحمل فكرا راقيا يبني ولا يهدم،ويعلو بالروح ولا ينزل بالنفس، قصيدة مؤثرة صادرة عن نفس امتلأت عاطفة فياضة بالأمل والتفاؤل،واليقين بالنصر المبين..قصيدة ثائرة،رافضة ومتمردة على خنوع عربي مخجل قرّبنا من هوة العدم حيث غدونا منها على الشفير..قصيدة تجمع بين جدلية الألم وجمالية الأمل،لا تقف عند الواقع بل تتجاوزه للمستقبل،المشرق بنور فلسطين الشامخة شموخ الرواسي أمام العواصف،حيث تمزج بين الجلال والجمال،جلال فلسطين،وجمال النص الشعري.ولا ريب أن تجربة فائزة الشعرية،تميزت بجُملة من السمات التي تجعلها في الريادة،وتسمح لها أن تكون نموذجا يُقتدى به في الأدب العربي..

هذه هي فلسطين غدا التي تفوح عطرا من دماء الشهداء الذين طهروها من أدران المغتصبين والمحتلين،وهكذا تنتقل شاعرتنا-فائزة-من واقع مرير إلى غد مشرق،ولا تقع فريسة للتشاؤم الرومنسية،أو سلبية الواقعية،وهي بهذا تسهم في ترسيخ الأدب العربي الذي يزخر بالتفاؤل والأمل،والذي يتخذ من الواقعية انطلاقة لبناء واقع أسمى وأرقى.

قصيدة الشاعرة هنا لا تحمل جوانب فلسفية أو فكرية غائمة، وانما تحمل الشفافية على مستوياتها كافة،كي تعبر عن مشاعر وأحاسيس صادقة،اذ مثل هذه المشاعر تؤثر على مستويات عدة من ابناء فلسطين وأبطالها،لذا نرى عشقها للقضية ( القضية الفلسطينية بكل تداعياتها) يتفاعل تفاعلا واسعا،حيث تسير المشاعر والافكار مع من يبنون اسس قوية للشخص ومن بعدها الشعوب،كي تنقشع الغيوم،ويصير الموت حياة فاعلة من اجل الوطن.لأن ارض الشعوب الثائرة تبني وتشيد صروح المجد،وتديم الاريج المنبعث من الجراح، فالشهداء حروف شاهدة من أبجديات الوطن للزمن وهو يلتحف صورة الخنادق من اجل ان يبني الآخرون ابراج الحياة.

لم يعد لدي ما أضيف..سوى تحية أسوقها بمحبة ورقي لهذه الشاعرة التونسية الفذة د-فائزة بنمسعود.


محمد المحسن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق