السبت، 23 مارس 2024

أقصوصة: التحاق بقلم الكاتب منصف الصالحي

 أقصوصة: التحاق

🌺
مات زوجها منذ عامين،فالتزمت بحياة صارمة،فهي لا تخرج الا لقضاء حاجات المعيشة الضرورية مرة كل بداية الشهر،وامتنعت عن استقبال أيٍّ كان في بيتها وبحكمة الصابرين كسرت هاتفها. واتخذت لحياتها شكل الحلم لكنه الحلم الذي أوقف حركة الزمن فلا تدور عقاربه الا الى الخلف. وطّنت نفسها على العيش رفيقة نفسها وحدهما ،وكانت تواسي قلبها المكسور وتعده بالخروج قريبا الى حديقة شاسعة تنام في إحدى ضواحي المدينة حيث هناك أشجار خضراء لا تسقط أوراقها لأن الزمن هناك مكسور الأجنحة عاجز عن الطيران وهناك زهور وورود تتنهد طوال ليال صافية سماؤها تزيّنها نجوم ضاحكة متراقصة حتى ساعات الفجر الاولى حين تؤوب الى بيوت خلف الأفق المنفتح على نافذة منزلنا، وحين تغفو هذه الورود مستسلمة لمشاعر حبّ خالدة فإنها تستيقظ مع شروق الشمس متفتحة وقد غسلت وجناتها قطرات الندى المنعشة.
ولكن قلبها أمعن في نداءاته فارتدت هذه الأرملة الشابة ثوبا يبدو تقليديا فهي تحتفظ به من حياة فقيدها وخرجت تشقّ الشوارع والأنهج الخالية بعد غروب الشمس من المارة تقود خطواتها دقات قلبها المتسارعة الى حديقة في إحدى ضواحي المدينة. وقف الطريق فجأة فاذا هي أمام باب حديدي كبير فدفعته بيد متوجّسة ودلفت والتفتت ذات اليمين فلم تر أحدا ثم الى جهة الشمال فالتقت عيناها فجأة برجل في متوسط العمر كان قد استيقظ للتوّ لما سمع صوت صرير الباب، وقفت مترددة وكان قلبها يرتجف لين ضلوعها ولم تدر ماتقول،فقال لها الرجل مرحّبا واصلي طريقك في هذا الممر بين الزهور،هناك ستجدين ضالتك.فانقادت السيدة شاكرة وهي تتعثر بدون سبب والعرق ينز على جبينها وبلغت آخر الممر فإذا بزوجها فقيدها بقامته الفارهة وعينين باسمتين في استقبالها،فسارعت وارتمت في حضنه وهو يقول بنبرة المعاتب "لماذا تسرعت في القدوم ،كان عليك ان لا تأخذي جرعات زائدة من ذلك الدواء المهدّىء." فردت عليه هل كنت مخطئة إذن في اللّحاق بكَ؟". فاحتضنها بكل عنف وهو يلثم فمها، غاب في منعرج بين الاشجار الخضراء التي لا تسقط أوراقها. 🌺
منصف الصالحي
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق