الجمعة، 25 أغسطس 2023

عن سورية الشامخة..أتحدّث.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 عن سورية الشامخة..أتحدّث..


الإمام علي بن أبي طالب لم يدفَن.على فرس أبيض مازال يجوب الأرض حتى نهايات الزمان.وكان الإمام فارسا بطلا صنديدا دوّخ جند الأعداء.سيفه كان بتّارا.

في ساحات الوغى كان الإمام علي يضرب الفارس فيشطره هو وفرسه شطرين ويتوغّل السيف في الأرض يكاد يبلغ منها الرحم والأحشاء.

كانت الأرض تتألّم وتتوجّع ويصدر عنها صوت كزفير الجحيم وهي تتوعّد الإمام قائلة:"يأتيك يوم يا عليّ"

الأرض كانت قد أضمرت شرّا عظيما،وأقرّت العزم على أن تثأر لنفسها منه يوم يموت ويقبَر في ترابها.

قتل الإمام وهو يصلّي صلاة العشاء،قتل غيلة.فكان أن بكاه أهله والمسلمون والدنيا أصابها رجف وسمع في الآفاق كلّها نوح ونحيب.

وكي لا يتمّ ما به توعّدت الأرض الإمام.كي يدرأ الشرّ الذي أضمرته،كفّنوه ووضعوه على سرج فرسه.فأنطلق الفرس الأبيض يسابق الرّيح خفيفا كفرس من أثير معجون بالنور.

الفرس سيظلّ يجوب الأرضَ حتى نهايات الزمان.

والإمام لن يترجّل إلا يوم القيامة،فيكون عدل،وتبدأ الحياة الأبدية،والموت يموت ذبحا.

كانت الزهور والورود كلها قد خلقت في الأيّام الستة الأولى التي إبتدأ فيها الخلق.

النرجس لم يكن بينها،خلق النرجس بعد مقتل الإمام.

أزهار النرجس صارت تنبت في مواضع حوافر فرس الإمام الشهيد.

كل نرجس الدنيا هو البشارة،وهو الأمارة على أنّ الفرس مازال يجوب الأرض ملتحفا بالغياب يتراءى وبإلكاد يرى.

هكذا حدثوني عندما كنت في عمر الصبي عمران دقنيش*،وأنا رأيته،رأيت الفرس يمرق في الأيام الشتائية الماطرة حين السحب تترجّل على الأرض ضبابا،كثيرا ما كنت أراه.

هذه حيل المتخيّل الجماعي في تمجيد الحق ومن ناصروا العدلَ.ولكني رأيته في طفولتي الشقية يمرق بين الهضاب والجبال.

ويبدو أنه كان هناك في حلب.

أنا محمد المحسن المقيم في الشمال الإفريقي،أنا الذي ذهبت ورأيت أعترف أنني هناك في سوريا،رأيت الوجعَ ربانيا،ورأيت الفعل رسوليا.

وأعترف أيضا بأنّ ما رأيته في بيوت العزاء وفي المستشفيات والشوارع،ليس شهادة واستشهادا فحسب،بل هو حدث عبور للحدود الفاصلة بين السماويّ والأرضي،بين ما هو بشريّ وما هو ألوهي.

ثمّة فسحة أمل في دياجير هذا الليل العربي.

خطوة بإتجاه الطريق المؤدية،خطوة..خطوتان ومن حق الصبي الحَلبي عمران دقنيش أن يواصل الحلم..

ولتحيا الحياة.


محمد المحسن


*عمران دقنيش (2011) طفلٌ سوريٌّ ظهر يوم 18 أغسطس/أوت 2016 في وسائل الإعلام المختلفة ووجهه ملطخ بالدماء والتراب،وكان وجهه مذهولا،ولاقت الصورة انتشارًا واسعًا في العالم.كما لاقت رواجًا بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بسبب براءة عمران واحتراف المصور لالتقاط الصورة،والعاطفة التي ألمَت بكل من شاهده،حتى أن مذيعة قناة سي إن إن بكت أثناء تقرير صورة عمران وأثارت الصورة ذكرى الطفل آلان الكردي الذي وجدوه على شاطئ في تركيا بعد غرق مركبهم.

 أطلقت عليه نيويورك تايمز لقب الطفل الذي أصبح رمزا للمعاناة حلب.. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق