الجمعة، 14 أبريل 2023

منتدى الفكر التنويري التونسي يحتفي بالكاتب المناضل جلول عزونة بمشاركة مجموعة من الباحثين والأكاديميين والأدباء/ بقلم الأديبة نعيمة الحمامي التوايتي

 منتدى الفكر التنويري التونسي يحتفي بالكاتب المناضل جلول عزونة

بمشاركة مجموعة من الباحثين والأكاديميين والأدباء/ بقلم نعيمة الحمامي التوايتي
ومض الموسم الثقافي الجديد لمنتدى الفكر التنويري التونسي في عامه السابع حين انطلق نشاطه الاحتفالي بالأدب التونسي وبمبدعيه في مسامرتين رمضانيتين مساء الاثنين3 أفريل والثلاثاء 4 أفريل. مسامرتان احتفاليتان بالكاتب والمناضل جلول عزونة عضو بيت الحكمة ومؤسس رابطة الكتاب التونسيون الأحرار.
ورئيسها
أقيم للقاء بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بحضور ثلّة من نساء ورجال الفكر والثّقافة بتونس
تقوم الندوة على مجموعة من المداخلات أتى فيها الحضور على أبرز محطات المسيرة الأدبية والنضالية
للدكتور جلول عزونة وسلطوا المجهر على أهم الخصال الإنسانية لهذا الكاتب المتفرّد.
انطلقت احتفالية التكريم بتنظيم معرض وثائقي يتضمن صورا تؤرخ لمختلف فترات حياة جلول عزونة الأدبية من خلال أغلفة كتبه الى جانب صور توثق لعديد الأنشطة والندوات والاستضافات الثقافية واللقاءات التلفزية التي كان فيها الكاتب ضيفا محتفى به وبأدبه. كما احتوى المعرض على مجموعة صور شخصية سي جلول، منها صور بالألوان وأخرى بالأبيض والأسود تعود الى بدايات حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وتوثق بعض لقاءاته بالمناضل والكاتب جلول عزونة.
المسامرة الأولى يوم 3افريل التي أدارتها باقتدار المبدعية فوزية ضيف لله. تقوم على مداخلات مسعودة بن بوبكر المعنونة ب"جلول عزونة كاتبا وباحثا" ومداخلة ثانية لحسن بن عثمان عنوانها "جلول عزونة الذراع الموشومة" وتقدم منى الماجري مداخلتها "سيرة الوطن، سيرة الذات في العار والجراد والقردة" وتختتم فعاليات اليوم الأول بمداخلة الميداني ابن صالح
"جلول عزونة الطلائعي الشجاع والمثقف العضوي"
تواصل فعاليات الندوة في مسامرة رمضانية ثانية يوم 4 أفريل ادارتها بنجاح المبدعة مهى عزوز وانطلق بمداخلة لنعيمة الحمامي التوايتي "جلول عزونة سيرة رجل وذاكرة وطن"
ويشارك الشاعر منصف الوهايبي بمداخلة " نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب: أدب الجنس والمرح". أما المداخلة الرابعة تقدمها هيام الفرشيشي وعنوانها "رواية وعي الذات وتهشيم المرايا" وتختتم فعاليات الندوة بمداخلة لعبد الرؤوف العفيف المعنونة ب"قراءة في كتابات جلول عزونة القصصية " ثم كلمة للكاتب المحتفى به جلول عزونة..
في كلمة افتتاحية،أشار الكاتب الصحفي محمد المي رئيس المنتدى إلى "أن هذا اللقاء يندرج في إطار الاعتراف بأعلام الثقافة والأدب التونسي، ومزيد التعريف بمنجزاتها وتوثيق أبرز جوانب مسيراتها". ولخص بإيجاز صفات المحتفى به ضيف المنتدى د. جلول عزونة قائلا عنه " أنكر ذاته وعرّف بالآخرين، فاخترنا أن نعرّف به ونحتفي كما احتفى هو بمنجز غيره ". رجل تراكم إنتاجه الغزير والمتنوع. فقد كتب في النقد الأدبي والبحث والتحقيق وفي السرد الطويل والقصير، وفي تاريخ المدن وهو مجال تميز جلول عزونة في كتابته، فأصدر فيه ثلاثة كتب خصصها لمسقط رأسه عاصمة الدخلة مدينة منزل تميم من ولاية نابل. مدينة أخرجت عدد مهمّ من الأعلام في الفكر والثّقافة في تونس
وقدم الإصدار الجديد الذي يجمع مداخلات الندوة الاحتفائية بالكاتب جلول عزونة ، وهو الإصدار عدد 24 الذي ينشره المنتدى منذ بدء نشاطه سنة 2017 . نشاط احتفالي يتواصل كما ذكر محمد المي الاسابيع المقبلة في سوسة ليحتفي بالكاتب مصطفى الكيلاني، وتباعا سيكون الاحتفاء بكل من الشعراء,
آدم فتحي ويوسف رزوقة وفضيلة الشارني، وفي الجهات ينتقل المنتدى ليحتفي في مدينة عين دراهم بالراحل الطاهر الخميري في الذكرى الخمسين لوفاته، قبل أن تختتم سلسلة اللقاءات التكريمية للعام الحالي بلقاء مخصص لعبد الرزاق كرباكة ويكون بذاك الكتاب رقم 30 في سلسلة منشورات منتدى الفكر التنويري التونسي.
على معلقة هذا الاحتفاء وبرنامجه، اقترن اسم جلول عزونة بعبارة " المتيم بعاصمة الدخلة " وفي هذا ىالترميز عميق ، نظرا للعلاقة المتينة التي تربط الكاتب جلول عزونة بعاصمة الدخلة، مدينته منزل تميم التي تغنى بها شحرور الخضراء يوسف التميمي حين انشد مع المختار حشيشة:
"قالو لي على الشّهلَه تغني وإلٌا بحب الغنجة تهيم
قلتلْهم بغرامي وفني انغني على بلادي منزل تميم".
"مدينة منزل تميم " كانت حاضرة بامتياز لا فقط في وجدان المحتفى به وكتاباته، بل كذلك من خلال مداخلات المشاركين في اللقاء.
جاء في المداخلات انّ
."جلول عزونة كاتب وباحث مهوس بالأرشفة شعاره في ذلك "الحرية كتابة ومواجهة، بحثا ورصدا
وهو "الذراع الموشومة " ,معارض حقيقي رافض للاستبداد ومقاوم له ولا تعنيه السلطة ولا يحلم بها. جلول عزونة من أدباء الطليعة الشجاع والمثقف العضوي"سيرة رجل وذاكرة وطن.
تحدثت مسعودة بن بوبكر عن إبداعات الرجل وعن المناخ الأدبي السائد في الستينات والذي أثر في كتاباته التجريبية، خاصة في بداياته مع مجموعته القصصية الأولى " ويبقى السؤال " وكذلك " الحبّ والخبز والهذيان " التي طرح من خلالها قضايا مصيرية وتناول أيضا العلاقات الإنسانية والفن والحرية والحب من المحيط القريب إلى العالم الرحب
مبدع متعدد التجارب كتب بلغة سلسة قريبة من شخصياته, استعمل اللهجة العامية في
بعض المواضع من مدونته الإبداعية. كما أن مناخ الكتابة عنده " قوامه الحكاية، ينتقيها من مهد البساطة ويقتنصها من يم الصراع الإنساني ". مدونة تنبئ عن صاحبها في مواضع عديدة من خلال تجاربه ومواقفه التي نستقيها من خلال نصوصه. ويبدو ذلك جليا في الكتابين اللذين أفردهما للذات وهما " محنة السجن أو عروق الحرية " ومذكرات " ريح الحياة ويكتشف فيهما القارئ تجارب الحياة التي عاشها جلول عزونة بقبعاتها المختلفة : الكاتب والباحث والمترجم والمدرس الأكاديمي والسياسي والمناضل الحركي والنقابي والمشارك في الحياة الفكرية وهو العضو بالمجلس العلمي بأكاديمية بيت الحكمة.
كتب الرواية والقصة بل هو باحث في التاريخ والفن والتراث والفكر والحضارة، وقد صدر له في هذا المجال " منزل تميم تقارع الاستعمار " و "منزل تميم عاصمة الدخلة".
كما كتب عن الموسيقى وله دراسات في الأدب الشعبي التونسي حيث كتب عن سيدي بن عروس وعن سيدي احمد بن بوبكر وكذلك عن تاريخ قبيلة المعاوين في الوطن القبلي من العصر الوسيط إلى العصر الحديث.
مؤلفاته تعكس تجاربه الحياتية ومواقفه في الإبداع والفكر والسياسة والمجتمع وتؤكد أن الإنسان هو محور اهتماماته، الإنسان من عمق التاريخ إلى الوقت الراهن شعاره في ذلك الحرية أولا وآخرا، كتابة ومواجهة، بحثا ورصدا ودفعا. قاوم بورقيبة من أجل الحرية. ووقف في وجه ابن علي , أيضا من أجل الحرية ورفض اليد الطولى كذلك من أجل الحرية. فكان أوّل سجين سياسي في العهد النوفمبري. وكل أوّل من وصل أمام أبواب وزارة الدّاخلية ذات 14 جانفي 2011 كذلك من أجل الحرية.
إصداراته تكشف ما قام به من تحقيق وتوثيق.
وتكشف أيضا اهتمامه الكبير بجمع الدراسات والمقالات ونشرها.
جانب أكّدت عليه الأستاذة الشاعرة نعيمة الحمّامي التوايتي في ورقتها التي قدمتها في المسامرة الثانية والموسومة ب" جلول عزونة سيرة رجل وذاكرة وطن"، رجل مهوّس بالتوثيق والأرشفة إلى درجة تحويل بيته إلى مخزن متوحش للكتب، مكتبة تخزٌن أطنانا من الورق وآلافا من الكتب والمجلات والجرائد تعود أصول بعضها إلى الحقبة الاستعمارية.مخزن للكتب يستغيث ليرى النور. من يستجيب؟ ما هو مصير هذه الذاكرة الوطنية إذا كانت ظروف الحفظ تحتاج إلى رعاية المختصين في علم الأرشفة والتوثق والرقمنة. هل لوزارة الثقافة أن تهتمّ بالمكتبات الخاصة وتحفظ هذا الأرشيف من التلف والذاكرة من النسيان. أرشيف يحتوي على أكثر من 35 ألف جريدة أوّلها يعود إلى تاريخ 26 جويلية 1957 . ذاكرة جمْعية حفظها لا يكلّف وزارة الثقافة ومؤسّساتها شيئا. أضافت الباحثة نعيمة الحمّامي التوايتي.
أمّا الكاتب حسن بن عثمان فقد بيّن في مداخلته,
أن "جلول عزونة شخصية متفرّدة. هو معارض حقيقي لا تعنيه السلطة ولم يكن حالما بها. كان يمارس السياسة كهواية وليس كاحتراف"لم يكن يعمل من أجل أن يكون سلطة سياسية رغم انه كان فاعلا خفيا في السلطة الثقافية. كما أنه لم يكن ملهوفا على مغانم السلطة والسياسة ". وذكر بأنه كان من شباب الطليعة في ستينات القرن الماضي إلى جانب عزّالدين المدني، وكيف كان ملازما لمحمود التونسي والصادق شرف لكنه كان متفردا عن الجميع.
أشار أيضا إلى العلاقة المتينة التي تربط جلول عزونة بمسقط رأسه،
ووصف جلول عزونة بأنه "رجل سمح لا تعنيه الجهويات يرفض قبح الممارسة وتسلط السلطة، هو الرجل الذي كان ومازال الوجه الأخر لسلطة ناعمة ممكنة، كما كان ومازال رجل تحرّر وتحرير للرقاب وللعقول وللأفق البشرية"
واعتبر الأديب عز الدين المدني في مداخلته انّ جلول عزونة طليعي، شجاع وجريئ في العمل الثقافي والفكري، معتبرا أن الجرأة هي شرط أساسي من شروط المثقف العضوي، وشدّد على أن جلول عزونة " تنطبق عليه شروط المثقف العضوي " وأشاد بخصاله، فهو يتميز بالصدق والأمانة ويقول آراءه بطلاقة دون مواربة . كما ذكّر بمبادرته بتكوين جماعة في الثقافة العضوية الاجتماعية " فهو من المبادرين ولم يكن أبدا في آخر القافلة "، قائلا: " إنه يفتح الأبواب والعقول والآذان والألسن". مضيفا أن جلول عزونة يعمل بجد ولا يفاخر بما يقوم به رغم أهميته. يقول المدني : " باختصار هو درجة أخرى من المثقفين".
وبتأثر كبير عانق المدني عزونة صديقه منذ عقود، قائلا:
"نحن من جيل استطاع أن يقدم أشياء كثيرة سيحكم على قيمتها بعد سنوات".
جلول عزونة :"سيرة وطن وسيرة الذات""وعن
اختارت الشاعرة والأديبة منى الماجري وكذالك الروائية الأديبة هيام الفرشيشي أن تتحدثا عن جلول
عزونة انطلاقًا من كتابه " العار والجراد والقردة " كل من زاوية نظرها فوقفنا معهما على:.
سيرة وطن وسيرة الذات " مع السيدة منى الماجري"
، فجاء الكتاب وثيقة تاريخية عن حقبة مهمة من تاريخ تونس المعاصر في مستوييه السياسي والاجتماعي. فالكتاب تضمن سيرة كاتب تقدمي عاش حلم الكرامة والاستقلال فخُذل تقول منى الماجري. "الاستقلال أصبح عبئا ثقيلا على المواطنين بعد ان كان حلما'". وقد تناول في الكتاب " كيف تحول الحكام إلى جراد يأتي على الأخضر واليابس وأضحى الشعب قردة في حفلة الحكام بعد أن ناشد العزّة والكرامة وقدم التضحيات
وتقول هيام الفرشيشي:
" شغلت شخصيات الرواية قيمة الحرية في بيئة سياسية واجتماعية تقيّد أصواتها وتفكيرها.... فلا اللون الواحد يُغويها ولا الرأي الواحد يستهويها " تعيش عناء الفقر والتهميش في فترة الاستعمار فعاشت الخيبة والتهميش ذاته والاستبداد زمن الاستقلال تقول :" جلول عزونة شخصية لا يمكن أن نفصل منها جانبا واحدا، فهو المبدع الذي يتفرّس في أعماق الشخصيات في كلّ تلويناتها حين يغمرها النور، أو تشرق في الظلام، أو تتنصّل من ظلّها كلما اختلط الخيال الداكن بالنور فتعيش حالة هجينة تمجها النفس. وهو الأكاديمي المجدّد الذي يثور على الرواية المحافظة على شكلها. وهو اليساري الذي صدّر روايته بتصديرات متعدٌدة لشاعر الطليعة الطاهر الهمامي، حتى خلنا أنٌ هذه النصوص السردية هي بمثابة الترجيع لما كتب الهمامي وان الإيقاع الطاغي عليها يستمدّ انسجامه منها". وتقول في خاتمة مقاربتها:
" "العار والجراد والقردة" رواية لا تخلو من سخرية ماكيافيلية تصمّ صاحب السلطة بالزحف وعدم النضج والتنّكر لقيم التفكير والتنوير".
أما الشّاعر منصف الوهايبي فتناول في "نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب: أدب الجنس المرح" لاحمد التيفاشي مخطوط حقٌقه جلول عزونة وبين أنّه " ليس من مشاغله في هذه المقاربة أنْ يفصّل القول في:
* التحقيق الذي قام به الدكتور عزونة و"وصفه بالقوي المُمْتع "الذي بذل فيه المحتفى به جهدا لا يخفى وهو المُتَمَتْرِسُ بآليات عمل علمية متنوعة.
*" ولا في أبواب النزهة وفصولها الإثنا عشر بابا...."
و"إنٌّما ألتقط منها ما يمتّ لأدب الجنس " المرح"" كما عنٌى له أن يسميه وهي المسألة التي طرحها احمد التيفاشي منذ الباب الأول للكتاب. ف"المداعبة والملاعبة... والمؤانسة والضحك..... والنوادر التي تنضوي كلها إلى وظيفة الحسن النافع أو الممتع فموجودة في كل أبواب الكتاب" واضاف :
" لكن ان يتمّ النظر في قصص الجنس عند العرب بغرض تخصيصهم بهذا الأدب دون غيرهم من الأمم فلا, لأنّ الأمر يتعلٌق بتجربة إنسانية كونية مفتوحة لم يكن فيها السّبق للعرب ولن يكونوا فيها حلقة الاختتام لكن ذلك لا يمنع أن لهم رؤية للجنس مخصوصة بخصائص حضارتهم ومطبوعة بطبائع بيئتهم" ويقول الدكتور الوهايبي هذا مبحث "سبقه فيه بعض الكتّاب والمفكّرين العرب سعيا إلى بيان منزلة النصّ الغرامي العربي من الخطاب الغرامي الكوني"
و تحدّث الأستاذ عبد الرؤوف العفيف في "قراءته في بعض أعمال الدكتور عزونة القصصية", تحدّث عن بعض خصائص الكتابة القصصية عند المحتفى به من خلال نماذج من إنتاجه القصصي " لمواكبة ما كُتب عن الدكتور عزونة وسيكون ذلك إما باستنطاق نصوصه والدخول في ثناياها واستجلاء خفاياها شكلا ومضمونا مثال ( أقصوصة " واقع شاب"و " زهرة") أو بإبراز جدّة البعض منها وطرافتها( " نارسيس الأمس" مثلا) أو بملامسة شخصية الكاتب ومسيرته الثرية من خلال " ريح الحياة" ".
فجلول عزونة كاتب طليعي, طلائعي غاص في أعماق واقعه النفسي والاجتماعي بعين واعية، نقدية ومسؤولة... وتحمّل مع جيله رسالة فكرية واضحة المواقف دون الإغراق في بحوث شكلية كما بين الدكتور محمود طرشونة في كتاب " تاريخ الأدب التونسي الحديث والمعاصر. فجيل الدكتور عزونة جيل طوّر الفن القصصي التونسي ولو بطريقة محدودة.
قسٌم الأستاذ العفيف مقاربته إلى أربعة أقسام:
1/ الذّات والذّاكرة أصلان من أصول القصّ
2/ الفتى المحبّ والطفل المعشوق.
3/الشّاب الباحث عن المعنى
4/ مسيرة مثقف من خلال مذكّراته " ريح الحياة"
إنّ البحث عن المعنى يناسب التطور الفكري للكاتب وهذا جانب آخر للكشف عن الذات في عمقها الفكري والجمعي
* الذات والذّاكرة أصلان من أصول لقصّ:
حث تكون " الأنا متجلّية صريحة تعبّر عن أفعالها وأقوالها بصورة مكشوفة. فالذات هي مصدر الأحداث حتّى وإن لم تكن ذات الكاتب فهي ذوات قريبين منه. في مجموعة" عشقي لمن يبقى؟" مثلا كذلك أقصوصة "هبال", " واقع شاب"," زهرة", " نرسيس الأمس",
فعالم جلول عزونة هو عالم الذاكرة يستمد منها مواضيع أقاصيصه فتكون " أناه" هي المتجلية وهذا لا يعني غياب ضمائر أخرى كضمير الغائب المتواتر وحتى ضمير المخاطب. لعبة الضمائر قائمة في كثير من قصصه وحتى أن عددا من الشخصيات تتخفى وراءها الأنا. فهو يستوعب ذاته وعائلته و بيئته ومجتمعه لكنه لعب لعبة التجلّي والتخفّي:
التجلّي / الأنا
التخفي/ الهو
"أقصوصة " واقع شاب" من "ويبقى السؤال؟"مثلا, موضوعها الحبّ من طرف واحد. يقول كان لي فتحا جديدا لمحاورة النفس" كثّف في وصف حالته النفسية وتجلّى ذلك أسلوبيا في التراوح بن الأسلوبين الإنشائي والخبري دلالة على حالة الاضطراب وكانت الجمل الاستفهامة هي عماد الأسلوب الإنشائي جمل تواترت في كامل النص "تتدفّق تدفّق مشاعر المُحبّ وتتلاحق تلاحق أنفاسه وتتكثّف كثافة حيرته". تنقع هذه الجمل الاستفهامة أحيانا ليحلّ محلها الأسلوب الخبري فيكون السرد والوصف. جمل استفهامية عاضدها معجم الارتباك " تتسارع دقات قلبه ويعلو وجهه الاحمرار". إنّها "الصدمة التي أحدثتها تلك الفتاة بهذا الفتى الذي لازال صغيرا". تخفى الانا" السارد وراء " الهو" وجعل منها مطية حتى يتخطّى قيود مجتمع محافظ فوجد الحرية في تشريح اناه في حمييميتها.
استعمل الكاتب تقنيات مختلفة في السرد:
-كتقنة " الفلاش باك" في أقصوصة " زهرة" التي بناها الكاتب على التقابل البين بين الشخصيتين الرئيسيتين : "زهرة": " الهي" الشخصية الفاعلة بحكم نضج جسدها الجميل ووعيها بالحبّ والجنس فقامت بما قامت به بلهفة ونهم وشبقية كبيرة وبين شخصية مفعول بها ساق لها القدر هذه التجربة في مرحلة مبكرة من سنّه
- الانطلاق من جزئات اليومي البسيطة لإثارة قضايا عميقة فهو لايبني أقصوصته على التشويق والحبكة القصصية وغيرها من مقوّمات القصّ بل يكون الحدث العادي قادحا مثال أقصوصة " نارسيس الأمس" فالحدث القادح للسرد هو حلاقة الذقن , حدث يومي ولّد حوارا باطنيا وجوديا حول ثنائيات القبح/الجمال و الحياة/الموت موظّفا اسطورة" نارسيس".
إنّ البحث عن المعنى يناسب التطور الفكري للكاتب وهذا جانب آخر للكشف عن الذات في عمقها الفكري. يبدو ذلك بكل وضوح عندما كتب عمله السيري من خلال مذكرّاته " ريح الحياة " الذي يتماهى مع ريح الحرية. فالأنا لم تتوارى والأسلوب تقريري توثيقي أحيانا.
قسّم الكتاب إلى فصول استهلّت بفواتح من الشعر العرب وظّفها ولمّح بها لطور جديد من مسيرته. فصول اختصرها الأستاذ العفيف في مرحلتن كبرتين:
1/ مرحلة التلقّي
2/ مرحلة النضج الفعلي
-مرحلة التلقي هي مرحلة النشأة والتكوين.
النشأة في تربة وطنية انغرست فيه منذ الطفولة بحكم الانتماء الدستوري لعدد من أفراد أسرته ونضالهم ضدّ المستعمر.
التكوين المعرفي العلمي منذ دخوله المدرسة الإبتدائية ببلدته وصولا إلى الصادقية فالجامعة فالسربون وانخراطه في المنظمات الجمعياتية الثقافية والسياسية.
-مرحلة النضج والرفض: تبلورت في انخراطه في المنظمات الوطنية كانخراطه في الشبيبة المدرسية على النطاق الوطني واشتراكه في الاتحاد العام لطلبة تونس ومساهمته في النضالات الطلابية عندما التحق بدار المعلمين العليا وحضوره أحداث ماي 1968 بباريس. ثمّ القطيعة مع الحزب الحاكم والمواجهة مع السلطة. كما سجّل في مذكراته أحداث الثورة يوما بيوم.
الأهم أنّ" ريح الحياة" لم يكن متوقفا على الكاتب ذاتا فردا بل كان ذاتا جمعا هو سيرة شاهدة على مراحل تاريخ دولة الاستقلال و التحولات التي عرفتها تونس وكان جلول عزونة أحد المساهمين فيها بل من المؤثرين في بعض جوانبها بحكم وعيه بدوره يقول الاستاذ العفيف.
في الختام الدكتور جلول عزونة عن شكره للمتدخلين لما تضمنته كلماتهم من ثناء لشخصه، وتحدث عن طفولته وسر اهتمامه بالقراءة، وبين أن الكتاب يحتل مكانة كبيرة في حياته بل قال ضاحكا إنه يعتبره « حبه الأول » الذي لا مجال لمنافسته. وقال إن الأمنية التي يرغب في أن يراها يوما ما تتحقق في بلادنا هي الاحتفال بالقضاء تماما على الأمية، لافتا إلى أن بعض البلدان احتفت بعدم وجود أي أمي بها، وأن ذلك على بلادنا ليس بعزيز.
حب الكتاب والافتخار به، جسده أمس جلول عزونة الذي قابل التكريم بالكرم حيث أتى محملا بنسخ عديدة من كتابه « دراسات حضارية عن تونس : أعلام – مدن – كتب » ووزعها بكل سعادة وحفاوة وكرم على الحاضرين في المسامرة
نعيمة الحمّامي التوايتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق