السبت، 1 أبريل 2023

بين وهم العبادة وحقيقة العبادة بقلم الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني

 بين وهم العبادة وحقيقة العبادة

لباحث ومتأمّل في أحوال وعقيدة النّاس أن يتسأل لماذا عامّة النّاس اقرب إلى الكفر والجحود ونكران الجميل منها إلى حقيقة الإيمان واليقين بالغيب ؟
فرغم أنّ الفطرة البشريّة تُحيل الإنسان وجوبا إلى عبادة الواحد الديّان !
فلماذا تنحرف إذن عن مسارها الطبيعي وتفشل عن قيادة صاحبها إلى مداره الصحيح ؟

1___ وهم الإرتباط :
إنّ حكم الواقع والظروف الماديّة والحياة الدنيويّة حوّلت وغيّرت عبوديّة العبد إلى ما سوى الحقّ سبحانه وتعالى وذلك بالتعلّقات بالمخلوقات وما تهوى النّفوس ، إذ لا يرجع العباد إلى خالقهم إلاّ عند الشدائد والنوائب فعند إنسداد أفقهم وعجزهم وضعفهم تراهم يتضرّعون ويستنجدون بالقوّة الإلاهيّة القادرة القاهرة .
( فلمّا ركبوا في الفُلك دعُوا اللّه مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يُشركون ) العنكبوت 65
تلك هي حال عامة البشر في التعامل مع ربّهم ولن تجد لقاعدة سلوكهم   تغييرا وتحويلا!
إنّ الأمر يرجع كلّه إلى أمورهم وأحوالهم فإذا سارت على ما يُرام وتحقّقت أمانيهم ورغباتهم وشهواتهم إستقلّوا بأنفسهم ونسوا ما كانوا عليه من تعب ونصب وعجز وضعف وحرمان وشقاء وألم فيطغى جانبهم النفسي ويتزايد غرورهم .
( كلاّ إنّ الإنسان ليطغى آن رآه إستغنى ) العلق 6-7
تلك هي طبيعة معظم البشر ولا راد لحكم اللّه عزّ وجلّ فهو أعلم بعباده وخبير بأسرارهم ونواياهم وخبايا نفوسهم.
ولكن مهما طالت الرّحلة والسّفرة وكما مشى الإنسان فوق التّراب مزهوّا بنفسه مرحا فسوف يحتويه التّراب بعد موته وفكّ الإرتباط مع دنياه الفانيّة .
إنّ النّاس عموما اقرب للكفر من الإيمان لإشتغالهم بنفوسهم ووضع تشغيلهم الدّنيوي الجاذب لخواطرهم ونفسياتّهم المتوثّبة لنيل ما يطمحون له .
وإنّ تجليات الحقّ سبحانه وتعالى قد تتعارض ولا تتوافق مع رغباتهم وما يحرصون شراهة لإنجازه وتحقيقه فيختارون بدون وعي وإدراك منهم لخياراتهم وتوجهاتهم الدنيويّة الآنية الفانيّة ،فيعتمدون على حولهم وقوّتهم ويستقلّون برأيهم ولا يهمّهم إلاّ ما أهمّهم .
إنّ مسار دنياهم مسار الهوى والنّفس والرغبات والشهوات حيث وهم التعلّق والإرتباط فمن الذّات _الأنا إلى الذّات _ الآخر ضمن صيرورة علائقية من الإنجذاب والتّفاعل والإندماج والإنخراط والمشاركة الإجتماعية والتّماسك والإستئناس بالسوى وطبعا نقيض ذلك الإستيحاش من الحقّ سبحانه وتعالى.
فوهم الإرتباط نفي وإلغاء لإستقلاليّة الذّات وزهدها وتفرّدها وفردانيتها ووحدانيتها كينونة وصيرورة لينساق عندئذ في سياق وصيرورة جاذبة نابذة لهوى النّفوس ودواعي تعلّقاتها ،ولا ينجو من كل ذلك إلاّ الناقد البصير المتبصّر الذٌي يتنزّه قلبا عن المسايرة والتّماهي مع أحوال العباد فيُزايلهم بأعماله وعيّا وإدراكا وسلوكا مناقضا للقطيع رغم مخالطتهم بقالبه وجسده.

2__ وهم العبادة وحقيقة العبادة:
إرتبطت الأمّة الإسلاميّة بحكم إنتمائها إلى الإسلام بدثار العبوديّة شكلا والإيمان بالغيب نهجا ظاهريا نظريّا في واقع أحوالهم الحاليّة .
فهل حقّقت الأمّة الإسلاميّة بإيمانها على ما هي عليه إلى ما تأمله وتصبو إليه ؟ وهل ساهم يقينها في رفع التحديّات وفقه أحوال منازلاتهم ؟
ولكن رغم الدّعاء والتشوّف إلى النصر على الأعداء لم تتحقق الأماني ولم يزيد الواقع إلا صعوبة ونقهقرا وبؤسا .
فهل ديننا دين توحيد دين الأنبياء والمرسلين والصالحين أو دبن الشّرك ووُعّاظ السّلاطين وأسيادهم السّلاطين ؟
لو تحقّقت حقيقة عبوديّة النّاس لربّهم بإخلاصهم وصدق سعيهم لانتصرت القيّم السليمة وما سام الأمّة الذلّ والهوان وألم النكبات المستمرّة.
ولكن وهم العبادة الغالب على النّفوس هو الذّي سلبها التحقق بحقيقة العبادة فلا ثمّة غالبا إلاّ الوهم وسوء الفهم ،إذ القلوب متعلٌقة بتلابيب وزخارف الدّنيا والعقول مقيّدة بقيد إبليس العقلي ،فلقد  طغت غالبا التمثّلات الماديّة والأحاسيس الشعورية الصرفة الدنيويّة فأنشغلت النفوس بما أهمّها بغلبة شواغلها ومشاغلها الذاتيّة الآنيّة وتواترت وإستمرّت العمليات الذهنيّة بأبعادها المفاهيمية ومدلولاتها الماديّة الدنيويّة .
فكيف يكون للغيب ونفحاته حضورا وقد تحيّز وتسلّط عالم الشّهادة على كل مناحي الحياة ؟!
لقد إنعدم اليقين بعلمه وحقّه وعينه وإنطمست البصائر بغشاوة الكثائف وحجاب الظلمة  فضاقت النفوس رغم رحابة وأريحيّة الحال.
لعلّ بعلوّ همّة الصادقين الأحرار سالكي طريق الحقيقة وكدحهم تقلب المعادلة الوجودية والوجدانيّة فيتغيّر ما يجب تغييره عوض سلبية المواقف وعجز وضعف الإرادة  ليتحرر البشر من قيودهم ويتخلصوا من أوهامهم فيصدقون ويخلصون ويسعون كادحين إلى اللّه سبحانه وتعالى.
( يا أيّها الإنسان إنّك كادح لربك كدحا فملاقيه ) الإنشقاق 6

الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني
10 رمضان 1444
1 أفريل 2023


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق