الثلاثاء، 28 مارس 2023

التّنبّؤات في القرآن ...* انتصار الإمبراطوريّة البيزنطيّة بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف

 ... التّنبّؤات في القرآن
...* انتصار الإمبراطوريّة البيزنطيّة
توجد في القرآن مفاجأة التّنبّؤ في أوّل الآيات من سورة  الرّوم ، والّتي تشير إلى الإمبراطوريّة البيزنطيّة ، الجزء الشّرقي للإمبراطوريّة الرومانيّة . ومذكور أنّ الإمبراطوريّة البيزنطيّة ، الّتي شهدت هزيمة كبيرة ، ستنتصر قريبا.
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
نزلت هذه الآيات سنة 620 من العصر المسيحيّ ، تقريبًا بعد سبع سنوات من هزم الفرس للمسيحيّين من بيزنطة في 613-614. وفي الواقع ، لقد تكبّد البيزنطيّون خسائر كان يبدو معها  أنّه من المستحيل حتّى أن يستمرّ وجودهم ، ناهيك عن العودة إلى النّصر. وقد هزم الرّوم البيزنطيّين في إنطاكية في 613 ، و سيطروا على دمشق ، و سيليسيا Cilicia ، وطرسوس ، وأرمينيا ، والقدس.
وكان فقدان القدس سنة614 بصفة خاصّة  صدمة للبيزنطيّين ، لأنّ الكنيسة المقدّسة  "سان سيبولكر" دُمِّرت واستولى الفرس على" الصّليب الحقيقيّ" ، رمز المسيحيّة.
وبالإضافة إلى الفرس ، شكّل الآفار ، السّلاف واللّمباردLombards أيضًا تهديدات خطيرة على الإمبراطوريّة البيزنطيّة. فقد وصل الآفار ، إلى جدران القسطنطينيّة. و أمر الإمبراطور البيزنطيّ هرقل بتذويب ذهب الكنائس وفِضّتها وجعل منها العُمْلَات المعدنيّة لتغطية نفقات الجيش. وعندما تبيّن أنّها غير كافية، تَـمَّ دمج التّماثيل البرونزيّة لإنتاج المزيد من العملات المعدنيّة. وقد قام كثير من الحكّام بثورة ضدّ الإمبراطور هرقل ، وكانت بيزنطة على وشك الانهيار.
أمّا بلاد ما بين النّهرين ،و سيليسيا Cilicia ، وسوريا ، وفلسطين ، ومصر وأرمينيا ، الّتي كانت تتبع  بيزنطة فقد وقع غزوها من قِبَل الفرس .
وباختصار ، فإن الجميع كان يتوقّع أنّ الإمبراطوريّة البيزنطيّة قد دُمِّرَت. وكان في ذلك الوقت أن نزلت أوّل الآيات من سورة  الرّوم ، وأعلنت أنّ بيزنطة سَتَسُود مرة أخرى في غضون سنوات قليلة (الكلمة العربية "بضع" تفيد عددا من ثلاثة إلى تسعة )،  ويبدو أن هذا الانتصار كان من المستحيل حتّى أن العرب المشركين كانوا يعتقدون أنّ إعلان هذا النّصر في القرآن لن يَحْدُثَ أبدًا.
لكن ، مثل كلّ التّنبّؤات الأخرى للقرآن الكريم ، تحقّق النّصر. ففي سنة 622 م، أحرز الإمبراطور هرقل عددًا من الانتصارات على الفرس واستعاد أرمينيا. وفي كانون الأوّل / ديسمبر 627 م ، وقعت معركة حاسمة بين بيزنطة والإمبراطوريّة الفارسيّة في نينوى ، 50 كم شرق نهر دجلة بالقرب من بغداد. و مرّة أخرى ، هزم الجيشُ البيزنطي الفرسَ. وبعد أشهر قليلة ، كان على الفرس إبرام اتّفاق سلام مع بيزنطة ، واضطرّوا إلى إرجاع الأراضي الّتي احتلّوها للإمبراطوريّة البيزنطيّة.
و تحقّق انتصار كامل عندما هزم الإمبراطور البيزنطي هرقل القائد الفارسي Chosroes الثّاني سنة 630 م واستعاد القدس، واستعاد الصّليب الحقيقيّ"للكنيسة سان سابولكر."
وفي نهاية المطاف ، فإن "انتصار الرّوم البيزنطيّين" الذي أعلن عنه الله في القرآن تحقّق بأعجوبة و تحقّق في الفترة الزّمنية الّتي ذكرها القرآن ، أي في "3 إلى 9 سنوات .
و كُشِفَتْ معجزةٌ أخرى  في هذه الآيات. وهو الإعلان عن حقيقة جغرافيّة لا يمكن أن يعرفها شخص في ذلك الوقت : أنّ البيزنطيّين هُزِمُوا في المنطقة السّفلى من الأرض. هذا التّعبير ،"أدنى الأرض" في العربيّة ، وقد فسّرت في معظم التّرجمات فيما بعد باسم "بلد مجاور". ولكن هذه ليست بالمعنى الحرفيّ للكلمة ، وإنّما هو تعبير مجازيّ. "أدنى"كلمة في العربيّة مستمد من 'دنا" كلمة تعني منخفِضًا مضافا إلى الأرض. ويصبح هذا التّعبير يعني "المكان الأكثر انخفاضا في الأرض".
يفضل بعض مفسّري القرآن الكريم العرب، بالنّظر إلى قربهم من المنطقة المعنيّة ، استخدموا كلمة "جار". بيد أن المعنى الحقيقيّ يشير إلى حقيقة جغرافيّة هامّة جدًّا : فحوض البحر الميّت ، واحد من المناطق حيث هُزٍم البيزنطيّون 613-614 ، هو أكثر المناطق انخفاضًا تحت مستوى سطح البحر في العالم.
وكما ذُكِر أعلاه ، فأفظع ضربة للإمبراطوريّة البيزنطيّة المسيحيّة في هذه الهزيمة هو فقدان "الصّليب الحقيقيّ" ، من القدس ، التي تقع بالقرب من شواطئ البحر الميّت.
وقعت المعارك بين البيزنطيّين والفرس في حوض البحر الميّت ، الذي يقع عند تقاطع للأراضي التّابعة لسوريا ، وفلسطين والأردن. ويقع البحر الميت ، 417 م تحت مستوى سطح البحر ، وهو أدنى نقطة من الأرض.
والأكثر إثارة للاهتمام هو أنّ انخفاض البحر الميّت لا يمكن أن يقاس إلّا من خلال التّكنولوجيا الحديثة. وفي السّابق ، يستحيل على أي شخص أن يعلم أن هذه المنطقة كانت أدنى المعدّلات في العالم. ومع ذلك ، فإنّ القرآن الكريم يؤكّد ذلك. وهذا  دليل آخر على أنّ القرآن الكريم هو الوحي الإلهي.
حمدان حمّودة الوصيّف. تونس.
من كتابي : القرآن والعلوم الحديثة.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق