السبت، 21 يناير 2023

إنّ سعيكم لشتّى/شكري بن محمّد السلطاني/مؤسسة الوجدان الثقافية


 إنّ سعيكم لشتّى

يتقابل ويتواصل ويتعارف عموم النّاس في حلّهم وترحالهم في مجالسهم وفي أماكن شغلهم في البيئة التّي يعيشون فيها في دوائر حياتيّة .
دوائر غير مصطنعة عفويّة تحيط بالنّاس لتدمجهم فينخرطوا منهمكين مهتمّين في حراك متعدّد الأوجه إجتماعي ثقافي تربوي إقتصادي وسياسي ،وهي مجال نشاطهم وحيويتهم ودينامكيتهم ومرمى لأهدافهم وتحقيق غاياتهم .
يمارس الأشخاص أدوات الإتّصال والتّواصل المختلفة وتتراءى للعيان عدة مظاهر من الإتيكيت آداب وسلوكيات التصرّف الراقي أو غيره من همج وصخب الحياة .
يتقابل ويتقاطع الأفراد في حيّز زمني مكاني متغيّر غير ثابت تلتقي فيه النّفوس بكينونتها ذاتا وصفاتا معرّضة جانبيها المعنويّ والحسيّ الماديّ للإختبار أمام وطأة وقانون اللّقاء والحضور ."la présence fait loi"
فتنسجم وتتلاؤم النّاس مع بعضها أو تتناكر وتتنافر ولو بعد حين لأنّ الذّي بين القلوب بعيد بإختلاف المصالح وتعارضها .
تحكم النّاس مصالحها الذاتيّة وتقيّدها همومها ونظرتها وتشوّفها وخوفها من المستقبل .
يسعى الإنسان في خضمّ كل ذلك كادحا ساعيا شاخصا بصره إلى الأمام مسقطا كلّ فكره مستحثّا محفّزا كل جهوده لنيل ما يصبو إليه من حظوظ ومكاسب دنيويّة فيلتقي مع من يوافقه الرأي ويعاضده سرّا أو علانيّة معنويّا أو ماديّا في سعيه وسيره وبذل جهده ويبتعد عن من يُعارضه وينتقده ويُقلق راحته ويُعيق سيره .
تُزيّن الأخلاق النّفوس الطيّبة المتواضعة فيُبارك سعيهم والكلام فيهم جميل، وتَشِين أخلاق الفاسدين طباعهم وأفعالهم وتصرفاتهم الخسيسة الدنيئة لتسقط قيمتهم وحُرمتهم وإحترامهم بإرتداد القيّم السّليمة فيهم وتدثّرهم بسقط القيّم والمتاع.
كل ما نلحظه في حياتنا الإجتماعيّة من لقاءات وتجمّعات وأنديّة تتحدّث أعضائها وأفرادها لتسرّ النجوى فيما بينها هذيانا وثرثرة وجدال يتناجون بالإثم وذكر المعايب والمفاسد .
وقليل من يلتزم بآداب الطريق والحديث فالكلّ يصخب ويعبث وهو مع لهو الحديث والسّمر في دياجي الظلم .
فكل ما نراه ونلحظه في حياتنا الدّنيا هو من قبيل الدوائر الحياتيّة التّي تتقارب في حماها ومجالها الذّوات المئتلفة نفوسها المتجانسة فكرا وأخلاقا ويتباعد ويتنافر فيها آخرون لتناكر طباعهم وإختلاف طبيعة نفوسهم وأخلاقهم مجتمعين لم يتفسّحوا في مجالسهم ليُفسح اللّه لهم مجتمعين متقابلين في دوائر أخرى تحويهم وتحتضنهم.
إنّ المصالح والحظوظ الدنيويّة تسحق النّاس وتضغط لتزيد من تنافسهم وسباقهم المحموم ومن عداوتهم وتباعدهم ونفورهم أو تقاربهم وجذبهم وتعلّقهم ببعضهم بعض.
فإذا أنكر خلّ خلّه وتلاقوا لقاء الغرباء فلا تعتقد أنّ ذلك بمشيئتهم فانّ القدر شاء وتمّ الفصل والفرز بينهم.
إنّها حكمة الأقدار وتوزّع مهام النّاس حسب قدراتهم ووظائفهم ومواهبهم وإهتماماتهم وتعلّقاتهم ومستواهم المادّي والمعنوي.
تتقابل الأشخاص في دوائرها الحياتيّة ببعديها الأساسيين المادّي الحسّي والمعنوي فتلتقي في لقاءها وتواصلها بإشباعها أو عوزها المعنويّ مع فقرها أو إشباعها الحسّي المادّي ،أوجه متعدّد لمرايا الذّات تتكشّف في عملية الإحتكاك والمحاذات .
وحسب كفاية ومهارة وعلم الشّخص ونباهته أو حماقته وسذاجته ومثاليته المفرطة وجهله تتحدّد طبيعة العلاقة بخفض وإرتفاع أو تعادل وتساوي الشخصيّة قبالة الآخر.
للسلوك والمعاشرة آداب وعلم .
والتّواصل فنّ ومن أتقن فنون التّواصل نجح في علاقاته وأوشك أن يحقّق ما يطمح إليه ويرغب.
ومن تعثّر وجهل فقه التّواصل والسّلوك البشري ليُظهر فقره المعنويّ أو الحسيّ المادّي أو كليهما فلا يلوم إلاّ نفسه إن خاب وأهِينت كرامته وسُلِب حظّه.
ومن الواجب والأكيد:
- أن يقابل العبد ربّه ويقف أمامه مطيعا راضيا شاكرا صابرا تزيّنه صفات العبوديّة من عجز وضعف وجهل وذلّ فان تحقّق بصفاته أصبغ عليه من صفاته عزّ وجلّ.
- أن يقابل الأبناء والديهم بالمحبّة والإحسان إليهم وخفض جناح الذلّ لهم ومحادثتهم باللّين والقول الكريم وإدخال السّرور والفرح إلى قلوبهم.
- أن يقابل الزوج و الزوجة ويعاشر بعضهما بالسّكينة والمودّة والرّحمة ،إنه الإمساك بمعروف.
وكذلك تُقاس العلاقات الأخرى العديدة المتنوّعة بنفس المقاييس والمعايير الإنسانيّة الراقيّة لكي تؤدّي تصرّفات النّاس وسلوكهم إلى إحترام النّفس والآخرين .
إنّ الإنسان العاقل الأديب وإن خسِر الدّنيا وزينتها ورياشها وفقد حسّ جمالها وخداعها أو إقترب أجله وحان رحيله فلا يحزن ولا يندم ولا يتحسّر على ماض مضى أو مستقبل آت لعلمه ويقينه بفناءها عاجلا أو آجلا .
فلا لذائذ وشهوات فيها تدوم لتستمر ولا راحة ولا نجاة من الموت فيها ولا سلامة من كلام النّاس.
دنيا يعيش فيها عدوّ اللّه إبليس رأس الغواية وجنوده مترصّدين أبواب الخير وزارعين الشّر لكل البشر .
أفلم يُقسم اللّعين بأن يقعد لهم صراط اللّه المستقيم؟
دنيا معجونة بالبلايا والفتن والمظالم وغالبا ما يعلو سُدّة الحُكم حكّام ظالمين فاسدين تُساندهم بطانة سوء وشرّ غاية في الدناءة والنّفاق والتملّق .
أدوات ووسائل ثقافية تربوية إجتماعية وحتى دينيّة مشوّهة الحقائق متأوّلة غادرة تزيد في إغتراب وغربة الإنسان فيُصاب بالإكتئاب وتُنهك قواه ويشقى وتُسلب عناصره الجوهريّة العميقة المتّصلة عاطفياً بوجدانه لتُبْقي أناه السطحيّة في بحر التّيه والضّياع.
ألم تتولى حضارة الأشياء وظلم البشر من أداء وظيفتها على أبشع وجه حضارة فاقدة للرّوح والقيٌم السّليمة تسببت في الكوارث والحروب وإغتراب الإنسان ونكبته ؟
فلا عدل ولا حقّ ولا جمال وطيبة أخلاق ولذلك إرتفع الحياء والبركة وشاعت الفواحش وظهر الفساد في البرّ والبحر .
معتوّر يجامل معتوّر مثله وأوهام وهذيان وصخب وضجيج ولهو وعبث .
وقليل من عبادي اللّه الشّكور صادق في قصده ثابت على مبدأه.
(ثلّة من الأوّلين وقليل من الآخرين).
وأخيرا (يرفع اللّه الذّين آمنوا منكم والذّين أوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير)
صدق اللّه العلي العظيم
الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق