السبت، 14 يناير 2023

العاطفة والوجدان العقل والإتّزان بقلم الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني

 العاطفة والوجدان العقل والإتّزان

إن سيّء سلوك وأداء البشر وضياعهم وعثراتهم وخيباتهم من إنفلات عاطفتهم ومن سذاجة وسطحية تفكيرهم ومن واقعهم المادي الضاغط
وقد يتوهّم من فكّر انه أحسن التفكير وما علم إنه قد إنحرف عاطفيا وشوّه تفكيره بفداحة غلوّ أحاسيسه وشعوره.
هؤلاء من البشر يعتقدون أنهم يحسنون صنعا إذ أنّ دائهم عويص وشفائهم صعب لتركيبتهم المعقّدة النفسيّة والذهنيّة.
كيف نفهم فشل غالبية البشر وإخفاقاتهم إذ لم يكن لمثاليتهم وحماقتهم وسذاجتهم وسطحيتهم دور أساسي في كل ما تجتنيه أفئدتهم وعقولهم ونفوسهم من حصائد أفعالهم وأوهامهم؟
إنّ العاطفة التي تتلبّس وتصبغ ذهنية الإنسان دون رويّة وإستبصار تؤدي إلى السطحيّة والسذاجة وعدم إدراك حقائق الأمور ومجريات الأحداث وأسبابها وعدم التفطّن إلى بواطنها وعللها لينحاز كالدهماء إلى تفسيرات خاطئة فلا يصيب في أحكامه وتقييمه ليخطأ في إختياراته وتوجّهاته ومآله الفشل وعاقبته الندم.
إنّ العاطفة سابقة عند الفرد منذ الصبى على إكتساب ذهنية متزّنة وعقل رصين صاح يدقّق ينتقي وينقد ويمحّص ويحصحص في الأحداث والسياقات والأنساق وذلك لأسبقيّة التعلّقات العفوية التلقائية في بيئة الإتّصال والتواصل فقد يصاحب الإنسان خليل يخاله صديق وهو حقيقة عدو في ثوب صديق وكم من مبتزّ عاطفي إستنزف قرينه وقد يصدق أخر خليله وهو في الحقيقة كذوب.
" كم من خليل لك خاللته لا ترك اللّه له واضحة
فكلهم أروغ من ثعلب ما أشبه اللّيلة بالبارحة" 1.
فإن نزع الغشاوة المسيطرة على النفس المتسرعة واجب وأكيد لصفاء الذهنية وطرد المثالية المنفلتة لحسن السير والأداء والسلوك .
فحسن السير والسلوك نتيجة إتزان وتوازن الذات والشخصية في بعديها العاطفي_الوجداني والعقلي_الذّهني.
التكيّف والتجاوز والتوجه الصحيح من نعمة العقل المتبصّر والعاطفة المستقرة غير المنفلتة وكله توفيق من اللّه عزّ وجلّ فمن إبتعد عن حماه ضلّ وأضلّ تابعيه والمتعلّقين به.
حياة الإنسان فرصة وحيدة وما مضى منها لا يعاد ولا يستردّ فلا بد إذن من إغتنامها وعدم تضييع فرص التأسيس والترميم وإعادة البناء.
المحن والبلايا والإخفاقات دروس في الحياة الدنيا لإكتساب الخبرات والإتّعاض بالتجارب.
" لا تأمنّ الدّهر الصّروف فإنّه لازال قدما للرّجال يُهذّب" 2.
ما الإدراك الحسي إلا نتاج منبّهات وإشارات العالم الحسي وكثائفه وغبشه.
إن لوثة الأحاسيس الشعوريّة غالبا ما تخطئ لغلبة الحسّ والضجيج على المعنى والصمت.
فلقد خاب من حمل وهما وحجب نافذة عقله بتكبّر نفسه وغرورها وبسطحية تفكيره وفهمه البسيط.
إن وعي الضرورة من هوامش الحسّ وآثاره وضروريات الحياة الماديّة الجسميّة ،أما وعي الكمال والإرتقاء إلى مدارج العرفان فمن إتزان العاطفة وثباتها واستقرارها وطمأنينة النفس وسلامة العقل وإفلاته من غبش الحسّ وكدوراته وإنقداح زناد الروح وإيقاد جذوتها وشعلتها.
لا تغيير لسلوك البشر إلا بتغيير النفس إذا هي قلب الرحى وبتحوّل وتغيير أدوات إستهلاكها وفعلها العقلية والقلبية والجسدية إلى مراتب الصفاء والنقاء والبهاء في مدار وحضرة الروح والقيّم السليمة.
"قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها".
فلينظر كل إنسان إلى مجال حيويّة تعلّقاته وجذبه وفي ماذا يفكّر ودائرة إهتماماته فإنّ " همّه ما أهمّه ".
ولن يفلح حتّى يقصي وهمه ويلغي هواه.
تعتبر التّجربة الصوفية الأصيلة الكادحة نحو اللّه سبحانه وتعالى السالكة طريق الحقيقة وسيلة مجديّة فعّالة بجهد الطاقة وجهاد النّفس حيث السير على أشواك النفس لمداوة عللها والسعي لإجتثاث بذور الهوى المغروسة في تربة النفس جسر العبور من حيوانيته وغرائزة المنغرزة المنفلتة المبثوثة في ذاته إلى إنسانيته وصفائه وسعادته وهنائه وروحانيته المفقودة الغائبة في عتمة وقتامة نفسه وحجاب الظلمة فتمنعه وتعيقه للتطلّع وتبيّن الحقائق والمعاني المتجليّة في الآفاق الرحبة وفي النفوس الهائمة التائهة الضائعة عن مقاصدها بتعلقاتها بحظوظها الدنيوية الفانية.
متى يتيقن الإنسان أنّ وجوده مستعار والروح فيه وديعة وعن قريب تُسْلٓبُ.
" إنّ إلينا إيابهم ثمّ إنّ علينا حسابهم"
صدق الله العلي العظيم
هوامش :
1-2 : من ديوان الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام
3_من سورة الشّمس
4_من سورة الغاشية
الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني
Peut être une image de 1 personne, barbe et intérieur

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق