الأربعاء، 25 يناير 2023

سراب ١٢/رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس/مؤسسة الوجدان الثقافية


 سراب ١٢

بعد الغداء -وبعد أن اطمأنّ أنّ زوجته فهمته واقتنعت بما رواه لها بل شجّعته على المضيّ قدما في ما نوى- خرج الأستاذ واتّجه إلى معهده رغم أنّه ليس لديه مداومة . عندما وصل اتج رأسا إلى قاعة الأساتذة حيث يلتقي زملاءه وأغلبهم أصدقاءه، قطع عنهم ماهم فيه من حديث وإصلاح تمارين.. ليروي عليهم قصّة سمير على أن يتعاونون جميعا في اتّخاذ موقف إنسانيّ والّذي اعتبره صديقنا الأيتاذ من صميم مهامّهم كمربّين كانت الرّواية مؤثّرة جدّا خاصّة وأنّ بعض الأساتذة يعرفون سميرا فهم يدرّسونه ولاحظوا تدهور نتائجه وتحوّلا كبيرا على مستوى شخصيّته وسلوكه. تدخّل أحدهم بمنطق المنطق حسب رأيه " هذه مسؤوليّة الدّولة ووجب أن نحيطها علما ونحثّ المسؤولين على حلّ هذه المشكلة بمعرفتهم" فوافقه البعض وعارضه آخرون. أمّا الّذين وافقوه فقالوا " فلنبدأ بإعلام الإدارة ولنجعلها تتّصل بالمسؤولين على الشّؤون الاجتماعيّة لتيتّ في الأمر." لكن من بين الّذي عارضوه قال أحدهم " أنتم تعرفون جيّدا أنّ هذه المسائل تأخذ وقتا طويلا أضف إلى ذلك إجراءاتهم البيروقراطيّة ممّا سيجعل مشكلة هذا المسكين تتفاقم وعندها نخسره كتلميذ نجيب وكمواطن يمكن أن يكون شخصيّة بارزة يعوّل عليها في المستقبل" وأضاف آخر " نحن حيال سباق مع الزّمن والوضعيّة لا تسمح بتأخير الحلّ فالشّاب ينهار يوما بعد يوم وربّما مجرّد لمسة بسيطة قد تعيده إلى سابق نشاطه وتعلّقه بالدّراسة..أنا أقترح أن نسعى في استخرج جواز سفر له وتمكينه من زيارة رفيقته فهذا حسب رأيي أقوم وأسرع سبيل ولن يكلّفنا الكثير ويبقى هذا رهين موافقتكم وموافقة والديه" هذا الرّاي الأخير أقنع الكثير من زملاء الأستاذ ، لكنّه مغامرة سوف يتحمّلون مسؤوليّة تابعاتهت أن استقرّوا على هذا الرّأي. تدخّلت زميلة لهم أنا لي أقارب في تلك وهم بعملون هناك منذ سنوات ويمكن أن نعتمد عليهم في أيّ معضلة. مثلا يمكن أن يستقبلوا سميرا في المطار او في الميناء ويمكنهم أن يستضيفوه عندهم في المدّة الّتي سيقضّيها هناك وانا أتكفّل بهذا الموضوع إن استقرّينا على تسفير سمير نحو رفيقته" ابتهج الأستاذ بمواقف زملائه وحتّى الّذين كانوا معارضين فقد أعجبتهم الفكرة ووافقوا عليها. عندها قال الأستاذ "ساتكفّل أنا بإقناع أبيه بعد أن أفسّر له سبب اقتراحنا ثمّ سأتكفّل معه باستخراج جواز السّفر وكلّ ما يلزم. تبقى المسألة الماديّة ، هل سنساهم نحن أم هل هناك باب قد نطرقه لتسهيل الأمر علينا؟" خطرت ببال أحدهم فكرة وهي أن يساهم كلّ منهم بما يستطيع وإن لم يكفي ذلك المبلغ يطلبون من الإدارة المساهمة بالباقي فبطبيعة الحال سيكون للمدير على علم لأنّه إن وافق على سفر سمير سيكون هو مساهما وموظّفي الإدارة أيضا إضافة إلى أنّ هناك من الأولياء من قد يساهم فقد بيّنوا ذلك في العديد من المواقف " فرح الجميع بما توصّلوا إليه وعقدوا العزم على الاتّصال بالمدير أوّلا ومحاولة إقناعه وفي نفس الوقت يقع الاتّصال بوالد سمير وإقناعه هو أيضا. استقرّ الأساتذة على هذا الرّأي و اخفاء الأمر على سمير حتّى بداية الاجراءات. في ذلك المساء يعترض جار سمير جاره في ساحة المعهد ويعطيه القرص وقال له " لقد نسيته في الحاسوب بعد أن استعملته" اضطرب سمير وقال" كيف عرفت أنّه لي" فهو يخاف أن يكون قد اطّلع عليه. ولكنّ جاره فطن فأجابه إجابة ذكيّة " أنت استأذنت أبي كي تشاهد فحوى قرصك على الحاسوب وأنت آخر من استعمل ذلك الحاسوب فهل أجبت عن سؤالك بما يريحك يا جاري وصديقي العزيز " كانت هذه الإجابة بمثابة اعتراف من لدن الجار على أنّه تصفّح القرص. هو اعتراف لأنّ جاره أطنب في التّفسير كأنّه يريد أن يتنصّل من ذنب معيّن وهذا على الأقلّ ما ذهب إليه تفكير سمير، لذلك صار يشعر أنّ سرّه انكشف ولهذا حسب رأيه وجب أن يتعامل تعاملا ذكيّا مع الجار حتّى لا يبوح بهذا السّرّ. في هذا الصّدد أصرّ على جاره أن يسمعه في موضوع سريّ رغم أنّه اقتنع بأنّ جاره كشف هذا السّرّ. " اسمع يا جاري العزيز ، قبل أن آتي إلى هذا الحيّ كنت أسكن مع امرأة فقيرة وكنت رغم صغر سنّي آنذاك سندها الوحيد. وشاءت الأقدار أن تسافر لأسباب صحيّة وأنا أكتم هذا السّرّ لأنّه كما تعرف شارعنا لا يرحم وقصّة كهذه قد تجعلني عرضة للسخرية والتّنمّر لهذا أعوّل عليك في كتم هذا السّرّ، وإذ أفشيك إيّاه فإنّني أمرّ بفترة صعبة وأردت أن أنفّس عن نفسي بهذا الاعتراف فكن إلى جانبي ولا تخذلني " عند ذلك أحسّ الشّاب الصّغير بمسؤوليّة أكثر من ذي قبل ليكتم سرّ سمير. انتهى النّقاش بين الجارين عندما وصلا إلى الحيّ وكان اتفاقهما بمثابة الالتزام. يدخل سمير منزله مهموما وكأنّه يحمل أثقالا على كاهليه لكنّه كالعادة تكتّم وحاول ان يبدو طبيعيّا مع أهله.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق