الرواية التي أبكتني
"فصول الذكريات" للأديب و الشاعر فاروق الجعيدي
عندما دُعيت من طرف الأستاذة فاتن بلعربي أمينة المكتبة العمومية بحمام الأنف لأمسية احتفاء بالشاعر الأستاذ فاروق الجعيدي تكريما للمربي المبدع في شخصه، لبّيت الدعوة بكل سرور خاصة و أني كنت التقيت الأستاذ فاروق في بعض الأمسيات الشعرية و عرفته كرجل تربية و شاعرا و لكني كنت أجهل أنه إلى جانب أنه شاعر فهو قاص و روائي. و عندما عُرضت كتبه أمام الجميع شدّ انتباهي كتاب "فصول الذكريات" لصورة الغلاف التي بدت لي تبوح بالمحتوى قبل أن نفتح الكتاب، صورة تضجّ بالكلام في صمتها، امرأة من أوراق الخريف تُسند رأسها على كتف رجل من أوراق الخريف، يحتميان بمطارية من أوراق أيضا، يقطعان دربا بين أوراق الخريف تحت تساقط الأوراق الذاوية في فصل لا يترك شكّا للناظر أنه فصل التساقط، حيث تتعرّى فيه معظم الكائنات النباتية من كسائها، و كان الكتاب من نصيبي في نهاية الأمسية.
"فصول الذكريات" رواية أبكتني.
في روايته يدعونا الكاتب فاروق الجعيدي بأناقة و ذكاء لندخل شرفة البطل و نجلس إليه و نستمع وهو يروي لنا فصول قصته، يسحبنا وراءه بين الفصول لنزور الأماكن و نرافقه في تجواله مع حبيبته من عهود الطفولة حتى سن الشباب، لنعيش معه حب الطفولة و عشق الصبا، طفلان فشابان، و لم تكن هي ليلى و لا هو مجنونها و لا هي بثينة و لا هو جميل، بل كانا شخصين مميزين، ابن العم و ابنة العم يجمعهما رابط الدم و رابط الحب، حب عذري طاهر نقي بريء براءة طفولتهما، لكن القدر لن يسبل جفنا و يدع هذين الحبيبين ينعمان بزهرة حبهما، فإذا برابط الدم وَهمٌ و حباله واهية، و يكشر القدر عن أنيابه و تهب العاصفة و تُزلزل الأرض تحت أقدامهما، ليرتفع بين الحبيلين جدار بسُمك الزمن و بارتفاع ناطحات السحاب. و يبقى بطل القصة رفيق ذكرياته يلتقيها على "صخرة الذكريات" حيث كان يلتقي و حبيبته على الشاطئ الصخري "شاطئ الذكريات" حيث كانا يمدان الخطى معا و على "الرصيف الحزين" و على "كرسي" حيث جلسا، و أبقى البطل على الذكريات و الحلم و طيف حبيبته بين الرؤى يراوده،، ليعيش يكتبها في قصائده و تلهمه قصصه و رواياته.
و قد قلتُ في البداية: الرواية التي أبكتني، فعلا عند بلوغ أقصى محطة للذكريات مع الكاتب، أبكتني قصائده لأنها بقدر روعة الكلمات و عذوبتها بقدر ما تحمل من أحاسيس و شجن ، حيث الأماكن تنطق بالذكرى، و قد أثارت تلك القصائد فيَ حنين الأماكن التي قد نرتادها لنسجّل بها محطة من محطات العمر و تبقى تسكننا بكل المشاعر التي نقشت على صفحاتها.
و قد نجح الكاتب فاروق الجعيدي بامتياز في روايته عبر المراوحة بين السرد الروائي و النصوص الشعرية مما يثير الدهشة لدى القارئ. وتغرينا "فصول الذكريات" لنقرأها أكثر من مرّة.
لطيفة الشامخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق