الأربعاء، 24 أغسطس 2022

قراءة في قصيدة "أنا الصمت" للشاعرة زهرة نابلي ثابت. بقلم الشاعر طاهر مشي

قراءة في قصيدة "أنا الصمت" للشاعرة زهرة نابلي ثابت.

 

القصيدة:

 

أنا الصمت

الخرافيّ اللامتناهي

أدثر صدى العناء

لأتوغل في الخلود..

 

أنهض من فوضى الكؤوس 

أمشي على بلور قلبي

ودوِّي الفراغ

يملأ زوايا السؤال،

أمد الخيال لسحابة

عالقة في مجرات السماء

علّها تمطر وحيا على

بقايا الأحلام..

 

أنا القابعة في حنجرة الريح

لا أملك غير صدى وجع

تنتفض له الحروف،

وليل لاواعي

إلاّ بوهم الشموس..

 

أَنا عصفورة الشجن

أسترق من كل نجم وميض لحن،

برفّة ريشة

أخطّ سطور الزمن

وأخيط من الشمس وشاحا

لصقيع السفر..

 

كلما اجتزت حزنا

تختزلني الفصول ربيعا،

أرتّق الغيم بخيط الريح

وارسم الرؤى

بجداول المطر،

لحني

أسطورة

ترقبها طفلة حزينة،

باتت على كل غصن

تعزف طقوس

السلام.

 

زهرة نابلي ثابت

 

"إذا كنت تبحث عن حقيقة ما، أبحث عنها في داخلك أوّلا"

 

طالما كان الصمت دويّا في الأعماق، يحكم داخلنا، ويشتت تفاصيلنا العميقة، آملين لحظة صمت تنتشلنا من غياهب الضجيج لنتبين الحقائق، فتتجلى الصورة التي نبحث عنها.

 

هكذا تجسدت الصورة في مخيلة الشاعرة  المتميزة زهرة نابلي ثابت، في قصيدة مرصّعة بالإبداع.

 

قصيدة " أنا الصمت "

 

لنسافر معها في صمت الوجود، هذا الذي يخلد ضجيج الذاكرة وضوضاء الحياة التي نعيشها.

 

قصيدة مليئة بالصور الشعرية، ورحلة في خفايا الذات.

 

لم تولد هذه القصيدة بدون مخاض، بل معاناة كاتب يأبى الصمت، فيكون القلم فارسا يجول ويصول بذاكرة مفعمة بالخصوبة، تروي القريحة من شتاة الحبر المنثور.

 

لقد تميزت هذه القصيدة بحسّ عالي، رسمته بصور مختلفة لتبرهن عن معاناة الأنا الداخلية، ظاهرها صمت، وباطنها صراع وضوضاء.

 

قالت:

 

أنا الصمت

الخرافيّ اللامتناهي

أدثر صدى العناء

لأتوغل في الخلود..

 

 لوحة متميزة اختزلت كل المعاناة.

يمكن للقارئ أن يتبين محتوى النص العميق بما ذكرت شاعرتنا المتميزة من دلالات ولوحات فنية رائعة.

 

تغوص بنا الشاعرة في ضجيج الذات لتعدّد شتى الصور لتبرز الضجيج الصارخ في أعماقها،

 

علّي أراها لوحات جميلة مرصعة بجمالية اللّغة وسلامة الأفكار، متجدّدة في قصيدة بلاغية منفردة، لتسافر بنا في فكرها الباطني حاملة في عبّها كل المفاتيح، لتلك المناهج المتعدّدة التي نجوبها.

 

أمد الخيال لسحابة

عالقة في مجرات السماء

علّها تمطر وحيا على

بقايا الأحلام..

 

تعالت الصرخات في ضجيج الذاكرة، لترسم الحلم الذي سعت إليه بجدية وإصرار،

 

فما تزال بقاياه في الوجود، وهنا إبداع آخر من وحي الذاكرة، تجسدت بحنكة وبلاغة لتكون اللغة أصيلة فيبرز فنّ الرسم بالكلمات وعمق الدلالات وبلاغة الخطاب.

 

لم تكتفي، شاعرتنا بنحت لوحة مبهمة التفاصيل، بل تعدّد الوصف، وتمدّدت في نحت تفاصيلها المخفية:

 

" أنا القابعة في حنجرة الريح"

" أَنا عصفورة الشجن"

 

تفاصيل لصمت طويل، وصورة فوضى في كينونة شاعرة مبدعة، تحسن الرسم، ولعبة الفرار من الصمت القاتل، لتخبرنا بوجودها الكوني ونبضها الصارخ في تفاصيل رسوم متعدّدة القراءات، لنعيش متعة الحرف وجمال القصيدة بكل تفاصيلها.

 

لقد تميز هذا النص عن غيره من النصوص، بما فيه من تسلسل للصور، وما شمل من جمال اللغة ببلاغتها وسلاستها، يحمل بين سطوره صرخة شاعرة مدوية، وقلب ينبض بالحياة،     مجموعة من الخلفيات الذاتية  والموضوعية ساهمت في بناء شخصية الشاعرة وصقلها لتولد القصيدة.

 

وشخصية الشاعرة لا تنفصل عن البيئة التي تنشأ فيها القصيدة فيكون المعجم المنتقى لنحت الصور مختار بعناية كبيرة فتصنف هذه المؤشرات المادة الخامة للقصيدة.

 

فنكتشف أغوارها بالغوص في أعماقها

ونحاول أن نرسم صورة للشاعرة

قصيدة جميلة تحمل في طياتها الإبداع يمكن أن تكون لها عدة قراءات ثرية ومتميزة.

 

فسلاما إلى قلبك ونبضك المبدع.

الشاعر طاهر مشي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق