الأربعاء، 24 أغسطس 2022

 حبوب منع الحمل بقلم الأديبة حبيبة محرزي 

 حبوب منع الحمل 

تفتح الباب تنزع جلبابها الاسود. تعلقه على مسمار دقّ خلف الباب. فراغ غريب يغرقها في أسى مقيت . أما يزال نائما؟  من عادته أن يصحو في هذا الوقت ويملأ الدنيا بكاء. قد تكون زوّدت له مشروب التنويم الذي نصحتها به مشغٌلتها الصيدلانيّة، كي لا يصحو أثناء غيابها ويقلق راحة أبيه الشيخ الستيني الذي يظل في الشرفة يعاقر الخمرة والجعّة التي يشتريها بما يفتكه منها بالعنف اخر النهار من جنيهات تتقاضاها عن المسح والكنس وغسل الاطباق والمواعين.

 .تتسمع فلا يصلها الا تجشّؤ الشّيخ وكحّه وعطاسه المفتعل .

شيخ متهدم قذفها والدها وزوجته بين أحضانه بعقد عرفيّ مهين وهي ماتزال صبية غضٌة لم تتعدً سنتها الرابعة عشرة .

 ثدياها المكوّران  ينزّان لبنا. أوجاع تخز الصدر والكتفين. ترفع بصرها إلى ساعة صغيرة على الجدار .لم يتبقّ لها الا نصف الساعة التي تمنحها لها مشغلتها بعد الظهر لتطوي الطريق جريا ترضع ابنها الذي لم يتعدّ الشهرين وتغيٌر حفاظاته..

تدخل المطبخ . يرتبك فكرها وهي ترى اكياسا من الغلال وآنية ملئت لحما على الطّاولة البلاستيكية المهترئة. قربها حفاظات وعلى الأرضية صندوق جعّة لم تنقص منه إلاّ بعض حقق.

 من اين كلٌ هذا وهو الشيخ العاطل السكّير؟ وصلها صوته المنكر المتعثر بين السّعال والتجشّؤ.

_عندك اللحم والخضار ..اطبخي لنا لقمة نأكلها. اشوي لنا اللحمة...

تصرخ وهي تغسل يديها من سطل جلبته البارحة من بيت جارتها بعد أن قطعوا عنها الماء لعدم الخلاص:

_لم تتبقّ الا نصف ساعة. سارضع منصف وأعود. ...

يقاطعها غاضبا:

_لا تعودي . لست في حاجة إلى العمل ...أنا جائع...

تمدّ رأسها تريد تفسيرا لهذا الهراء. يتامّلها وهو يلوح بحزم من الجنيهات يقبلها  من الجهتين في شبق مقيت.

يستبدّ بها الهلع . تمشي نحوه حافية في ارتباك كي لا تزعج الرّضيع النائم في الغرفة الوحيدة الموصدة .

يمدّ لها حزمة منها ثم يقول مقهقها:

_بإمكانك أن تجعلينا أغنياء، والا تعملي ابدا .تعالي جنبي نعش أيام العسل، نبدا مشروعنا المقبل .لا بد من تحسين وضعنا ...سنعيش وناكل ونشرب إن طاوعتني وكففت عن شرب حبوب منع الحمل ..تعالي في حضني. 

تشيح عنه بوجهها المرعوب. تدفع الباب الموصد فاذا الفراغ وبعض لحاف ولفائف قماط على فراش ينتحب. تنقضّ عليه وهي تصرخ:

_اين ابني؟ ماذا فعلت به؟

يدفعها بكلتا يديه حتى يشجّ رأسها على الجدار ويسيل الدم على صدرها مختلطا بلبنها الذي لن يجفّ الا بعد أسابيع من الالم والعذاب.

حبيبة محرزي 

تونس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق