الاثنين، 2 مايو 2022

من رواية ملفات حارقة للشاعرة كوثر_بلعابي

 .. في صباح العيد كنا نصحو على اريج قهوة أمي حين يداعب انوفنا.. فنتقافز من الفراش إلى المطبخ حيث نجدها جهزت لفطور الصباح ما يلزم من أواني أنيقة خاصة بيوم العيد.. طبق التمر المحشو.. جفنة القشدة.. الحليب الساخن.. و خاصة ملك الطاولة الصباحي ابريق القهوة و الي جانبه طبق الحلويات المنزلية المتنوعة التي كنا نخصص اسبوعا كاملا قبل العيد لإعدادها.. و كانت أمي تحرص على جودة اعدادها بما انها تقدم الي الجيران و الأقارب و أصدقاء العائلة الذين يزوروننا او نزورهم ايام العيد.. لم تكن أهمية فطور الصباح في التحلق حول عبق القهوة الزكية و الحلويات الشهية بقدر ما كانت في لحظة تهنئة ابي حين يعود من صلاة العيد ليشاركنا الفطور.. كنا رغم الضخب نسمع صرير الباب الخارجي حين يفتحه فنستقبله بلهفة و شوق و كأننا لم نره منذ مدة و لم يبت معنا البارحة في المنزل .. و نبالغ في لثم خده و جبينه و نحن نعانقه معجبين و فخورين بوسامته و اناقته ب"الشاشية" التونسية و "الجبة السكرودة".. كم كنت أحب تلك اللحظة.. ليس فقط لأنها لحظة تسلم "المهبة".. إنما لأنها من الفرص القليلة التي نتمكن خلالها من معانقة ابي و لثمه و استنشاق عطره الذي لم أعرف عطرا احب منه الي روحي و من التعبير عن حبنا له بطريقتنا في دس رؤسنا الصغيرة إلى صدره و جنبيه.. لم يكن الكبار في ذاك الزمن يتيحون لنا كثيرا عناقهم حفظا لهيبتهم و سلطتهم المعنوية العفوية التي لم نكن نعترض عليها او نتذمر منها.. كما لم نكن نعترض على ما يوفرونه لنا من ملابس العيد و لعبه كل حسب إمكانياته.. كنا نسعد و نرضى كل السعادة و الرضا.. كان كافيا جدا أن نحصل على ثياب و العاب جديدة حتى و إن لم تكن فاخرة.. المهم انها جديدة وقع شراؤها خصيصا للعيد.. و المهم ان بين تلك اللعب المزمار الملون و الدمية البلاستيكية المركبة ذات العينين الزرقاوين التي كنا ننزع رأسها و ذراعيها و ساقيها حين نلبسها ثيابها و نعيد تركيبها من جديد بعد ذلك.. و نحن نتساءل احيانا لماذا لم يخلقنا الله بملامح متشابهة و أعضاء مركبة مثل هذه الدمية؟؟ أ لا تكون الحياة أجمل و أيسر عندما تتمكن يسرى صديقتي من تركيب ساق سليمة بدلا عن تلك المصابة التي تسبب لها الحرج و سخرية بعض النفوس الشريرة؟؟ او عندما نكون جميعا بلا فوارق و على قدم المساواة في الشكل؟؟ أ لا تكفي الفوارق في اللباس و المساكن؟؟.. كانت عقولنا الصغيرة تضج بالتأملات كما تضج مشاعرنا بالسرور و المرح ايام العيد.. و حين كنا نخرج جميعا إلى الحديقة العمومية وسط مدينتنا الصغيرة للتمتع بمرحنا الجماعي في العيد كنا نحرص بتلقائية سليقية على دحض الفوارق و الانخراط في العابنا بما يتيح لنا التشارك في ما بحوزتنا من لعب و في التقاط الصور مجتمعين متشابهين متقاربين.. كان ذلك هو سر سعادتنا البسيطة التي تلاشت مع تلاشي تلك العادات و مع تقدم الزمن و تعقد إيقاع الحياة هذه الأيام... اليوم اجدني مشفقة على اخلافنا لأن حياتهم غدت جافة لا يعيشون فيها تلك الأحاسيس الخاصة التي عشناها و لا تجمعهم فيها مع اترابهم تلك المودة العميقة التي عرفناها رغم ان حياتهم أكثر رفاها و بذخا ......

كوثر_بلعابي (من روايتي : ملفات حارقة)
Peut être une image de ‎1 personne, foulard et ‎texte qui dit ’‎عیدا سعيدا للأحبة الشاعرة کوثر بلعابي‎’‎‎

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق