الأربعاء، 9 مارس 2022

لحظة انتظار/محمد البنا/جريدة الوجدان الثقافية


 لحظة انتظار

...................
" قد.يكون المر حلوًا، إنما القادم أحلى "
لا أدري لم تذكرت هذه الجملة الآن، أحسبها مطلع أغنية شهيرة، ورغم ذلك لا أتذكر كاتبها ولا مؤديها، إلا أنني أدرك شيئًا واحدًا؛ أنها داهمتني، اقتحمتني، استقرت في سراديب ذهني، وأبت أن تغادر!..
كنت في طريقي لعملي، أو هكذا ظننت، الشوارع مزدحمة، والضجيج يتصاعد لكنه لم يبلغ ذروته بعد، فالتوقيت المحدد لانصراف العاملين لم يحن ميقاته، وأنا من قلة يبدؤون عملهم بعيد أن ينتهي الآخرون، إلاه ذلك الصدى المتردد في ردهات ذاكرتي عابثًا يلهو، علّه يتعثر فيما يقدمه بين يديّ مبررًا اقتحامه أبواب ذاكرتي- كمطرقة لا تمل تكرار ضرباتها- وما قد أجد فيه ما يقنعني ويجعلني أتجاوزه وأسامح وأغفر له فعلته، ولا أخفي عليكم، فقد تعثر في أشياء كثيرة، لكن أحدًا منها لم يشف غائلتي، لا أنكر أنها مرّة، بل شديدة المرارة، فوفاة والدي المفاجئة وأنا لم أبلغ العشرين بعد كانت مرة، لكني تجاوزتها وتجاوزت أيضًا عتبة السنة الأربعين من عمري، وميراثي الذي أضعته في غضون سنوات كان مرًا، لكن التحاقي بوظيفة مكنني من مواصلة الحياة إلى حين، كذلك كان طردي من عملي- لإهمالي - مرًا، لكن تسكعي في الطرقات - كما أفعل الآن- منحني بعض سلوى..كل ذلك لم يقنعني، حتى ذلك المشهد الذي استرعى انتباهي واستوقفني متأملًا جسدي الممدد طولًا بعرض الرصيف، والهمهمات التي تسابقت إلى أذنيّ المرهفتين " مات..لا حول ولا قوة إلا بالله" لم يكن كافيّا، فلا يزال صدى الكلمات ينبش في ذاكرتي باحثًا عن مبرر، ولا زلت انتظر القادم الأحلى.
محمد البنا ٩ مارس ٢٠٢٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق