الجمعة، 3 ديسمبر 2021

الملهمة والشاعر /سامية خليفة-لبنان/جريدة الوجدان الثقافية


 الملهمة والشاعر

تهتَ عن محطّةِ اليقينِ حتّى أمسيتَ الشّاعرَ الأعزلَ
ها هي ملهمتك تذوي
فكيف ستستعيد منها قصائدَكَ المؤجلةَ؟
اركض خلفها سترحلُ بلا قطارٍ
فالمحطة بلا سكة والصدأ يأكل الحديد
والصّدأُ يتلفُ في قلبِها الوتينَ
صدأ النُّكرانِ والهروبِ والهجرانِ كم هو أدردُ !
قميءٌ كما مستنقعٌ غطّتهُ الطّحالبُ والعفونة
لا تسلْ لِمَ قدماها المقيدتان تمردتا
حتّى أخذتا معهما المسافة
لمَ الزمن تبرأ منْ روزنامتكَ
لا تنظرْ بعد الآن إلى عقاربِ السّاعة
الزمنُ حتْمًا سيتوقَّفُ مع رحيلِها
فاركضْ خلفها
أيا ملهمةَ الشّاعرِ
أتحملين الحقيبةَ بكفِّ العنادِ أتأخذين معكِ العطرَ والأنفاسَ
أتتركينَ خلفَكِ غبار الذكرى
وترحلينَ ممتلئةً بُعدًا
تتركُينَ البصماتِ في كلِّ ركنٍ
يا لنقاء آثاركِ المائيَّة
فرحيلُكِ وُلدَ مع زخّاتِ المطرِ
هيّا اجمعْ يا شاعرُ باقةَ الحنينِ
ومنها استنشقِ الحلمَ
هيّا اجمعْ شتاتَ أحلامِك
ومعها أذبْ حرارةَ الأشواقِ
استنشقْ بخورَ العشقِ
اصرخْ بقلبِكَ فلسوفَ تسمعُ منهُ النّداءَ
هيّا يا شاعر أعدْها إلى صومعةِ الوجدِ
عرِّ جبالَ المستحيلِ من ثلوجِها
واحيِ دفءَ الإصرارِ
دعِ المحرَّمَ يفقد رشدَهُ
ليميتَ في النّايِ الأنينَ
قلْ أنَّكَ لن تحوكَ بعد اليومِ قصيدتَك وهي مصفّدةٌ بالسّلاسل
بلْ ستحوكُها مطرّزةً بخيطانٍ من حريرِ
قل أنّكَ لن تستطيعَ أن تنامَ وديوانكَ خاويَ الوفاضِ منَ القصائدِ
بل قلْ أنَّك سترسمُ لوحاتِ قصائدِكَ بأهدابِ السّهرِ
وأنّ معَ ملهمتِكَ سيغدو الحبّ خيّالاً
جوادهُ سيسابقُ الرّيحَ ليصهلَ عشقًا
إنْ شاكسْتَه مزَّقَهُ الجموحُ
إنْ زرعتَهُ أملاً في جسدِ الصّباحِ
قطفْتَهُ وردةً في آخرِ اللَّيلِ
ها أنّ طيفا آتيا في السَّحرِ
المحُهُ ينثرُ البتلاتِ يجرجِرُ خلفَهُ الكلماتٍ
هو طيفُ ملهمتِكَ يدنو من منضدتِكَ
قمْ ورتِّلْ معها أناشيدَ الفجرِ
اغرسا في روحيكما أملاً جديداً
يزهرُ حبّاً يحيي روحاً
ليمسي حنانُك فجرًا لأيّام تنتظرُ الفرحَ
المتسرّبَ قسْرًا من خوابي السّنين
ليشرقَ مع الحلمِ الأملَ
ليمسيَ حنانُك دفئًا عاريًا من جسدِ اليأسِ
ملهمتُكَ عادتْ رغمَ أنّها أحكمتْ إغلاقَ أبوابِ الرحيلِ
أنت يا شاعرُ ما اعتزلتَ الشّعرَ
بل كاد أن يموتَ فيكَ الشِّعرُ
عادتْ ملهمتُكَ فاحيِ تجلياتكَ
تجلّياتٌ كانتْ في انبعاثاتِها
كلمسةِ الأرواحِ للأرواحِ كدفقِ شلّالات
يا للدموعٍ التي كنتَ ترتشفُها
وأنتَ أعزلُ من أبجديَّةِ القصيدِ
ملهمتك حينَ رحلتْ رحلَ معها وجهُ الحياةِ تلبَّدَ خدُّ السّماءِ
حينَ ورود الحقولِ خلَتْ من النَّدى
اقشعرّ بياضُ الرُّوحِ هامَ على وجهِهِ
ينثر نقاطَ البياضِ على صفحاتٍ سوداءَ
لا تقنطْ أيُّها الشاعرُ تخيّل فقط
لو مزّقتِ الشَّمسُ سوادَ اللّعنةِ فماتَ السَّوادُ غيظاً
وأمطرتِ السّماءُ قبلاتٍ
تخيّلْ لو أنّ الدمعةَ العذراءَ ما تزالُ تتمايسُ على الخدِّ الأسيلِ تنتظرُ لمسةً من يدِكَ.
سامية خليفة-لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق