الجمعة، 24 ديسمبر 2021

قراءة بعنوان: (صيحة فزع لأديب يؤمن أن الأدب رسالة والكتابة كما الرّوح نفحة ونفخة ربّانية) في مقتطف من رواية (أعترف أن زوجي .. كلب! ) للدكتور مختار أمين بقلم الناقدة سهيلة بن حسين حرم حماد

 قراءة بعنوان: (صيحة فزع لأديب يؤمن أن الأدب رسالة والكتابة كما الرّوح نفحة ونفخة ربّانية) في مقتطف من رواية (أعترف أن زوجي .. كلب! ) للدكتور مختار أمين

=========
============
مقتطف من رواية/ أعترف أن زوجي .. كلب! (للأديب مختار أمين
ــــــــــــــــ
حمالة صدري تئن من حملها لطفلين معاقين تضخما بعد طول سكون. يحتفظان بطراوة أنجبتها الآيادي العابثة اللاهية على أديمها الأبيض الناصع..
قبل الخوض كانا كرتان من الثلج. آن المبادرة يثوران. يغليان. يتصلبان هامدين، يرفعان رايتهما يستسلمان، ككثب على تل جمدته اللثمات المبتلة بالرضاب النهم..
مالي أحكي عن نهديّ، كأني أصف خريطة لصحراء كفر كان بها حياة..
كل شيء فيّ يصفني.
كل شيء فيّ يعبر عني.
أصف جسدي كأني أصف بيت العائلة الذي يميزه الصخب، وميزته الحياة، كان يبيعها للغرباء مقابل متعة ونس، مقابل ضحكة ترجّ أضلعه، مقابل دمعة غير الدمعة..
دمعة تخرج لحظة جزة ألم، ورشفة نشوة، بمص لسعة تعبر عن كيّ يحدث بداخلها، مقابل تذكرة هيروين النسيان..
هذا البيت الأسطوري يشبه أبي، كما يشبه جسدي وأجزائه..
كان يشبهنا في عمر البراءة. عمر نتاج الذات والطرح المستباح، والجود بأخصب ما فينا.
كنا نصرف ماء خصوبتنا في أوقات خيلناها نضج، أوقات كنا نعتقد أنها لنا. نعتقد أننا نمتلكها ونسيّرها لأجلنا..
ورثت أبي في بيته وممتلكاته وعاداته..
في الليل يبصق عصير الألم على أجساد خليلاته ويسعد كلما انتشين، ويخرج في النهار مذهوا وعنفوان الليل على عزيمته وإصراره، يحقق صفقاته الناجحة "كبزنس مان"
أما أنا أنسى هزائمي النهارية والليلية ساعة نشوتي. ساعة امتصاصي، وارتشاف كل قطعة من جسدي الذي أمنّ به على رفّاقي النهمين. أو عابري الصدفة والطريق أحيانا..
في باكورة شبابي كنت أنام باكية بعد خطوب الليالي حتى طلوع الشمس، أستحلفه أن يبقى. فلا يبقى إلا قليلا، أخشى أن أختلي بنفسي، واستسلم للنوم عاجزة. كنت لا آمن أن يسطو عليّ النوم، يرسلني في طرد تابوتي إلى العالم الأبدي، ربما يستلطف روحي يأخذها فلا يعيدها، أو يعبر عن شدة كرهه لها ويقبضها.
عائدة بعد طول غياب لبيت العائلة العتيق، صممّه أبي كأنه يرسم لوحة نادرة، أعده كقصر لأسرة ملكية، يحب الزهور والتماثيل بكل أنواعها الجرنيتية، والرخامية، والجبسية، والمصنوعة من الحديد والنحاس، ملأ بها أجزاء كبيرة من حديقتنا الشاسعة، وعلى المداخل والدرج، والصالون الرئيسي، وعاشقا للزهور لا يبارى. يجمع شتلاتها النادرة من كل البلدان، ويزرع أغلبها بيديه، يتشممّها في نهم ، وكأنه في لحظة ونس مع احدى خليلاته. نقب عنها في أكبر العائلات كما يحب في حفلاتهم الخاصة ونواديهم..
يبدو أبي عاشقا لا يشيخ، مظهره من أولويات اهتماماته. يتزين كملك يخرج إلى مؤتمر رسمي، مثله في ريعاني أتزين لسنوات طويلة حتى هدّني الزمن بصفعاته على جسدي ومعالم وجهي..
عشر سنوات منقطعة عن زياراتي لمصر. بلدي الحبيب.. "نيلها هو دمي.. شمسها في سماري.. حتى لوني قمحي.. لون خيرك يا مصر.. مصر . مصر".
أغنية فاشلة كاذبة..
لم تعد هي أمي، ولا شمسها في سماري، ولا حتى لوني قمحي، والخير طول عمرنا نشتريه، ونعطي منه لولادها الغلابة، في استكانة الخدم والعبيد يقبلون أيدينا، كنت أكره عادتهم هذه، ولا أشعر بألفة أو أمان مع الطبقة الفقيرة الكادحة.. كدح الهمّ والألم..
أكره تملّقهم ونفاقهم، وألسنتهم دوما تعج بكلمات عن الرحمن، والوهاب، والحنان، والمنان، وشفاههم جافة مملّحة بمئات زبد ريق الجوع..
مصر الجديدة، وشارع صلاح سالم عصر الباشاوات.....
=========
============
القراءة:
العنوان: (صيحة فزع لأديب يؤمن أن الأدبب رسالة والكتابة كما الروح نفحة ونفخة ربانية)
رواية (أعترف أن زوجي...كلب) عنوان الرواية متشظ صادم مذهل مرعب مخيف مقزّز يهزّ الأبدان ويندى له الجبين مربك إلى حد القشعريرة والغثيان، يورّط المجتمع ويحمله المسؤولية إلى درجة جعلت الأديب مختار أمين يطلق صيحة فزع، بلسان أنثى ليعبر عن مأساتها من أعماقها فغاص في أغوار شظايا ذات محطّمة، متناثرة على قارعة العمر، تتضوّر ألما من غدر الزّمان وعبث الرّجال، فقدت طعم المكان والزّمان والأمل في المستقبل، لم يبق لها سوى سراب أحلام مزّقتها ذكريات أياد عابثة ورشفة متعة عابرة سُمّها مازال عالقا بهضابها وتلالها، يلسعها كلّما حاولت تجاهله، يذكّرها بحقيقة حُرقة فقد تاج عفّتها وكرامتها.. بدت نفسها محطّمة ومازالت تتلمّس تضاريسها في مرآة ذاكرة مكسورة الخاطر يائسة بائسة، جفّت ينابيع أحلامها وينابيع الصّدق والحب العذري الطّاهر، كرهت محيطها المدنّس بالنّفاق والتّملّق ومخاتلة الكادح والمتديّن المقنّع المارد، المتلحّف برداء العفّة المزيّفة وقناع الدّين القابع، في قعر حضيض زبد نهم الرذبلة، الذي لا يفرّق بين حلال وحرام، لشدّة صدمتها نسيت أيّا من أولئك أمّها، نسيت من حملت بها، أهي مصرَ الغالية، أم غانيةُ؟... لا تفرّق بين أرض وعرض في زمن طغت فيه المادّة، يستجدي حسن تدبّر وتأمّل الآخر سبب شقائها الذي يمتصّ رحيقها ويتركها خرقة بالية تلملم شتاتها، تلوك مشاهد ملّتها وكرهت إعادة تكرارها.
يدع الأديب ال(هو) ليهبّ ليرتق الممزّق، ويصلح المترهّل، وما أتلفته يداه قبل فوات الأوان... قبل أن تكسر ال(هي) قيود الحشمة وتدير ظهرها لل(هو) إلى الأبد، وتتمرّد كشيطان مارد كفَر بجنّة الإنسان وتوعّده بالغواية..
جاء الأسلوب في حشد من الخدم والحشم من الملفوظات المكنوزة بالصّور المتناغمة المتناسقة حمّالة أوجه لمواجهة مأساة متشعّبة.
للنذكير فإن الدكتور مختار أمين في حوار أجراه له مؤخرا الصّحفي عِذاب الركابي مدير مجلة الثقافة العربية الصادرة في شهر سبتمبر 2021 يعتبر الفن رسالة و"الكتابة كما الرّوح نفحة ونفخة ربانية أصلها خير لأنّها هبة من الله" لذلك وجب حسن توظيفها فيما يرضي الخالق و الخلق وباعتبارها "بصمتك الوراثية أمام المجتمع" -مخاطبا الكتاب- فهي تضع كلّ كاتب وتجعله" أمام المسؤلية وأمام المجتمع" وباعتبار خاصية البصمة الوراثية فكلّ منّا له دور محدّد يجب القيام به على أكمل وجه. لذلك نراه شأنه شأن العظماء من الكتاب الكبار مهووس بما أصاب الإنسان من وهن وقلة عزم يعمل على خلخلة الواقع المرير يؤمن بالتغيير ويحلم بغد أفضل للإنسان تتحرّر فيه المرأة من أغلال قهر القدر والزمان والعبودية، المعطلة لكينونة البشر وكذلك تحريرها من الثّعالب والذّئاب وتخليصها من الوضعية السّلبية التي فُرضت عليها أو تلك السّالبة المُهينة المُشينة التي فرضتها على نفسها والتي قد توقف بها كينونة البشر والحياة، وضعية اختارتها بعضهن لأنفسهن لفقدهنّ.الثّقة في الرّجل عموما. لذلك نراه يعمل على أن تستعيد المرأة ثقتها بالرّجل من جديد، مع إيمان راسخ بأنّ هذا لن يكون إلّا بمؤازرة الرّجل لها، باعتباره نصف المجتمع لذلك نراه يعوّل عليه ويحثّه على مراجعة كلّ مواقفه وسلوكاته من أجل احتضان المرأة، وتبني وجعها، والأخذ بيدها، قبل ان تمتدّ يد الغريب إليها، قبل فوات الأوان، ملمّحا تارة ومُلقٍ عليه اللّوم ومسؤولية إمكانية انحرافها وانحراف كلّ المجتمع برمّته تارة أخرى ، مذكّرا إيّاه بأنّه بصلاحهما تصلح الأنثى والذّكر معا لتستقيم الكينونة، فالمراة أمه وأخته وزوجته وابنته وزميلته وجارته، فببصلاح الكلّ في المطلق، امرأة كانت أو رجل، تستعيد صيرورة الزّمن بهاءها بريقها ونقاءها ويستعيد عش الزوجية سكينته فيستطيب عيش الأزواج والزوجات والأبناء والأباء والأمهات، فيصلح المجتمع ككلّ. ذلك أن في احترامهما لبعضهما تستقيم الحياة ويختفي الشّذوذ في كل السلوكات الظاهرة للعيان أو الغير مرئية... ومن هنا نراه يقذف من روحه على رأيه في الكلّ بقناعة المسؤول المحمّل "برسالة في كنهها رسالة وعي للمجتمع ، ورأي في منظور تبصيري." نفس المقال
سهيلة بن حسين حرم حماد
سوسة في 11/09/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق