السبت، 18 سبتمبر 2021

تأملات خاطفة في قصيدة "حُبُّ الوطنِ فريضة وما عداهُ نافِلة!" للشاعر التونسي القدير طاهر مشي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تأملات خاطفة في قصيدة "حُبُّ الوطنِ فريضة وما عداهُ نافِلة!" للشاعر التونسي القدير طاهر مشي

لقد كان دأب الشعر دومًا أن يثير الرؤى الفكرية الأساسية التي تتعلق بمشكلات الإنسان الوجودية، والإحساس بهذه الرؤى قد يتعلق بحيثيات تشكل الوعي والإحساس بمقولة الوطن؛ التي تشكل ضمانة أساسية لوجود الإنسان، وإذا كانت العصور القديمة لم تجعل من هذا الإحساس والوعي بها اتجاهًا واضحًا في الشعر، وذلك تبعًا لطبيعة الفكر آنذاك، فإن العصر الحديث هو ما دفع بهذا المفهوم ليصبح عمادًا أساسيًا من أعمدة الثقافة المعاصرة، فالعصر الحديث منذ بدايته اقترن بولادة قوميات جديدة أفرزها انهيار النظم السياسية القديمة، وأدى ذلك إلى ظهور الحسّ الوطني بعد الشعور بصلات الشعوب ومشاركتها في أنظمة الحكم بأشكال عدة.
وقد حملت بدايةُ دخولِ العرب في العصر الحديث العربَ على الاهتمام بهذا المفهوم، خاصة في المرحلة التي أحسّ بها العرب بالخطر على هويتهم وبلادهم مع اتباع الدولة العثمانية سياسة التتريك، وظهور القوى الاستعمارية وقوى الاحتلال في أجزاء مما يعرف الآن بالعالم العربي قاطبة، ولما كان الشعر واحدًا من أبرز مجالات الثقافة عند العرب في القديم وفي مطلع العصر الحديث، فقد شكل الاهتمام بالوطن اتجاهًا شعريًا بارزًا..
والوطن اصطلاحا هو المكان الذي يعيش فيه الإنسان، ويرتبط به وينتمي إليه، وبعيداً عن العلاقة التي تربط المواطن بوطنه، التي تنظمها التشريعات والدساتير، ثمة علاقة أقوى وأعمق تعرف بتلك الحالة الوجدانية والمعنوية من الارتباط النفسي التي تتطور تدريجيا، فتبدأ بتعلم واكتساب الشعور بالمواطنة، والانتماء والحب والولاء لهذا الوطن، حتى تصل لدرجة الاستعداد ليضحي بحياته من أجله، وقد اختصر الشاعر جورج بايرون وهو شاعر بريطاني من رواد الشعر الرومانسي هذه العلاقة بقوله: «إنَّ من لا يُحِبُّ وطنَهُ لا يُمكنُ أنْ يُحِبَّ شَيْئًا».
وقلما يعبر الإنسان العادي عن علاقة الحب التي تربطه بوطنه،فيما يبذل الشاعر جهداً مميزاً ليعبر من خلال قصائده عن عواطفه وأحاسيسه تجاه وطنه..مثلما أبدع الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي في هذه القصيدة المذهلة حيث يتجلى البعد الوطني بشكل خلاق..لا تخطئ العين نوره وإشعاعه..
حُبُّ الوطنِ فريضة وما عداهُ نافِلة!
"""""""""""""""""""""""""""""""
ما هذه النّظَراتُ يا محبوبتي؟
فالعيْنُ منها الشّوقُ قد أضناني
والخدُّ بالأنوار ِيغدو …وَردة ً
تُهدي ندى الرّيحان ِللظّمآنِ!
لا تَحرِمي قلبي أنا مِنْ نبْضِهِ
خوْفي عُبابَ الصّبِّ أنْ ينساتي
والبسمةُ الغَرّاءُ تغزو أضلُعي
يا سيفَكِ البتّارَ قد….أغواني!
ظنّي أنا مِن مُقلَتيْكِ صَبابتي
وسأهجُرُ الأوطانَ؛كيْمَا تراني!
لكنْ هَوى المُشتاقِ خارِجَ ديرَتي
والبُعدُ مَا أَجْلَى هَوَى خِلاّني
قد يحتَوينِي الهجْرُ دهْرا طائلا
لكنْ سأبقى في رُبى أوْطاني!
حُبُّ الوطنْ بعدَ الإلهِ فريضةٌ
ما بعدَهُ نفْلٌ ….أرى بِزماني!
أغزو دروبَ الحُبِّ أنّى جُبتُها
لا أنْحَني للبُعْدِ أو….أحزاني !
(طاهر مشّي)
-تونس-مهد الثورات العربية-في قلب الشاعر(-طاهر مشي) وفي قلب شعره،لكن في لحظات شعرية قوية تذوب الحدود ويتمدد الوطن وتتسع جغرافيته ليشمل كل الأوطان العربية التي اكتوت بنار الفتن،والتي تعيش حالة من اللامنطق واللامعقول بسبب ما استجد فيها من أحداث مأساوية،تستدعي-في تقديري- الوعي بالوحدة وبوطن عربي كبير ينتصر للإنسانية والأمن والسلام.
إبداع الشاعر التونسي القدير -طاهر مشي-متجدد وخاص،له بصمته الإبداعية التي تميزه عن غيره من المبدعين، يكتب عن إدراك ويقين بنضج تجربته الشعرية،وبأن مواضيعه متجددة لم تستهلك..كما أن لغة الشاعر أنيقة تتميز بخصائص مختلفة،نجده يعبر عن ارتباطه بوطنه بلغة الحب والحنين الشفيفة..
وهنا أضيف : شعر الشاعرالمتميز -طاهر مشي-كما أشرت-متجدد بما يضفيه عليه من أحاسيس وأفكار ومواقف وإبداع وتشكيل لغوي وتصوير بلاغي وإيقاعات موسيقية تنسجم مع انفعالاته ومواضيعه،وتؤثر في النفس عميقا.
على سبيل الخاتمة :
انا هنا بصراحة لا اتساهل في مسؤولية الكتابة النقدية من حيث المحاباة في الاصدقاء،كوني ولسبب بسيط لا أعرف الشاعرالتونسي الكبير طاهر مشي-عن قرب أبد..إنما أعرفه عن بعد لمتابعتي اعماله الشعرية وما يكتب بالفن والأدب وهذا من تخصصي انا !
وقد استحوذ علي -هذا النص-( حُبُّ الوطنِ فريضة وما عداهُ نافِلة!) لأن أسجل له ما يستحق من حق واستحقاق وكنشاط ابداعي له،ولتجربته الشعرية وفي قصائده المتعددة وهو الإبن البار -لتونس التحرير-وكذا لهذا الوطن العربي الفسيح و"الممتد من البحر إلى البحر"-
ابن الشعر وابن السرد والحكايا ومكامن الوعي الجمالي في العلاقة بين السحر في اللغة والشعر وما بينهما من انتاج للوعي المتجدد في فضاء وروح الشاعر السائر على درب العالمية بخطى ثابتة..ومدروسة..
محمد المحسن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق