الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

قراءة بعنوان بين الرمز والتاريخ تتموقع التيمة وتأريخ الخيبة للقصة القصيرة (صفقة) للقاص السوري (بشير حمد) بقلم الناقدة سهيلة حماد

 قراءة بعنوان بين الرمز والتاريخ تتموقع التيمة وتأريخ الخيبة للقصة القصيرة (صفقة) للقاص السوري (بشير حمد)

Azad Basheer Hamd
* العتبات:
العنوان: الصفقة: مفردة لملفوظ ورد في نص أدبي محير مثير، فالصّفقة في الأذهان ترتبط عادة بعالم المادة والمال والأعمال، أو السياسية، المعروف عن الصفقات أن بعضها ا يبرم في العلن والبعض الآخر يتم في الكواليس تحت الطاولات، أهي صفقة حقيقية؟ أم هي أيقونة دلالية حاملة لتيمة القصة ورافد من روافد الفكرة؟.
فأي معنى إذاً سييتداوله النص يا ترى؟ خاصة أنّ العنوان يعتبر نصّا موازيا وبوابة عبور...
دعونا نمر إلى الاستهلال علّنا نجد بصيص أمل يشفي غليلنا ويبدّد حيرتنا: "زحف نحو النّافذة واستند بكلتا يديه على حافّتها وبعد جهدٍ رفع جذعه الأعلى ليستقرّ على كرسيّه أطلّ برأسه على السّاحة الّتي تتحلّق حولها البيوت كما تحيط إسوارةٌ بمعصم" كما هو واضح فإن المقدّمة لا تنير العنوان بقدر ما تسلّط الضّوء:
- على الحركة البطيئة للشخصيّة التي يظهر عليها الوهن من خلال الجهد الذي بذلته لترفع جذعها نحو الأعلى لتستقر على الكرسي لتتأمل في :
- المكان المركّب من ساحة وبيوت محيطة به شبّهها بإسوارة تحيط بمعصم وبالتالي من خلال الصّورة الشّعرية الاستعارية تتبدى لنا قيمة المكان وخصوصيته وأبعاده النفسية من خلال رمزيته سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد بالنسبة للسارد أو القاص أو بالنسبة للشخصية، ويتبدى لنا ذلك من خلال استدعاء السارد للفظي (إسوارة ومعصم) ليستقر بذهن القارئ إسوارة ثمينة تزين معصم حسناء جميلة...
مقدّمة كفاتحة شهيّة تضمر أكثر ممّا تظهر تزيد في توتّر المتلقّي، وتزيد في فضوله لمعرفة هذا شبه العاجز المعوّق يزحف بمفرده يؤنسه كرسيه كجندي يتخفّى من العدوّ يطلّ من نافذة، ليتأمل في فضاء يسكنه الخواء. يوحي المشهد أن السّارد يهيء الشّخصية لاستنطاقها لتستعرض موقفا ما أو حدثا لتشريكنا معه. أمّا عن الخاتمة فقد كشفت لنا أنّ الرّجل مسنّ، سجين واقع مرير، واقع بين غربة المكان والزّمان ووهن الجسد، مغلول بأساور من حديد، تمنعه من الطيران، فاتته فرصة الهجرة إلى الضّفّة الأخرى ضفة الغرب، بدا كأنّه تعرّض لخيانة من المكان والزّمان والأرض التي عشقها، كان يتوق إلى نور الشمس ودفئها، إلى أن صدئت عظامه وأصيبت بالخشونة، كما تصدِئ الرّطوبة الحديد فتصلّبت وتيبّست.
بعد استنطاقنا للاستهلال وللخاتمة، لاحظنا شدّة ارتباطهما، ذلك أنّ الاستهلال ما هو في الحقيقة إلا نتيجة ونقطة النهاية لكينونة ذات تجرّم المكان والزمان، كان يمكن أن تكون خاتمة، تذكّرنا بالقصص والرّوايات البوليسية حيث تستهل الرواية فصلها الأول بحدوث جريمة، في حين أنهما أي المقدمة والخاتمة لم يتمكّنا من التقرّب من العنوان لذلك عدنا نجر أذيال الخيبة عازمين على مواصلة السير ومواصلة رحلة الكشف عن لغز الصّفقة.
ج١
الملاحظ أن المصطلحات والمعاني التي تم استدعاؤها لتعبئة الفراغات، تشي بحواجز نفسيّة ومادّية، تفصل الشّخصية الرّئيسيّة سهيل عن المكان، كأنّ المكان يرفض احتضانه من جديد بعد مضي الزمان يضارع الفضاء ويأبى الصّلح والتّصالح أيضا، كأنّه ينبئنا بخصومة ما، وبصراع ما زال قائم الذّات، كأنّ السّنين لم تنجح في محوها "شعر بانقباض" "فتح فمه بحثا عن نسمة هواء"، "لايفصله عن السّاحة سوى هذا الشّريط الصّدئ وماسورتين من الحديد تنتصبان أمامه"، كما احتشد الزّمان في زمن الأفعال الماضية، والحاضرة، بين ماض وحاضر ، وفي ظروف الزمان مثل (هذه الّليلة القائظة، والآن، وذاك زمان)، وفي النّواسخ شبه (كانت)، وفي اندثر وانقضى، ك(ولّى ولن يعود،)، لكن الصّفقة تطفو وتعود، بدون استئذان، لا يفلح معها، تعمّد النّسيان، متجاوزا كلّ الصّور البلاغيّة الببسيطة، معانقا المفهوم البصري والسّمعي عبر توظيف الحواس كالبصر والسّمع والإحساس الدّاخلي، مطلقا العنان للحفر في أغوار ذات مهزومة، مقهورة، تقديما للحديث عن أوّل صفقة.. "وحدها ذكرى الصّفقة الأولى تعود كلّما حاول نسيانها". ويلوح من السّياق أنّ الأزمة كان سببها صفقة بوزن الصّفعة، ومع التوغّل في النّص تكرّرت وتكرّرت... معها الخيبة وراء الخيبة... بمكر طلب منه نزار الولد الخبيث صاحب "الجزمة الجديدة" بأن يحمله من ساحة المدرسة إلى باب بيته على ظهره مقابل قرش.
٢
بوليفونية الأصوات
بعد صمت رهيب كصمت القبور في العتبات، تدب الحياة خارجها، داخل النص من جديد عبر ثقوب ذاكرة مترهّلة، تلملم شتاتها تشوبها الخيبة في كل محطة. يعلو الصّخب،يأتي الكلّ من كلّ حدب وصوب تعجّ السّاحة تارة بالأطفال، وتارة أخرى في مكان ثان بالأحزاب اللاهثة وراء المناصب، يكثر النّفاق وعدْو الرّفاق والارتقاء على ظهور أشباه البغال ترفع شعارات على أعناق ضعاف الحال، مستنزفين طاقاتهم وقدرتهم. وبعد تحقيق مآربهم يديرون ظهورهم لمن كان سببا في صعودهم ويلقون لهم عظما ينشغلون به...
يتعالى ضجيج سمفونيّة من الأصوات، تختلط فيها اصوت العامّة بأصوات الخاصّة، تلك الأخيرة التي يمثّلها الطّفل الذي يبدو ينتمي لطبقة أرستقراطيّة أو للبرجوازية الجديدة المسمّى (نزار الولد الخبيث) تلك البرجوازية من الوصوليين والانتهازيين الذين يغرزون أظافرهم في رقاب أبناء الشّعب، يمتصّون دماءهم وسط تصفيق أبناء الكادحين من القطيع، ببلاهة الجهالة حينا ونتيجة الخوف حينا آخر، حتى وإن كان غير مبرر، أولئك المساهمون في تكبّر وتجبّر الفرعون ينظم لتلك الأصوات صوت الطّاحونة لما في الطّاحونة من رمزيّة- لقوة دفع الرّيح ولصيرورة الزمن ولتكرار الفعل الدّائري وللثورة وللتغيير - قبل تعويضها بالطّاحونة الكهربائيّة، يكثر الهرج والمرج وغوغاء القطيع يغلي الدّم ويفور، يمتزج الكره لفعل الشّيء، والرّغبة في فعل ضدّه، في لحظة صراع داخلي للحصول على قرش من أجل الظّفر بالحلوى اللّذيذة وبالفستق الحلبي الذي أغراه بها نزار،
والقرش المتلألإ، جسّده منلوج يبرز هشاشة ذات تعيش صراعا داخليا بين الرّغبة في الحصول على الحلوى والفستق الحلبي وبين الرّفض والانتقام لكرامتها. يبدو أنّ بعض البغال أصدق في قيادة الثّورة من الإنسان الذي سرعان ما ينساق وراء رفاهيّة ولذّة لاتدوم موهومة تضاهي السّراب في عدمها...
فإن كان نجيب محفوظ قال عن طفل لاقاه بأنّ "أحلام الأطفال قطعة حلوى وهذا الطّفل يبيع حلمه " فإنّ الطّفل سهيل من أجل حلمه باع كرامته، وسقط في حظيظ الذلّ، وشبه رق من صنف جديد، أضاع حرّيته سامحا بإرادة الرّغبة في تحقيق حلم الوهم...
بين رفض وقبول وفعل سالب، وتفكير موجب في الانعتاق والتّحرّر ينمو شعور الكراهيّة والرّغبة في فعل الرّفس، كرفس بغل لصاحبه، ثار عليه بعد طول امتهان. تشبيه يضارع الوعي والإدراك لدى الحيوان البغل هذا الوعي للبغل يذكرنا بوعي حيوانات رواية (حديقة الحيوانات) لجورج أورويل. تصوّره كاميرا تتعثّر لتنقل حراك شيخ يزحف نحو حتفه كفراشة اختارت الاحتراق بفانوس كهربائي منذ لحظة الخنوع الأولى....
٣
السّخرية:
السّخريّة وبداية تاريخ الخيبة والنّكسة تلو النّكسة للعرب، إلى أن صار الفرد يسير "كمن يبحث عن شيء أضاعه في الأرض ولا يجده"
السّخرية تظهر في تاريخ الميلاد 1963 تأريخ بداية خيبات وعود الأحزاب...
تبرز السّخرية أيضا في احتشاد جمع من الحيونات من فصيلة الفأر والحمير والبغال والبغال أشباه الرجال... كذلك في القطار والمحطّة وأشولة الحبوب القمح الصلب الذي يلين بمجرد المرور بالطّاحونة...
السّخرية تظهر من خلال إراحة ذقنه على أصابعه المتشابكة ...بعد أن حمل الجميع وأركبهم على ظهره ورفعهم على اعناقه مطيلا رقابهم مقصرا رقبته إلى أن صار ظهره غير قادر أن يحمله ويوصله إلى آخر محطّة من العمر، والمؤسف من المبكيات المضحكات أن أباه من دفعه وألقى به للعمل في الطاحونة كحمال مستثمرا نقطة قوّته الجسمانية لتصبح فيما بعد نقطة ضعفه ووهنه.
كذلك السّخريّة تتبدّى في كرسي الخيزران الذي صنع جوانبها من بقايا اللافتات الخشبيّة وألبسها من قماش كانت تحمل شعارات وطنية الشعارات، وفي المسيرات التّضامنيّة.
في الخوف غير المبرّر الذي جعله ينحني وينحني إلى أن تقوس ظهره، ولم يعد يستطيع أن يرفع راسه...
تبرز السّخرية في تقهقر الدراسة والانسحاب المبكّر رغم مجانية التّعليم...
تظهر أيضا في السلاسل والإسوارة بمعصم.
٤
الخاتمة:
بين صفقة وصفعة يمضي العمر وينحني الظهر ويتقوس متماهيا سهيل البطل مع البغال، في حمل الأثقال والشوال والصبر على قدر خط خطوط النحس بالطول والعرض.
تدور الدّوائر ويكيل الدّهر على قليل البخت شتى ألوان العذاب والإهانات، وعلى قدر استسلامه تستلمه المحن والصّفعات...
وتتقاذفه الأيادي ككرة الطّائرة تطير في الهواء..
لولا ذكر السّارد لتاريخ سنة 1963 لصدّقنا بأن المسرود حكاية ذات من الذّوات التي لم بكتب عنها هوغو في البؤساء أو بودلار في ازهار الشر ، لكن ملفوظ الرّفيق، وتغيير، واللّافتات جعلتنا نستشعر خيبات الاتفاقيات والصّفقة وراء الصّفقة، وتلقي الصّفعات للمدعو سهيل الذي سهلت عمليّة استعباده من الجميع، في كلّ عصر وفي كلّ حين على امتداد السّنين كأنّ خلق ليتلقّى الصّفعات جرّاء الخيبة، تلو الخيبة، من دون أن يعي الدّرس. كان حلمه حلوى نالها
بعد أن قبل صفقة بمحض إرادته قبل أن يعي معنى أن ينحني لغير الله...
الأسلوب: جاء بسيطا بليغا اعتمد على الصور الاستعارية...
يحسب للسارد ديموقراطيته إذ لم يستأثر بالسرد بمفرده بل سمح للشّخصية البطل الأنا من حين لآخر بأن تعبر بذاتها عن ذاتها وتتقاسم معه وظيفة السّرد والوصف مع أنه كان بإمكانه ان يمسك الدفة بمفرده باعتبار صفة العليم التي يتمتع بها، أحسن توظيف الحوار والمونولوج واستغلال الأحداث الثانوية لخدمة تيمة الخيبة الناجمة عن الصفقة الجالبة للصفعات المتوالية...
بالرغم من امتداد الزمن الذي تدور فيه الأحداث منذ سنة 1963 إلى اليوم إلا أنه لم يحد عن زمن القصة المتعارف عليه...باستعماله لتقنية الاسترجاع...مختزلا الزمن في زمن عرض الحكي...
جاعلا من قصته القصيرة مرجعا لإعادة الانتباه والمراجعة والنظر في بعض الأسئلة التي مازالت عالقة بالأذهان وغامضة للتّأمل في بعض المواقف والسّلوكات التي كانت سببا في تدحرجنا الذي أحرجنا أمام أبنائنا وسوف يحاسبنا عليه أحفادنا...
قصة ذات بعد إنساني كوني، يمكن إسقاطها على أوضاعنا العربية، إذ من أجل حلوى وفستق حلبي -كماليات لم تنتجها ضيعاتنا- أغرقنا أنفسنا في الديون ورهنا رقابنا إلى الأبد. ومن أجل الحصول على قرش ودخل قليل غادر البعض المدارس...
Peut être une image de Souheyla Hammed et foulard

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق