السبت، 25 سبتمبر 2021

استراتيجيات القصّ والبنى الجماليّة: " بريق الصّمت" للرّوائيّة منى أحمد البريكي نموذجا مقاربة نقديّة بقلم الشّاعرالتّونسي: طاهر مشّي

 استراتيجيات القصّ والبنى الجماليّة:

" بريق الصّمت"
للرّوائيّة منى أحمد البريكي نموذجا
مقاربة نقديّة بقلم الشّاعرالتّونسي:
طاهر مشّي
في ظلّ التّطوّرات الّتي رافقت الرّواية العربيّة في ما بعد الحداثة، وبروز رواية مغتربة مغرقة في المنحى الفلسفيّ والتّقوقع على إنّية تمارس قطيعة مع الآخر كانعكاس للأنا الفرديّة، ومع تقهقر التّجارب السّرديّة والشّعريّة، التي اهتمّت بالهويّة العربيّة وتراثها الدّيني والأدبي والإيديولوجيا القوميّة الثّوريّة وصوّرت معاناة الشّعوب، يومض "بريق الصّمت"للرّوائيّة منى أحمد البريكي في أوّل إصدار لها منذ شهر جوان 2021. هذه الرّواية الّتي صدرت في ثوب حداثيّ منسجم مع مقولة رفاعة الطّهطاوي بأنّ" الوطن إنّما يبنى بالحرّية والفكر والمصنع."؛ وهي تدين اللّيبيراليّة المتوحّشة الّتي استلبت الشّعوب العربيّة، وجعلتها خاضعة لقوى استعماريّة عنصريّة وحكّام فوقيين لم يهتمّوا بمعاناة المهمَّشين والأقليات المستضعفة، فأجهضوا كلّ نفس قوميّ ثوريّ.
سلّطت الرّوائيّة بريق صمتها على واقع مظلم من خلال مساءلة الصّمت والانتصار للفرح والسّعادة الرّوحية في تحدّ للسّلطة، الّتي "تحتاج إلى الحزن حتّى تحكم سطوتها على الأجساد. إنّها الأجساد الحزينة. ونتيجة لذلك ترغب السّلطة عن الفرح، لأنّه يجسّد المقاومة الّتي لا تستسلم.
إنّ الفرح، من حيث هو قوّة الحياة، يقودنا إلى مواضع يكون الحزن إزاءها قاصرا أبدا." كما يؤكّد " جيل دولوز"
وتكتشف السّاردة "أنّ الصّمت لا يكلّف قلبا إلّا وأده، ولا سعادة إلّا بحزن يحيل السّاعات ثلجا يجمّدها."ص205
وتتساءل مع الباحث محمّد البدوي:
"متى كانت الواقعيّة والعقلانيّة والتّصنيع الشّامل والتّكنولوجيا الحديثة هي السّمات الغالبة على مجتمعنا في يوم من الأيّام؟"
وهل ستكون كافية في كنف صراعات إقليميّة تؤسّس لمشهد دوليّ جديد؟
وهل أنّ الآخر مستعدّ لإقامة جسور تواصل تنسجم مع تطوّره الفكريّ والاقتصاديّ والثّقافي، والتّسليم بضرورة نبذ وإدانة الاستعمار والعنصريّة والاستلاب؟
فنلاحظ الصّمت منذ الوهلة الأولى بصورة الغلاف يضجّ ألما بإشارات اليدين والأعين والخطوط الممتدّة كالجذور في مراوحة بين الأسود القاتم والبياض المشتّت للظّلمة لنجد بالمتن السّردي نورا موغلا في دياجير الذّات،
فتصبح الكتابة مواقف من الذّات والعالم واللغة معبّرة عن خوالج المرأة الدّفينة؛ وهي تصارع لإثبات ذاتها ناحتة للأحداث والمواقف والمشهديّات في فصول تراوح فيها السّرد والوصف بتناوب بين "أروى" الشّخصيّة [وجهة النّظر] المتطوّرة والمسافرة دوما في فضاءات تتأثّر بها وتؤثّر فيها؛ وهي تلتحف بصمت "أديل فيكتور هيغو" صاحبة أطول صمت في العالم وابنة صاحب رواية البؤساء الّتي كانت تشاطره منفاه في جزيرة غيرنيزي البريطانية، الّتي أحبّت شابّا وضيعا، وهو بريطاني يُدعى 'ألفريد بنسن' الملازم في الجيش البريطاني، وتبعته عبر المحيط الأطلسي إلى 'نوفا سكوتيا'، فاستغلها.
فأروى التّونسية الفلسطينيّة اتّخذت الصّمت سلاحا توارت وراءه رافضة ثائرة على معاناة عاشتها "ألم يكن الصّمم جحرا لجأت إليه منذ حادثة العدوان على المخيّم وأنا طفلة؟" ص203
كما كافحت في إثبات هويّة مسلوبة و نحت شخصية وكيان مستقلّ يرفض الإهانة ويتشبّث بالكبرياء"هل كانت ستفهمني لو أسرّت لها يداي الصّامتتان المستسلمتان، أراني مربكة متناثرة الأجزاء بين الهنا والهناك؟." ص 34
لتجد نفسها سنة
2020 أمّا لتوأم اختارت لهما الكاتبة اسمين رامزين"حياة وآمنة"؛ وهي تنشد حياة آمنة تخلّصها من الضّياع والاغتراب.
فاتخذت "الكتابة حياة فهمت بها أنّ الصّمت رداء شفّاف لا يخفي عري الكلمات ونصاعة الحقيقة. حياة هاربة من ثنائيّة حبستها في خندق الموت الزّؤام" ص 167
أمّا"حياة" الشّخصية الثّابتة والرّاوية الغائبة، الّتي كرّست عمرها للنّضال وانطفأت؛ وهي تنشد التّحرّر والانعتاق من تجارب حبّ استنزفتها، ووطن منشود أملت أن يوجد. فقد مثّلت رغم المعاناة ينبوع ضياء، لتشكّل من خلال مذكّراتها ورسائلها ذاكرة تاريخيّة وعودة للزّمن القريب، فنرى نثارا من الضّوء بين صمت القلم وضياء الحروف؛
وقد أينعت فيها زهور الأفكار والأسئلة ليستمتع القارئ بتقنيات السّرد ويشارك في تكملة أجزاء هذه الرّواية "البازل" برسم ملامح شخصيّاتها وترتيب وقائعها وإكمال فراغاتها.
وهو ما نجحت فيه الكاتبة المتميّزة منى أحمد البريكي في نصّها الرّوائيّ الأوّل "بريق الصّمت". رواية تفجّر فيها الحرف
و برزت فيها المرأة العربيّة بين سطور الكاتبة ليضوع في جزء منها عطر يخضّب السّطور.
قال فيها النّاقد الأستاذ حمد حاجي: "نقدّر أنّها أوّل رواية عربيّة وثالثة عالميّة بعد 'يدا أبي' لمايرون أولبرغ و'صرخة النّوارس' للفرنسيّة إيمانويل دي لابوري
في محاولة منها رهيبة لإثارة تلك الأصوات الّتي رافقت الثّوار دائما."
فنجد الصّمت ضاجّا بأصوات المتعبين الباحثين عن كينونة فرديّة وأخرى ثقافيّة اجتماعيّة تستوعب الآخر وتبني معه مستقبلا أفضل
كما في قول حياة"تعمّدي بطهوريّة الإنسان فيهم واحذري نيوب ذئابهم المسمومة. ديدنهم العمل والنّظام، فتعلمي منهم وكوني عسلا يذوّب مرارة الغربة بين ظهرانيهم."ص177
كما سلّطت الضّوء على واقع عربيّ مهزوم رغم الانتصارات المبتورة التي عاشها جيل شباب الثّمانينات ومحاولة الانعتاق من المستعمر انتقاما لنكسة جوان 1967.
وأختم بالقول: " إنّ هذه الرّواية التّجريبيّة
تقطع مع أساليب القص التّقليدي وتؤسّس لبوليفونيّة بانية قوامها شخصيّات تؤثث ركح الحكاية.
الشّاعر: طاهر مشّي
==========================================
Peut être une image de texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق