الاثنين، 14 يونيو 2021

دارسة عن الشعر الحرّ للأديب شعبان محمد البنا/مصر

 الشعر الحر

بقلم:

الأديب: شعبان محمد البنا


فى عام ١٩٥٠ ظهر نفر من الشعراء فى الوطن العربى ممن تأثروا بالادب الفرنسى .فى القرن الثامن عشر حيث كانت قد تشكلت أولى خطوط وعلامات نوع جديد من الشعر سمى فيما بعد ب ( الشعر الحر) تأثر به أولئك النفر من الشعراء العرب وبدئوا فى إنتاج أولى هذه التجارب التى صدرت على يد رواد ذلك المولود الجديد منهم  بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وبلند الحيدرى  وصفاء الحيدري ورزوق فرج وعبد القادر الناصرى واكرم الوترى وعبد الوهاب البياتي وكاظم جواد .. فى نفس التوقيت كانت تلوح فى الأفق ملامح ظهور نجم جديد فى تونس هو أبو القاسم الشابى .وفى ليبيا أحمد رفيق المهدوى .

وأحمد الرفاعى الذى التقيته فى الجماهيرية الليبيه العام ١٩٩٠ .فى  طرابلس الغرب. فى احتفال  صاخب كان ضيفه شاعر العراق محمد مهدى الجوهرى..

وعلى الرغم من الفواصل الجغرافية بين الأقطار العربيه وتباعد المسافات إلا أن المؤرخين لتاريخ الوطن العربى لم يلجأوا سوى للأدب العربى معينا رائقا لتسجيل  الحقائق التاريخيه السياسيه منها والاجتماعية. وغيرها ..وكان لابد من الارتماء فى حجر الشعر العربى وذلك لمن أرادوا الإنصاف لتلك المجتمعات فى بيان الحقائق التاريخية لها والوقوف على اخبارها.وأثارها.

وكان لا بد عزيزى القارئ لى من أن أبل بعضا من صداك بعرضى لتلك المقدمة وذلك قبل الخوض فى هذا البحث بالتفصيل عن الشعر الحر.

ماهو ؟

وأين نجد أصوله؟

ومن الذين ابتدعوه؟ وهل كان ثورة على الشكل؟ أم أنه قد تطرق إلى المضمون ؟

مجموعة من الأسئلة سوف أحاول الأجابة عنها منساقا  مع ما أخذته على نفسى من رغبة فى الوقوف على الحقيقة. واكبابا على المسألة. وعرض وجهات النظر التى تختلف بها توصلا لأساس أقرب الى الحقيقة يمكن أن نؤسس  عليه تاريخ الشعر الحر يستأنس بها الجيل الحالى من النقاد والباحثين توصلا لاساس يدعم وضع القواعد والأسس التى تسند هذا التأسيس.

ويقينا من التخبط والزلل. لاسيما وقد أصبح الشعر الحر اليوم حركة عربية . وصار له أتباع بارزون فى مختلف الأقطار. يتناولونها كما يتناولون خبزهم اليومى.


الشعر الحر هو ذلك النوع الذى لا يتقيد بقافية واحدة. ولا بحر تام. ويقيم القصيدة على التفعيلة بدلا من الشطر محطما استقلال البيت .قاضيا على عزلته . من أجل دمجه مع الأبيات الأخرى. فى بناء فنى متماسك

تبسط نازك الملائكة وجه أفضليته على أسلوب الخليل

فتقول: 

(( الأبيات التالية تنتمى إلى البحر الذى  أسماه الخليل المتقارب . وهو يرتكز على تفعيلة واحدة هى

( فعولن)...

يداك للمس النجوم

ونسج الغيوم

يداك لجمع الظلال

وتشييد يوتوبيا فى الرمال

أترانى لو كنت استعملت أسلوب الخليل كنت أستطيع التعبير عن هذا المعنى بهذا الإيجاز . وهذه السهولة.

ألف لا..فأنا مضطرة أنذاك إلى أن أتم بيتا له شطران .فأتكلف

معانى أخرى غير هذه. أملأ بها المكان وربما جاء البيت الأول  بعد ذلك كما يلى:

يداك للمس النجوم الوضاء.    ونسج الغمائم ملء السماء

وهى صورة جنى عليها نظام الشطرين جناية كبيرة

. ألم نلصق لفظ الوضاء  دونما حاجة يقتضيها المعنى . اتماما للبيت بتفعيلاته الأربع . ألم تنقلب اللفظة الحساسة ( الغيوم ) إلى مرادفتها الثقيلة الغمائم ؟ 

وهى على كل حال لا تؤدى معناها بدقة .ثم هناك هذه العبارة الطائشة ( ملء السماء ) التى رقعنا بها المعنى ؛ وقد أردنا له الوقوف فخلقنا له العكازات.  !!

هذا كله إذا اخترنا بحر المتقارب. أما إذا اخترنا ( الطويل) 

فالبلية أشد وأنكى.اذاك تطول العكازات وتتسع الرقع وينكمش المعنى انكماش مهينا فنقول مثلا:

يداك للمس النجم أو نسج غيمة

                               يسيرها الاعصار  فى كل مشرق

ليلاحظ القارئ بلادة التعبير وتقلص المعنى . وأين هذا من تعبيرنا الأول. يداك للمس النجوم ؛ ونسج الغيوم  الخ مزية هذه الطريقة. 

أذن فى نظر  نازك الملائكة أنها تحرر الشاعر من عبودية الشطرين فالبيت ذو التفاعيل الست الثابتة مثلا  يضطر الشاعر إلى أن يختم الكلمة عند التفعيلة السادسة وان كان المعنى الذى يريده قد انتهى. عند التفعيلة الرابعة بينما يمكنه الأسلوب الجديد من الوقوف حيث يشاء وقد يظن الكثير أن فى هذا الأسلوب خروجا على قواعد الشعر.العربى يهدم عبقريته ويضعف موسيقاه 

لا أعتقد أن هذا يثبت عند الدرس ويجد حتى فى القديم ما يؤيده فالذى يدرس الشعر العربى القديم ويختبر أوزانه يجد أنه بنى فى أساسه على التفعيلة التى هى القاعدة أو الوحدة النغمية التى بنى عليها الخليل بن أحمد أوزانه وهذه القاعدة تقيد بها ذوو  الشعر الحر. فلو يخرجو عليها فى الأساس الذى وضعوه  معيارا لأوزانهم  إلا أنهم قد تحللو من صورها التى حصرها الخليل  فى أشكال خاصة تجئ فيها التفعيلة متكررة  تارة ومتداخلة تارة أخرى فعمدوا إلى الأبحر التى ترتكز على التفعيلة الواحدة المتكررة واستغلوا خاصيتها الرائعة

التى تجعلها مثابة لأن ينبثق منها هذا الشعر 

انظر الى قول أبى بكر بن أبى زهير فى موشح له:

             

                                لازمه


ما للموله

من سكره لا يليق

ياله سكران

من غير خمر

ما للكئيب المشوق

يندب الأوطان


                                  دور


هل تستعاد

أيامنا بالخليج

وليالينا

أو يستفاد

من النسيم الأريج

مسك دارينا

أو هل يكاد

حسن المكان البهيج

أن يحيينا


                              عودة الى اللازمة


روض اظله

دوح عليه أنيق

مورق الأفنان

والماء يجرى

من جنى الريحان

عائم  وغريق


ألا ترى معى أخى القارئ بعد قرائتك لهذا الموشح أن الثورة على الوزن والقافية والوزن ليست بنت عصرنا ..وان لحركة الشعر الحر أصولا نجد جذورها فى الموشحات

هذا هو الشعر الحر فى انطلاقته فى حدود الشكل ومخالفته لمألوف الشعر العربى وهو بهذا المعنى عملية تطور واستمرار لما بدأه الثائرون الأولون  مغاربة وأندلسيون  وما اشتقه شعرائنا المحدثون فى المهجر. وفى مصر ولبنان .

أن من أكبر دواعى الانتماء لهذه الأمة أن نعترف أن الشعر الحر ظهر أول ما ظهر فى العراق وكان من رواده الأوائل كما أسلفت نازك والسياب والبياتى .

فما هى دواعى نشأة الشعر الحر ؟ 

أن زعماء الشعر الحر فى العراق قد اعترفوا بتأثرهم بشعراء الغرب فى طريقة كتابة قصائدهم يقول السياب :

بين الشعراء الغربيين الذين تأثرت بهم فى الغرب ( شيللى)

و ( كيتس ) ثم (  س.ت.اليوت)  ثم (. ( ايدث ستويل)

أوردت هذا الاعتراف عن مجله الأدب العدد ٦  السنة الثانية .

أن الشعر الحر هو أحد أنواع الشعر التى يأبى أصحابه التقوقع  فى ابراج العاج باسم الحرية الشخصية أو الحرية الفنية لأنهم يعتقدون أنه لا حرية للفرد الا يتكرر المجموع

ولذلك فهم يمجدون الأخوة الإنسانية ويعظمون من إعلاء قيم الحب والتسامح  ويهتمون بتجارب البسطاء والمهمشين من البشر.

ولعلك عزيزى القارئ تقف مستغربا من هذا الطرح الذى يجئ على يد أحد الشعراء العموديين ..نعم. بشرط..الا أقف منك على ناصية الأختلاف  حول ما نراه اليوم اختلاف الرؤى وتغير المفاهيم  وما تتمثله أنت وتساهم بنصيب فى صنعه

من واقع يغص بكل جديد وطريف ومثير ..


جرء من دراسة لى عن الشعر الحر 

صادرة  عن دار الوفاء بالإسكندرية

عام ٢٠١٥..


الأديب   :  شعبان محمد البنا

مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق