الأربعاء، 16 يونيو 2021

قبل الوداع /سعد الزبيدي/جريدة الوجدان الثقافية


 قبل الوداع.

ما لهذا الشعور يدب إلى أعماق النفس المنهكة من أقدار الحياة جلس على قارعة الطريق يلتفت يمينا وشمالا ثم رجع برأسه وهو يحدق في سماء صافية ازينت بملايين من النجوم المتلألئة وراح يحلق بعيدا وهو يردد ما أنا لكون مترامي الاطراف لن نعرف متى بدأ ولا نعلم متى سينتهي؟!!!
رويدا رويدا تتجه نحو النهاية المحتومة صدئت ذاكرتك المثقوبة وما عاد في العمر من متسع.
تقلب طرفك لعلك تتشبث ببقايا صورة عالقة في مخيلتك المتعبة.
عندما تفقد الرغبة في كل شيء وتتساوى عندك المتضادات فسيان في نظرك الموت والحياة والراحة والألم عندما تبحث بين طيات صفحات دفاترك المتهرئة فلا تجد إلا بقايا حروف باهتة لا تستطيع فك رموزها وتحاول جاهدا أن تعصر ذهنك كي يسعفك الحظ وتعرف ما خطته يمينك منذ سنين ولكن تعود مطأطأ الرأس تمشي القهقرى تلم من على أرصفة الذكريات صورا بالية حينها تبدو رحلتك الطويلة مجرد لحظة في عمر هذا الكون السرمدي وما زالت هناك أسئلة في جعبتك بلا جواب.
حينما تغمض عينيك تسترجع صورا لم يعد بوسعك التواصل معها ومن عمق الصمت المطبق المحيط بك تمتزج أصوات الاحياء بالأموات صوت طفل يبكى لفراق رحم امه حيث السكينة والطمأنينة وهو يلج لحياة التعب والشقاء وفرحة من حوله بقدومه يخلطون الدموع بابتسامة عريضة في استقبال الوليد وشيخ كبير يودع حياة تعيسة ويرى الراحة الأبدية وعيون من حوله تذرف دموع الوداع الأخير وقد كشف عنه الحجاب فبصره ليوم حديد.
لماذا يبكي الوليد ساعة الولادة ولماذا نبكي على الراحل في الوداع الأخير؟
وتأريخنا الممتد ما بين تلك اللحظتين يضحمل في النهاية عندما يهال التراب على جسدنا الفاني عندما تغادر الروح سجن الجسد وتحلق بعيدا حيث عالم آخر لا نعرف عنه الكثير أترى تلك النجوم المحلقات في أغوار السماء أوراح السابقين. من يدري؟!!!
رحلة مهما بدت طويلة فهي قصيرة فلا فرح يبقى في النهاية ولا حزن وكل شيء صائر إلى زوال.
وفي النهاية نلوم أنفسنا لأننا كنا نتكالب وراء سراب ولا ذنب للسراب لأنه يعلم أنه سرابا.
ومابين ضحكة ودمعة نذهب وكل منا يحمل في يديه كتابا يخبيء بين جنبيه أسرار كائن ترك بصمة في مكان ما.
وما زال الكثير الذي يجري جري الوحوش غير آبه لما ينتظره بعد حين ساعيا للوصول نحو القمة وما أن يصل إلى ذروتها يفقه جيدا أنه أفني عمره وراء اللاشيء وأن لا سعادة كراحة البال والضمير.
أنثر ما تبقى في حقيبة أمانيك على أرصفة المستحيل وطهر روحك من كل الذنوب فما زال متسع من الوقت كي تتدارك أخطاءك وتتوب سلم أمانتك لمن إئتمنك عليها واعتذر لمن ارتكبت حماقات بحقه واغسل روحك بماء الطهر وأعلن التوبة أمام الجميع وانحنِ لكل من تكبرت عليه وارجوه كي يعفو عنك ويسامحك قبل فوات الأوان واستيقظ من نومتك فقد أذن المؤذن بالرحيل فما أطول الرحلة وقلة الزاد وانفض عنك غبار المتاع الزائل وتسربل بجلابيب التواضع فما أسرع أن نمضي على ما سار عليه الأولون وردد مع نفسك كل حين كل شيء يفنى وتبقى الأماكن تختظن ذكرياتنا ورفاتنا حتى نصبح أثرا بعد عين.
فتح عينه ليجد أنه مازال وسط الضوضاء وأن كل ما كان يتفوه به مجرد حلم يقظة فعلم أنه ما زال هنا وأن النهاية لم تأتي إليه بعد.
ما أصعب أن نستمر في السير في طرق لا نعلم لها نهاية.
الكاتب.
سعد الزبيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق