الأربعاء، 19 مايو 2021

قراءة تحليلية لنص شمس خديها للشاعر حسين السياب. بقلم نادية بن رابح

 قراءة تحليلية لنص شمس خديها للشاعر حسين السياب.

شمس خديها
____________
تبتسمُ اللوحةُ
تتراقصُ الألوانُ
تداعبُ الفرشاةُ
أصابعَ يدِها
أحترقُ أنا من الشوقِ
تُذريني الرياحُ
أتساقطُ مثل وريقاتِ
الشجرِ..
تُمطرني فيضُ محبةٍ
أجمعُ أشلائيَ وأسافرُ
بعيداً..
تلك امرأةٌ تلوّنُ سطحَ
القمر..
ترتدي الشمسَ خيوطَ
أملٍ..
تلاعبُ بأطرافِ الليلِ
نسيمَ الجبلِ..
تغدو طائراً ينقرُ
رأسيَ حينَ انبلاجِ
السحر..
تطوفُ دونَ طوافٍ
تُصلّي وظلّها
يراقصُ المطرَ
تلكَ امرأةٌ ترتدي
الفصولَ..
تتكحلُ عيناها
مثلَ سنابلَ استدارتْ
للشمسِ وقتَ
مغيبِ القدر..
حسين السياب
لأن العنوان عتبة النص واختزال له ارتأيت أن أبدأ به والشاعر على علم و دراية بهذه العلاقة فجعل عنوان نصه شمس خديها عاقدا صلة بين عنصرين طبيعيين عبر الإضافة ليجعل الشمس خاصة بالخدين تعبيرا عن التوهج و الإشراق والتأثير الذي سيكون النص امتدادا له .
ينفتح النص متوسلا باستعارة مكنية إذ شبه اللوحة بالإنسان لم يذكره وإنما ذكر شيئا من لوازمه وهو الابتسام فاللوحة تبتسم والألوان تتراقص و الفرشاة تداعب لقد بعث الحياة في الجماد إذ تأثر بمن ترسم ليخلص إلى تأثيرها فيه معتمدا معجما غزليا ( أحترق / الشوق / محبة) وآخر طبيعيا ( رياح / وريقات / شجر مطر...) وقد تضافر المعجمان ليصورا شدة تأثير الموصوفة فيه وقد حاول تقريب الصورة من ذهن المتلقي من خلال تشبيه فعل الرياح به بفعلها بوريقات الشجر ليعبر عما أحدثته فيه من زلزلة أفقدته التوازن والقدرة على التماسك من خلال صورة خريفية تعبر عن النهايات فتأثيرها بلغ ذراه .
ثم انتقل إلى الإخبار عنها بتعداد أفعالها وقد كانت في صيغة المضارع التي تفيد عدم انقضاء الحدث فهي مستمرة خارقة بها خرجت من طور المرأة العادية إلى طور المرأة الآلهة فهي إلاهة الخصب عشتار تمطره فيض محبة فيصبح خارج دائرة المكان والزمان.
ويتواصل فعلها الخارق في العناصر الطبيعية تلوين سطح القمر وارتداء الشمس ملاعبة نسيم الجبل وبهذا يكون قد أثبت تأثيرها فيه فهي مصدر الأمل ونواة التغيير وقد وظف الطبيعة بعنصريها جامدة و متحركة و يتجسد العنصر الثاني في الطائر الذي ينقر رأسه حين انبلاج السحر ومرجعية الصورة من القرآن سورة يوسف غير أن فعل الطائر عند الشاعر مختلف عن فعله في القصص القرآني الذي تمثل في نقر جثة المصلوب في حين في هذا النص ينقر حيا ليستفيق من غفوته ليستقبل يوما جديدا يستمتع فيه بالجمال فالنقر في السحر بعث و دعوة إلى التجدد .
يتواصل تعداد أفعال المرأة الآلهة الخارقة معتمدا معجما دينيا ( تصلي / تطوف) لإضفاء القداسة عليها وإثبات قيمتها لديه .
إن النص زاخر بالحركة حتى الظل الساكن حركه وجعله يراقص المطر وبهذا نجزم أنها عشتار تؤثر في كل ما تلامسه
المكان الزمان الإنسان الكائنات إنها لآلهة دون منازع فنحن أمام حشد من الفعل الاسطوري لامرأة أسطورية قادرة على الفعل الخارق لذلك كثف الجمل الفعلية للتعبير عن تلك القدرة.
تشكل النص عبر ومضات غير ممكنة الوقوع فهي تنتمي إلى حدود الخارق والامعقول وقد تعاضدت الصور وتلاحقت لتنسج صورة امرأة آلهة عجز عن وصفها فعمد إلى التشبيه يتوسل به لتقريب الصورة من ذهن المتلقي إذ شبه عملية تجميل العين بسنابل استدارت للشمس وقت مغيب القدر . فالعينان متوهجتان تشعان نورا وقد تجملتا بالكحل ذي اللون الأسود فصارتا أكثر توهجا معلنة عن نهاية الواصف لبلوغ الموصوفة أعلى مراتب الفعل والتأثير وكأنها خرج فعلها عن دائرة الوصف والحصر فختم نصه بنقاط تفتح باب الوصف على مصراعيه وللقارئ ان يركب الخيال فيواصل تمثل الصورة.
الشاعر لا يصف امرأة عادية بل وصف أثرها فيه وفي من حولها فغاب الوصف الجسدي وحل محله الفعل الخارق فهي المرأة الآلهة كما يحب أن يراها و كما يجب أن تكون كأنها المرأة الحلم لم يجدها فراح يجسدها عبر الفعل الأسطوري فكانت امرأة خارقة تستعصي عن الوصف.
لقد اختار الشاعر أن يبدأ نصه بفعل تبتسم الدال على الانشراح والفرح وختمه بالمغيب ولا يخفى علينا ما في هذا التقابل من دلالة على السعادة والحزن سعادة تتحقق بوجود تلك المرأة وهي نفسها سبب الحزن إن غابت فبمغيبها يلف الشاعر حزن دفين .
كانت مصادر التصوير متنوعة حضرت الطبيعة بعنصريها خاصة الجامدة مما يثبت نزعة الشاعر الرومنسية وعشقه الدفين للطبيعة وتوجد مصادر أخرى ثقافية و دينية استقاها من بيئته و من القرآن فعالم الصور هو عالم الخصب والجمال والخوارق وقد اتحدت مصادر التصوير وموضوع التعبير.لتشيد بامرأة من زمن الأساطير جاهد لتكون وقد تفاعلت الأساليب والصور لتنشئ نصا بديعا
نادية بن رابح

هناك تعليق واحد: