لماذا أبكي؟
لم تكن لتنزل دموعي
لو أنّكم أجبتم سؤالي
ورويتم ضمئي
وسددتم رمقي.
عندما جعت مع صغاري
ونمت عاريا على الرّصيف
واقتسمت باقي الطّعام
في سلّة المهملات
مع قطط والمسيّب من الكلاب.
تجوّلت في الأسواق
فحزّ في نفسي ما اشتهاه أولادي
وانقبض صدري حدّ الاغماء
بحثت عن لقمة هي من حقّي
حتّى أفخر بأكلي مع أطفالي
من كدّ ساعدي واجتهادي
فلقيت النّكران والاحتقار
من كلّ مسؤول على حالي
وتجوّلت في المدينة والأجوار
فلم تكن حالي أسوء الأحوال
فقد علا الصّراخ في الدّيار
وانتصب الفقر حاكما على الأقدار
لم تكن لتنزل دموعي
فهي عزيزة عليّ
ولكنّ الأعزّ منها كان وطني
فأنا أفديه بكلّ ما عندي
وحاله كان يضنيني
من الأطلس إلى الخليج
ارتسمت عليه موانع من حديد
بين الأحبّة والأقطار
فلا تزاور بين الأشقّاء
إلاّ برسم جمركيّ على الجواز
يسيل له ماء على الأصداغ
ويستقرّ به كدر في الفؤاد
ثمّ ذاك الّذي هو عدوّي
أصبح أحقّ بالمرور منّي
فهو المبجّل والمرجوّ في الحضور
لم تكن لتنزل دموعي
لكنّ الأمر أكبر منّي
وحتّى النّفس انقطع عنّي
فمن بيده سير الأمور
أصبح لعبة بيد الغريب
وصرنا رقما في الأعمال
يطلع ويهبط حسب الطّلب والعرض
لم تكن لتنزل دموعي
لو أحسست أنّي سيّد في وطني
وأنّي قادر على مدّ العون لأخي
عوض أن يحتاج للغريب
فيفرض عليه شروطا بعد العون
ويعلن في الكون أنّه صاحب الفضل
عليّ وعلى أخي الحبيب
لم تكن لتنزل دموعي
لو رأيت فعلا يشفي
وينقض المستجير في الجوار
فهو أخي وابن تربتي
واذا اشتكى يتداعى له قلبي
ويتجمّد الدّم في عروقي
لست أتجنّى على أحد غريب
ولا أتّهم ريحا تلاعبت بأشرعتي
فسحبتنا إلى الحضيض
بل العيب في قادة السّفن
نامت على دفّة المراكب
وتركت وجهتنا للرّياح
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس